عمر البرغوثي: قانون المقاطعة ظلامي وهو أفضل شهادة على نجاح حملة المقاطعة

"نجحت الحملة في الحصول على تأييد بعض أهم النقابات العالمية، وحققت اختراقات كبيرة في مجال المقاطعة الثقافية والاقتصادية"

عمر البرغوثي: قانون المقاطعة ظلامي وهو أفضل شهادة على نجاح حملة المقاطعة

يحمل إقرار الكنيست الإسرائيلي لاقتراح قانون "المقاطعة"، الذي بادر إليه رئيس الائتلاف الحكومي من حزب "الليكود" زئيف إلكين، دلائل سياسية لنجاح وتأثير حملات المقاطعة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل فلسطينيًا وعالميًا كأحد أهمّ طرق النضال السلمي ضد الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي، غير أنه في الوقت ذاته يفضح الوجه الحقيقي للفاشية الإسرائيلية المتصاعدة التي تمارس بأدوات "ديمقراطية" وازدياد سطوة اليمين المتطرف، إلى جانب كونه حلقة في سلسلة القوانين العنصرية التي تهدف إلى تجريم العمل السياسي الخارج عن الإجماع الصهيوني والمسّ بالحريات الديمقراطية الأساسية، واستمرار لسياسات تكريس وشرعنة الاستيطان الإسرائيلي الكولنيالي في الضفة الغربية وضمّ أراضيها، والتي تهدف بالأساس إلى تقويض أية فرصة لتسوية مستقبلية. 


بعد إقرار القانون التقت صحيفة "فصل المقال" مع عمر البرغوثي أحد قادة الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وهو أسير سابق ومناضل فلسطيني معروف، عضو مؤسس في حملة المجتمع المدني الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها وفي الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وهو مؤلف لكتاب صدر بالإنجليزية (2011) وبالفرنسية (2010) بعنوان، مقاطعة، سحب استثمارات، عقوبات: النضال الكوني من أجل الحقوق الفلسطينية.

فصل المقال: هناك من يربط بين إقرار قانون المقاطعة ونجاح حملة المقاطعة عالميًا، هل حقّقت الحملة بالفعل نجاحًا وإنجازات؟

منذ إطلاق المجتمع المدني الفلسطيني لنداء مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، المعروف عالمياً بـ BDS، في 2005 لم يتوقع أكثرنا تفاؤلاً أن نصل إلى هنا اليوم من حيث الإنجازات والانتشار عالميًا. فاللجنة الوطنية للمقاطعة، وهي القيادة الفلسطينية لحملة المقاطعة الدولية، تعد أكبر تحالف على الإطلاق في المجتمع الفلسطيني وهي تضم جميع القوى السياسية والنقابات العمالية والمهنية ومؤسسات اللاجئين والمنظمات الأهلية والاتحادات الشعبية وغيرها.
إنّ أهم إنجاز للحملة كان ولا يزال التأكيد على أن ممارسة شعبنا لحقه في تقرير المصير تشترط في حدها الأدنى: إنهاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967؛ إحقاق المساواة الكاملة وإنهاء نظام التمييز العنصري الإسرائيلي، وهو من أشكال الأبارتهايد، ضد المواطنين الفلسطينيين في مناطق 48، ممارسة اللاجئين الفلسطينيين لحقهم المكفول في القانون الدولي بالعودة إلى الديار التي شردوا منها أثناء ومنذ نكبة 1948. بعد محاولة اختزال تعريف الشعب الفلسطيني في اتفاقيات أوسلو ليستثنى شعبنا في مناطق 48، أعاد نداء المقاطعة التاريخي التأكيد على وحدة شعبنا في كافة أماكن تواجده ووحدة مصيره.

إن تأييد الغالبية الساحقة من مؤسسات وأحزاب ونقابات واتحادات الشعب الفلسطيني في كل مكان لنداء المقاطعة شكل أهم عناصر نجاح الحملة عالميًا، كونها قدمت صوتاً فلسطينيًا موحدًا يطالب العالم لا بالشفقة على شعبنا بل بالتضامن الفعال والمستمر معه بتطبيق مبادرات خلاقة لمقاطعة إسرائيل وجميع مؤسساتها المتواطئة في إدامة الاحتلال والأبارتهايد وسحب الاستثمارات من شركاتها وجميع الشركات والمؤسسات العالمية الداعمة لسياستها الاستعمارية والعنصرية. والحملة تركز على الحقوق لا الحلول، أي أنها لا تأخذ موقفًا كحملة حول حل الدولتين أو الدولة الديمقراطية الواحدة، بل تصرّ على احترام تطبيق حقوقنا الثلاثة الأساسية أعلاه بغض النظر عن طبيعة الحل السياسي للقضية الفلسطينية الذي تقره غالبية شعبنا، كل شعبنا.
تعتمد حملة المقاطعة BDS على حلفاء كثر في شتى أنحاء العالم، كما وقامت بعض المؤسسات والحملات الإسرائيلية بالانضمام إليها وتبني مطالبها الثلاثة بالكامل، ومنها حملة "مقاطعة إسرائيل من الداخل" و"تحالف النساء للسلام" وغيرها.

فصل المقال: ما هي النجاحات العملية عالميًا؟

على الصعيد العملي، نجحت الحملة في الحصول على تأييد بعض أهم النقابات العالمية في جنوب أفريقيا وبريطانيا وايرلندة وكندا والنرويج والبرازيل وغيرها. فاتحاد النقابات البرازيلي وحده يمثل أكثر من 22 مليون عامل، أما اتحاد النقابات البريطاني فيمثل 6.5 مليون عامل، وكلاهما يؤيد المقاطعة. كما نجحنا مع جميع حلفائنا منذ العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة المحتل والمحاصر، وبالذات بعد العدوان على أسطول الحرية العام الماضي، بالوصول إلى "الأبراج العاجية" في الغرب، فحققنا اختراقات في مجال المقاطعة الثقافية، حيث قام بعض أشهر الفنانين والفرق الفنية العالمية بالالتزام بمعايير المقاطعة وإلغاء حفلات وأنشطة كانت مقررة في تل أبيب وغيرها. كما اتسع نطاق الحملة ليصل إلى الأكاديميين، حيث انتشرت حملات المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل في بلدان عدة، بالذات بريطانيا. وكان أهم إنجاز ملموس على هذا الصعيد حتى الآن هو قيام جامعة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا بقطع علاقاتها المؤسساتية مع جامعة بن غوريون بالنقب على ضوء تورط الأخيرة في انتهاكات حقوق الإنسان والتواطؤ مع جيش الاحتلال.

أما على الصعيد الاقتصادي، على سبيل المثال لا الحصر، فقد كلفت حملة المقاطعة شركة فيوليا الفرنسية المتورطة في مشروع الترام بالقدس المحتلة عقوداً باهظة قدرت بمليارات الدولارات حتى الآن، بالذات في السويد وبريطانيا وايرلندة وفرنسا. كما نجحنا مع حلفائنا الإسرائيليين والأمريكيين والنرويجيين والسويديين في إقناع صندوق التقاعد النرويجي الضخم ومثيله السويدي بسحب الاستثمار من شركات إسرائيلية متورطة في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي. ومؤخراً، نجحنا في الضغط على الحكومة الألمانية لتنهي مشاركة شركة القطارات الألمانية، دويتشه بان، التابعة لها في مشروع إسرائيلي يخالف القانون الدولي، وذلك للمرة الأولى منذ عقود.

فصل المقال: ماذا يقف من وراء هذا النجاح؟ 

إن طبيعة الحملة السلمية واستنادها بالكامل إلى القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان إضافة إلى اعتمادها على المبادرات الخلاقة لحلفائنا وعلى تكتيكات ديناميكية تراعي الظروف السياسية والتنظيمية في كل موقع على حدة جعلتها تشكل تحدياً وصف بالـ"استراتيجي" من قبل المؤسسة الإسرائيلية ومجموعات الضغط التابعة لها حول العالم. فإسرائيل، رغم امتلاكها لأسلحة نووية وجيش قوي، لم تخترع بعد سلاحاً فعالاً للتصدي لمثل هذا الشكل من المقاومة السلمية المدعومة بتضامن دولي هائل، والتي أعادت إلى الأذهان النضال البطولي المنتصر لشعب جنوب أفريقيا ضد نظام الأبارتهايد البائد.

 فصل المقال: هناك ادعاء أن المقاطعة هي عنصرية اتجاه الإسرائيليين، ما تعليقك؟

تقصد أنها عنصرية ضد اليهود، أي معادية للسامية؟ إن هذا الادعاء هو بحد ذاته معاد للسامية! فهو يختزل يهود العالم إلى كتلة واحدة متجانسة ويعتبر إسرائيل ممثلاً وحيدًا بل ورديفًا لها، وهذا ينم عن عنصرية حقيقة ضد اليهود. عدا عن ذلك، فالادعاء باطل بالكامل، فحملة المقاطعة تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان وترفع شعار "الحرية والعدالة والمساواة"، أي أنها ترفض بالمطلق جميع أشكال العنصرية، بما في ذلك العداء العنصري لليهود. كما إن هناك العديد من القوى اليهودية التقدمية في العالم التي تؤيد حملتنا وتعمل جاهدة في حملات عينية رائعة ومؤثرة. وهناك عدد كبير من الشخصيات اليهودية المرموقة عالمياً في مجال العلم والفن والأدب أيدت حملة المقاطعة بل وتلعب دوراً قيادياً فيها في الدول الغربية.

أخيرًا، لا بد من التعليق هنا على النفاق الصهيوني الفاقع في هذا الاتهام. فلماذا يعتبرون مقاطعة إسرائيل عنصرية ضد اليهود بينما لم يعتبر أحد حملات المقاطعة في جنوب أفريقيا معاداة للبيض، مثلاً، أو حملة سحب الاستثمارات من السودان بسبب الجرائم المرتكبة في دارفور معاداة للعرب؟ هل إذا دعا المجتمع المدني السعودي، مثلاً، إلى حملة مقاطعة ضد الدولة ومؤسساتها المتواطئة بسبب انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان واستجاب العالم سنعتبر ذلك معاداة للإسلام والمسلمين؟ بالطبع لا! إذاً لماذا المعايير المزدوجة؟


فصل المقال: في ظل ظروف المواطنة لفلسطينيي48، ألا يوجد تناقض مع نداء المقاطعة؟

لا يفرض نداء المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات شكلاً موحداً لتطبيق المقاطعة في كل مكان وزمان، بل يفترض بالضرورة أن تراعي التكتيكات المتبعة طبيعة كل موقع وظروفه الخاصة. فالقطاعات المستهدفة والتكتيكات المتبعة في حملة المقاطعة في بريطانيا مثلاً تختلف كثيرًا عنها في ألمانيا أو الولايات المتحدة أو الهند. كذلك، لا يمكن أن نتوقع من شعبنا في مناطق 48 أن يطبق تكتيكات تلائم الضفة الغربية أو غزة. وأهل مكة أدرى بشعابها.

إن بعض المبادئ والمقترحات العينية لتطبيق المقاطعة في مناطق 48 تمخضت عن عدة اجتماعات مثمرة عقدت منذ أشهر في حيفا مع عدد هام من قيادات العمل الطلابي الفلسطيني بالجامعات الإسرائيلية، من كافة التيارات السياسية. إن أهم هذه المبادئ هي: دعم حملة المقاطعة عالميًا وعدم القيام بما قد يضعفها، التدرج وتركيم الإنجازات، وبناء التحالفات الواسعة.
بناءً على ما تقدم، هذه بعض الاقتراحات العينية لتطبيق المقاطعة في مناطق 48:
- رفض تمثيل إسرائيل أو مؤسساتها الخاضعة للمقاطعة في المؤتمرات والمحافل الدولية.
- عدم توفير غطاء فلسطيني للمؤتمرات والمهرجانات والمؤسسات الخاضعة للمقاطعة (كمهرجانات السينما ومهرجان العود وغيرها من الأنشطة المدعومة حكومياً وذات الطابع الدولي).
- مقاطعة الخدمة المدنية وأي شكل "مبتكر" يهدف إلى تطويع الفلسطينيين في 48 واستغلال ذلك في مواجهة المقاطعة.
- المقاطعة التجارية (بضائع المستعمرات والبضائع المقاطعة دوليًا ذات البدائل).
- ترويج وتطبيق المقاطعة في المجال السياحي والترفيهي ("العال"، إيلات، الفنادق والخدمات السياحية الإسرائيلية، المقاهي/المطاعم المقاطعة عالميًا) وتنشيط السياحة البديلة.

وهناك موضوع يثار دائمًا عند طرح موضوع المقاطعة في الداخل، وهو إن كان ذلك يتعارض مع فكرة التعايش مع اليهود. هنا لا بد من التأكيد على أن جميع القوى السياسية والشعبية المنضوية في إطار اللجنة الوطنية للمقاطعة تطرح حل الدولتين أو الدولة الديمقراطية الواحدة، وهي في الحالتين تؤمن بالتعايش بعد إنجاز الحرية وتقرير المصير والمساواة، وبعد إنهاء الاستعمار والاضطهاد العنصري، لا قبله.

فصل المقال: لقد كنت متفائلا بعدم نجاح القانون في الكنيست، ما هو تقيمك لنجاح القانون وهل تدخل حملة المقاطعة مرحلة جديدة بعد القانون؟

أعترف أنني كنت أشك بنجاح اليمين المتطرف بتمرير قانون المقاطعة، لاعتقادي بأنه لا يزال هناك بعض من "العقلانية" لدى قيادة الحركة الصهيونية والمؤسسة الحاكمة، ولكن يبدو الآن أن الجنوح نحو التطرف العنصري واللاعقلاني هو سيد الموقف في الأوساط السياسية الإسرائيلية. ولكن كما قلت في السابق، فإن حملة المقاطعة ستكسب في الحالتين، إذا أقر القانون، كما حدث، أو إذا لم يقر (أو شُطِب لاحقاً من قبل المحكمة العليا). فإقرار الكنيست للقرار قبل أيام يعني عملياً تكريس عزلة إسرائيل الدولية وتخليها عن أحد آخر أقنعة "الديمقراطية" الزائفة التي خدعت العالم بها.

فرغم إن إسرائيل لم تكن يوماً سوى دولة استعمار استيطاني إحلالي وعنصري، أي لا يمكنها أن تدعي أية علاقة بالديمقراطية من قريب أو بعيد، إلا أن آلتها الدعائية هائلة النفوذ ومجموعات ضغطها الغنية والحكومات الغربية المتواطئة معها كلها ساهمت في تكريس خديعة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، بالذات في أوساط المجتمعات الغربية. إن هذا القانون سيساعد حملة المقاطعة بدون أدنى شك في تبديد هذا الوهم وبالتالي في الوصول أكثر من ذي قبل بكثير إلى جماهير ليبرالية عريضة في المجتمعات الغربية، مما سيفاقم أزمة إسرائيل ويجعلها أكثر من أي وقت مضى تبدو في أعين الكثيرين حول العالم على حقيقتها كدولة مارقة، خارجة عن القانون، ولا بد أن تقاطع لإنهاء حصانتها وعنجهيتها الاستعمارية وجرائمها ضد شعبنا.

أما إذا قررت المحكمة العليا شطب القانون بحجة "عدم دستوريته" فهي ستكون قد فعلت ذلك فقط من منطلق خوف، بل ارتعاد، بعض الأصوات "العقلانية" الصهيونية من الآثار المدمرة على سمعة إسرائيل لمثل هذا القانون. وسنعتبر هكذا تراجع في حينه، إذا حصل، انتصاراً لحملتنا بالتأكيد. قد تنجح المؤسسة الحاكمة في الملاحقة القضائية لبعض نشطاء المقاطعة هنا وهناك من حلفائنا الإسرائيليين تحديدًا أو من الفلسطينيين من حملة بطاقة الهوية الإسرائيلية، ولكن كل ذلك لن يزيدنا إلا إصرارًا على مواصلة نضالنا المدني هذا حتى تحصيل حقوقنا غير القابلة للتصرف، كما إنه سيشعل ويلهب التأييد العارم أصلاً لحملة المقاطعة عالمياً.

إن هذا القانون الظلامي الجديد لهو أفضل شهادة على نجاح حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في هز أركان النظام الاضطهادي الإسرائيلي المركب لشعبنا وفي التأكيد على أن "اللحظة الجنوب أفريقية" قد حانت في نضالنا.

التعليقات