أجواء إخفاق وهزيمة تخيّم على إسرائيل..

"حالوتس عليه الذهاب إلى البيت ليس بسبب فضيحة الأسهم، عليه الذهاب إلى البيت ومعه أولمرت وبيرتس بسبب ثلاثة ايام الحرب ألأخيرة والتي خسر الجيش فيها 33 جنديا.."

أجواء إخفاق وهزيمة تخيّم على إسرائيل..
" أجنحة متكسرة"، بكلمتين لخصّت وعنونت سيما كدمون مقالها الأسبوعي في ملحق الجمعة ليديعوت أحرونوت 18-8-2006 حالة الجنرال دان حالوتس والتي جبت فيه شهادة كبش الفداء المرتقب والمؤكد بعد الفشل الذريع، أو على الأصح الهزيمة الإسرائيلية في لبنان، كما يفضّل بعض الإعلاميين الإسرائيليين تسميتها، لأنه ثمة فرق لغوي ومعنوي بين الفشل والهزيمة، وبين الإخفاق والهزيمة، " لماذا لم ننتصر" أو "ماذا حدث لنا"، هذه أسئلة المهزومين والفاشلين، ولا يستطيع صحفي إسرائيلي مثل دان مرغليت أن يطعم نفسه "جوزا فارغا" وأن يغيّر نتائج الحرب لصالحه، لأنه كما يبدو لا يستوعب أن العرب يستطيعون التغلب على إستعلاء قبيلته ربما بسبب "عقدته" التي لم تنفك حتى في هذه الحرب، كما يشتم من مقالته في معريف اليوم الجمعة.

ولعل إجابات حالوتس تدلل على نفسية المهزوم المحطّمة بعد خطأ اخلاقي إقترفه، لتوفير خسارة مؤكدة يوم الثاني عشر من تموز بعد إختطاف جنديين من جنوده، لم يرتكب حالوتس مخالفة جنائية بموجب قانون الأوراق المالية لمعرفته "معلومات داخلية"، لكنه بدا وكأنه يغني خارج السرب، يقول الإسرائيليون: "الحرب مشتعلة والجدّة ذهبت إلى الماشطة".. تصرف لا يليق بطيّار ولا بقائد هيئة الأركان الذي لا يحتاج الى مقالة "علاقات عامة"، تكتب كدمون "الرجل معّذب و"يتآكل" من داخله، لا يتعالى على أحد، شاعري كما يقول أحد أصدقائه، بعيد عن الانغلاق، " البلاد تأكل قاطنيها "، نبني الأبطال ونرفعهم عاليا وبرمشة عين ننتهي منهم، وبعد ذلك نشتاق لوجودهم. في كل سنوات صداقتنا لن نتحدث عن المال، المصطلح غير قائم في قاموسه، نحن نتكلم عن إنسان استطاع أن يعمل طيّاراً في "إلعال" ويتقاضى معاشا عاليا جدا، لكنه فضّل البقاء والعودة إلى الجيش لأنه اعتقد أنه من الممكن أن تعمل أشياء مختلفة أفضل بكثير، إنه يعرف الإختيار وما سيختاره سينجح به".

يعاتب حالوتس من خلال محاورته، "كيف يمكن القول أن الأسهم نالت من إهتمامي أكثر من المخطوفين والقتلى، ورغم هذا كله أعتذر إذا اسأت لاحد"، كان يعرف ان أياماً صعبة تنتظره، تنتهي الحرب لتبدأ أخرى، كان يعرف أنه يتوجب علية الإجابة على الأسئلة الكثيرة والصعبة، لم يكذب على نفسه، يعرف أيضا أن هناك من سيستهدفه، "رأسه مطلوب" لكنه لن يتوقع أن هذا بسبب مكالمة تلفونية مع البنك.

تتابع كدمون مقالتها المتحيّزه قائلة: "يخرج أصدقاء حالوتس من جلدهم جراء ما يسمعونه عنه، ماذا يستطيع هؤلاء أن يفعلوا لأجله، حالته الإعلامية مشوهة، الحكم السريع عليه في الشارع وخاصة في الإعلام، والذي جاء من "مصدر غير عقلاني" شبيه بـ"لينش". الناس لا تريد أن تسمع شرحا وهذا ناجم عن عدم القدرة على استيعاب وتيرة الأحداث، الحزن، وارتباكهم خلال الشهر الأخير، هم يفتشون عمن يتعلقون به، يشرح لهم الفشل حتى جاءت حكاية الأسهم بالتوقيت السليم، لتفسر أن الجنرال إنشغل بأمواله بدل الحرب، تبدو الحكاية كافكائية.. إخفاقات كثيرة، وإرباك نبحث عمن نوّجه له إصبع الإتهام، لنتركز في متهم واحد. " كي نقطع رأسه في ساحة المدينة"، داني حالوتس هو الجواب، وهو الشهادة على أن قيادتنا تهتم بنفسها، هو رمز الفساد وعدم الأخلاق والإنغلاق وعدم المشاعر.. في النهاية سنفهم المشكلة، نحن أمام شخص موهوب، شخص يصبح رئيسا للحكومة ".

تستند كدمون بهذا الكلام، دون ان تذكر، على لجنة "كاهان" للتحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا في العام 1982 عندما أوصت اللجنة عدم السماح لأرييل شارون أن يصبح وزيرا للدفاع بعد تجربته في الحرب، لكنه بعد أقل من عشرين عاما أصبح رئيسا للحكومة الإسرائيلية..

وتقول أن حالوتس لا يعارض لجنة الفحص برئاسة ليبكين شاحاك التي أعلن تشكيلها عمير بيرتس، بل العكس هو يرحب بها، تنقل كدمون حذره من توجيه اللوم للقيادة السياسية والتي يكن لها إحتراما وتقديرا على أسلوب إتخاذ القرارفي الحرب.

وتسأله السؤال الإسرائيلي " إذا انتصرنا فعلا ".. ولا يجيب حالوتس بسرعة وبحسب وجهة نظره يقول نعم. ولكن ما معنى انتصرنا ؟ يقول: "تستطيع أن تنتصر في معركة وتخسر في حرب وبالعكس، في النهاية، العسكري والسياسي يحسمان المعركة، لا يوجد عملية عسكرية حاسمة، وإذا وجدت، لا بد ان تكون طويلة ووحشية ولا أعتقد أننا معنيون أن نكون هناك "

وعن سؤال "هل كانت إسرائيل مستعدة لهذه الحرب".. عاد حالوتس وصمت طويلا، اعترف بالاستعداد بشكل مبدئي لكنه لم يعترف أنه قال في جلسه ما حسم المعركة جويا، أما عن مقتل 33 جنديا إسرائيليا عشية قرار مجلس الأمن أجاب أنه عندما صدر القرار قال " كنا في العمق". ولا يراجع حالوتس نفسه على مقتل هؤلاء حتى لو سألته عائلاتهم لأن البحث عن أجوبه تقوده إلى استنتاجات عبثية..

يقول أحد اصدقائه " نحتاج أن نقيّم بصورة عميقة، ونفكر ماذا كان سيحدث، تخيلي لو أن قائدا متسرعا عمل بجانب أولمرت وبيرتس لأدخلنا في مغامرة من الصعب الخروج منها"، أما حالوتس فيقول عن تصدع "الأسطورة" الجيش أو تصدع الأمن أن ساحة المعركة والجبهة الداخلية (المؤخرة) كانوا في رزمة واحدة، والبعد بينهما تشوش وإذا لم نعرف معالجته ترتفع مصداقية الإحساس بعدم الأمن.

نستشف من الحوار التي أجرته سيما كدمون مع حالوتس أننا أمام "الجنرال في متاهته" أو "نهاية رجل قصف مباني يسكنها مدنيون في غزة والضاحية " بعد تبريرات لإخفاق عسكري غير مسبوق في العسكرية الإسرائيلية.

وكان الصحافي أليكس فيشمان إستعرض في ملحق "يديعوت أحرونوت" أسباب عدم الانتصار كاشفا "البون الشاسع بين القدرة النظرية الآمنة لجيش البرية وبين إستحقاقها المربك والذي جاء تعبيره من خلال الفرق بين "خطة الدرج" التي أعدته قيادة المنطقة الشمالية للقتال في جنوب لبنان، والتي أوصت بها هيئة الأركان وخضعت لتمرينات ناجحة قبل أسبوعين من عملية خطف الجنود، وبين الواقع في ساحة القتال. لقد تحدثوا عن ضربات جوية تستغرق مدة أسبوعين، وبعدها تبدأ المعركة البرية، كان الهدف استنزاف حزب الله، لكن بعد إنتهاء الضربات والغارات الجوية لم تمر الامور على ما يجب ان تكون ولم يفعل أحد كما هو مخطط".

كان تراشق تهم بين القيادة العسكرية والسياسية، وتخوفت الاخيرة من إزدياد عدد المصابين. لكنه يؤكد أن الجيش يعترف أن القيادة السياسية المتمثلة باولمرت وبيرتس كانت كريمة وتفاجأت جدا عندما صادقت على خطة الضربات الجوية، لكن الإدعاء المركزي عند الجيش تجاه اولمرت هو أن الجيش ذهب الى الحرب، في حين القيادة السياسية تعاملت مع ما يحدث على انها مجرد عملية. ولذلك كانت الحيرة بالتقدم نحو الليطاني وخوض المعركة البرية، الأسباب السياسية هي التي عطلت الجيش بالتقدم.

يقول فيشمان أن "قيادة الألوية ذهبت الى المعركة بصور جوية من سنة 2002، والمدفعية أطلقت 130 ألف قنبلة دون أن تصيب العدو" و"الاستخبارات لم تكن موضعية بمعنى دقيقة".

ويتناول سبعة أسباب للاجابة على سؤال "لماذا لم ننتصر": 1- القيادة السياسية والعسكرية، ويقول انه في هذه الحرب التكتيك هو الذي حدد استراتيجية الحرب وليس العكس، ويلفت الإنتباه إلى "الاخطاء المهنية " التي ارتكبت في مارون الرأس وبنت جبيل.
2- القيادة الشمالية بقيادة اودي آدم والذي إنعدمت الثقة بينه وبين القيادة 3- الإستخبارات: إن أهم المفاجآت الكبرى لهذه الحرب هي كمية السلاح الذي يمتلكه حزب الله. كانت المفاجأة من الكمية التي أطلقت، كذلك من تقنية واساليب القتال التي طورها حزب الله والموجودة في الكتب، لقد استغرق الجيش وقتا طويلا حتى إستوعب منطق القتال. 4- التأهيل وقلة التدريبات سببت في أخطاء كثيرة خلال القتال. ويعترف فيشمان في هذا الباب أن "13% من مئات الدبابات أصيبوا، ثلث الإصابات التي تعرضت لها مركافاه 4 اخترقت الدبابة، الباقي في المحركات".
( انظر مقالة زئيف شيف اليوم في هآرتس بعنوان " مفاجأة الحرب) يكشف فيها أن إمتلاك حزب الله للصواريخ المضادة للدبابات هي مفاجأة الحرب وهي بحد ذاتها فشل استخباراتي، يّذكر شيف أنه في حرب الغفران خسرت إسرائيل 150 دبابة بسبب صاروخ "ساغر" المضاد للدبابات، ويبدو أن إسرائيل لم تتعلم الدرس وكيف يمكن أن يؤثر الأمر على سلاح المدرعات". ويكشف شيف أن عدد الدبابات التي اصيبت 46 دبابة و14 مركبة، وأن 15 صاروخ اخترق الدبابات، والتي أسفرت عن مقتل 20 جنديا، ويعترف شيف والمقرب من المؤسسة العسكرية أن 11 دبابة أصيبت في كمين عشية وقف إطلاق النار".

5- جنود الإحتياط: والذين اشتكوا قلة المعدات ومن مشاكل لوجستية 6- القيادة العسكرية الميدانية التي عانت من قلة التجربة 7- المقاتلين: وهم الذين يحددون الانجاز، وعندما يكون الرجل المناسب في المكان المناسب تكون النتائج مناسبة وهناك إحتمال أن تكون أفضل بكثير.

وينهي فيشمان أن الجيش سيعتلي الآن "طاولة المشرحة لتقييم ما جرى للتعلم والتغيير "وفي هذه الأثناء الكل في إنتظار لجنة التحقيق، "رجال الجيش يتجولون بشعور من الخوف والمهانة وهذا بحد ذاته ليس إصلاحاً إنما مواصلة الهدم الذاتي".

لا نعرف ماذا سيتمخض عن لجنة الفحص الإسرائيلية لمراجعة ما جرى ولا نعرف حتى الآن إذا كان الإعلام سيتابع موضوع "لجنة التحقيق الرسمية". نذكر انه دائما سبقت لجان التحقيق الرسمية لجان للفحص، ولا نعرف حتى الآن إذا كانت حكومة أولمرت-بيرتس أيضا ستوافق عليها، برغم اعتقادنا أن لا مصلحة لها أن تعارض خاصة وأن ادعاءاتهم تنقذهم من تحمل المسؤولية وفق المقاييس الإسرائيلية المتبعة والمعروفة.

سيدعي كل من بيرتس واولمرت أنهما قبلا توصيات الجيش وأن تأخر الأوامر بالتقدم في المعركة البرية كانت بأوامر أمريكية، لكن إسرائيل تعرف كيف تخرج من مشاكلها الأمنية بواسطة تقليعات من خلال البحث عن"كبش فداء" كما حدث في لجنة "اغراناط" بعد حرب 1973، ولجنة كاهان بعد حرب 1982، بعد أن حمّلت شارون المسؤولية كما ذكرت أعلاه وأوصت أن لا يشغل منصب وزير الأمن، ليشغل بعد أقل عشرين سنه رئيسا للحكومة الإسرائيلية!!

يكتب نحاميا شتراسلر كبير معلقي هآرتس اليوم الجمعة " أن دان حالوتس عليه الذهاب إلى البيت (الإستقالة ) ليس بسبب فضيحة الأسهم، هذه فضيحة صغيرة وهامشية، عليه الذهاب إلى البيت ومعه أولمرت وبيرتس بسبب ثلاثة ايام الحرب ألأخيرة والتي خسر الجيش فيها 33 جنديا".

من يدري، ربما يستقيل اودي آدم كما يقول فيشمان أو حالوتس بسب تحمله المسؤولية، ليعودا بعد فترة ويصبحا من صنّاع القرار في إسرائيل. وليس غريبا خاصة وان الدولة العبرية تعاني من أزمة قيادة تتمتع بتجربة عسكرية بعد غياب كل من رابين وشارون. خاصة وأن أمر المجتمع الإسرائيلي بات مفضوحا وغارقا في العداء للعرب في الفترة "ما بين الحرب وما بعدها "، فاستطلاع "يديعوت احرونوت" الذي نشر قبل يومين وكشف عن 69% من الجمهور الإسرائيلي، وفي المقابل أجاب 70% من الجمهور أنهم عارضوا وقف إطلاق النار، مما يعني أن هناك إقراراً بالهزيمة.

في هذه الأيام وبعد أن "وضعت الحرب أوزارها" كما يقول المراسلون الفضائيون، تلملم إسرائيل جراحها وتحاول تجبير الأجنحة المتكسرة، علّها تخرج من محنتها السياسية والإقتصادية والأخلاقية من خلال الإنتقال الى ملعب غزة، لتتشاطر على أبنائها العزل، وتقدّم أجوبة لمجتمعها الذي لا يأبه لقصف مباني وبيوت العرب، فلسطينيين كانوا ام لبنانيين.

ثمن الحرب والقذائف والصواريخ وأطنان القنابل سيدفعها أيضا سكان المنطقة الشمالية الذين ينتظرون ترميم وإعادة بناء منازلهم وتعويضات الخسائر في المصانع الكبرى والصغرى. لم نسمع حتى الآن سوى القليل من الشهادات على لسان الجنود الإسرائيليين، وسيحتج الإسرائيليون على سوء المعاملة وهم في إنتظار تعويضاتهم، وسيبكي بعضهم من "بخل" مقدري أضرار البيوت والمنازل. سيجرى هذا الحراك السريع في ظل الحديث عن مداولات لجنة التحقيق في الهزيمة في الحرب، يتخللها مقتطفات إخبارية عن قضايا أخلاقية مثل رشوات اولمرت وتساحي هنغبي والتحرشات الجنسية لحاييم رامون وموشيه كتساب رئيس الدولة العبرية.

الأجنحة الأخلاقية متكسرة لا يمكن تجبيرها.

التعليقات