حين تنتصِر الإرادة على التحديات

لم يكن موضوع الاندماج في العمل سهلًا بالنسبة لي، وهي من التحديات التي واجهتها خلال تعليمي سواء في المراحل الابتدائية وصولًا إلى المرحلة الجامعية، وكان من الصعب قبولي في العمل

حين تنتصِر الإرادة على التحديات

في لقاءٍ خاص مع هناء شلاعطة، وهي أكاديميّة مع إعاقة، تحدثت إلى 'موقع 48'، عن أحلامها ومعنوياتها المرتفعة، وساهمت ببناء شخصيتها حتى وصلت إلى مكانة علميّة مرموقة، تحمل اليوم اللقب الأول في التربية وعلم الاجتماع ولقبًا ثانيًا بعلم اللسان، ناشطة اجتماعية، إضافة إلى اهتمامها الكبير في متابعة دورات التوجيه للمجموعات وتعمل أيضًا في تجنيد الموارد.

انتظرتُها في مكتبها في 'الأخوة'، حيثُ استقبلني الموظفون هناك بالترحاب، ورغم انزعاج هناء بسبب تأخيرها، إلاّ أنّ روحًا من التفاؤل سيطرت على جلستنا، وانسجمنا في التفاصيل العامّة والشخصية أيضًا.

متى كان الاندماج في مجال العمل؟

تقول هناء 'لم يكن موضوع الاندماج في العمل سهلًا بالنسبة لي، وهي من التحديات التي واجهتها خلال تعليمي سواء في المراحل الابتدائية وصولًا إلى المرحلة الجامعية، وكان من الصعب قبولي في العمل، وحين أتقدم لطلب العمل كنت أكتب في سيرتي الذاتية أنني صبية مع إعاقة بصرية، لكنّ الأمر لا يمنع الاندماج، ما دفع قسمًا ممن أرسلتُ لهم لأن لا يدعونني للمقابلة، وقسم آخر دعوني لكنهم كانوا يتخوفون من الإعاقة، لأنّهم لم يعملوا مع معاق من قبل، وقد أخذ مني الكثير من الوقت حتى أجد عملًا'.

عن حياتها ومسيرتها قالت: 'أبلغ من العمر 36 عامًا، وبدأت أندمج في سوق العمل منذ 10 سنوات، وكانت الانطلاقة الأولى مع مشروع الحي للمعاقين، وهو عن طريق جوينت - وحدة الإعاقة والتأهيل، نتحدث عن المشروع الذي انطلق في 21 من شهر آذار/ مارس الماضي، حين قدمت السيرة الذاتية يومها قالوا لي 'هو آخر يوم وسنغلق الطلبات'، أقنعتهم أنّه لا زال متسع من الوقت في اليوم الأخير، كنتُ أشعُر حين دُعيت إلى المقابلة أنهم لن يقبلوني، واعتقدت أنّ الأبواب مغلقة في وجهي، وفي حينه كنت أعرف ما المطلوب من المشروع، رغم أنني كنتُ شريكة في لجنة التوجيه والتفكير، وكنت واحدة من الهيئة التي كانت، مع ذلك تخوفت من أن أرفض كوني صبيّة عربية مع إعاقة. وفي النهاية وافقوا على انضمامي بسبب معرفتي بالمشروع.

بدأتُ بتوجيه مجموعات، وليس فقط بما يتعلّق بالإعاقة، وعملت مع المسنين ضمن مجموعات، وساعدني اللقب الثاني في موضوع الشيخوخة، كما تعززت العلاقة مع جوينت في قسم الإعاقة والتأهيل. وتلقيت دعمًا في مشاريع مسيرة، وبدأتُ الاندماج حتى أصبحتُ مديرة لمركز الحياة المُستقل في سخنين، أدرتُ المكتب لسبع سنوات، وفي هذه الفترة عملت في توجيه المجموعات وتركيز الحي الداعم. لاحقًا انضممت إلى الأخوة كمسؤولة عن مركز المعلومات الأشخاص مع الإعاقة من العرب في حيفا والمنطقة، وبما أنني أنهيتُ لقب ثاني جديد بإدارة الجمعيات غير الربحية، فإنني أرافق جوينت في مشاريع مسيرة التي تجري في شرقي القدس، ويتم فيها بلورة الجمعية بشكلٍ مهم ومدروس، وأنا أساهم في المرافقة وتقديم الاستشارة التنظيمية هناك.

الصعوبات التي واجهتك في الطفولة؟

ولدت مع الإعاقة نتيجة زواج أقارب، ولي شقيق بنفس الإعاقة، ونحنُ في البيت ثلاث أخوات، وثلاثة أخوة، وأنا أصغرهم. وأن تولدي مع إعاقة وتكبرين معها، فإنّ عليك فهم خصوصياتك وواقعك وتأثير المجتمع وتأثيرك على المجتمع، حين بدأتُ بالتعلّم، لم أكن أذهب إلى روضة أطفال كباقي أبناء جيلي، بل كنتُ في روضة خاصة أسافر مرّة في الأسبوع إلى حيفا، كان التعليم مرتبط بتمييز الأدوات وتطوير حواس اللمس، وكطفلة مع إعاقة بصرية أحتاج إلى معرفة الكثير من التفاصيل، وهي تختلف عن الأمور التي يحتاجها الطفل بدون إعاقة.

تتابع شلاعطة 'انتقلتُ إلى مدرسة راهبات الناصرة، وهي مدرسة خاصة للصمّ والمكفوفين، وأول تحدٍ لي كان الاندماج في مدرسة داخلية، كنتُ أعود للبيت مرّة كل أسبوع أو كل أسبوعين، وعمليًا أنتِ بعيدة عن بيئتك وأهلك'.

وعن تغيير الواقع حدثتني شلاعطة قائلة: 'لقد استكملتُ في مدارس الناصرة رواحًا وإيابًا وهذا بالنسبةِ لي تحدٍ كبير، فقد كنت مع أولاد لا يعرفون محدوديات الأشخاص مع إعاقة، ولم يكن لدينا المهارات أن نتحاور معًا، لم استطع تطوير صداقات، وبقيت بهذا الوضع حتى الصف التاسع، الذهاب والإياب، بقيت الأمور كما هي حتى حان الوقت لأستكمل تعليمي الثانوي، أخبرتُ أهلي أنني سأتعلم في الثانوية الشاملة في سخنين، بسبب متاعب السفر اليوميّة والغُربة، وشعر أهلي أنني أعاني، وفعلًا انتقلتُ إلى سخنين، هكذا جاءت النقلة النوعية، بدأت أتعلم بمدرسة عادية، وقد احتواني كلٌ من الهيئة التدريسيّة والاستشارية، وأقاموا عدة ورشات توعوية، للطلاب، ليس لطلاب صفي فقط، وإنما لجميع الصفوف، والتشديد على تقبُل المختلف، مع أنه غير مختلف'.

تتابع: 'أنهيت الثانوية بتحصيل جيد، بدأتُ أشعر أنني ولدت من جديد، أنهيتُ لقبي ماستر ولقب في علم اللسان'.

ولم يكن سهلًا اللقب الأول في التربية وعلم الاجتماع، والساعات المعطاة للإتاحة كانت قليلة جدًا، لكني نجحت ببناء علاقات، وهذا الأمر ساعدني، والمفاجأة بالموضوع مع كل الصعوبات في السنة الأولى قررت 'التطوع' مع أنني بحيفا ومراحل انتقالية صعبة، لكنني شعرت أنه يجب أن آخذ دوري كما يجب.

اقرأ/ي أيضًا | رغم إعاقتها البصريّة: سمر... قياديّة وفاعلة في المجتمع

تقول هناء: 'لم أشعر باليأس، لأنني نادرًا ما كنتُ أنجح بتحقيق حلمي في المرّة الأولى، دائمًا كانت هنالك عقبات ومطبات في الطريق، وكل حجرٍ كنتُ اتعثر به كنت أزيحه من طريقي، وأول مكان احتواني وآمن بي وبقدراتي كمحل تطوع كان نساء ضد العنف في الناصرة، وأنا أتطوع منذ 16 عامًا في الجمعية، من اللقب الأول وحتى اليوم. واصلت التطوع حتى وجدت عملًا، وكُلّي أن تتحقق الأحلام وتزول العثرات من طريقي'.

التعليقات