جيش الاحتلال الاسرائيلي يغادر، الى غير رجعة، قطاع غزة

الساعة السابعة من صباح اليوم، صدر الامر باغلاق معبر كيسوفيم، وغادر آخر جنود الاحتلال قطاع غزة* زحالقة: إسرائيل تفتعل أزمة في اللحظة الإخيرة لإعتبارات داخلية.

جيش الاحتلال الاسرائيلي يغادر، الى غير رجعة، قطاع غزة
غادر اخر جنود الاحتلال الاسرائيلي عند الساعة السابعة تماما من صباح اليوم الاثنين، الثاني عشر من أيلول 2005، قطاع غزة، لتنتهي بذلك 38 عاما من الاحتلال البري البغيض. واغلق جنود الاحتلال معبر كيسوفيم الذي كان يمثل نقطة العبور الرئيسية بين اسرائيل والمستوطنات اليهودية السابقة في قطاع غزة. وقامت جرافات مدرعة بسد المعبر بكتل الخرسانة واكوام الرمال.

كما اغلق جنود الاحتلال معبر كيريم شالوم الصغير في جنوب القطاع وانسحب آخر الجنود الاسرائيليين من محور صلاح الدين (فيلادلفي) الذي ستسيطر عليه منذ اليوم، قوات حرس الحدود المصرية.

وكان قائد قوات الاحتلال في قطاع غزة افيف كوخابي وقائد اللواء المركزي لجيش الاحتلال في القطاع العميد موطي كدوري اخر من يغادر القطاع بعد ان اصدر كدوري الامر باغلاق معبر كيسوفيم.

ويأتي الانسحاب العسكري الاسرائيلي من قطاع غزة مكملا لخطة فك الارتباط التي بدأ جيش الاحتلال بتنفيذها في منتصف الشهر الماضي آب، حيث تم اخلاء وهدم المستوطنات الاسرائيلية ومن ثم اخلاء المواقع العسكرية. ويوم امس قررت حكومة اسرائيل الابقاء على الكنس اليهودية في القطاع تحديا للارادة الفلسطينية، وعلى الرغم من تحذير الفلسطينيين بأنه لن يكون بمقدورهم حماية الكنس كون ذلك يتطلب منهم توفير قوات كبيرة خاصة بحماية الكنس، في وقت لا يملكون فيه العدد الكافي من قوات الأمن. وكانت اسرائيل قد عبرت صراحة، على لسان العديد من مسؤوليها السياسين عن توقها لرؤية حشود الفلسطينيين تهاجم الكنس بعد انسحاب قوات الاحتلال، كي تستغل الصور التي التقطتها وسائل الاعلام لمواصلة حملة التحريض على الفلسطينيين واتهامهم بتدنيس الاماكن المقدسة.

وكان جيش الاحتلال قد بدأ الانسحاب البري من قطاع غزة، مساء امس الاحد، بعد قيامه باجراء مراسم انزال العلم الاسرائيلي عن مقر قيادته في قطاع غزة. واعلن الجيش عصر امس عن الغاء مراسم نقل المسؤولية الامنية على قطاع غزة الى السلطة الفلسطينية بعد رفض الفلسطينيين حضور المراسم احتجاجا على قرار الحكومة الاسرائيلية الابقاء على الكنس، وبسبب اغلاق اسرائيل لمعبر رفح الحدودي مع مصر بصورة انفرادية.

وقال رئيس اركان الجيش الاسرائيلي دان حالوتس خلال مراسم انزال العلم الاسرائيلي "غدا، الاثنين 12 ايلول/سبتمبر 2005 سينتهي وجود الجيش الاسرائيلي على مدار 38 سنة خلت في قطاع غزة".

وزعم حالوتس "اننا ننسحب من القطاع برأس مرفوعة".

وادعى حالوتس ان "اعلام السلطة الفلسطينية والمنظمات الارهابية التي سترتفع في مواقع الاستيطان الاسرائيلي لن تنجح بتغيير الحقيقة ان دولة اسرائيل وجيشها ومواطنيها دفعوا ثمنا باهظا خلال 38 سنة من مكوثنا في قطاع غزة".

وهدد حالوتس الفلسطينيين قائلا ان "عليهم فرض النظام والقانون وهذا اختبارهم الحقيق ولن نكون متسامحين ولن نضبط انفسنا حيال اعمال ارهابية".

وبعد خطابات مقتضبة القاها القائد العسكري الاسرائيلي لمنطقة جنوب اسرائيل دان هرئيل وقائد القوات الاسرائيلية في قطاع غزة افيف كوخافي بدأت الدبابات والمدرعات الاسرائيلية بالانسحاب من القطاع.

ويذكر ان رئيس وغالبية وزراء الحكومة الاسرائيلية كانوا قد تراجعوا، امس الاحد، عن قرار هدم الكنس اليهودية التي خلفها المستوطنون في قطاع غزة، خاضعين بذلك للضغوطات التي مارسها الحاخامات اليهود، والتخويف من انعكاس هدم الكنس على مصير كنس يهودية اخرى في العالم، كما ادعى الوزير سيلفان شالوم، والخوف من دفع الثمن السياسي في الانتخابات المقبلة، غير ابهين بالاهانة التي الحقوها بالمحكمة العليا الاسرائيلية التي قررت، الاسبوع الماضي، وبناء على موقف الحكومة، ووزير الامن بشكل خاص، رفض التماس قدمته جهات دينية ويمينية واستيطانية طالبت بمنع هدم الكنس.

وكان موفاز قد غير رأيه واعلن بعد ساعات من صدور قرار المحكمة العليا معارضته لهدم الكنس، ممهدا الطريق امام العديد من وزراء حزبه الليكود للتسابق في اعلان رفضهم لهدم الكنس ومغازلة اعضاء مركز حزبهم الذين هددوا بمعاقبتهم في الانتخابات الداخلية ان دعموا القرار.

وكان الحاخام عوباديا يوسيف، الزعيم الروحي لحركة شاس اليمينية المتشددة قد اجرى، سلسلة من المحادثات مع اعضاء في مركز الليكود والوزراء والرئيس الاسرائيلي، تباكى خلالها على مصير الكنس اليهودية، وتمكن بذلك من لوي ذراع المحكمة العليا التي يحاربها منذ سنوات، ومن ثم ذراع شارون، الذي تراجع هو ايضا عن موقفه السابق، ايضا مراضاة لمركز حزبه الذي ينقم عليه بسبب تنفيذ خطة فك الرتباط ويهدد باسقاطه في الانتخابات الداخلية المقبلة.

وقررت الحكومة الابقاء على الكنس بغالبية 14 صوتا فيما ايد القرار وزيران فقط، وامتنعت عن التصويت وزيرة واحدة هي دالية ايتسيك. وانضم شارون، صباح اليوم الى المعارضين لهدم الكنس معلنا في افتتاح جلسة الحكومة انه يعتقد بضرورة الابقاء عليها. وكما فعل خلال جلسة سابقة، استغل شارون هذه المسألة لمواصلة التحريض على الفلسطينيين و نزع الصفة الانسانية عنهم متهما اياهم اليوم، كما في تصريح سابق، بتدنيس الكنس والمقدسات اليهودية وعدم احترامها. وزعم انهم سيحولونها الى مراحيض عامة وزرائب وغير ذلك من اوصاف يتوق الاسرائيليون الى رؤيتها تتحقق في غزة لاستغلالها على الحلبة الدولية في مساعيهم الى تبرير عدوانهم على الفلسطينيين ونزع الصفة الانسانية عنهم، بل ونعتهم بالبرابرة والمتوحشين، كما فعل وزير الخارجية سيلفان شالوم، امس السبت.

ورغم ان قرار شارون تأييد الابقاء على الكنس يساهم ايضا في اهانة قضاة المحكمة العليا الذين تبنوا قرار الحكومة السابق ودافعوا عنه حين رفضوا التماسا يطالب بهدم الكنس، الا ان شارون ذرف دموع التماسيح على هيبة المحكمة العليا وانتقد الهجوم الذي شنته اوساط دينية ويمينية متطرفة على قضاتها وقال انها تصريحات تستحق الشجب.

ولم يتمكن المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز من الصمت ازاء الاهانة التي الحقها الوزراء بالمحكمة العليا، وقال "ان النقاش الجاري اليوم يعتبر عملية محرجة ستجبي ثمنها". وأضاف: "كل محاولة للقول ان الامور تغيرت عما كانت عليه قبل اسبوعين فهذا يعني سحب الثقة من الجهاز القضائي".

وهاجم مزوز الوزراء والمسؤولين الامنيين الذين غيروا رأيهم، واقتبس على مسامعهم التصريحات التي ادلوا بها بهذا الشأن خلال الجلسة التي عقدتها الحكومة قبل اسبوعين. ومنها ما كان قد زعمه موفاز في حينه من "ان حماس ستقود موجة تسوماني بعد يوم واحد (من الانسحاب) ولن تبقي على اي كنيس". كما اقتبس تصريحات الوزير بنيامين بن اليعزر الذي قال ان "ما سيحدث سيكون اخطر مما حدث في قبر يوسيف. افضل كيهودي ان لا يشاهد اولادي هذه الصور".

وكان الوزير اوفير بينس والوزير حاييم رامون هما الوحيدان المعارضان للقرار الذي اتخذته الحكومة ، فيما عادت دالية ايتسيك وامتنعت عن التصويت خلافا لما اعلنته امس، من انها ستعارض هدم الكنس. وهاجم بينس وزير الامن شاؤول موفاز وسأله: ما دمت ستغير موقفك فلماذا لم تفعل ذلك قبل يوم واحد من صدور قرار المحكمة العليا وليس بعد صدور القرار مباشرة. موقفك هذا يمس بمكانة المحكمة العليا.

وعقب النائب جمال زحالقة، رئيس كتلة "التجمع" في الكنيست، على قرار الحكومة الإسرائيلية امس الأحد عدم هدم مباني الكنس في قطاع غزة قائلاُ: "إسرائيل تفتعل أزمة في اللحظة الإخيرة لإعتبارات داخلية، في محاولة منها لخلق إستفزاز مقصود، الهدف منه خلق مشكلة في الطرف الفلسطيني".

وأضاف زحالقة: "إبقاء الكنس لا علاقة له بالجانب الديني وإنما هذه خطوة سياسية بحتة. لقد قامت القوات الإسرائيلية بإخلاء كل المعالم والرموز الدينية من هذه البنايات تمهيداً لهدمها وبعد تفريغها من هذه المعالم لم يبق لها أية قيمة دينية، وهي مجرد حيطان وسقوف".

وأضاف زحالقة أن إسرائيل شرُعت بهدم هذه الأبنية وأتخذ قرار سياسي وقضائي بهدمها، لذا لا تستطيع مطالبة أحد بالمحافظة عليها لمجرد أنها غيرت قرارها تبعاً لإعتبارات التنافس الداخلي في الليكوده. قرار الحكومة الإسرائيلية قراراً سياسياً غلف بدوافع دينية، وجاء باللحظة الأخيرة نتيجة لضغط بعض الحخامات ولصراعات داخلية في مركز الليكود".

وتطرق زحالقة للمقارنة التي تجريها إسرائيل بين الكنس اليهودية في الدول العربية وتلك في قطاع غزة، قائلاً إنّه "لا أساس للمقارنة، لأن الكنس في قطاع غزة هي جزء من المستوطنات التي أقرت إسرائيل نفسها تفكيكها بالكامل وهي من بواقي رموز الإحتلال، بينما العالم العربي حافظ على الإماكن العبادة لجميع الديانات".

وطالب زحالقة دول العالم التحرك بسرعة لإجبار إسرائيل هدم هذه الأبنية، ولتفكيك هذه القنبلة الموقوتة التي تركتها إسرائيل في قطاع غزة كي تنفجر بوجه الفلسطينيين.

التعليقات