غزّة: تفشّي الأمراض والأوبئة كابوس يقضّ مضاجع النازحين

بحسب آخر بيانات المكتب الإعلاميّ الحكوميّ في قطاع غزّة، فمنذ بداية الحرب تمّ رصد نحو 71 ألف و338 حالة عدوى بالتهاب الكبد الوبائيّ الفيروسيّ بسبب النزوح...

غزّة: تفشّي الأمراض والأوبئة كابوس يقضّ مضاجع النازحين

خيام النازحين في رفح، غزّة (Getty)

تهدّد الأزمات الصحّيّة والبيئيّة في محافظتي غزّة والشمال، حياة النازحين الفلسطينيّين خاصّة الأطفال منهم، مع عودة شبح المجاعة بالتزامن مع تدهور الأوضاع الصحّيّة والبيئيّة وسط استمرار الحرب الإسرائيليّة المدمّرة منذ 7 من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي.

ويعاني النازحون من تدهور في الحالة الصحّيّة بسبب سوء التغذية الّذي شكّل عاملًا مساهمًا في انتشار الأمراض والأوبئة، في ظلّ تردّي الأوضاع البيئيّة الّتي حذّر منها متحدّث بلديّة مدينة غزّة حسني مهنّا.

وقال مهنّا: "تكدّس ما يزيد عن 100 ألف طنّ من النفايات الصلبة في محافظة غزّة لوحدها يشكّل خطورة حقيقيّة على حياة السكّان والنازحين، وخاصّة في مراكز الإيواء المختلفة وأماكن تواجد المكبّات العشوائيّة".

يأتي ذلك في ظلّ تعمّد الجيش الإسرائيليّ استهداف طواقم البلديّات بشكل مباشر خلال قيامهم بأعمالهم في مناطق مختلفة من القطاع.

وكانت آخر هذه الاستهدافات في يونيو/ حزيران الماضي، حينما اغتال الجيش رئيس بلديّة النصيرات إياد أحمد المغاري بقصف جوّيّ مباشر لمبنى تابع لبلديّة النصيرات.

ولأكثر من مرّة، حذّرت مؤسّسات صحّيّة محلّيّة ودوليّة من انتشار الأمراض والأوبئة في صفوف النازحين نتيجة التكدّس في مراكز الإيواء وانعدام سبل النظافة الشخصيّة والعلاجات اللازمة.

وبحسب آخر بيانات المكتب الإعلاميّ الحكوميّ في قطاع غزّة، فمنذ بداية الحرب تمّ رصد نحو 71 ألف و338 حالة عدوى بالتهاب الكبد الوبائيّ الفيروسيّ بسبب النزوح، حيث بلغ عدد النازحين نحو مليونيّ فلسطينيّ من أصل مليونين و300 ألف نسمة.

بؤر لانتشار الأمراض

وقال مهنّا إنّ مكبّات النفايات الصلبة تشكّل "بؤرًا لانتشار الأمراض والأوبئة، وتوالد الحشرات والقوارض الّتي تنقل الأمراض المعدية إلى السكّان، خاصّة في الأماكن المكتظّة ومراكز الإيواء المختلفة".

وأوضح أن تكدّس النفايات الصلبة يأتي في ظلّ "عدم توفّر الوقود وآليّات جمع وترحيل النفايات، إلى جانب منع طواقم البلديّة من الوصول للمكبّ الرئيس في منطقة جحر الديك شرق المدينة".

عيادة داخل خيمة لعلاج النازحين في غزّة (Getty)

وذكر أنّ النقص الحادّ في المياه جرّاء عدم توفّر الوقود اللازم لتشغيل آبار المياه ساهم بشكل واضح في انتشار الأمراض بشكل أكبر وأسرع في المدينة.

وأضاف: "كمّيّة المياه المتوفّرة حاليًّا بغزّة محدودة ولا تكفي لتلبية احتياجات المواطنين وتغطّي فقط نحو 40 بالمئة من مساحة المدينة".

وحذّر من أنّ عدم "التخلّص من النفايات وترحيلها بشكل صحّيّ يهدّد باتّساع رقعة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة ويزيد من المخاطر الصحّيّة".

وأشار إلى أنّ ذلك من شأنه أن يتسبّب بمخاطر كبيرة تهدّد "بتلوّث الخزّان الجوفيّ بفعل تسرّب عصارة النفايات إليه".

وطالب مهنّا كافّة المؤسّسات الدوليّة والأمميّة بـ"التدخّل العاجل لوقف الحرب على غزّة، واستئناف إمدادات الوقود والمياه والكهرباء، وإدخال الآليّات والمعدّات اللازمة لعمل البلديّة لتقديم الخدمات الأساسيّة للتخفيف من آثار الكارثة الصحّيّة والبيئيّة الّتي تعيشها المدينة".

وأضاف: "المجاعة والأمراض تتزايد بين سكّان القطاع وخاصّة الأطفال منهم"، متابعًا: "الاحتلال يمارس سياسة التجويع الممنهج ومنع المدنيّين في غزّة من العلاج".

وكان المكتب الإعلاميّ الحكوميّ في قطاع غزّة، قد أعلن في وقت سابق، رصد حالات تسمّم في صفوف الفلسطينيّين بسبب تناول أغذية معلّبة منتهية الصلاحيّة نتيجة للنقص الشديد في الطعام بالقطاع.

محاولات للنجاة

الفلسطينيّة المسنّة رغدة حسنين، تجلس أمام باب إحدى الغرف في مركز إيواء غرب مدينة غزّة، في محاولة منها للنجاة بصحّتها من الحشرات والتكدّس داخل الأماكن المغلقة وما ينجم عنه من انتشار للأمراض، خاصّة في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة.

وتشكو حسنين، من حالة "الازدحام الكبيرة داخل مراكز الإيواء وسط انتشار سريع للأوبئة والأمراض المعدية بسبب الحاليّة الصحّيّة الصعبة للنازحين بفعل سوء التغذية وأزمة المياه".

خيام النازحين في غزّة (Getty)

وتقول: "إن نجونا من القصف والهجمات الإسرائيليّة فلن ننجو من الأمراض والأوبئة المنتشرة نتيجة التكدّس داخل مراكز الإيواء واستخدام ذات دورات المياه، في ظلّ عدم توفّر موادّ التنظيف وكمّيّات كافية من المياه".

وتضيف المسنّة ذات الوجه المنهك: "مياه الصرف الصحّيّ تتجمّع داخل المركز والنفايات تتكدّس على أبوابه الخارجيّة والحشرات تملأ المكان".

وأشارت إلى أنّ 6 أفراد من أبنائها وأحفادها أصيبوا بالتهاب الكبد الوبائيّ وأمراض جلديّة أخرى بسبب الواقع الصحّيّ الصعب في مركز الإيواء.

قوارض وأمراض

ولا يختلف حال الشابّ سامي الحرازين عن بقيّة النازحين الّذين يمرّون بظروف معيشيّة وصحّيّة صعبة للغاية مع استمرار الحرب.

ويقيم الحرازين بعد مروره بعدّة رحلات نزوح، داخل محلّ تجاريّ تملؤه القوارض وذلك غرب مدينة غزّة.

ويقول الحرازين: "لا يمكن احتمال الأوضاع القاسية الّتي نعيشها، فالمجاعة وأزمة المياه تفاقمان أحوالنا الصحّيّة، وهذا الأمر يجعلنا فريسة سهلة لأيّ أمراض أو أوبئة".

ويضيف: "في المنطقة الّتي نتواجد فيها تنتشر الأمراض بكثرة بسبب تكدّس وتجمّع كبير للنفايات وتسرّب مياه الصرف الصحّيّ في الشوارع بعد استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيليّ لعدد من الأهداف وتدمير البنية التحتيّة بشكل كبير".

ويبدي مخاوفه من إصابة أحد أفراد عائلته بهذه الأمراض خاصّة في ظلّ انهيار المنظومة الصحّيّة الناجم عن الاستهداف الإسرائيليّ المتكرّر للمشافي والمراكز الطبّيّة وملاحقة واعتقال الأطبّاء.

طفل داخل خيمة في غزّة (Getty)

وأعرب عن آماله في انتهاء الحرب بأسرع وقت ممكن، مطالبًا بفتح المعابر وإغاثة قطاع غزّة حتّى يتمكّن السكّان من العودة إلى حياتهم الطبيعيّة.

وجرّاء الحرب وقيود إسرائيليّة، بات سكّان غزّة ولا سيّما محافظتي غزّة والشمال، على شفا مجاعة، في ظلّ شحّ شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليونيّ فلسطينيّ من السكّان القطاع الّذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عامًا.

ومنذ 7 أكتوبر الماضي، تشنّ إسرائيل بدعم أميركيّ وغربيّ حربًا على غزّة أسفرت عن أكثر من 126 ألف قتيل وجريح فلسطينيّين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.

وتواصل تلّ أبيب هذه الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدوليّ بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدوليّة بإنهاء اجتياح رفح (جنوب)، واتّخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعيّة، وتحسين الوضع الإنسانيّ المزري بغزّة.

التعليقات