المنتدى الاجتماعي العالمي في البرازيل ينتصر لفلسطين

اعتمدت السياسات الخارجية الإسرائيلية على توسيع قاعدتها الجغرافية نحو الهند الصين والبرازيل كدول تتزايد قوتها الاقتصادية وتبحث عن دور وتأثير سياسيين لها على المستوى الدولي، دون أن يمس ذلك جوهر الاستراتيجية الإسرائيلية وهي علاقاتها مع الولايات المتحدة، وبالتنسيق في كثير من الأحيان (لكن ليس في جميعها) مع حليفتها الاستراتيجية الأولى. وتحاول إسرائيل في ذلك تحصين علاقاتها الخارجية وإخراجها من دائرة الصراع العربي- الإسرائيلي كصراع مؤسس في علاقات إسرائيل الخارجية، من جهة، ومن جهة أخرى مجاراة لما يحدث دوليا من تنامي قوى تلك الدول.

المنتدى الاجتماعي العالمي في البرازيل  ينتصر لفلسطين

في المؤتمر السنوي الثاني عشر لمنظمات المجتمع المدني، يختار المنتدى الاجتماعي العالمي عنوان "الحرية لفلسطين"، وتحمل المنظمات والهيئات المناوئة "لهيمنة العولمة الرأسمالية" القائمة، والمنادية بنظام عالمي بديل يعتمد على العدالة والمساواة، القضية الفلسطينية كرمز لمطالبها وكمفتاح سياسي للتغيير العالمي المنشود. ويضم المنتدى مؤسسات غير رسمية بالإضافة لتلك الرسمية ومن بينها نقابات العمال وحركات سياسية مختلفة.

النائبة زعبي تشارك على شرف التحضير للمنتدى بمؤتمرات صحفية ولقاءات سياسية 
انعقد في كل من مدينتي سانت باولو وبورتو أليغري البرازيليتين مؤتمرات صحفية واجتماعات مع برلمانيين برازيليين تحضيرا للمنتدى الاجتماعي، الذي سينعقد نهاية شهر تشرين ثاني في مدينة بورتو أليغري في البرازيل، وينتصر المنتدى في مؤتمره الثاني عشر للقضية الفلسطينية، الذي اتخذها عنوانا لها: "الحرية لفلسطين". وكانت النائبة حنين زعبي الضيفة الرسمية في المؤتمرات الصحفية التي عقدت، ومن بينها مؤتمرا صحفيا في بورتو أليغري بحضور رئيس بلدية بيت لحم السيد فكتور بطارش، سفير السلطة الفلسطينية في البرازيل، السيد إبراهيم الزبن، حاكم مدينة ريو جراندي سول تارسو جينرو، النائب راؤول كرايون بالنيابة عن رئيس برلمان المدينة، وممثلين عن نقابة العمال الكوتش الراعية الفعلية والتنفيذية للمؤتمر.  

كما التقت زعبي برئيس حزب العمال الحزب الرئيسي ضمن الائتلاف الحاكم  في البرازيل السيد راؤول بونت، وبمسؤولة العلاقات الخارجية في الحزب، ورئيس الحزب الشيوعي السيد راؤول كاريون، وكانت ضيفة برلمان المدينة  الذي رحب بها في كلمة ألقاها رئيس البرلمان، والتقت هناك بعدد كبير من البرلمانيين البرازيليين من مختلف الأحزاب الذين عبروا عن تضامنهم مع المنتدى ومع قضيته المركزية، وقد كرم البرلمان النائبة زعبي بميدالية تحمل توقيع جميع البرلمانيين من الأحزاب الأحد عشر المشاركة في برلمان المدينة.

بالإضافة لذلك شاركت في ندوة حضرتها الجمعيات العضو في تنسيقية الحركات الاجتماعية البرازيلية، وندوة أخرى نظمتها الجالية الفلسطينية بحضور كلا من رئيس بلدية بيت لحم وسفير فلسطين.  واختتمت زعبي لقاءاتها باجتماع مع الجمعيات التحضيرية للمنتدى وعلى رأسها نقابة العمال ومنظمة Word March of Women .

لا شرعية في دفاع العنصرية عن نفسها
وقد ركزت النائبة زعبي خلال لقاءاتها على أن القضية الفلسطينية هي قضية شعب لا يتواجد فقط في المناطق المحتلة في الضفة وغزة المحاصرة والقدس التي تهود بشكل شرس، بل هو مشتت أيضًا ما بين مخيمات لجوئه والشتات ومن بقي داخل وطنه وأصبح مواطنا في إسرائيل، وأن من يريد دعم الفلسطينيين عليه أولا أن يدعم وحدتهم كشعب ووحدة قضيتهم، وأن يدرك أن هنالك مخططا عنصريا واحدا وراء تشتت الفلسطينيين، لجوئهم، احتلالهم وقمعهم، وأنه لا إمكانية دعم للفلسطينيين دون مواجهة المخطط الصهيوني ككل.

وأكدت أنه في الوقت الذي تبرر فيه إسرائيل سياسات الاحتلال والاستيطان وجدار وحواجز الفصل العنصري والحصار "بأنها تدافع عن نفسها"، على العالم أن يعي ما هي هذه "النفس"، وأننا لسنا بصدد الحديث عن كيان ديمقراطي طبيعي، بل عن دولة عنصرية أقيمت بمنطق إقصائي وإحلالي وتهويدي من الأساس بغض النظر عن مدى توسع مستوطناتها واحتلالها خلال الحروب التي خاضتها بعد قيام الدولة. وان الكشف عن الطبيعة العنصرية للسياسات الإسرائيلية، تسقط فوريا مقولة الدفاع عن "النفس"، حيث الدفاع عن العنصرية أمام الأخطار المحدقة بها هو استكمال للمخطط العنصري الذي لا شرعية في الدفاع عنه، وأن ما تسميه إسرائيل أخطارا أو تهديدا هو عمليا نصالا شرعيا في سبيل الحقوق الإنسانية والتاريخية والسياسية للشعب الفلسطيني ابن هذا الوطن. ووقفت زعبي طويلا أمام القوانين الإسرائيلية العنصرية وأمام معنى الولاء في إسرائيل وتحول النضال من أجل الديمقراطية إلى خطر استراتيجي بعرف الشاباك والمؤسسة الإسرائيلية، الأمر الذي أصاب جميع الحضور، بمن فيهم أكثر النشيطين والملمين بالقضية الفلسطينية بالصدمة الكاملة. وأكدت زعبي في هذا السياق أن الخطاب العالمي لدعم الفلسطينيين يغيب تماما الطبيعة العنصرية للنظام في إسرائيل، الأمر الذي يوفر للأخيرة منبرا دوليا سهلا ومريحا للتبجح حول ديمقراطيتها، وحول قاعدة "القيم المشتركة" مع الغرب، فاكة الارتباط تماما ما بين هذه "الطبيعة الديمقراطية" أو "القيم المشتركة" وبين حقوق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يمكنها من تحويل سياسات الاحتلال لسياسات "دفاعية".  


الحكومة: ما بين العلاقات مع إسرائيل ودعم الشعب الفلسطيني  وفي الوقت الذي أكدت فيه جميع الجمعيات ونقابات العمال في البرازيل دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني أينما كان، ودعمهم لوحدة قضيتهم، وبأن القضية الفلسطيني ليست قضية احتلال للضفة وغزة فحسب ولا تحل بإقامة دولة هزيلة أو غير هزيلة، وبأنهم لا يكتفون "بدعم إنساني" على حد تعبير رئيس النقابة بل إنهم سائرون في مسار تسييس هذا الدعم، كان الحديث مع الحزب الحاكم والبرلمانيين أكثر تعقيدا وتشابكا، وأبرز مشكلتين أساسيتين، الأولى: استرخاء الحكومة البرازيلية لسقف الحقوق وسقف النضال الذي تحدده السلطة الفلسطينية، ثانيا: تقسيم وظائف سياسي، حيث يذهب الدعم الاقتصادي والتعاون التجاري والتكنولوجي والعلمي لإسرائيل، والدعم السياسي لفلسطين! بكلمات أخرى أكثر وضوحا، الدعم السياسي العملي لإسرائيل والدعم السياسي العاطفي للفلسطينيين. وهذا ما طرحته زعبي خلال جميع لقائاتها الرسمية، خصوصا خلال لقائها مع رئيس حزب العمال، ورئيسة العلاقات الخارجية، أن هنالك إشكالية كبيرة بين أن ترى البرازيل نفسها صديقة للشعب الفلسطيني، وبين أن تكون إسرائيل هي الدولة الوحيدة خارج أمريكا الجنوبية التي توقع معها البرازيل اتفاقية السوق التجارية الحرة التي تعفي البضائع الإسرائيلية من الضرائب بشكل تام، مشيرة أيضا إلى الاتفاقيات الأخيرة التي وقعت ما بعد الحصار على غزة -الحصار الذي أدانه بشكل واضح  رئيس البرازيل السابق لولا- في مجالات التربية، الزراعة والصحة.

هذا، ويتم بموازاة العلاقات التجارية والعسكرية الأخذة في الازدياد والقوة بين الطرفين، دعما حكوميًا سياسيًا للفلسطينيين، إذ قام رئيس البرازيل السابق لولا ديسلفا، بالاعتراف الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ال67، وكانت البرازيل الدولة الأولى من دول أمريكا اللاتينية التي تعترف بذلك، وفي أعقابها حذا حذوها بعض الدول في أمركيا اللاتينية.   

ورفضت زعبي مقولة أن "العلاقات بين البرازيل وإسرائيل إقتصادية فقط" وليس لها أي بعد سياسي، إذ في كل تعاون وعلاقة بعدا سياسيا، مؤكدة أن على البرازيل وحكومات العالم أن تعرف أن تلك الاتفاقيات تقوي اقتصاد نظام عنصري، وأن كل تعاون هو بمثابة دعم لسياسات إحتلال ولسياسات عنصرية، وأكدت أنه لا حياد في السياسة، فالتطبيع مع الاحتلال والعنصرية يقوي المحتل لا محالة، و" ينتهي بنا الأمر نحن كفلسطينيين أن نجد أنفسنا في مواجهة العالم كله، وليس في مواجهة إسرائيل فحسب". وأكدت زعبي أن إسرائيل لن تعيد حسابات سياساتها إلا إذا دفعت ثمنها، وهي لن تدفع الثمن طالما تستمر في تطوير علاقاتها مع الخارج.

سقف تضامننا تحدده جهات رسمية فلسطينية
أما الإشكالية الثانية التي صرحت بها قوى سياسية مختلفة بالإضافة إلى جمعيات ومنظمات غير حكومية، فهو السقف الذي تحدده السلطة الفلسطينية التي ترفض عزل إسرائيل وإحراجها دوليا! الأمر الذي لا يترك مجال مناورة كبير للتضامن الدولي!

هذا، وكشفت هذه الجهات أن السلطة الفلسطينية أحبطت وقوف تلك الجمعيات ونجاعة حملات المقاطعة ضد اتفاقية السوق الحرة التي وقعت مع إسرائيل قبل بضع سنوات، بحجة أن السلطة الفلسطينية ربما تستفيد اقتصاديا من تلك الاتفاقية! 

العلاقات الإسرائيلية البرازيلية
اعتمدت السياسات الخارجية الإسرائيلية على توسيع قاعدتها الجغرافية نحو الهند الصين والبرازيل كدول تتزايد قوتها الاقتصادية وتبحث عن دور وتأثير سياسيين لها على المستوى الدولي، دون أن يمس ذلك جوهر الاستراتيجية الإسرائيلية وهي علاقاتها مع الولايات المتحدة، وبالتنسيق في كثير من الأحيان (لكن ليس في جميعها) مع حليفتها الاستراتيجية الأولى. وتحاول إسرائيل في ذلك تحصين علاقاتها الخارجية وإخراجها من دائرة الصراع العربي- الإسرائيلي كصراع مؤسس في علاقات إسرائيل الخارجية، من جهة، ومن جهة أخرى مجاراة لما يحدث دوليا من تنامي قوى تلك الدول.

وهنا تتساعد إسرائيل في التغلب على "إشكاليتها" السياسية، كطرف ليس فقط من صراع عربي- إسرائيلي، بل كطرف في صراع يعد عالمي، بما توفره لتلك الدول من خبرة في مجال البحث العلمي والتطور التقني، ومن أهمها تقنيات المياه (واستخداماتها في الزراعة والري واستصلاح الأراضي)، وعلى رأسها التقنية العسكرية! وتربح إسرائيل اقتصاديا من السوق التي توفرها تلك الدول ومن معدلات نموها الكبيرة، لكن الأهم أنها تنجح دوليا في تسخير مقدراتها العلمية والتكنولوجية لتوسيع علاقاتها مع تلك الدول ولتسخيرها لمصلحتها السياسية، فتؤثر على الدور السياسي لتلك الدول قبل أن يبلور بمعزل عنها. بالإضافة لذلك وبدل أن تعاقب على تقنيات عسكرية تستخدمها أولا ضد الفلسطينيين، نراها "تكافأ" عليها، وتدخل إسرائيل بشكل قوي كأكبر مزودة لتقنيات عسكرية للبرازيل، ومن أكبر مزودات تلك التقنية لدول مثل جنوب أفريقيا والهند. هذا ويذكر في هذا السياق، أن البرازيل ستعتمد في استضافتها لمباريات كأس العالم Fifa  عام 2014، وللأولمبيادة القادمة عام  2016 على تقنيات مراقبة وحراسة إسرائيلية تزودها شركة تسمى "الهاغاناة"!!

التعليقات