ويسكونسين" تحول حياة العامل حسني صالح إلى جحيم ومعاناة متفاقمة..

-

ويسكونسين
تعتبر قصة العامل حسني صالح، 53 عاما، واحدة من اكثر القصص الانسانية المؤلمة والفظيعة في آن واحد، والتي تشير الى فداحة الوضع المعيشي المأساوي الذي وصلت اليه مئات العائلات العربية الفقيرة في الناصرة بسبب تطبيق مخطط " ويسكونسين" الحكومي، والذي تشرف على تطبيقه شركات ربحية خاصة.

يجلس حسني صالح في بيته في حي بلال، ينتمي الى عائلة فقيرة هجرت من قرية اندور في عام 1948، وملامح الحي الشبيه بمخيمات اللاجئين لا تشير الا الى البؤس والتعاسة والفقر التي أصبحت جزءا من حياة الناس في هذا الحي.

أب لتسعة اولاد، عمل طوال حياته في فرع البناء، وكانت حياته مستورة. الا ان الامراض اقعدته عن العمل بعد هذا العمر الطويل مما جعلته يتوجه الى مؤسسة التأمين الوطني لطلب مخصصات ضمان الدخل.
قبل دخول "ويسكونسين" الى الناصرة، كان حسني صالح يتوجه هو وزوجته الى التسجيل في مكتب العمل مرة واحدة في الشهر، وذلك بعد ان قررت لجنة طبية مهنية انه غير قادر على العمل، هكذا كان الأمر مع المئات من المرضى الذين تم اعفاؤهم من التسجيل في مكاتب العمل.

لكن دخول "ويسكونسين" الى الناصرة، قلب الامور رأسا على عقب، وتحولت حياة مئات العائلات التي تحصل على المخصصات الى جحيم ومعاناة لا تطاق، وذلك عندما اجبروا على التواجد في مراكز الشركات المطبقة للمخطط لعدة ساعات في اليوم، طبعا بدون الأخذ بعين الاعتبار او مراعاة الظروف الاجتماعية العائلية والشخصية لجمهور المشتركين، وخاصة الناس المرضى والمعاقين.

لقد كان حسني صالح واحدا من هؤلاء الذين وقعت عليهم مصيبة " ويسكونسين"، زوجته تحصل على تكملة دخل بقيمة 900 شيكل (هي وزوجها)، وذلك كتتمة لمخصصات العجز التي تستحقها من مؤسسة التامين الوطني.

من اجل هذه المبالغ الزهيدة، وعلى الرغم من الوضع الصحي المتردي وعدم قدرتهما على العمل والامراض الصعبة المستعصية التي لا نستطيع ذكرها، فانهما مجبران على المكوث في مراكز الشركات بين 3- 6 ساعات في اليوم. بكل بساطة يحتجزون هناك دون ان يفعلوا شيئاً يعود عليهم بالفائدة.

حياة حسني صالح ليست حياة عادية، انها تتسم بالمرارة والعذاب، يبدأ برنامجه اليومي في ساعات الصباح الباكر بنظامه اليومي المعتاد، التنقل بين صناديق المرضى ومستشفيات الناصرة والعفولة وزيارة الصيدليات، انه العذاب اليومي بسبب رعايته لزوجته المريضة وابنته المريضة المشلولة، ناهيك عن المصاريف الباهظة. انه لا يتوقف عن البكاء والألم يعتصره من الداخل، وهو يرى ابنته المريضة التي تعاني، لكنه عاجز عن تقديم المساعدة لها، وفوق كل هذه المعاناة والعذاب، تأتي شركات "ويسكونسين" لتحتجزه هو وزوجته في مراكزها كشرط للحصول على المخصصات الزهيدة.


ان نوبات الغضب التي تنتاب حسني صالح موجهة بالأساس ضد الشركات ومؤسسة التأمين الوطني التي لا تريد اعفاءه من التوجه الى مراكز الشركات. وهو يحمل كل المسؤولية لهذه الجهات اذا ما حدث أي مكروه، لا سمح الله، بسبب تواجده مع زوجته في الشركات، اذ أن ابنته مريم التي تعاني من الشلل بحاجة الى رقابة ورعاية لمدة 24 ساعة، ووفقا للتقارير الطبية ممنوع منعا باتا تركها بدون مراقبة!

حتى جيل الخمس سنوات كانت الابنة مريم بكامل عافيتها وصحتها، الان تبلغ العشرين من العمر، لكن مرضا غريبا نادرا وأمراضاً مزمنة اخرى قد قلبت طفولتها وحولتها الى حياة حزينة بائسة، انها في حالة حزن دائم ، لا تحب الخروج من البيت وهي متعلقة جدا بوالديها.

تفهم وتدرك ما يجري حولها، وهي في كامل قواها العقلية، لكنها اصبحت "ثقيلة الكلام" وتعاني من أزمات واضطرابات نفسية بسبب وضعها الصحي.

تسمع الحديث عن الشركات والمعاناة التي يتكبدها والدها بسببها، وهي تسمع والدها الغاضب يتحدث بكلام ممزوج بالحنان على ابنته المقعدة، وهي تعي وترى والدها يجهش بالبكاء حبا لها وخوفا عليها، وعندما يقول بانه سيأخذها ويعتصم أمام مباني الشركات حتى يتم تسريحه منها وهنا تنفجر الابنة مريم بالصراخ والبكاء :" لا تذهب الى هناك، لا تتركني لا تذهب الى هناك".

الوالدة تجهش بالبكاء، وكأنها مغلوبة على امرها وسلمت بالامر الواقع، أما الأب الذي كان صادقا في كل كلمة قالها، فإنه مصمم على مواجهة هذا المصير مهما كلفه ذلك من ثمن. وهو يقول ببساطة:" لن اعطيهم الفرصة لسلب المخصصات مني، لن أجعلهم يقهروني، ولن اترك مصير ابنتي بين أياديهم".

الحالة النفسية والصحية الصعبة للإبنة مريم تضطرها الى الحصول على كمية لا تحصى ولا تعد من الأدوية وهي تتناول 40 حبة دواء في اليوم حتى تستطيع الاستمرار في الحياة. وهناك ضرورة لوجود الوالدين إلى جانبها، فهذه الكمية الهائلة من الدواء يجب ان تتناولها وفقا للوقت الذي حدده الطبيب.

لكن كل هذا لا يقنع شركات "ويسكونسين" ومؤسسة التأمين الوطني من ضرورة اعفاء الوالدين من الاشتراك في هذا المخطط. هذا هو القانون.... القانون الذي يدوس كرامة الانسان...
يقولون شر البلية ما يضحك..

أمام هذا المشهد المأساوي، سنجد فصلا يثير بنا الضحك والسخرية في آن واحد. فاذا طلب من الشخص التوجه لهذه الشركات وكان يعاني من مشاكل صحية فبإمكانه، وفقا للقانون، التوجه الى الطبيب المهني التابع لهذه الشركات، وهذا الطبيب يتقاضى أجرا على قراراته من الشركات المطبقة للمخطط!

حالة حسني صالح تشير بشكل صارخ لمدى الاستهتار الذي يمارسه طبيب هذه الشركات "المهني"، انه نموذج لعشرات الحالات التي وصلت في الشهر الأخير الى جمعية صوت العامل النقابية.

طبيب الشركة منح حسني صالح الحضور الى مراكز الشركة فقط مرتين في الشهر بسبب حالته الصحية، وقد ظل هذا القرار ساريا حتى يوم 23/1/06.

لم يطرأ أي تغيير على الوضع الصحي لحسني صالح، وفي يوم 10/3/06 قرر الطبيب التابع للشركة، وبقدرة قادر، انه أصبح قادراً على العمل بوظيفة كاملة، ولذلك عليه التواجد في مراكز الشركات بين 6-8 ساعات في اليوم.

بعد أقل من شهر واحد توجه حسني صالح الى نفس الطبيب في الشركة، وهذه المرة قرر الطبيب أنه قادر على العمل فقط لمدة ثلاث ساعات!!!!

يقول حسني صالح:" اذا كانت كذلك القرارات فلن أقعد لهم دقيقة واحدة."

بقي ان نشير ان جمعية صوت العامل النقابية ترافق قضية حسني عبدالله على كافة الأصعدة بما فيها الصعيد القانوني.


التعليقات