"طوال اليوم نمشط البيوت في نابلس ونقتل الأطفال"

"كانت أوامر إطلاق النار واضحة: كل فلسطيني على سطح بيته فهو يقوم بأعمال الرصد والمراقبة ويجب قتله، وكل مواطن ينحني في الشارع، فهو يزرع عبوة ناسفة ويجب قتله أيضاً"!

"طبيب أطفال آخر وخباز تلقيا الرصاص في وجهيهما من وحدة المظليين، ونحن طوال اليوم نمشط البيوت ونقتل الأطفال"! بهذه الكلمات بدأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريراً، نشر يوم أمس، عن أوامر إطلاق النار من قبل جنود الإحتلال، وهي كلمات من أغنية ترددها إحدى وحدات الجيش التي عملت في مدينة نابلس في الضفة الغربية مع بداية العام 2004، في حملة عسكرية أطلق عليها "أيام الراحة"!

وكتبت الصحيفة:"

مع نهاية الشهر الجاري سيكون قد مضى 5 سنوات على المواجهات العنيفة، ولا يزال الجيش الإسرائيلي يعتقد أنه لا يوجد حاجة لكتابة أوامر إطلاق النار.

ومن الممكن أن يكون عدد القتلى أقل بكثير لو تم توجيه تعليمات منظمة للجنود بشأن إطلاق النار في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأضافت الصحيفة أن تعليمات إطلاق النار تم "خزنها" في بداية الإنتفاضة الثانية، وبات الجنود يتلقون التعليمات شفوياً من الضباط في المواقع، وهي تختلف من منطقة لأخرى ومن وحدة لأخرى ومن ضابط لآخر!

كما أشارت الصحيفة إلى قضية مقتل الفلسطينيين الخمسة في مخيم طولكرم حيث اتضح أنهم لم يحملوا السلاح ولم يكونوا أعضاء في أي تنظيم فلسطيني، في حين يصر الناطق بلسان الجيش على أنهم "مطلوبون مسلحون ينتمون لتنظيم الجهاد الإسلامي"!

وهذه السياسة الفضفاضة حيال إطلاق النار وصلت إلى المحكمة العليا، حيث تبحث في هذه الأيام في الإلتماس الذي قدمته جمعية حقوق الإنسان، التي لا يختلف معها الجيش الإسرائيلي في بعض المعطيات :"من ضمن القتلى هناك 70 من النساء، و 11 طفلاً يقل عمرهم عن سنتين، و90 طفلاً في جيل ما بين 3 إلى 12 عاماً، و304 فتيان في جيل 12 إلى 17 عاماً"!

وأشارت الصحيفة إلى أن عضو الكنيست زهافا غلؤون، كانت قد توجهت إلى وزير الأمن، شاؤول موفاز، وعرضت عليه نشر تعلميات إطلاق النار بشكل مكتوب وتوزيعها على الجنود.

إلا أنها تلقت إجابة من الجيش تقول أنه "على ضوء التغييرات التي تطرأ على تعليمات إطلاق النار من وقت لآخر، وعلى ضوء الإختلاف بين كل منطقة وأخرى، تبين أن إعطاء التعليمات للجنود كما كان في السابق غير مجد ومن الممكن أن يؤدي إلى وقوع أخطاء. لذلك فإن نشر أوامر البدء بإطلاق النار ستتم بواسطة الضباط"!

إلا أنه تبين لاحقاً أن الأخطاء تقع لعدم وجود مثل هذه التعليمات، وأشارت الصحيفة إلى عدد من الحوادث التي وقعت وتحدث عنها عدد من الجنود.

قال ضابط أحدى الوحدات المختارة في الجيش:" لقد قتل الطاقم الذي أعمل معه سته أبرياء، وكنا نضحك ونطلق على الضحايا الأسماء مثل الخباز والمرأة والطفل والعجوز والطبال(المسحراتي). وتم قتلهم وفقاً لأوامر غير قانونية"!

ويتابع الضابط:" تلقينا أوامر في ليال كثيرة بإطلاق النار بهدف القتل على كل من يتحرك بين الساعة الثانية والرابعة صباحاً.

" كنا في مدينة نابلس ندخل البيوت المتلاصقة ونفجر جدرانها لننتقل من بيت إلى بيت حتى نصل إلى موقع مناسب. وقد لاحظ أحد القناصين فلسطينياً على بعد أكثر من 70 متراً في الساعة الثانية صباحاً، ولم يكن يحمل السلاح بل كان يمشي على سطح بيته. وتلقينا الأوامر بقتله بذريعة أنه "راصد" يقوم بأعمال المراقبة علماً أن أحداً أنه لم يكن يعلم بوجودنا، وهكذا حصل"!

وفي حادثة أخرى يقول الضابط نفسه:" الضحية الثانية كان الخباز (الشهيد علاء الدين من سكان نابلس ويعمل في مخبز السيلاوي)... دخلنا البلدة القديمة واتخذنا من أحد المنازل نقطة مراقبة. وفي الرابعة صباحاً لاحظنا فلسطينياً يحمل كيساً في يده في شارع "جمعة الكبير"، وتلقينا الأوامر أيضاً بقتله رغم أنه كان بعيداً عنا".

وتؤكد هذه الرواية سعاد حانون (50 عاماً) من نابلس.

ويتابع أحد الجنود الذي كان يراقب المشهد من موقع قريب:" بعد قليل جاء الضابط المسؤول ونفذ عملية تأكيد قتل بواسطة القنابل وإطلاق الرصاص على الرأس. (يستطرد هنا: إنه أمر حسن أن الناطق بلسان الجيش ينفي دوماً وجود مثل هذا التقليد في صفوفه!). بعد تأكيد القتل ذهبنا لنفحص الكيس الذي كان في حوزته، وتبين أنه يحوي ثياب العمل"!

ويقول الجندي "ك" من وحدة مدرعات:" تلقينا أوامر مشابهة في قطاع غزة، فقد خرجنا من القاعدة على ظهر دبابة ودخلنا إلى دير البلح وكانت أوامر إطلاق النار واضحة وهي قتل كل من يتحرك في الشارع. وعندما شاهدنا أحد الفلسطينيين يركض في الشارع بدون أن يحمل سلاحاً، أطلقنا النار عليه حتى سقط، إقتربنا منها وأفرغنا الكثير من الرصاص في جسده، بدون أنه نفكر بمدى قانونية ما نقوم بها، كنا فرحين لحصول شيء من الإثارة"!

ويقول الجندي "ع" من وحدة مظليين:" تلقينا أوامر مماثلة في مدينة جنين، تفيد أن الإنسان العادي ليس لديه ما يقوم به في الشارع ليلاً، لذلك يجب قتله فورا".

ويقول الجندي (ر) :" لم نكن نعلم بأمر المسحراتي (الشهيد جهاد الناطور – 24 عاماً- من مدينة نابلس)الذي يتجول ليلاً وبيده الطبلة لإيقاظ الناس في شهر رمضان. رأيناه في أحد شوارع نابلس يحمل شيئاً في يده وصرخنا عليه بالتوقف إلا أنه لاذ بالفرار، لحقناه وتمكنا من قتلة في أحد الأزقة الضيقة، وقمنا بإلقاء القنابل عليه ومن ثم إطلاق النار على رأسه للتيقن من قتله. واتضح فيما بعد أنه كان يحمل الطبلة في يده"!

وفي حينه اكتفى الناطق بلسان الجيش بالإشارة إلى أهمية معرفة رمضان والطبال والطبلة!

أما المدعي العسكري فقال لا مجال لإتخاذ إجراءات قضائية، وقع خطأ ولم يتبين الجنود حقيقة ما يحمله في يده، وعندما هرب أطلقت النار عليه قوة أخرى. كما زعم إلى أنه لم يسمع بشيء يدعى عملية "تأكيد قتل"!


ويقول "م" من وحدة "غفعاتي" التي كانت تعمل في قطاع غزة بالقرب من مستوطنة "غاني طال"، أن هناك خطاً طويلاً يفصل المستوطنة عن خان يونس. و"كان الأولاد الفلسطينيون قد إعتادوا لعب كرة القدم وعندما كانت تسقط الكرة من جهة المستوطنة كنا نطلق النيران التحذيرية. كانت اللعبة أشبه بلعبة القط والفأر. حتى مل نائب الضابط المسؤول عن الوحدة، فطلب منا أن نبلغه في حال إقتراب احد الأولاد إلى الخط الوهمي الفاصل. وعندما إقترب أحدهم، في التاسعة من عمره، يعدو خلف الكرة صوب ببندقيته باتجاه إحدى ركبتيه وأطلق النار.... والنتيجة أن الطفل سيعيش معاقاً طيلة حياته"!

ويقول (ر) من المظليين:" سمعت بواسطة اللاسلكي الجنود يتحدثون عن إصابة طفل في نابلس. واتضح أن ضابط الفرقة أطلق النار باتجاه ساق أحد الفتيان إلا أنه أخطأ الهدف واصابه في صدره"!

في حين يؤكد أحد جنود الوحدة نفسها أن الضابط لم يخطئ الهدف لأنه أطلق النار على صدره مباشرة، بذريعة أن هذا الفتى هو أحد المحرضين...

ويتابع الجندي نفسه أن أحداً لم يجر لفحص حالة الفتى المصاب، كما أشار إلى أنه من النادر أن ينجو المصاب في صدره...

ولاحقاً اتضح أن الفتى هو هاني قندول 13 عاماً، وقد استشهد في أيار من العام 2004.

وتجدر الإشارة إلى أن الحملة العسكرية التي أسميت "أيام الراحة" في نابلس قد انتهت بمقتل 5 أطفال، بحسب الصحيفة.

ويقول الجندي "ع" من وحدة "شلداغ" التي وضعت في منطقة رفح في حملة " قوس قزح" في أيار العام الماضي، أن القوة عملت في منطقة غير متراصة. مكثنا هناك 24 ساعة في حالة من الملل بدون أن نرى أية مسلحين أو نطلق النار في حين كانت إحدى الجرافات الضخمة، بحراسة الدبابات، تقوم بهدم البيوت والدفيئات الزراعية في المنطقة. وفي كل ساعة كنا نتلقى إتصالاً باللاسلكي "لماذا لا تطلقون النار؟"!

"كانت أوامر إطلاق النار واضحة: كل فلسطيني على سطح بيته يعني أنه يقوم بأعمال الرصد والمراقبة ويجب قتله، وكل مواطن ينحني في الشارع، فهذا يعني أنه يزرع عبوة ناسفة ويجب قتله أيضاً"!

" في مرحلة معينة رأينا أحد الفلسطينيين على سطح بيته، وتلقينا المصادقة على قتله، وقمنا – ثلاثة قناصين- بإطلاق النار عليه في آن واحد، فأصيب برصاصتين في صدره وسقط قتيلاً"

"القناصون الثلاثة تدربوا لفترة طويلة جداً ولديهم الرغبة في إظهار موهبتهم"

وتحدث أيضاً الجندي "ك" من "ناحال حريدي" التي تموضعت فوق مدينة رام الله لحماية مستوطنة "بساغوت" ولمراقبة البيرة، وقال:" كان هناك هدوء نسبي، وفي الحالات التي تم إطلاق النار فيها علينا ببنادق كلاشينكوف كانت التعليمات تقتضي الرد على مصادر إطلاق النار، حتى وأن كنا نعلم أن نيران الفلسطينيين لن تصلنا لأن مصادرها تبعد على الأقل 600 متر"

"المشكلة كانت أننا لم نميز الأهداف بل كنا نطلق النار بجنون باتجاه البيوت السكنية التي كان يسقط عليها رصاصنا مثل زخات المطر"

" وعندما لم يطلق أحد النيران باتجاهنا قررنا المبادرة إلى إطلاق النيران العشوائية باتجاه منازل البيرة، وباتجاه نوافذ البيوت إذا أمكن ذلك ... "

كما تحدث أحد جنود "جفعاتي" عندما كانت تعمل الوحدة في أحد المواقع القريبة من رفح في أيار العام الماضي. وقال:" مقابل الموقع هناك بيت مهجور يجري إطلاق النار منه أحياناً باتجاهنا، وكان علينا الرد، إلا أن الرد كان باستخدام راجمة القنابل، وكانت المشكلة أن تحديد الهدف يكون عن طريق إطلاق عدة قنابل لتشخيص موقع الأصابة ومن ثم التوجيه باتجاه الهدف بناءأً على ذلك! وكل مائة متر خطأ يعني تغيير التوجيه ببضعة مليمترات، وكل "صلية " تعني إطلاق 20 قنبلة، وفي كل مرة نخطئ الهدف تسقط القنابل في الحي السكني.. وبالنتيجة وقعت الإصابات في صفوف المدنيين... وكانت عملية الإطلاق مصادق عليها من المستويات الأعلى في الجيش"!

ويقول الجندي "ر" من المظليين:" وقع إطلاق نار على المدنيين في نابلس أيضاً كما يقول جنود الوحدة، ويذكر فتاة فلسطينية (24 عاماً) إصيبت برصاصة في رقبتها بسبب إطلاق النار العشوائي، كما أصيب رجل مسن برصاصة في بطنه.

التعليقات