الملتقى الشــــبابي الفلســطيني: عن المعرفة والمعنى والحراك

"نريد أن نقول للمؤسسات الشبابية، أنه يمكننا فعل الكثير بدون تمويل اجنبي" هكذا ابتدأت سلوى طه (23 عامًا) احدى منظمات الملتقى الشبابي الفلسطيني حديثها عن الملتقى، وأضافت طه "تقوم فلسفة الملتقى الشبابي على ثلاثة مقولات: الأولى، إن الكثير يمكن أن نفعله بتمويل ذاتي وبسيط، وإنّ المواضيع الفكرية نحن من يحدد اولوياتها ولا حاجة لخبراء أجانب ليفرضوا علينا سلم اولويات النقاش الفكري، وإنّه لابد من تقليص الفجوة بين الأكاديمي والمثقف الفلسطيني من جهة والشباب الفلسطيني من جهة أخرى، الملتقى حاول ان يقول هذه المقولات وإلى حد ما نجحنا في ذلك".

الملتقى الشــــبابي الفلســطيني: عن المعرفة والمعنى والحراك

من طارق خميس

خاص بـ "فصل المقال" وموقع عرب48

في إحدى قاعات مدينة رام الله كان يمكنك أن تشاهد فلسطين التاريخية متجسدة بشباب واعٍ، شباب قدموا للمشاركة في اعمال الملتقى الشبابي الفلسطيني من جميع مناطق فلسطين؛ من النقب حتى شمال فلسطين التاريخية مرورًا بالقدس وغزة بالاضافة لمدن الضفة المختلفة، جاؤوا لثلاثة ايام في الفترة الواقعة بين 30/8 الى 1/9، للمشاركة في النقاش الفكري والثقافي حاملين تمويلهم معهم، وهذا الذي بدا غريبًا بعض الشيء على مدينة اعتادت المؤتمرات الممولة والنشاطات الموسومة بعبارة "بدعم من ..."، إلا أنّ هذا الملتقى وَسَم إعلانه بعبارة "بدعم من الشعب الفلسطيني".

"نريد أن نقول للمؤسسات الشبابية، أنه يمكننا فعل الكثير بدون تمويل اجنبي" هكذا ابتدأت سلوى طه (23 عامًا) احدى منظمات الملتقى الشبابي الفلسطيني حديثها عن الملتقى، وأضافت طه "تقوم فلسفة الملتقى الشبابي على ثلاثة مقولات: الأولى، إن الكثير يمكن أن نفعله بتمويل ذاتي وبسيط، وإنّ المواضيع الفكرية نحن من يحدد اولوياتها ولا حاجة لخبراء أجانب ليفرضوا علينا سلم اولويات النقاش الفكري، وإنّه لابد من تقليص الفجوة بين الأكاديمي والمثقف الفلسطيني من جهة والشباب الفلسطيني من جهة أخرى، الملتقى حاول ان يقول هذه المقولات وإلى حد ما نجحنا في ذلك".
قسّم الملتقى الشبابي الفلسطيني اعماله إلى ثلاثة محاور موزعه على أيامه الثلاثة تحت شعار "فضاءات المعرفة وسؤال العمل"، حيث ناقش: الاستعمار وتشكل الفضاء الفلسطيني في اليوم الاول، وفلسفة الوجود والمعنى في يومه الثاني، وختم اعماله في مقاربة فلسطين معرفيًا.

أعمال اليوم الأول: الاستعمار كمشكل للغة والفضاء
تضمن الملتقى في اليوم الأول عدة محاور مهمة حاولت ان تقارب موضوعة الاستعمار، حيث كانت البداية مع د.إسماعيل الناشف في محاضرة تحت عنوان "الاستعمار وتشكيل اللغة السياسية"، تناول في حديثه الاستعمار والسبل الفلسطينية للتغلب على الاستعمار وتبعات ذلك، كما تطرق للنظام في بلادنا واعتبره امتدادًا للنظام الرأسمالي الذي أفرز العديد من المستعمرات من خلال إعادة صياغة العديد من الأفكار الاستعمارية الغربية، كما حاول الإجابة على تساؤل: ما هي التصرفات اليومية التي تكرس نظام الاحتلال؟


- اسماعيل ناشف -
 

تلا ذلك محاضرة أ.خالد عودة الله، الباحث في العلوم الاجتماعية وفلسفتها، حيث كان عنوان محاضرته "من النظر والعمل الى النظر في العمل"، تطرق خلالها لمفهوم ابستمولجيا الالتزام طارحًا مجموعة من الأسئلة برسم الإجابات: ما هو الشرط الذي ينتج منه وفيه المثقف الملتزم معرفته؟ وما هي حدود الذاتي والموضوعي في المعرفة الملتزمة؟ وبماذا يلتزم المثقف الملتزم؟ مشيرًا الى أن الجبن يتناسب طرديًا مع المعرفة متسائلا عن المثقف المشتبك والممارس للفعل في السياق الفلسطيني.


واختتمت المداخلات بورقة الصحفي والباحث في العلوم الاجتماعية طارق خميس والتي كانت بعنوان"نقد نقد الثورات"، حيث ناقش المقولات النقدية الرئيسية التي وجهت الى الثورات العربية، وتطرق خلال ذلك لمفهوم الثورة في السياق العربي الاسلامي وفي السياق الغربي، كما عرج على علاقة الدين بالثورة تاريخيًا وميز الدور الايجابي للدين في دفع عجلة التطور الديمقراطي، كما ناقش الانماط الثلاثة للثورات العربية وبين صيرورة الثورة في كل منها، وحاول اثبات عبر رصد سريع مقولة إنّ الواقع هو من يشكل التنظير تباعًا في الحالة الإسلامية.

وأقام الملتقى في ختام هذا اليوم مناظرة بين المشاركين حيث تقدمت الباحثة الاجتماعية نقاء حامد بتعريف بأدوات المناظرة الفعالة وجرى تقسيم المشاركين لمجموعات تناقش سؤال شكل الدولة.

أعمال اليوم الثاني: الوجود والمعنى
افتتح الشيخ بسام جرار هذا اليوم بمحاضرته التي عنونت بـ"القرآن النص المؤسس"، عرف خلالها القرآن الكريم على أنه النص المؤسس، وأن رسالة النبي محمد هي عامة وليست خاصة بقومه، أشاد بالمستوى البلاغي للقرآن الكريم وأن دارسه كلما تعمق به وجد نفسه يرتقي إلى السطح.

واعتبر أن القرآن ليس أداة معرفية فحسب وإنما منهج لتطوير التفكير من خلال التكرار والتلوين في الشكل والصيغة، والقصص القرآنية التي تكررت لتغطي زوايا متنوعة اجتماعية، اقتصادية، سياسية في كل مرة.

وكانت محاضرة أ. سامر نمر حول التفكير خارج الصندوق، بحيث دعا الحاضرين إلى التفكير خارج الإطار النمطي والبحث دائمًا عن فكرة غير اعتيادية باستخدام العقل والمنطق، وقد استخدم الأسلوب القصصي والتدريبات في محاضرته.

ثم تحدث د. جمال ضاهر فيما بعد حول "التفكير خارج إطار المؤسسة" ،حيث قام بالتطرق إلى مفهوم المؤسسة، ورأى أنه بإمكان الأفراد أن يخرجوا عن التفكير داخل إطار المؤسسات المحكومة باللوائح والقوانين فهذه الفوضى هي نظام من نوع آخر، وتناول المدرسة بوصفها أداة من أدوات الضبط والإخناع، وحاول استفزاز الجمهور بكشف مظاهر الخنوع في حياتهم اليومية، ولاقت محاضرة الضاهر ضجة كبير حيث كثرت الاسئلة وتنوعت الاهواء تجاهها، وهذا كان هدف الملتقى اثارة المياه الراكدة كما عقبت سلوى طه.

وجاءت مداخلة الباحث الاقتصادي ابراهيم الشقاقي متناولة لموضوع النيوليبرالية مع التركيز على نكهتها الفلسطينية بحسب وصفه، فبعد عرض تاريخي لليبرالية الاقتصادية وإعادة احيائها تناول مقولاتها الكبرى، وتطرق لما اسماه المرحلة الفياضية نسبة للدكتور سلام فياض رئيس وزراء حكومة الضفة.

وقدمت المهندسة سلوى طه ورقة بعنوان الوجودية الإيمانية، تناولت خلالها الوجودية كمدرسة فلسفية وطريقة بالتفلسف تعلي من مركزية الإنسان، منتصرة في حديثتها للوجودية الايمانية التي دشن لها كيركجارد وهايدجر معتبرة ان الوجودية تلتقي مع التصوف الاسلامي.

وفي ختام هذا اليوم عرض الجمهور بعض من مبادراتهم الشبابية وتم نقاشها فقدم احمد بيقاوي فكرة مبادرة "ساند" والتي تهدف لتعزيز موقف أي مؤسسة او شركة تهدف مقاطعة التمويل الأجنبي من خلال مدها بكادر من المتطوعين، وقدمت سجى المجدوبي عرضا لنادي "زدني" واهم نشاطاته وهو النادي الذي اصبح له اسما مميزًا في الوسط الشبابي، ومن القدس قدم حمزة ابوغزالة مبادرة "صنع في القدس" وهي تحاول تقديم منتج وطني من مدينة القدس المحتلة مبتدئًا بصناعة الملابس وطباعة العبارات عليها بلغة عربية ومضمون مفيد، وعرضت مؤسسة بيت المقدس للأدب مبادرة الهندسة النفسية لتشيكل الشخصية.

أعمال اليوم الثالث والأخير: مقاربة فلسطين معرفيا
بدأ د.عبد الرحيم الشيخ اليوم الثالث بمحاضرته حول موضوع "الفلسطيني الجديد وتحولات الأرض والحكاية" حيث افتتحها بالتعريج على القواميس اللغوية لتعريف المصطلح الحديث، وعرف الفلسطيني الجديد بأنه منقطع عن ماضيه وحاضره، وأنه سعيد بالرفاهية المتوفرة لديه، كما أنه عظيم ليس له شبيه، وربط ذلك بالواقع الفلسطيني المعاش.


- عوض عبد الفتاح -

وجاءت مشاركة أ. عوض عبد الفتاح، أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، بمحاضرة عن "عرب الداخل صراع الهوية وخارطة العمل السياسي" حيث قدم عرضا تاريخيا للرواية الفلسطينية عن فقدان الارض وتدمير الحداثة الناشئة، ومحاولة الاحتلال الصهيوني طرد الفلسطينيين ومن ثم إعادة تشكيل من بقي منهم فيما بعد، ثم تحدث بإسهاب عن تطور العمل السياسي في الداخل الفلسطيني، وعن نمو الأحزاب السياسية وبعض مشاركاتها ودخول بعضها العمل السياسي في الكنيست الإسرائيلي، وتناول المقولات السياسية للأحزاب الفلسطينية بالداخل الفلسطيني وعرج على اتفاقية اوسلو واخراجها لعرب الداخل من المعادلة.

وتلا ذلك محاضرة أ. هاني المصري الذي تحدث عن القضية الفلسطينية ومسار الخروج، أكد من خلالها أن النضال المسلح لا بد أن يكون جزءا من البرنامج الوطني الفلسطيني، وأن المفاوضات ليست أداة فعالة في كل شيء، وأسهب في توصيف حالة الانغلاق في المشهد السياسي الراهن، معتبرًا ان على الفعالين السياسيين التفكير سويا بمسار جديد يجمع أدوات العمل السياسي والمقاوم في إطار فعال ومثمر.

وفي جلسة تناولت الحركات الشبابية في فلسطين تحدث الشاب محمود ريان عن الحركات الاجتماعية غير الحزبية في الداخل المحتل، وتطرق للمعاناة اليومية بالنسبة للشاب الفلسطيني بالداخل وكيف ان العنصرية الاسرائيلية تنضج هويته والتفاته الى ذاته.

وتناول الشاب مراد جاد الله مهمة توصيف الواقع في الضفة الغربية ووضع الحراكات الشبابي في سياقها السياسي والاجتماعي، حيث وصف المشهد القائم بدقة عالية ووضع الحركات في مكان الرفض لما هو قائم.

ولقد جرى نقاش مطول بين المداخلين والجمهور حول جدوى المشاركة في الحراكات الشبابية ومدى ملاءمتها لمتطلبات المرحلة.

وختم هذا اليوم بمداخلة من مركز بيسان قدمتها الباحثة آيات حمدان تحدثت فيها عن التمويل الأجنبي وتشكل الفضاء الفلسطيني، وقدمت ارقاما وحقائق متماسكة ترصد واقع الفلسطينيين حيث تم اعادة تشكيله بأموال المانحين بدءًا بالتعليم وليس انتهاء بالصناعة، وتطرقت لتركيز السلطة على تخصيص اغلب ميزانيتها للأمن وإهمال قطاعي الزراعة والصناعة.


- عبد الرحيم الشيح -

إثارة الأسئلة وتحرك الوجدان الوطني
تقول الصحفية سجى نصر الله " لقد كانت وظيفة الملتقى اثارة الاسئلة واحداث الاستفزاز المعرفي، هذا الانطباع الذي خرجت به خلال الأيام الثلاثة"، فيما وجد عزام يحيى احد المشاركين أن "اجتماع البلاد التي فرقها الاحتلال بكل جدرانه وحديده وعديده إلا فرحة في القلب ودمعة في العين، أن ترى حتى "النقب" حاضرًا فهذا فكر بحد ذاته، وهذا عمق العاطفة وانطلاقها".

ويبقى هذا الجهد جديدًا ووليدًا محاولا ترسيخ افكاره واحلال بديل لما تم تشويهه، ولقد خرج المنظمين بمجموعة استنتاجات حول تطوير العمل في السنوات المقبلة.

التعليقات