الإعاقة ليست سببا لعدم الإبداع

فقدان حاسّة من الحواس الخمس لا يعني أنّ يتوقف الإبداع والإنتاج، خاصةً حين تصنعه فتيات لا يرين بأعينهن بل ببصيرتهن وقلبهن، ليصنعن منه ما يُزيّن أعناق وآذان وأيادي الأخريات.

الإعاقة ليست سببا لعدم الإبداع

فتيات يتحدين ويواصلن الإبداع

إكسسوارات وحُليّ بألوان مختلفة، جميلة وساحرة، بعضها يحمل أسماء المدن الفلسطينيّة، وبعضها الآخر يؤكد قدرته على صنعها بجملة 'نعم، نحن نستطيع'، باللغة الإنجليزيّة، ففقدان حاسّة من الحواس الخمس لا يعني أنّ يتوقف الإبداع والإنتاج، خاصةً حين تصنعه فتيات لا يرين بأعينهن بل ببصيرتهن وقلبهن، ليصنعن منه ما يُزيّن أعناق وآذان وأيادي الأخريات.

هو مشروع بادرت إليه طالبتان أكاديميتان من كلية 'عيمك يزراعيل'، سوار معبوك ولارين بولص، بالتعاون مع جمعيّة المنارة للمكفوفين، يهدف إلى تعزيز قدرات النساء ذوات الاحتياجات الخاصة، وخاصةً ممن يفتقدن حاسة البصر، عن طريق تمكينهنّ من عملِ حليّ خلال دورة قدّمتها مصممة الإكسسوار، رانية مخلوف، ليعود ريعه لتنظيم نشاطات خيريّة لجمعية المنارة.

الإكسسوارات الطينيّة

دورة 'تصميم الحلي والإكسسوارات الطينيّة' مدّتها 5 لقاءات، تعلّمت المشتركات خلالها كيف يصنع الطين ويتكوّن ويتم تشكيله، كيف تأخذ الألوان المختلفة وكيف تدمج هذه الألوان، وكيف يُبنى ويصمم الإكسسوار.

'نعم، نحن نستطيع'، كتبت على الكثير من الحُليّ تأكيدًا على القدرات الكامنة بهن، وفي هذا قالت طالبة اللغة العربية بجامعة حيفا، إحدى المشتركات بالدورة، مرام عبود، لـ'عرب 48'، إنّ 'الدورة التجربة كانت جميلة جدًا، وأنا شخصيًا استمتعت بها، واكتشفت موهبة في داخلي لم أكن أعلم وجودها، وها أنا أسخّر قواي حتى أبرزها بهذه الطريقة'.

وتابعت أنّ 'صنع الحلي يعتبر في البداية أمرًا صعبًا بالنسبة لطلاب لديهم إعاقة بصرية، لكن مع التعاون الذي وُجد بيننا وبين المتطوعات والمرشدة استطعنا تحقيق نتيجة رائعة، لم تواجهنا صعوبات في تصميم الإكسسوار بل في الرسم، ومن أحد الأشياء التي استفدت منها هي التعرّف على هذا العالم، وهي مهنة دارجة يستغلها الجميع لتطوير مواهبه وكمصدر رزق وعمل، ومن الممكن أن تمكننا هذه الدورة كي نعمل بها مستقبلاً بها، وها نحن ننتظر أن يأخذنا الإبداع الكامن داخلنا إلى اماكن بعيدة'.

وأكدت أن 'الإنسان مع إعاقة بصريّة لا يعني أنّه غير موهوب، بل بالعكس، هو يستطيع إظهار مواهب وإبداعا أكبر من أي إنسان آخر، ورسالتنا أننا نستطيع فعل وبناء شيء يحتاج لإبداع وموهبة، كل القطع المعروضة هنا قيمتها المعنوية أعلى بكثير من قيمتها الماديّة، وتظهر إبداع ذوي الإعاقات البصريّة بأنّهم يستطيعون تحقيق أي شيء في حياتهم، فالإنسان مع مشاكل لا يعني إنه إنسان بدون قدرات'.

وقالت المشاركة فاتن بدارنة، لـ'عرب 48'، إنّها وجدت صعوبة في استخدام الألوان والرسم، مؤكدة أنه 'رغم ذلك، الدورة كانت جميلة، وجدنا المساعدة والاحتضان، ولكن وجدتُ في كل مرحلة صعوبة ما بسبب فقدان النظر، فالاستفادة كانت منقوصة وبالنهاية كانت تجربة فريدة'، مستطردةً أنّ 'الرسالة التي تحاول الفتيات مع إعاقة بصرية إيصالها، عبر هذه الدورة، أنّ لا شيء مستحيل، كل أحد يستطيع الإبداع وإظهار مواهبه'.

وقال إحدى المشاركات، أحلام عبد القادر من دير حنا، لـ'عرب 48' إنّ 'الدورة كانت مفيدة وممتعة'، وهي المرة الأولى التي تنخرط فيها بهذا المجال، مشيرةً إلى أنه 'كأوّل مرة لي بالمجال واجهتني بعض الصعوبات، لكن المرشدة كانت رائعة ومتعاونة معنا، مما جعلنا ننخرط بهذا المجال'.

التجربة

وأعربت إحدى المبادرات لهذا المشروع، الطالبة سوار معبوك، عن اعتقادها أنّ 'هذا المشروع بدأ من مساق تعليمي لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع، فكانت الفكرة أن نقوم بالتوجه لجمعية المنارة- لدعم الأشخاص مع إعاقة، لدمج هذه الشريحة المهشمة، ضمن دورات، لإثبات أنهنّ يستطعن أن يكن شريكات في المجتمع كأي شخص دون إعاقة، وقمنا بالتواصل أيضًا مع مصممة الإكسسوار رانية مخلوف، واعتمدت الدورة على 10 نساء من ذوات الإعاقة البصرية، إضافةً لعشر فتيات متطوعات لمساعدتهن والعمل معهنّ بشكلٍ زوجيّ. الدورة هدفت لرفع الوعي تجاه الأشخاص مع إعاقة بصريّة، وتمكينهنّ بمجال جديد'، وفي هذا قالت الطالبة المبادرة لإقامة المشروع، لارين بولص، لـ'عرب 48'، إنّه 'من خلال بيع هذه الحليّ للناس، نحن نجعلهم يدركون أنّ هؤلاء الأشخاص يستطيعون فعل الكثير، خاصةً أنّ الكشك موجود في المجتمع العام، في مركز تجاريّ، ليعود ريع المشروع لإقامة مشاريع أخرى لجمعية المنارة'.

ومن جانبها، قالت مصممة الإكسسوارات من الطين، مقدمة الدورة، رانية مخلوف، لـ'عرب 48'، إنّ 'تمرير الدورة لنساء ذوات إعاقة بصرية كانت تحدٍّ كبير بالنسبة لي، هن يتمتعن بقدرات إضافية وإبداعية عن الإنسان العاديّ نتيجة تطور حواس أخرى، لم تتطور لدى الإنسان العاديّ، كحاسة اللمس والشعور فهما يتفوقان لدى الكفيف عن الإنسان العاديّ، وقد مررت خلال الدورة كيفية صناعة الطين، وصناعة الحلي'.

وأكدت أنّ 'الهدف من هذه الدورة هي تمكين النساء مع إعاقة بصرية بمهن جديدة، وتطوير معرفتها بمجال تستطيع اكتساب الرزق من خلاله، الإنسان العادي يعتقد أنّ كل شيء يُدرك عن طريق البصر، لكن هذا غير صحيح. هناك الكثير من الحواس نستطيع استعمالها لفعل أشياء نشعر بها، الفتيات كنّ يتمتعن بأياد مهنيّة جدًا لأنهنّ طوّرن حاسة اللمس'.

اقرأ/ي أيضًا| نساء ضد العنف: 73% نسبة الاعتداءات الجنسية داخل العائلة

وأشارت إلى أنّ 'هذه التجربة جعلتني بتحدٍّ، لأنهن لا يدركن الألوان، فالشرح يجب أن بطريقة إبداعية كي يتم إيصال المعلومات والشرح بطريقة صحيحة، حتى أنّ العمل كان بدون كلام، كنتُ أشرح لهن ماذا يفعلن بشكل محسوس وأتركهن ليقمن بكل شيء، بعكس الإنسان العاديّ الذي يحتاج أن أشرح له طوال الوقت، فالتعامل مع هذه الفئة المتطورة حسيًا كان أسهل من أن أشرح لإنسان يرى كل شيء'.

التعليقات