هلل هلكين: إسرائيل تسقط في الهاوية | ترجمة

هلل هلكين

 

المصدر: Mondoweiss.

العنوان الأصلي: Another prominent Zionist admits the project failed.

ترجمة: علاء سلامة - فُسْحَة. 

 

لقد تابعنا عن كثب مؤشّرات انقلاب المجتمع اليهوديّ على إسرائيل، خاصّة مع صدمة الحكومة الفاشيّة الجديدة، وهنا نرى مؤشّرًا جديدًا.

هلل هلكين - كاتب ومترجم وناقد أدبيّ إسرائيليّ بارز  - صهيونيّ ملتزم، في الثالثة والثمانين من عمره، انتقل من الولايات المتّحدة إلى إسرائيل عام 1970، يكتب في مجلّة «مراجعة الكتب اليهوديّة» (Jewish Review of Books) أنّ مصير إسرائيل بات محسومًا، "لقد تجاوزنا حدّ الجرف، وإنّنا نسقط"، وأنّ لا شيء سينقذها من ’هاوية‘ السياسات اليمينيّة المسيانيّة.

لقد تجنّب قادة إسرائيل القضيّة المركزيّة: حقوق الفلسطينيّين، يشرح هلكين، لذلك فقد تُرِكَت هذه المشكلة لتنمو، وتحرّكت إسرائيل أكثر فأكثر نحو اليمين. لا اليمين السياسيّ فحسب، بل اليمين الدينيّ المتطرّف، بينما كانت الفكرة من الصهيونيّة فصل اليهود عن دينهم، وخلق ديمقراطيّة علمانيّة.

"لم أتخيّل أبدًا أنّ الفهود ستأكل وجهي!"، تصيح وتبكي المرأة الّتي صوّتت لحزب «الفهود آكلي وجوه الناس»"، يكتب جيرمي برسمان ساخرًا من اكتشافات هليكن العظيمة. ملاحظة ذكيّة، لكنّي مع ذلك أحيّي هلكين. ثمّة العديد من الصهاينة الّذين سحبتهم الأيديولوجيا الصهيونيّة بسبب معتقداتهم المثاليّة، أو اعتقادهم بالتحرّر اليهوديّ، أو قيمهم الضيّقة، ومع أنّ معظم هؤلاء ظلّوا يقاومون الاستماع للأخبار القادمة من فلسطين منذ عقود الآن، فإنّ هلكين على الأقل يعترف بأنّه كان مخطئًا، ويظهر بعض التواضع.

 

إسرائيل السائرة نحو حافّة الجرف

يبدأ هلكين قصّته بالحديث عن صديق إسرائيليّ رأى "الكتابة على الحائط" بعد انتخاب بيغن عام 1977، وبدأ يصوّت للأحزاب الفلسطينيّية في الانتخابات، قبل أن يهاجر إلى البرتغال قبل عشرة أعوام. "كان معاديًّا للصهيونيّة بعلانيّة، وكانت توقّعاته التعيسة لمستقبل إسرائيل هي الّتي تخلق المشادّات الحادّة بيننا". كتب هذا الصديق لهلكين مؤخّرًا يقول له "لقد أخبرتك". فردّ عليه هلكين: "لقد فزت. بدت إسرائيل لي منذ سنوات مثل رجل يسير في نومه نحو حافّة جرف. والآن، فقد وقعنا في الهاوية".

ما زال لدى هلكين أمل بالنسبة لإسرائيل، لكنّه يكتب أنّ الحكومة المتطرّفة الجديدة تنذر بـ "الفوضى السياسيّة". وعندما يقول ’المطمئنون‘ أنّ هذه انتخابات واحدة، وأنّ الوسط سيعود بعد سنتين، يقول هلكين إنّ هذه مجرّد أمنيات "نعم، ستكون هناك انتخابات أخرى، وعلى الأغلب سيفوز هؤلاء الأوغاد نفسهم بنسب أعلى من الانتخابات الأخيرة حتّى".

الإحصائيّات تقول إنّ إسرائيل تسير نحو الأسوأ. ثمّة المزيد والمزيد من المصوّتين المتديّنين الشباب. "لقد تحجّرت السياسة الإسرائيليّة اليوم في معسكرات تحدّدها جماعات الهويّة، حتّى أصبحت قطاعات التصويت شديدة الاستقرار… التيّارات الّتي تدفع إسرائيل بثبات نحو اليمين ستستمرّ".

المصادرات الّتي لا تنتهي لأراضي الفلسطينيّين، وتوسّع المستوطنات، يدفعان المجتمع الإسرائيليّ أكثر فأكثر نحو اليمين. "كلّما بات الصراع ميؤوسًا منه أكثر، كلّما كسب اليمين وحلفاؤه المتديّنون، وكلّما خسر الوسط واليسار". والعنصريّة تهيمن على الثقافة السياسيّة الإسرائيليّة:

"بحسب إحصائيّة أُجْرِيَتْ في العام الفائت، ربع الإسرائيليّين غير المتديّنين بين الـ 18 و24، ونصف أقرانهم من المتديّنين، يعتقدون أنّه يجب نزع الحقّ في التصويت من المواطنين العرب في إسرائيل!

هؤلاء هم قوّة التصويت في مستقبل إسرائيل، مستقبل لا أمل فيه بأيّ تحالف بين الوسط واليسار الإسرائيليّين مع الأحزاب العربيّة قد يوازن معسكر اليمين المتديّن. الحالة الملتهبة للعلاقات العربيّة اليهوديّة تؤكّد ذلك، خاصّة أنّ لا حزبًا يهوديًّا يستطيع أن يبدو ’محبًّا للعرب‘".

 

حلّ الدولتين بين إدارة الصراع والاستيطان

بحلول عام 2009، فشل حلّ الدولتين، لكنّ الجميع يستمرّون في الكذب "مع أنّ العالم ما زال يتغنّى بأفضال حلّ الدولتين، فقد كان دائمًا غير عمليّ، بفعل مئات آلاف المستوطنين الإسرائيليّين في يهوذا والسامرة"؛ فقد تبنّت كلّ القوى السياسيّة الرئيسيّة في إسرائيل سياسة ’إدارة الصراع‘، وكأنّ هذه الفكرة ممكنة أصلًا، دع عنك أن تكون سليمة.

والآن، إسرائيل "تتّجه نحو الكارثة… إسرائيل ثنائيّة القوميّة ستنفجر من الداخل، أو ستكون دولة بغيضة أخلاقيًّا ينبذها العالم وبعض مواطنيها". نعم، ثمّة أكثر من مليون علمانيّ يعيشون الآن خارج إسرائيل، والمزيد سيغادرون.

هلكين يقول إنّ إسرائيل ستختفي خلال ثلاثين سنة إذا ما ضمّت الأراضي الّتي يريد وزير الماليّة بزليل سموترتش أن يضمّها ’بعون الله‘. أصبح المجتمعان اليهوديّ والفلسطينيّ أكثر تديّنًا، بينما يستمرّ الصراع في سحق الأمل. "النزوح الثابت نحو التديّن في الحياة الإسرائيليّة خلال العقود الأخيرة، على عكس ما يحدث في الدول الغربيّة، يرتبط مباشرة في الطريق المسدودة مع الفلسطينيّين".

يشرح هلكين أنّ الصهيونيّة كان يجب أن تكون معادية للفكر المسيانيّ: "أرادت الصهيونيّة جذب اليهود بعيدًا عن الإيمان بأنّ الله إلى جانبهم، وأنّ من الممكن الاعتماد عليه لكي ينقذهم من معضلاتهم، أنّ عليهم أن يعتمدوا على الله لا على أنفسهم، لأنّهم شعب الله المختار. لهذا كان معظم حاخامات أوروبّا، حيث ظهرت الصهيونيّة، وخاصّة في أوروبّا الشرقيّة حيث تمدّدت جذورها أكثر من أيّ مكان آخر، معادين للصهيونيّة حتّى الرمق الأخير. بلّ إنّ معظم المجتمع المتديّن ظلّ معاديًا للصهيونيّة حتّى إعلان قيام الدولة… والآن، وبنيامين نتنياهو يقودنا، هذه هي تحديدًا القوى الّتي تجرّنا نحو الهاوية. معادو الصهيونيّة يلقون باللوم على الصهيونيّة، وأنا ألقيها على اليهوديّة، الّتي سعت الصهيونيّة إلى القضاء على أوهامها وتخيّلاتها، والّتي أصبحت اليوم مصابة بذات التخيّلات والأوهام. أرادت الصهيونيّة أن تجعلنا شعبًا عاديًّا. لقد فشلت، وازدادت تشوّهًا مع الوقت".

هلكن يعترف أيضًا أنّ الآخرين رأوى إشارات التحذير منذ وقت طويل جدًّا: "لم ألتفت إلى التحذيرات الّتي أصدرها الكثيرون عبر السنين، التحذيرات بأنّ توسّع المستوطنات سيصل بإسرائيل إلى نقطة اللاعودة. آمنت أنّه في النهاية، عاجلًا أو آجلًا، مهما أخذ الأمر من الوقت، فإنّ الحلّ المنطقيّ الوحيد، الحلّ الوحيد الّذي لم يُجَرَّب بعد، سيكون مبنيًّا على حلّ الدولتين… لقد كنت، كما قيل لي مرّات كثيرة، ساذجًا… لقد تجاوزنا الجرف، وإنّنا نهوي، ولا أحد يعرف كم تبعد الأرض عنّا".

 

نحو تفكيك الاستعمار

هلكين في الـ83 من عرفه، وعليّ أن أعتقد أنّه يمثّل الصهيونيّين العلمانيّين الّذين يعانون اليوم من شكوك رهيبة حول الفلسفة الّتي تبنّوها. تعطيهم حكومة نتنياهو- بن غفير- سموتريتش فرصة للنزول عن الشجرة.

لن أحلّل مجادلات هلكين هنا (تبريراته حول يهودا والسامرة، إلقاء اللوم على الفلسطينيّين، فشله في الاعتراف بأنّ الفلسطينيّين فهموا الصهيونيّة مبكّرًا). أعتقد أنّنا بحاجة إلى أن يتحوّل المزيد من اليهود الصهيونيّين إلى صهيونيّين سابقين، وأن نحرّر العقليّة اليهوديّة من استعمارها، وكذلك المؤسّسات الأمريكيّة، وأن نعبّد الطريق نحو الديمقراطيّة. لذلك، فإنّني أحيّي شجاعة هلكين وصدقه، وتحوّله.

 


 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا.