عشر سنين حرّيّة، فهل انتصروا في جنين؟

عرض "عائد إلى حيفا"، عدسة مجد حثناوي

'عشر سنين حرّيّة'، وذاكرة المكان ما زالت تتّسع للمزيد من المسرحيّات، والأفلام، والمعارض، 'عشر سنين حرّيّة' والمقاومة الثّقافيّة بكافّة أشكالها باقية وتتصاعد، منذ تأسيس مسرح الحرّيّة في جنين عام 2006 حتّى الآن...

'عشر سنين حرّيّة'؛ بهذا الشّعار بدأ مسرح الحرّيّة في جنين احتفاليّته ما بين 4 و9 نيسان (أبريل)، لمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس المسرح، متوّجًا إنجازاته على الصّعيد الثّقافيّ، من خلال محورين أساسيّين، وهما المهرجان المسرحيّ ومنتدى الثّقافة الوطنيّ.

ذكرى جوليانو

لحظات من الصّمت، تمازجها نغمات موسيقى سمير أبو هنطش، وأعلام وصور رُفعت تخليدًا لذكرى اغتيال مؤسّس مسرح الحرية جوليانو مير - خميس، في الجولة الممتدّة من مخيّم جنين إلى مبنى المحافظة في اليوم الأوّل من الاحتفاليّة، حيث شارك فيها العديد من المتضامنين الأجانب من شتّى مناطق العالم، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، إلى جانب العديد من مؤسّسات المجتمع المحلّيّ، وبالشّراكة مع اللّجنة الشّعبيّة والمسارح الوطنيّة، موحّدين تحت شعار الحرّيّة، والحقّ في المقاومة الثّقافيّة نحو التّخلّص من الاحتلال.

عائد إلى فلسطين

 بلباس أسود ووجوه تكاد تسقط على الأرض، أدّت مجموعة من ممثّلي مدرسة التّمثيل في المسرح، عرضًا تحت عنوان 'عائد إلى فلسطين'، حول غربة فلسطينيّ ترعرع في أمريكا وقرّر تحقيق حلم العودة، مجسّدين الغربة في المكان والتّغريب النّفسيّ الّذي يتعرّض له الفلسطينيّ أينما كان، وقد جاء العرض استكمالًا لفعاليّات اليوم الأوّل من أمام مقرّ محافظة جنين.

وفي كلمة ألقاها مدير المسرح الفنّيّ، نبيل الرّاعي، ركّز على دور الثّقافة في تشكيل علاقات وشبكات عمل تهدف إلى التّوعية بالحقوق من خلال الفنّ، والمدافعة عنها بمختلف الوسائل والسّبل من خلال المسرحيّات وقصص النّاس وأعمال تهتمّ بتسليط الضّوء على الحاجات اليوميّة والاجتماعيّة في المجتمع الّذي نعيشه.

وأكمل قائلًا: 'نحن نتطلّع لتسجيل توثيقيّ لحياة النّاس، والدّفع باتّجاه محاولة وضع رؤًى وآفاق لأحلامنا الّتي نسعى لتحقيقها. نتطلّع لبرنامج ثقافيّ فنّيّ يجعل المقاومة الثّقافيّة شعارًا له، فنحن نؤكّد على أنّ عملنا لا يخرج عن كونه جزءًا من المقاومة الفلسطينيّة ضدّ الاحتلالات، بل يشكّل جزءًا مكمّلا لها'.

واختتمت الكلمات بتكريم المحافظة لمسرح الحرّيّة على مسيرته الفنّيّة في سياق المقاومة الثّقافيّة، وكذلك عرض بعض الأعمال الفنّيّة لمسرح الحرّيّة.

جولة في المكان

 شكّلت أزقّة المخيّم مع صور رموز المقاومة المعلّقة على الجدران، تناغمًا بين المتجوّلين وأحاديثهم عن ذكرى اجتياح المخيم في نيسان عام 2002، حيث تجوّلوا انطلاقًا من مسرح الحرّيّة إلى مناطق ذات رمزيّة نضاليّة، موضحين أهمّيّة تخليد ذاكرة المقاومة المسلّحة ضدّ العدوّ الإسرائيليّ الّذي أقصاهم خارج حدودهم، وهذا ما أكّد عليه عضو الهيئة الإداريّة في لجنة الخدمات المشتركة في المخيّم، أشرف النّاطور، إذ قال معبّرًا عن مدى معاناة اللّاجئين داخل المخيّمات 'إنّ الفلسطينيّ يجب أن يزاحم للحصول على جائزة نوبل، لصبره وتحمّله أطول احتلال في العالم ما زال مستمرًّا حتّى الآن'.

واستكملت الجولة بزيارة لمقبرة شهداء الإبادة الجماعيّة خلال اجتياح المخيّم، والّتي تحدّثت عنها ابنة المخيّم، سوزان وصفي، واصفة إيّاها بالمقبرة الجماعيّة، إذ دَفن فيها 4 أشخاص ما يزيد من 50 شهيدًا في حفر داخل المخيّم.

انتزاع الجلد من الجسد

كان جهاد منبطحًا على بلاط الكنيسة الأبيض، دمه ينزف في حضرة طهارة السّيّدة العذراء، من 2 نيسان (أبريل) حتّى 10 أيّار (مايو)، لا ترانيم في المكان، صوت جلد يُنتزع من جسده، ليبقى الجرح رطبًا فلا يصاب بالغرغرينا، بدا كالّذي ينتزع أطرافه ويأكلها خوفًا من الموت جوعًا.

يصرخ الجنديّ: ' جهاد، سلّم نفسك وإلّا اقتحمنا الكنيسة.'

يرفض فيقصّ جلد فخذه من جديد، ذلك الإسعاف الذّاتيّ لم يستمرّ طويلًا. لحظات قليلة حتّى جاءت سيّارة تحمل جهاد إلى غربته.

من مسرحيّة 'الحصار'، عدسة: Bryan MacCormack

كان ذلك مشهدًا من مشاهد مسرحيّة 'الحصار' الّتي اختتمت بها فعاليّات اليوم الأوّل من الاحتفاليّة، وهي عمل فنّيّ مقتبس من قصص حقيقيّة لمجموعة من المقاومين الّذين حوصروا في بيت لحم خلال الانتفاضة الثّانية، في الاجتياح الكبير للضّفة الغربيّة، والمعروفة إسرائيليًّا 'بالسّور الواقي'. اتّخذت أحداث كنيسة بيت لحم تلك مع الوقت بعدًا أسطوريًّا، وقد تتبّع المخرجان نبيل الرّاعي وزوي لافرتي المقاومين الّذين نُفوا إلى أوروبا وجمعوا قصصهم لإعداد المسرحيّة، الّتي أدّى أدوارها كلّ من أحمد الطّوباسي، وفيصل أبو الهيجا، وأحمد الرّخّ، وميلاد قنيبة، وحسن طه، وربيع حنني.

تحكي المسرحيّة عن لجوء مجموعة من المسلّحين الفلسطينيّين إلى كنسية المهد، واحدة من أقدس الأماكن في فلسطين الّتي حاصرها وأغلقها الجيش الإسرائيليّ، وقد حوصر مع المقاومين قرابة 200 شخص من الكهنة والرّاهبات والمدنيّين، مدّة 39 يومًا، وكان محور الصّراع في المسرحيّة: هل سيستسلم المقاومون أم سيناضلون حتّى النّهاية؟

الاحتفاليّة

تحت شعار 'المقاومة الثّقافيّة'، سيقدّم مسرح الحرّيّة خلال احتفاليّته العاشرة ما بين 4 و9 نيسان (أبريل)، عددًا من العروض المسرحيّة والثّقافيّة، هي مسرحيّة 'الحصار' لمسرح الحرّيّة، ومسرحيّة 'البحث عن حنظلة' لمسرح نعم، ومسرحيّة 'اعتراف' للقدس آرت، ومونودراما 'طه' للفنّان عامر حليحل، ومونودراما '15 ثانية من غزّة' للفنّان مؤمن سويطات، إلى جانب عروض أفلام وعرض لمدرسة السّيرك الفلسطينيّ.

وفي إطار منتدى المقاومة الثّقافيّة، والّذي سيتضمّن محاور متنوّعة ومهمّة، ستقدّم عدّة محاضرات وندوات ثقافيّة، من أبرزها المآزق المفاهيميّة للمقاومة الثّقافيّة، والإنتاجات الثّقافيّة والأجندة المحيّرة، إضافة إلى موضوع حول النّساء والمسرح والمقاومة، والفنّ تحت الاحتلال من خلال تجارب متنوّعة وأهداف مشتركة، فيما سيجري التّركيز على الثّقافة في مواجهة الاحتلال، ودور الثّقافة ما بعد الاستعمار، والمقاطعة الثّقافيّة نموذجًا للمقاومة الشّعبيّة الفعّالة، ودور الثّقافة في توحيد المقاومة، وذلك بمشاركة مختصّين وخبراء وفنّانين، أبرزهم إيلان بابيه، ومازن قمصيّة، وهلا نصّار، وأيمن يوسف، وعمر البرغوثي، وعلاء حليحل، وسودهانفا ديشبندي، وريم تلحمي وخالد قطامش.