الأسرى والمفقودون

-

الأسرى والمفقودون
[[من يحاول أن يسبر غور إسرائيل بناء على أدائها السياسي والإعلامي في السنوات الأخيرة، سيتكون لديه انطباع بأن الحديث هو عن منظمة جماهيرية هدفها الأساسي افتداء الأسرى وإعادة المخطوفين والبحث عن مفقودين وجلب عظام للدفن. وحتى في هذا المجال فهي ليست منظمة ناجحة بشكل خاص. كما من الممكن أن يفاجأ المتأمل من وضع هذه الأهداف المهمة على رأس جدول الأعمال القومي، بالرغم من حقيقة، وربما بسبب، أن المنطقة تتعرض لاهتزازات سياسية ذات أبعاد تاريخية.

فعشية زيارة رئيس الحكومة إلى تركيا، هذا الأسبوع، على سبيل المثال، خلق أولمرت انطباعاً وكأن هدف زيارته ليس الدفع بالسلام في المنطقة ( ربما يكون هذا الموضوع هامشي بالنسبة له وبالنسبة لنا)، وإنما الدفع بقضية جلب عظام إيلي كوهين من سورية. وهذه القضية تعرض لدينا منذ سنوات كإستراتيجية في دلالاتها، متجانسة من حيث الأهمية مع إعادة الجولان. ولكن لا يوجد جديد في ذلك، فقد أصبح إلغاء تطورات سياسية مهمة وبدلاً منها التعمق مرة أخرى بشكل مفاجئ بمصير فرد حي أو ميت، تقليداً سياسياً وإعلامياً.

وهكذا أيضاً عندما تجري الاستعدادات لعقد قمة إقليمية. السلطة الفلسطينية تحارب على هويتها السياسية ويتم التوقيع على اتفاق بين حماس وفتح في السعودية، فتهز إسرائيل السياسية بكتفيها باستخفاف ولامبالاة. وإذا كانت بالرغم من ذلك ترى أهمية في تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية، فذلك فقط لأن الحكومة بمشاركة وزراء من حركة فتح تستطيع الدفع بالاتصالات من أجل إعادة الجندي المخطوف غلعاد شليط.

سلم أفضليات غريب؟.. ولكن ليس في الدولة التي تفتتح فيها نشرات الأخبار لمدة ثلاثة أيام بشائعات حول مصير جندي اختفى قبل 10 سنوات، وفي الوقت نفسه استبعاد التطورات السياسية إلى الهامش.. وليس في الدولة التي لا تفتتح التغطية الإعلامية لدخول رئيس جديد لهيئة الأركان بأجندته الخاصة، وإنما بالرسالة التي يوجهها والد جندي مخطوف.. هذا هو الحال في الدولة القادرة على الخروج إلى الحرب والتضحية بحياة عشرات الجنود كرد على خطف جنديين إثنين من جنودها..

هناك بالطبع ما هو حميمي وعائلي ويهودي في التركيز على مصير الفرد، وبالطبع يجب عدم التنازل عن هذه الميول القومية، ولكن عندما تصبح بديلاً عن التفكير السياسي وتستخدم كذريعة لعدم القيام بأي شيء والتملص من الحسم الإستراتيجي، فهي تشير إلى الانحراف في أداء إسرائيل كدولة، وفي الأساس لأن هذا التركيز هو استعراضي بدون أي تأثير بحد ذاته.

إلى ذلك، يبدو أحياناً أن وجود "أسرى ومفقودين" بشكل دائم، تواظب حكومات إسرائيل على بناء هالة من الغموض ومفاهيم استراتيجية وجودية حولهم، من خلال إهمال العمليات الكبيرة، والتي بإمكانها أن تعيدهم أو تبقي على حياة آخرين، هذا الوضع يخدم أهداف مخفية. وهي نوع من الإدعاء للتأثير على الرأي العام بشكل دائم ومتناقض:" لن نتحدث مع العدو إلا بعد حل قضية المفقودين والمخطوفين، ولكوننا لا نتحدث معه يواصل العدو احتجازهم". وهي مماثلة لمقولة لـ:" لن نصنع السلام مع مؤيدي الإرهاب، وبسبب غياب السلام فإن الإرهاب مستمر"..]]

التعليقات