فُسْحَة... صناعةٌ للأمل

'فُسْحَة'، أكبر من فكرةٍ وأوسع من مشروع… أكبر من فكرةٍ لأنّها أصبحت 'واقعًا'، وأوسع من مشروعٍ لأنّها لا تحمل ادّعاءاتٍ شموليّةً مثل 'تيّارٍ ثقافيٍّ' و”مشروعٍ ثقافيٍّ'، بل هي فُسْحَةٌ حقيقيّةٌ تتّسع لكلّ التّيّارات الثّقافيّة الفلسطينيّة، وتهدف من بين ما تهدف إليه لمّ شمل الفلسطينيّين ثقافيًّا وأدبيًّا وفكريًّا، على مختلف مشاربهم السّياسيّة والفكريّة، طالما التزموا بالثّوابت الوطنيّة الفلسطينيّة، وآمنوا بقيم العدالة وكرامة الإنسان وحقوقه، ورفضوا العنصريّة على أشكالها المختلفة، طائفيّةً كانت أم عرقيّةً أم جهويّةً أم غير ذلك.

'فُسْحَة' مبادرةٌ شبابيّةٌ نقيّةٌ تبنّاها موقع 'عرب ٤٨' فورًا، ودون تردّدٍ، لإدراكه أنّ هناك حاجةً ماسّةً لأن تكون للثّقافة الفلسطينيّة منصّةٌ حرّةٌ خارج أيّ سلطةٍ أو وصايةٍ، تنبض من مدينةٍ فلسطينيّةٍ لها إرثها الغنيّ وحاضرها المتحدّي، حيفا.

الثّقافة الفلسطينيّة جزءٌ من ثقافةٍ عربيّةٍ إسلاميّةٍ شاملةٍ وأعمّ،  وهي ليست مصنوعةً بأيادٍ فلسطينيّةٍ فحسب، بل أيضًا بأخرى 'غير فلسطينيّةٍ'، منتميةٍ لفلسطين وجدانيًّا، سواءٌ كانت عربيّةً أم أجنبيّةً، رأت بنفسها فلسطينيّةً لأنّ فلسطين كانت طوال الأعوام المئة الأخيرة رمزًا للعدالة، وبوصلةً لثقافة التّحرّر ومناهضة الاستعمار الاستيطانيّ والرّجعيّة.

وفي الأعوام الخمسة الأخيرة، منذ انطلاق الثّورة التّونسيّة، أخذت الثّقافة الفلسطينيّة بعدًا جديدًا رغم تراجع القضيّة الفلسطينيّة في ظلّ الاحترابات العربيّة الدّاخليّة، وهذا البعد لا يقلّ أهمّيّةً عن العدالة والتّحرّر، وهو البعد الدّيمقراطيّ الرّافض للدّيكتاتوريّات، والمنادي بالعدالة لفلسطين وللشّعوب العربية أيضًا؛ فالتّمسّك بفلسطين لدى الثّوّار الشّباب في ظلّ الدّمار العربيّ الرّاهن، بات يعني العدالة ورفض الاستعمار والاستبداد، لكن في الوقت ذاته، يعني رفض خطف الأوطان بناسها وثرواتها وثقافتها تحت شعار تحرير فلسطين.

لذا، فإنّ الثّقافة الفلسطينيّة غير محصورةٍ جغرافيًّا، وليست 'وطنيّةً' بالمعنى الشّائع المختزل للثّقافة بالأدب والفنّ الشّعاراتيّ أو التّوعويّ، بل هي أوسع وأرحب بكثير.

***

'فُسْحَة' لا تعني النّزهة، لأنّ أمام ثقافتنا الفلسطينيّة تحدّياتٍ وجوديّةً ووجدانيّةً، وأوّلها الصّهيونيّة الّتي تأسّست مشروعًا سياسيًّا وثقافيًّا حداثيًّا بأدواتٍ عسكريّة، إلى درجة 'اختراع شعبٍ'، وهي تحاول السّطو على حضارتنا وجغرافيّتنا، وقد نجحت في ذلك إلى حدٍّ كبير، إذ أُهمل هذا التّحدّي في الأعوام الأخيرة، حتّى باتت 'الثّقافة الإسرائيليّة' مقبولةً و'مرحّبًا بها' عالميًّا، فيما الثّقافة الفلسطينيّة غارقةٌ التّهميش، وفي انقساماتٍ عموديّةٍ وأفقيّةٍ نتيجة الانقسام السّياسيّ والمجتمعيّ، إضافةً إلى الانقسام الجغرافيّ بين داخلٍ وخارجٍ وضفّةٍ وغزّة وقدس.

نحن محكمون بالأمل، هكذا قال الأديب والمسرحيّ السّوريّ سعد الله ونّوس، وجاء في لاميّة العجم: 'أعلّل النّفس بالآمال أرقبها/ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل'.

اختار طاقم فُسْحَة، وعلى رأسه المبدعان علي مواسي ورشا حلوة، بنفسجيّ الرّيحان وأخضره، ليكونا اللّونين النّاظمين لموقع المجلّة، حيث الجذور والطّيب والحياة... هذه هي فُسْحَة، صناعةٌ... للأمل.