باب الخليل: مدخل لتسريب الأملاك الكنسية بالقدس

يندرج بيع وتسريب عقارات باب الخليل بحي النصارى ضمن مخطط تفريغ القدس من الفلسطينيين والقضاء على الوجود المسيحي بالمدينة المقدسة الذي يقدر بحوالي 10 آلاف من أصل 350 ألف فلسطيني.

باب الخليل: مدخل لتسريب الأملاك الكنسية بالقدس

(وفا)

يندرج بيع وتسريب عقارات باب الخليل بحي النصارى ضمن مخطط تفريغ القدس من الفلسطينيين والقضاء على الوجود المسيحي بالمدينة المقدسة الذي يقدر بحوالي 10 آلاف من أصل 350 ألف فلسطيني، وينسجم مع مخطط الاحتلال الإسرائيلي تهجير وتشريد للمقدسيين مع إحلال اليهود والمستوطنين بالمكان.

وتعتبر صفقة العقارات المملوكة للبطريركية الأرثوذكسية وتمليك المستوطنين، وجمعية "عطيريت كوهانيم" الاستيطانية، لفندق بترا وإمبريال وبيت المعظمية في باب حطة جريمة بحق الكنيسة والأوقاف والمقدسات، فالمباني والعقارات التي تم تسريبها من خلال الصفقة، بمثابة واجهة القدس القديمة من جهة باب الخليل، بحيث أن عملية التسريب هي جزء من مشروع استيطاني تهويدي للقدس القديمة.

ولوقف نزيف تسريب العقارات والهيمنة اليونانية على أملاك الكنيسة، مع إثبات تواطؤ وتآمر البطريرك ثيوفيلوس، بحسب ناشطين فلسطينيين، بعد رد المحكمة العليا الإسرائيلية استئناف البطريركية جددت فعاليات مقدسية ووطنية مطالبها للسلطات الأردنية برفع الحصانة القانونية والكنسية عن البطريرك ثيوفيلوس.

كما دعت الفعاليات المقدسية إلى إحداث تغييرات بالكنيسة لصالح العرب الأرثوذكس وعمل توازنات داخل الكنيسة للحد من الهيمنة اليونانية وفتح الأبواب لدخول العرب للمجمع المقدس، بيد أن هذه الطلبات قوبلت بالرفض من قبل الجانب الأردني.

وحملت المنظمة الأرثوذكسية الموحدة (ج م) ومجموعة الحقيقة الأرثوذكسية، البطريركية المسؤولية الكاملة عن تسريب العقارات وأملاك الكنيسة بالقدس، مؤكدة أن قرار العليا يثبت تواطؤ ثيوفيلوس بالصفقات وعمليات التسريب، وحذرت من أن ذلك سيكون مقدمة لتسريب المزيد من العقارات وإحلال الجماعات الاستيطانية في حي النصارى الذي يقطنه قرابة 2.000 مسيحي". 

تسريب وتخاذل

واستعرضت الناشطة في حراك "الحقيقة”، نيفين أبو رحمون، حيثيات قرار العليا برد استئناف البطريرك ثيوفيلوس والبطريركية الأرثوذكسية في قضية أوقاف باب الخليل في حي النصارى.

وبينت أن "البطريركية لم ترفع دعوى حول جوهر عملية تسريب العقارات، وإنما تمحورت الدعوى التي رفعتها حول تزييف وتلاعب بالشيكات، والامتناع عن تقديم شكوى للشرطة والتخاذل والتقصير بتقديم الحقائق والأدلة لإبطال صفقة أملاك باب الخليل".

وأوضحت أبو رحمون في حديثها لـ"عرب 48"، أن "مداولات العليا وقرار المحكمة المركزية بالقدس في ملف أملاك باب الخليل أثبتت بدون شك وجود صفقة ما بين البطريركية الأرثوذكسية وجمعية ‘عطيريت كوهانيم’ الاستيطانية، خاصة وأن محامي البطريركية تنازل عن كافة الوثائق والمستندات وامتنع عن عرض التواقيع المزيفة والتسجيلات التي توثق سير عملية تسريب العقارات".

كما أن المحكمة، بحسب أبو رحمون، "أظهرت تواطؤ وتآمر ثيوفيلوس ومجمعه الفاسد في تسريب أوقاف باب الخليل والتي ستعقبها جريمة جديدة للمستوطنين في محاولاتهم إخلاء قاطني هذه العقارات من الفلسطينيين المسيحيين".

استعمار وفساد

وفندت أبو رحمون مزاعم ورواية البطريركية الأرثوذكسية لوسائل الإعلام بأنه توجهت للقضاء الإسرائيلي من أجل استرجاع العقارات التي سربت بالسابق في عهد البطريرك ثيوذوروس، مؤكدة أن "البطريركية منظومة فاسدة، وهي استعمار يوناني تسعى لتغييب دور الفلسطينيين في حياة الكنيسة والبطريركية، وتسعى لتثبيت السيادة اليونانية على الكنائس الأرثوذكسية وما تملكه من عقارات وأراض".

ولمواجهة هذا التفرد ومحاولة فرض السيادة اليونانية على الكنائس وفضح الدور لتسريب العقارات وللوقف بوجه الصفقات ومنعها، قالت أبو رحمون، إنه "تم قبل نحو عامين إطلاق حراك ‘الحقيقة’ الذي ينضوي تحته العشرات من الناشطين من كافة شرائح المجتمع العربي ومختلف الفعاليات السياسية والأطر الوطنية، بهدف خلق حالة من الوعي وتسييس النضال ضد تسريب العقارات ونهج وممارسات وتعامل البطريركية الأرثوذكسية مع الفلسطينيين المسيحيين".

ورأت أبو رحمون "ضرورة رص الصفوف من خلال موقف فلسطيني موحد بالقدس والضفة الغربية وأراضي الـ48، يكون داعما للنضال ضد البطريركية الأرثوذكسية البطريرك ثيوفيلوس، وذلك عبر التعامل مع الملف كقضية وطنية من الدرجة الأولى خاصة وأن القضية لا تقتصر على طائفة أو كنيسة معينة بل تتعلق بالهوية والوجود الفلسطيني"، داعية إلى "مواصلة النضال حتى تحرير البطريركية والكنيسة من الاستعمار اليوناني".

وأكدت أن "ما حصل في باب الخليل مؤشر خطير جدا، يوضح أن البطريركية ما زالت تقوم بعقد الصفقات، علما أن المحكمة استغربت تساهل البطريركية في معالجة القضية، وهذا يعتبر مقدمة لتثبيت الاستيطان وتعزيز الوجود اليهودي بالقدس القديمة على حساب الوجود الفلسطيني وتفريغ المدينة من الفلسطينيين المسيحيين، ما يعني أن البطريرك ثيوفيلوس شريكا بالتهويد وتفريغ القدس من الفلسطينيين المسيحيين".

تماهي وتناغم

وأوضحت أبو رحمون أن "البطريركية الأرثوذكسية هي ثاني جسم بعد ما يسمى ‘صندوق أراضي إسرائيل’ يسيطر ويتحكم بأراض وعقارات وأملاك بفلسطين التاريخية"، لافتة إلى أن "البطريركية بنهجها تتماهى وتتناغم مع إسرائيل باستهداف القدس والوجود الفلسطيني، بل تمهد بنهجها لـ”صفقة القرن” واستهداف الوجود الفلسطيني المسيحي بالقدس".

وحذرت أبو رحمون من تداعيات تسريب عقارات باب الخليل على المسيحيين بفلسطين التاريخية، مبينة أن "نهج وسياسية البطريركية يدخل الفلسطيني المسيحي بحالة من الإرباك والمتاهة بأن المسؤول عنه يقوم بالتآمر عليه وعلى قضية شعبه ويسعى لتصفية وجوده، إذ بات واضحا أن البطريرك ثيوفيلوس يتلاعب بالقدس وهويتها السياسية والوطنية وعروبتها، الأمر الذي يلزم ضرورة سحب الشرعية السياسية والدينية والاجتماعية عن البطريرك".

وأشارت إلى أنها تعتقد أن "قرار العليا الإسرائيلية أزال القناع عن الكثير من خفايا الأمور وفضح نهج البطريركية في تسريب العقارات والإملاك الكنسية والممتد على عقود، الأمر الذي من شأنه أن يحرج السلطة الفلسطينية والأردن التي تتعمد التضييق على الشخصيات الناشطة ضد البطريرك ثيوفيلوس، والناشطين في النضال الأرثوذكسي الداعي لتعريب الكنيسة والحد من الهيمنة والسيادة اليونانية على البطريركية وفتح المجمع المقدس والكنائس أمام الفلسطينيين ليكونوا شركاء في القرارات".

تساهل وتقصير

وعبّر عن ذات الموقف عضو هيئة العمل الوطني الأهالي بالقدس، مازن الجعبري، الذي جزم بأن "قرار العليا بمثابة تشريع لبيع وتسريب الوقف المسيحي للجمعيات الاستيطانية"، مؤكدا أن "القضاء الإسرائيلي ما كان منصفا للفلسطينيين ولا في أي ملف، وفي ملفات الأرض والعقارات والأملاك دائما كان منحازا للجمعيات الاستيطانية التي تضع اليد على العقارات عبر صفقات مشبوهة وتسريب يعتمد حتى على تزييف الوثائق والمستندات".

وأكد الجعبري لـ"عرب 48" أنه" في ملف باب الخليل الذي يتعلق بتسريب فندق بترا وإمبريال وبيت المعظمية قرب باب حطة للمستوطنين، كان هناك تحايل وتزييف بالمستندات، لكن البطريركية بدلا من تقديم الأدلة والبراهين التي قد تعيد هذه الأوقاف للبطريركية، اعتمدت خلال المداولة في الملف التقصير، إذ أن المحكمة استغربت أيضا تساهل البطريركية في معالجة القضية".

وأوضح أن "المداولات والوثائق كشفت عن تأجير للعقارات لفترة 99 عاما، وهي أشبه بالتمليك مقابل 2 مليون دولار، علما أن القيمة الأصلية لمثل هذ الصفقة عن مثل هذه العقارات والإملاك قد تصل إلى 300 مليون دولار، ما يؤكد أن البطريركية تعمد نهج تسريب وتأجير العقارات للجمعيات الاستيطانية بمبالغ زهيدة".

هيمنة وسيطرة

وعن مكانة وأهمية باب الخليل قال الجعبري: "نتحدث عن منطقة إستراتيجية وحيوية تعتبر المدخل الغربي للقدس القديمة، وبالتالي فإن هيمنة وسيطرة الجمعيات الاستيطانية على المدخل يكشف عن الأطماع اليهودية بحي النصارى وعقاراته وأملاكه، علما أن البطريركية الأرثوذكسية تمتلك حوالي 33 % من مساحة القدس القديمة".

أما فيما يتعلق بالمخاطر التي تواجه السكان بقرار العليا نقل العقارات لجمعية "عطيريت كوهنيم"، فقال إنه "ستكون مستقبلا عمليات إجلاء وإخلاء للمستأجرين الفلسطينيين وإحلال للمستوطنين"، مبينا أن "هناك نحو 20 محلا تجاريا بباب الخليل لمسيحيين يشغلونها بحسب قانون المستأجر المحمي، حيث لا يستبعد أن يتم إخلاء للتجار الفلسطينيين من الموقع وإحلال جماعات تجارية استيطانية".

وأكد عضو هيئة العمل الوطني الأهالي بالقدس، أنه "دون تدخل من السلطات الأردنية الوصية على الأوقاف المسيحية والإسلامية بالقدس، سيكون من الصعب وقف الصفقات وعمليات تسريب العقارات والأملاك الكنسية"، داعيا الأردن إلى "استغلال نفوذها وصلاحياتها بموجب القانون الذي شرعته بالعام 1957، الذي يحث على التغيير في المبنى الكنسي والمجمع المقدس لصالح العرب".

ورفض الجعبري طرح السلطات الأردنية الذي يدعي أن أي تغييرات بالقانون من شأنه أن يؤدي لفتح ثغرات أمام إسرائيل للتدخل بشؤون الكنيسة اليونانية، مؤكدا أنه "بالإمكان إحداث أي تغييرات عبر محادثات ما بين الأردن واليونان، بما يضمن حقوق العرب ودورهم بقرارات الكنيسة ووقف التزييف والتسريب".

حماية ودعم

وسلط الناشط في مجموعة الحقيقة الأرثوذكسية، عدي بجالي، الضوء على تعامل البطريركية الأرثوذكسية مع عقارات وأملاك الكنيسية بفلسطين، مبينا أن "البطريركية التي تخضع لهيمنة وسيطرة تامة لليونان دأبت ومنذ النكبة على تسريب العقارات والأملاك لإسرائيل".

وأكد أن "البطريركية الأرثوذكسية ومنذ احتلال القدس على تسليم 3 أبواب بالبلدة القديمة لهيمنة الاحتلال، وهي باب المغاربة، حيث سلمت الوقف الذري لإقامة حديقة توراتية قرب ساحة البراق، وباب الخليل حيث سربت 5 عقارات ضمن صفقة مشبوهة مع ‘عطيريت كوهنيم’ وباب حطة، حيث سربت للمستوطنين بيت المعظمية".

وبيّن بجالي في حديثه لـ"عرب 48"، أنه "عقب النكبة ومنذ خمسينيات القرن الماضي هناك من عمد على تسريب ونقل العقارات والإملاك الكنسية إلى إسرائيل والجمعيات الاستيطانية، علما أن عام 1951 شهد إقدام البطريركية على تأجير مساحات واسعة من الأراضي والعقارات بالقدس وتحديدا بالجانب الغربي، وذلك بإبرام اتفاقيات تأجير وحكر تراوحت ما بين 50 إلى 99 عاما، إلى جانب العديد من صفقات البيع والشراء".

وأوضح أنه "في آذار/ مارس من العام 1968 وبعد أقل من عام على احتلال القدس كانت الصفقة الأبرز للبطريركية في منطقة ‘ماميلا’ خارج أسوار البلدة القديمة، حيث سربت عقارات ومحال تجارية ووقف كنسي لجمعيات استيطانية وبلدية الاحتلال بالقدس".

وأكد أن "ما حصل في باب الخليل يأتي في سياق ذات النهج الذي ينم عن قرار يتعلق بمصالح للبطريرك ثيوفيلوس ومجمعه الفاسد المرتبط بإسرائيل التي توفر لهم الحماية والدعم، وذلك عدا عن الحصانة التي تحصل عليها البطريركية من الأردن والسلطة الفلسطينية التي تخشى من البطريرك ثيوفيلوس".

دوافع وصراعات

ولفت بجالي إلى أن "قرارات ونهج البطريركية الأرثوذكسية بفلسطين التي تهيمن عليها السيادة اليونانية تأتي لدوافع سياسية بحتة وصراعات يونانية داخلية دون أي علاقة بالكنيسة أو البعد الديني، على الرغم من أن الحديث يدور عن أملاك وعقارات فلسطينية وهي من حق الشعب الفلسطيني".

وأوضح انه "للأسف الشديد الجانب الأردني كما الفلسطيني يبدو أن لهما تفاهمات مع البطريركية الأرثوذكسية، إذ يتم التعامل مع البطريركية وكأنها دولة ذات امتيازات، فالقضية بالقدس أكبر ما تكون فساد بالبطريركية، بل خطة مبرمجة لنقل العقارات للمستوطنين، كما أن الأردن والسلطة برام الله لا تعترضان حتى على تصفية أملاك البطريركية في أراضي الـ48، علما أن البطريركية تتبع لسيادة القانون الأردني الصادر من العام 1957".

وفي ختام حديثه، دعا الناشط في مجموعة الحقيقة الأرثوذكسية، إلى "تكاتف إسلامي مسيحي لمختلف الفصائل والفعاليات الوطنية والحزبية بفلسطين التاريخية لمواجهة البطريركية التي تتناغم في نهجها مع إسرائيل التي تتطلع لوضع اليد على جميع المقدسات ووضعها تحت السيادة اليهودية، وذلك ضمن مخطط الحركة الصهيونية لاستهداف الوجود العربي بكل فلسطين التاريخية".

 

التعليقات