يوميات غزة: عائلة مسعود نموذجا

الطالبة سمر: الشمعة تكون البديل للكهرباء إن توفرت. بالأمس أمي ضربتني لأنه لا يوجد في المنزل إلا شمعة واحدة، وقاربت على الانتهاء، وأخبرتني أنه يجب أن نوفرها لأختي الأصغر، ولذلك اضطر لحل الواجبات المدرسية في ساعات الصباح"..

يوميات غزة: عائلة مسعود نموذجا

تمام جمعة (عرب 48)

يخيم الحزن والفقر والقلق على وجوه اللاجئين في مدن ومخيمات قطاع غزة المكدسة بالبشر والتي لم تعد تتسع لأحلام ساكنيها. ورغم محاولات تفريغها من مضمونها الثوري والإنساني باللهاث خلف لقمة العيش وفقدان الأمل، إلا أنه لا يزال بقية من حلم بالعودة.

كل وجه في المخيم وخارج المخيم من اللاجئين وغير اللاجئين له حكاية ترويها ملامحه، مع الإشارة إلى أن قطاع غزة في وضع مأساوي يعيشه نحو 2 مليون فلسطيني، يشكل اللاجئون 70 في المئة منهم.

يعتمد اللاجئون في قطاع غزة على المساعدات الغذائية التي تتقلص، وستتوقف في حال استطاعت الإدارة الأميركية تنفيذ تهديدها بإغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي قلصت خدماتها وبرامجها خلال السنوات الماضية.

جدير ذكره أن أونروا قدمت خدماتها من خلال عدة برامج أساسية، في مقدمتها التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وتحسين المخيمات والحماية، إضافة إلى برامج الطوارئ التي تمول معظمها الولايات المتحدة الأميركية، وأوقفت تمويلها بداية العام الجاري.

أزمات تتعاظم يوما بعد يوم: انقطاع شبه مطلق للتيار الكهربائي ولا يتوفر إلا لساعات معدودة في اليوم، وعدم قدرة كثيرين على شراء غاز الطهي، فبعض الناس يلجأون للحطب أو شراء الغاز بالكيلو لمرة أو مرتين في الأسبوع، بينما المال شحيح، وآلاف العائلات لم تتمكن هذا العام من تسجيل أبنائها للدراسة في الجامعات.

معاناة يومية مستمرة بدأت تتفاقم منذ 12 عاما، وأوضاع قابلة للانفجار في كل لحظة.

جمعة مسعود (46 عاما)

في مشروع بيت لاهيا فإن غالبية سكانه من اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على السكن فيه، بعد هدم منازلهم في مخيم جباليا في بداية سبعينيات القرن الماضي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لتوسيع شوارع المخيم لأغراض "أمنية". ولم يعد المخيم يتسع لأعداد اللاجئين الذين تتزايد أعدادهم.

يسكن جمعة مسعود (46 عاما) وعائلته المكونة من 9 أفراد على سطح منزل قديم ضيق يتكون من غرفتين وساحة صغيرة. وفي مقابلة مع "عرب 48" يقول جمعة: " لدي بسطة أبيع عليها مشروب الشاي، تبرع بها أهل الحي الذي أسكن فيه. لا تكفي مبيعاتي من الشاي على البسطة لإعالة أسرتي، ولا يوجد غاز في المنزل، والتيار الكهربائي يقطع لأيام كثيرة، نأخذ المؤن، وهي مساعدات غذائية تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لأفقر الفقراء، وهي عبارة عن طحين وزيت للطبخ ورز وحليب. من العام 2010 وهي مهددة بالتوقف، وأبلغتنا الباحثة الاجتماعية قبل فترة أنه خلال شهرين سوف يتم توقيف المساعدات، وستصلكم رسالة باحتمالية توقف إمداد المؤن".

من جهتها تقول زوجته تمام "لدي 5 بنات وولدان، والوضع صعب أكثر مما تتصوري. لا يوجد كهرباء من البلدية، نأخذ من جيراننا، فأهل الحي لا يتركوننا، والناس لبعضها".

وتضيف أن وضع البيت مأساوي حيث تسقط عليهم مياه الأمطار، فتقول "الأمطار الخفيفة التي تساقطت قبل أيام أغرقت البيت. في الشتاء لا نستطع النوم ساعة، حيث نعصر وننشف مياه الأمطار. ولا يوجد في البيت غير جرة غاز صغيرة 2 كيلو، لا نملك ثمن تعبئتها، لذلك شغلي كله على النار".

وتقول أيضا "يتبرع بعض الجيران بكيس طحين صغير، لا يكفينا طبعا. وعندما تنفذ كمية الطحين تبدأ المشاكل في البيت. في بعض الأحيان نشتهي كباية شاي، ولا نستطيع شربها لعدم توفر الغاز. لا يوجد مصروف للأولاد. بدأت الدراسة في المدارس الحكومية منذ بداية الشهر، ولعدم توفر المال لم تذهب ابنتي إلا قبل يومين.. وفرنا لها زي المدرسة من أهل الخير".

وتضيف الزوجة تمام: "زمان ما طبخنا.. أحيانا الجيران يشفقون علينا ويبعثوا لنا صحن طبيخ".

وإضافة إلى دين بقيمة 1600 شيكل من أجرة البيت، تشير إلى أن المؤن التي تتسلمها من الأونروا لا تراه عائلتها، لأنها تقدم بدل أجرة لصاحب المنزل، بموجب اتفاق منذ أربع سنوات.

سمر (12 عاما)

وتتذكر أنه في أحد الأيام لم يكن يتوفر الحليب لطفلتها التي لم تتجاوز العام في حينه، فطلبت العائلة من صاحب المنزل القليل من الحليب، ولكنه رفض.

وعن ذلك تقول"البنت تعاني من نقص في الدم بسبب قلة الأكل.. في اليوم الأول للعيد الناس بتعيد، وبتروح عن قرايبهم، وصاحب البيت أغلق علينا الباب بالقفل من الخارج.. المي ما بنشوفها حتى لما بنشربها ما بتكون مفلترة".

أما سمر (12 عاما) فتهمس لمراسلة "عرب 48" بصوت خافت حزين وكأنها خائفة: "عدم توفر الكهرباء يسبب لي مشكلة أثناء الدراسة، والشمعة تكون البديل إن توفرت. بالأمس أمي ضربتني لأنه لا يوجد في المنزل إلا شمعة واحدة، وقاربت على الانتهاء، وأخبرتني أنه يجب أن نوفرها لأختي الأصغر، ولذلك اضطر لحل الواجبات المدرسية في ساعات الصباح".

وفي حين تشير إلى أنها تتوجه إلى المدرسة بدون فطور وبدون مصروف، تضيف "لو توفر الشمع، على الأقل، لكنا قادرين على التفوق والحصول على معدلات عالية".

ليست هذه حالة عائلة مسعود وحدها في قطاع غزة...

 

التعليقات