يافا تحتفي بذكرى ميلاد عبد الوهاب... بألحانه، أغانيه وقصصه

يُحكى أن محمّد عبد الوهاب (1902-1991) كان يخشى بدرجة كبيرة ركوب الطّائرة، وبدأت تساوره هذه العقدة بعد أن أخبرته العرافة أنه سيلقى حتفه بسقوط إحداها. هذه الفوبيا منعت عبد الوهاب من السّفر إلى السّويد لاستلام إحدى الجوائز وجعلته يخدع الرّئيس المصريّ، جمال عبد الناصر، الذي طلب منه أن يحيي حفلاً في دمشق بمناسبة الوحدة مع سوريا فادّعى أن حرارته مرتفعة، إلا أن عبد الناصر عرف عن عقدة عبد الوهاب فأصرّ على سفره. يروي الفنان الفلسطيني علاء عزّام عن عبد الوهاب أنه لم يكن يخاف ركوب السّيارة، لأنها إذا تعطلت يمكنه ركنها على جانب الطريق إلى حين إصلاحها، ولا السّفينة لأنه يمكنه حينها القفز إلى الماء. ماذا إذا تعطلت الطائرة؟ يقول عبد الوهاب: " عندها أي غيمة سوف أتسلّق" ؟

بهذه النهفة افتتح علاء عزّام أمسية "علشان الشّوك اللي في الورد"، التي نظّمها مسرح السّرايا في يافا يوم الأربعاء 16.3.16 احتفالاً بذكرى ميلاد عبد الوهاب التي حلّت قبل أيام،  إلا أن خوف عبد الوهاب من الطّيران لم يمنع فرقة قرار اليافيّة والفنان علاء عزّام من التّحليق بنا إلى الزمن الجميل، الكلمة بملء معناها والألحان برمة جمالياتها.

وقد بدأ الفنانون الأمسية بمعزوفة "عزيزة"، وهي إحدى أشهر معزوفات عبد الوهاب وهي معزوفة انفعاليّة وإيقاعيّة قدّمت في فيلم "أماني العمر" لسيف الدين شوكت في العام 1955. ومن ثم قدّم الفنان محمّد قندس من فرقة قرار غناءً لكلّ من "قالولي هان الود عليه"، "ست الحبايب" و"يا مسافر وحدك"، وقد أبدى قندس درجة عالية من الحرفيّة في التّعامل مع ألحان عبد الوهاب المركبة. وعقب هذه المشاركة فقرة غنائيّة مع علاء عزّام غنّى من خلالها كل من "قولّي عملك إيه"، "لما أنت ناوي"، "كل ده كان ليه"، "مضناك"، "جفنه"، وختم الأمسية بأغنية "إنت عمري" التي لحنّها عبد الوهاب لكوكب الشّرق أم كلثوم.

تميّزت الأمسية بتفاعل الجمهور مع العازفين والمغنيين ويعود ذلك إلى طريقة علاء عزّام في تمرير الأمسية المبنيّة من جانب على مقطوعات موسيقيّة وغنائيّة ومن جانب آخر على محطات من حياة عبد الوهاب والطرائف التي صادفته وكذلك جوانب مسلية من شخصيته. كل هذا ساهم في كسر الحاجز المجازي بين خشبة المسرح ومقاعد الجمهور وخط الفصل بينهما كمن يتلقى ومن يلقّن. وفي الواقع فإن ثقافة الجمهور الموسيقيّة كانت مثيرة للانتباه، سواء من حفظهم لكلمات الأغاني وحتى معلوماتهم حول حياة عبد الوهاب وأعماله.

من الأمور المعروفة عن عبد الوهاب أنه كان مهووسًا بالنظافة حتّى أنه كان يغسل يديه بعد كل مصافحة كي لا تنتقل إليه أي عدوى. يقول عزّام أن عبد الوهاب وجد مرّةً صابون متسّخ، ومن يعرف هوس عبد الوهاب بالنظافة سيتوقع أن يقوم برميه، إلا أنه قام عوضًا عن ذلك بتنظيفه بصابون آخر. إضافة إلى الجانب الفكاهيّ في شخصيته، قد يبدو عبد الوهاب شخصُا أرستقراطيًا متعاليًا. أيضاً كمن غنّى للملوك والرؤساء. لكنّ من يعرف بداياته يدرك أنه شخص بسيط ينتمي إلى عائلة محافظة حاولت منعه في بداياته من الغناء وواجه عقبات كثيرة في طريقه نحو تحقيق ذاته.

شارك في الأمسية من فرقة "قرار"، بإضافة إلى محمّد قندس، كل من خميس جبران على الإيقاع، يوآف بيراخ على الباص وهاني مطانس على الدّف، أما علاء عزام فشاركهم العود. يقول فارس حنانيا، رئيس مسرح السّرايا أن هذه الأمسية هي الأولى من سلسلة أمسيات شهريّة بدأها المسرح للاحتفاء بالزمن الجميل وتعزيز التّواصل مع الفنّ العربيّ الأصيل.

لم تسقط أي طائرة بعبد الوهاب، كما تنبأت العرافة، بل عاش سنينًا طويلة إلى أن أصابته جلطة في الدماغ إثر انزلاقه وسقوطه في منزله، ولا زالت طائرة عبد الوهاب تحلق إلى أيامنا هذه في سماء عالمنا العربيّ وسماء فلسطين الوفيّة له. من الجميل أن تحتفي يافا بعبد الوهاب بعد كل هذه السّنين الطويلة، فلسطين التي لحّن وغنّى لها عبد الوهاب قصيدة "أخي جاوز الظالمون المدى" عام 1948 يقول فيها الشّاعر علي محمود طه: "أخي أيها العربي الأبي/ أرى اليوم موعدنا لا الغدا".