صحافة اليوم: "لعنة غزة" و"ضربة تلو الضربة" واخطاء شارون

صحافة اليوم:
"ضربة تلو الضربة"، "لعنة غزة" و"عملية تفجيرية ثانية على التوالي: مقتل خمسة جنود في رفح". هكذا صرخت عناوين الصحف الاسرائيلية الثلاث: "يديعوت أحرونوت"، "معاريف" و"هآرتس"، لتعكس الاجواء المشحونة الى ابعد حد بين الاسرائيليين بعد تفجير المدرعة الاسرائيلية في رفح ومقتل خمسة جنود، امس الاربعاء، الى جانب الصور التي امتلأت بها هذه الصحف لجنود اسرائيليين يبكون ومحبطين ومنهكين. ويدل استعراض صحف اليوم على ان "الابتسامة اختفت" عن وجوه الاسرائيليين واعلن الفنان الاسرائيلي شلومو فيشينسكي، الذي كان ابنه احد الجنود القتلى في تفجير المدرعة امس: "لن يكون ابني مجرد ضحية". واضاف فيشينسكي انه جنازة ابنه ستنطلق من مقر حزب الليكود في تل ابيب، في اشارة الى رفض اعضاء الليكود لخطة فك الارتباط والانسحاب من غزة في الاستفتاء الذي جرى في الثاني من ايار الجاري.

وواصلت الصحف الاسرائيلية اليوم ايضا تشبيه الوضع السائد في قطاع غزة مع الوضع الذي ساد في لبنان قبيل انسحاب القوات الاسرائيلية من هناك في ايار العام 2000. ولكن بعد مقتل الجنود الاسرائيليين الخمسة من جراء انفجار المدرعة قرب رفح امس، اصبحت خطة فك الارتباط تهيمن على النقاش الدائر في اسرائيل وارتفعت العديد من الاصوات التي تدعوا الى تجاهل نتيجة استفتاء الليكود وحتى "مشاعر المستوطنين" والى الانسحاب من غزة.

ونقلت صحيفة "معاريف" عن قائد القوات الاسرائيلية في غزة، العميد شموئيل زكاي، قوله "لبنان؟ ليت غزة مثل لبنان. اتضح ان غزة مثل لبنان توربو. (نسخة) محسنة، معدلة، اخطر واسوأ بكثير من لبنان. ففي لبنان كانت هناك قواعد للعبة. كانت هناك تفاهمات. ومن انحرف عنها تلقى الضربة. مرة نحن ومرة هم. لم يكن في لبنان مليون وربع انسان يعيشون في ازدحام، جزء كبير منهم من اللاجئين. كما ان الكراهية لم تكن كالتي في هنا (في غزة). في لبنان سقط 25 جنديا بالمعدل في السنة. اما في غزة، هذا الاسبوع، فاننا نعد 11 جثة، منشرة (اشلاءها) على مئات الامتار المربعة خلال 24 ساعة. انها حالة من الجنون، غير معرفة، غير واضحة".

ونقلت الصحيفة عن قادة كبار في الجيش الاسرائيلي، قولهم ان "الجيش الاسرائيلي يدفع في هذه الايام الفظيعة ثمن الغباء السياسي. يتوجب ان تكون الامور واضحة. يتوجب اتخاذ قرار حول ما علينا ان نفعله. ما هو الهدف. ما هو جدول العمل اليومي. ماذا يريدون عمله، الى اين سنصل. هل يريدون الانسحاب من غزة؟ تفضلوا. هيا بنا ننسحب. هل تريدون ان ندخل الى غزة؟ لا توجد مشكلة. بالامكان الدخول. السور الواقي رقم 2، السور الواقي رقم 3، قدر ما تريدون. المشكلة انه لا يمكن البقاء معلقين في الوسط... هذا فراغ مدمر".

الا ان الصحيفة اشارت الى ان "الاعين متوجهة الان الى ساحة رابين (في تل ابيب، التي ستجري فيها مظاهرة مؤيدة للانسحاب يوم السبت القادم). كذلك الجيش الاسرائيلي ينظر الى هناك. وفي ديوان شارون يسترقون النظر الى هناك. شمعون بيرس اقترح على (القائم باعمال رئيس الوزراء الاسرائيلي) ايهود اولمرت ان يلقي خطابا في المظاهرة الاحتجاجية. أولمرت يدرس الامر. يريدون ان يحضر (وزير القضاء الاسرائيلي، يوسف) طومي لبيد. يريدون ان يمنعوا عن المظاهرة، التي تجتذب بدم جنودنا المسفوكة على رمال رفح مئات الاف المتظاهرين، صبغة سياسية. ومن الجائز ان مدرعات الجيش الاسرائيلي المدمرة، الجثث المقطعة وانعدام قدرة الجيش الاحدث والاقوى في المنطقة مقابل مجموعة العصابات الجامحة المنتشرة قبالته، من الجائز ان تختلط كل هذه في حدث جديد، ذي قوة جبارة، ليعنم حتى على استفتاء منتسبي الليكود".

من جانبه لم ير المحلل العسكري لصيفة "يديعوت أحرونوت"، عوفر شيلح، امكانية للقيام بحملة عسكرية واسعة مثل حملة "السور الواقي" في قطاع غزة. وكتب انه "اذا اوهم احد نفسه انه بالامكان السيطرة على مدينة يسكنها اكثر من مليون انسان بواسطة الجيش وفرض منع تجول دائم، فانه يتحدث من خلال مشاعره ويمضي وراء الثأر ولا يتحدث بالعقل والمنطق. اذ جرت حملة عسكرية كبيرة في غزة الان فانها ستكون حملة انتقامية اكثر من كونها شيئا مفيدا للمدى البعيدز وسيكون من الصعب على رئيس الحكومة ووزير الامن اللذين اعلنا انه يجب الانسحاب من غزة لمصلحة شعب اسرائيل، ان يشرحا حملة كبيرة فقط لان ما حذرا منه قد وقع"...

واضاف: "منذ امس الاول غزة هي لبنان، ولا يوجد لعنة اكبر من هذه في القاموس العسكري الاسرائيلي... لا يتوجب ان تغيّب المشاهد المروعة من امس الاول حقيقة بسيطة واضحة: الحادث في حي الزيتون، كما هو الحال بالنسبة لتفجير المجنزرة في محور فيلادلفيا امس، لم يكونا عمليتين معاديتين. لقد كانتا عمليتان خلال حرب عصابات نفذهما العدو، مقابل جيش نظامي يقوم بهجوم. والخسائر القاسية للقوة العسكرية تقوض الامن الاسرائيلي اكثر من قتل الابرياء".

ونقلت الصحيفة عن مقربين من رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، قولهم انه "في هذا اليوم الصعب اصبح اناس اكثر يفهمون رئيس الحكومة واصراره على اخراجنا من غزة. ورغم انه يجب عدم التحدث في السياسة في مثل هذا اليوم، الا ان عدد كبير جدا من المواطنين اصبحوا يدركون ان من افشل استفتاء المنتسبين لليكود قد أخطأ". وقالت الصحيفة ان مقربي شارون يقولون في احاديث داخلية ان"توالي الاحداث يوم بعد يوم، ضربة تلو الضربة، سيخلق رأيا عاما يضغط باتجاه الانسحاب. ولكن الصحيفة اشارت ايضا الى "ام المظاهرات"، تلك التي ينظمها اليسار بقيادة حركة "سلام الان" في تل ابيب بعد غد السبت.

ونشرت الصحيفة اربعة مقالات في صفحة واحدة باقلام كل من: رئيس المعارضة البرلمانية، شمعون بيرس، الذي كتب ان لا توجه سياسي لحكومة شارون؛ الوزير عوزي لانداو، الذي قاد المعارضة داخل حزب الليكود لخطة فك الارتباط، وكتب انه من غير الممكن فك الارتباط "طالما الارهاب ما زال موجود؛ الوزيرة تسيبي ليفني، التي ايدت خطة فك الارتباط، وكتبت ان سيناريو احداث اليومين الماضيين كانت متوقعة؛ وأورنا شمعوني، احدى مؤسسات حركة "اربع امهات" الاحتجاجية والتي طالبت بانسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان، وطالبت بالانسحاب من غزة مثلما تم الانسحاب من لبنان.
ولفتت صحيفة "هآرتس" الى ان شارون "أصر امس، على انه لا علاقة بين الحادثين القاسيين في غزة ورفح، وخطة فك الارتباط التي بادر اليها لاخلاء المستوطنات في القطاع. وقال شارون ان الحرب ضد الارهاب ستستمر من دون علاقة بفك الارتباط، بدعم من وزير الامن شاؤول موفاز وشريكهما الرئيسي في الائتلاف، رئيس حزب شينوي يوسف لبيد". واضافت الصحيفة ان "الاحداث الاخيرة احدثت شرخا في عدد من الفرضيات الاساسية لخطة شارون المجمدة. فقد اتضح، اولا، ان ثمة خطورة في ابقاء فراغ في الجانب الاخر وان بامكان اسرائيل الاعلان انها غاضبة من الفلسطينيين لكنها في الواقع لا يمكنها تجاهلهم".

وكتب المراسل السياسي للصحيفة، الوف بِن،ـ انه "لا يوجد شيء اسمه خطوة احادية الجانب بالكامل، وبمعزل عن اعمال الجانب الثاني. وتسيطر المنظمات المسلحة على الوضع الميداني، وغياب سلطة مركزية او اتفاق سياسي مستقر يرغم اسرائيل اليوم على مواجهة بضعة مجموعات ارهابية تدعي وجود اشلاء من جثث جنود الجيش الاسرائيلي بحوزتها". واضاف: "عندما سألت مستشارة الامن القومي الامريكي، كوندوليزا رايس، مدير ديوان شارون، دوف فايسغلاس، في بداية المحادثات حول فك الارتباط، ما سيكون في غزة بعد الانسحاب الاسرائيلي، اجابها بكلمة واحدة: "عرب". ورغم ان رايس طلبت ايضاحات الا انه اليوم ايضا ليس لدى شارون ومساعديه اجابة افضل".

ومضى الكاتب ان "المشكلة الثانية التي ظهرت امس كانت صعوبة السيطرة على محور فيلادلفيا على الحدود بين رفح ومصر. لقد اراد شارون الانسحاب من هناك لكن تراجع امام معارضة الجيش. فقد بين الهجوم على القافلة في غزة، كما هو الامر في لبنان، انه من الخطر ابقاء شريط امني يصبح مركزا للهجمات والقتال. كذلك فان الجدول الزمني الذي وضعه شارون لتمهيد مستمر وانسحاب في نهاية 2005 تبين انه ينطوي على اشكالية. اذ من الواضح ان الوضع لن يكون هادئا والتصعيد سيتواصل. وستواجه الحكومة صعوبة في الحفاظ على الروح القتالية وتأييد الجمهور لعمليات الجيش الاسرائيلي بانتظار طويل للانسحاب".

التعليقات