تستلهم الفنّانة إيناس ياسين أعمالها الفنّيّة من فترة السبعينات والثمانينات الّتي تمثّلت فيها أجواء ساحرة لمدن عربيّة عزّزتها الأفلام المصريّة الرائجة، خاصّة تلك المشاهد الّتي صوّرت على شواطئ الإسكندريّة وبيروت. قدّمت تلك الأفلام ومشاهدها صورًا مثاليّة ساهمت في تشكيل الوعي والإدراك الجمعيّ العربيّ لهذه المدن في تلك الفترة. في معرض «مدن برّاقة»، تستحضر ياسين تلك الفترة من خلال مقارنة مع فترة لاحقة حلّت فيها المباني التجاريّة والمشاريع الاستثماريّة محلّ الأماكن الّتي احتضنت المشاهد المألوفة في الأفلام المصريّة، أو مكان دور السينما الّتي عرضت هذه الأفلام. تعالج ياسين في سلسلة أعمالها المنجزة بالطباعة وبالأكريليك والموادّ المختلفة على قماش، اختفاء تلك الأماكن المعهودة وتحوّلها إلى أماكن دخيلة ومعتمة.
تستمدّ ياسين الكثير من إلهامها من الفيلم المصريّ «أبي فوق الشجرة»، بطولة عبد الحليم حافظ وعماد حمدي ونادية لطفي، الّذي أنتج عام 1969، عن قصّة لإحسان عبد القدّوس. وتتّخذ هذا الفيلم بوصفه نقطة مرجعيّة بصريّة وأرشيفيّة للأماكن العامّة العربيّة، وتحديدًا شواطئ البحر المتوسّط الّتي تتشاركها أكثر من دولة، وتظهر منها بيروت والإسكندريّة في هذا الفيلم. ويتشعّب مفهوم معرض «مدن برّاقة» في مجموعة من المسارات الّتي تلتقي جميعًا تحت موضوع التحوّلات الحضريّة الّتي طرأت على المدن العربيّة، بما في ذلك الفلسطينيّة، وتحديدًا شواطئها، محاولة استكشافها بصريًّا وربطها بتجاربها الشخصيّة وما شهدته بنفسها من تحوّلات.
تستكشف ياسين التطوّرات الحضريّة الّتي طرأت على هذه المدن، من خلال ما حلّ بالشواطئ الّتي ظهرت في فيلم «أبي فوق الشجرة». وتستنتج بصريًّا أنّ الأمور قاتمة ومعتمة، وأنّ الأمور تذهب إلى الأسوأ؛ فبينما لا يستطيع الجزء اليسير من الشعب الفلسطينيّ الوصول إلى شاطئ بحره بسبب الاستعمار، فإنّ شواطئ مدينة بيروت، وتحديدًا مشهد شاطئ الروشة الّذي ظهر في فيلم «أبي فوق الشجرة» بحرشه الجميل، دمّرته وحجبته مشاريع عقاريّة استثماريّة عن البصر. تمضي ياسين في مسار آخر لتربط الفيلم المصريّ والمشهد على شاطئ بيروت، بملصق للفيلم ثبّت على جدار في واجهة مبنى «سينما الوليد» وسط رام الله لفترة طويلة قبيل هدمها في عام 2008. وكان نصيب تلك الواجهة أن تهدم أيضًا، ليشهد ملصق الفيلم المعلّق تحوّل مبنى السينما إلى ركام، إيذانًا ببدء بناء مشروع استثماريّ جديد. هدم هذا المبنى يقود ياسين إلى تسجيل يوميّات مدينتها القاتمة الّتي تشبه إلى حدّ بعيد يوميّات مدن عربيّة تنتمي للحقبة ذاتها، وبعد أن كانت ’برّاقة‘ في وقت سابق، أصبح البناء فيها يأكل المساحات الخضراء والأماكن العامّة.
في هذا المعرض، تحاول ياسين استرجاع ذاكرتها ووعيها الوجدانيّ لمدن وطبيعة أحبّتها، لكنّها تجد الخلل والدمار في كلّ وجهة تتّخذها. تعبّر ياسين بصريًّا عن هذا الخلل من خلال أعمال تبدو سوداويّة معتمة تتلاطم فيها أمواج البحر الزرقاء وحيدة في ظلام دامس، وكأنّ الحياة غربت عن هذه الأماكن، وتركتها لليل مظلم.
تنشر فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة بعضًا من أعمال معرض «مدن برّاقة» الّذي يفتتحه «غاليري زاوية» في مقرّه في البيرة يوم السبت 29 نيسان (إبريل)، بالتعاون مع «غاليري زاوية».
فنّانة وقيّمة معارض، عَمِلَتْ مديرة لـ «متحف جامعة بير زيت». تعمل باستخدام مجموعة متنوّعة من الوسائط بما فيها الرسم والتركيب والفيديو والنحت، وكذلك من خلال تدخّلات فنّيّة قائمة على البحث، وتوظيف الصور والقطع في أعمالها الفنّيّة.