نظم "مدى الكرمل" – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية اليوم، السبت، مؤتمره التاسع لطلبة الدكتوراة الفلسطينيين في قاعة فندق "رمادا – أوليفييه" بمدينة الناصرة، والذي تخلل جلستين قام خلالهما عدد من طلاب الدكتوراة الفلسطينيين بعرض أبحاثهم وأطروحاتهم للدكتوراة أمام الحضور من الأكاديميين والمثقفين والمهتمين.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وافتتحت مديرة مركز "مدى الكرمل"، د. عرين هواري، المؤتمر بكلمة ترحيب وتعريف لمشروع المنح لطلبة الدكتوراة الذي يشرف عليه ويديره د. مهند مصطفى الذي تعذر عليه المشاركة في المؤتمر، وقالت إن "مدى الكرمل" تأسس من أجل أولئك الطلاب الذين حرموا من الأكاديميا التي تمكنهم من إنتاج المعرفة والتحدث بلغة أكاديمية عربية فلسطينية بمعزل عن المؤسسة الإسرائيلية المجنّدة لإنتاج معرفة تخدم مصالحها.
"مدى الكرمل" ينظم مؤتمره التاسع لطلبة الدكتوراة الفلسطينيين بالناصرةhttps://t.co/WWK7uoxlca pic.twitter.com/ylwqmtZxLc
— موقع عرب 48 (@arab48website) July 27, 2024
وقالت د. هواري "كانت هذه سنة عاصفة بالأحداث المؤلمة، شهدت إعاقة في الحالة الوطنية، ولم يكن فيها سوى من العمل والدور المتواضع الذي لا يرتقي إلى مستوى الأحداث".
ثم قدمت بروفيسور نادرة شلهوب كيفوركيان مداخلة تحت عنوان "قراءة وكتابة من الأشلاء: التوحش والوحشية في الإنتاج المعرفي" قالت فيها إنه "في هذه الأوقات الصعبة جدا والزمن القابل لإبقاء شعبنا تحت براثن الإبادة، يأتي موضوع محاضرتي ليشارككم ويتساءل كيف لنا أن نصوغ تحليلا فكريا نقديا ونطرح قراءة وكتابة من الأشلاء حيث التوحش والوحشية في عنف الدولة، عملها الوحشي في الإبادة الفعلية وفي الإنتاج المعرفي المناصر للتوحش ونحن في قلب الإبادة، حيث أفكارنا وخوالجنا مدماة ونعيش يوميا فقدان وجرائم، ونعي جنسنتها وشرعنة الاعتداءات الجسدية والجنسية والتجويعية الصحية والتعليمية والاقتصادية المعيشية واستخدام الأجساد الحية والميتة والمشلّأة (المقطعة إلى أشلاء) والنفوس المصدومة المتألمة؟".

وتابعت "كيف لنا أن نصوغ تحليلا فكريا وأخلاقيا وشفافا، ونطرح قراءة وكتابة أكاديمية حيث التوحش والوحشية تخترق الأشلاء، ونناقش توحش الدولة وإجرامها بكلام وكلمات واضحة ونعرضها بكتابات أكاديمية بمصداقية عالية، والقتل والتنكيل هو القاعدة وليس الاستثناء؟".
وأكملت كيفوركيان "كيف لي أن أستوعب وأحلل وأكتب كباحثة في علم الإجرام عن أب يحمل أكياس ممتلئة بأشلاء أطفاله، صارخا ’يا ناس... يا ناس... هدول ولادي’، أو أكتب عن أم بقيت لأيام تلملم أشلاء أبنائها خوفا من أن تأكلها القطط قائلة ’رحت أجبلكوا أكل يما.. رجعت ألمكم أشلاء... يما يا يما’".
ولفتت إلى أن "أصوات الفلسطينيين في الأشلاء المتبعثرة والمجزأة والمدماة لها مكان مركزي ومحوري في إنتاجي المعرفي كنادرة منسوجة في آلاف التفاصيل، السرديات، الحكايات الأجساد والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية، حتى لو همشت وشوهت وأخرجت هذه الأشلاء إلى خارج النظام العالمي والعلمي كما برز في خطاب نتنياهو وفي أصوات أساتذة الطب وعلم الإجرام والقانون وعلم النفس والعلوم الاجتماعية، وفي اشتراكهم في العنف ودعم الإبادة".

وتطرقت كيفوركيان بالقول "هنا آتي لموضوع مداخلتي اليوم لأتساءل كيف يمكن فهم هذا التوحش ضد من هو حي ومن هو مشلأ؟ كيف ننتج معرفة مسؤولة واضحة تقرأ وحشية الدولة وتتعمق برفض أهل غزة للتوحش، وبوصلتنا الأخلاقية مجذرة بأصوات كأصوات الأم والأب بأهلنا بغزة باحثين متسائلين عن إجابات لأجيالنا الصامدة ومستقبلنا في ظلّ سياسات الإماتة والوحشية اللامتناهية أكاديميا وفعليا؟ وللتوحش المعرفي خصال".
وتابعت أن "مركزية الأشلاء والتوحش في تحليلي تهدف إلى زعزعة التصور الكلي للموت، ليجعل من مسلكيات الحب في لملمة الاشلاء ورفض التوحش، مجمعا ومسارا فكريا يمكّننا من فهم فلسطين وكيف نفهمها ونبدأ باهلها والأم والأب والأشلاء".
وختمت بروفيسور كيفوركيان بالقول "مقابل الأشلاء والتوحش يستمر الوحوش بالتساؤل متى سنشرب البيرة على شواطئ غزة وإلقاء الخطابات ليتحدثوا بمنطق محو العماليك، والتسلي بالوحشية بالمنابر الأكاديمية الشارحة لأهمية محاربة الإرهاب، والتسلي الفكري بالتوحش لأن للوحشية دور في إتمام الرسالة الحضارية ضد قوى الشر والبرابرة في غزة كما سماها نتنياهو ومن خلال شيطنة الاخر!".
وجاءت الجلسة الأولى للمؤتمر تحت عنوان "قراءات في الحالة الكولونيالية"، وأدارتها د. أريج صباغ خوري، وشارك فيها طلاب الدكتوراة إبراهيم محمد رصرص عبر الفيديو، والطالبة منى حداد والطالب المقدسي داوود الغول.
واستعرض الطالب إبراهيم رصرص وهو طالب دكتوراة في مجال العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة الشرق الأدنى في قبرص، بحثه عبر الشاشة تحت عنوان "نقد أفريقي ديكولونيالي وماركسي للقيم الليبرالية لحقوق الانسان: زيمبابوي كنموذج للدراسة" تحدث فيه عن محطات عبر التاريخ ساهمت تعزيز حقوق الإنسان بداية من "الميثاق الأعظم" مرورا بالثورة الفرنسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وصولا إلى الانتصارات المتتالية التي حققتها حركات تدعم حقوق الإنسان في القرن العشرين، بما في ذلك نيل زيمبابوي حريتها واستقلالها بدون مقاومة وبدون عنف.
وقدمت طالبة الدكتوراة في القانون بجامعة "كوين" ماري في لندن والمحامية في مجال حقوق الإنسان، منى حداد، بحثا تحت عنوان "احتجاز الجثامين: بين القمع الاستعماري ومناهضته" استعرضت من خلاله سياسة احتجاز جثامين الشهداء كجزء من السياسة الاستعمارية التي تهدف إلى السيطرة على الأرض والجسد في الحياة والموت.
وتحدثت عن الأبعاد والمعاني العاطفية لاحتجاز الجثامين ومنع العائلة من وداعه وإلقاء النظرة الأخيرة عليه، والأبعاد الجنائية التي تهدف إلى إخفاء أدلة لجرائم الاحتلال، فضلا عن البعد السياسي واستخدام جسد الميت كورقة ضغط ومساومة وسلاح للقمع وفرض شروط مقابل تحرير الجثمان المحتجز. كما تطرقت إلى المقابر الجماعية التي تأتي لحرمان الميت حتى من تكريمه بجنازة ولإخفاء الأدلة على الجرائم وكذلك لردع الآخرين.
وركز داوود الغول وهو طالب دكتوراة في الجغرافيا الإنسانية في جامعة نيوكاسل في بريطانيا، في بحثه على إعادة تشكيل الجغرافيا الاجتماعية والسياسية في مدينة القدس. اتخذ من حي الشيخ جراح وبلدة سلوان نموذجا لبحثه الذي يسلط الضوء على الصراعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في السياق التاريخي ومنذ قبل العام 1948. وقال إن المجتمع المقدسي كان يتشكل من مدن وقرى وبدو رحّل وأن العلاقات في الحارة (سلوان) كانت تختلف عن العلاقة في الحي (الشيخ جراح) وبين شرق المدينة وغربها حتى قبل مجيء الاحتلال.
وتحت عنوان "في سياسات العنف والإبادة"، عقدت الجلسة الثانية للمؤتمر بمشاركة د. لمى منصور، وطالبي الدكتوراة شهاب إدريس وعائشة مسلماني، وأدار الجلسة د. منصور النصاصرة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بئر السبع.
واستعرضت د. لمى منصور وهي باحثة في مجال السياسات الاجتماعية، تحت عنوان "أصداء العنف في أروقة الأكاديميا: تجارب الطلبة العرب الفلسطينيين في أحداث أيار 2021"، ورقة بحثها في تجارب الطلبة العرب الفلسطينيين في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية خلال هبة الكرامة التي راح ضحيتها شهيدان هما موسى حسونة من اللد ومحمد كيوان من أم الفحم، وكانت تلك المرة الأولى التي ينكشف فيها الطلبة العرب إلى بيئة معادية، إذ أن أكثر من 50% منهم واجهوا مواقف عنصرية بشكل مباشر سواء داخل حرم الجامعة من إدارة الجامعة أو من طلاب عنصريين أو في أماكن أخرى.
وانعكست هذه المواقف على الطلاب بمشاعر البكاء والخوف والشعور بالعجز والغضب، بحيث تلاشت الحدود بين المناطق الفلسطينية المختلفة وتراجع الاعتقاد بإمكانية العيش المشترك، وأدى ذلك إلى نوع من الانسحاب والحشد والتضامن بين الطلاب الذين طوروا لأنفسهم آليات دفاعية وساهمت في تنمية الوعي السياسي لديهم.
وتحت عنوان "الوالدية في العصر النيوليبرالي: نظرة إثنوغرافية على الأسرة الفلسطينية في إسرائيل"، قدم طالب الدكتوراة في مجال الأنثروبولوجيا في جامعة حيفا، شهاب إدريس، استعراضا لبحثه الذي يتضمن دراسة أنثروبولوجية تعكس الواقع الفلسطيني في الداخل ودور الوالدية والتغيرات البنيوية في العائلة مع دخول ثقافة الاستهلاك والجريمة المنظمة وعلاقتها بالتربية.
وركّز في بحثه على العائلة كمجتمع صغير والواقع السياسي والاقتصادي للأسرة العربية الذي يتميز بالفقر والاستهلاك المرتفع والعشوائية في الجريمة والعنف وتفكك العائلة الموسعة واختفاء الحي وفقدان السلطة الوالدية أو استقالة الأهل وركضهم وراء المال في سبيل توفير سبل العيش.
وكانت طالبة الدكتوراة في العلوم الإدراكية والاستعرافية، المقدسية عائشة مسلماني، آخر المتحدثين في الجلسة الثانية عن بحثها الذي يحمل عنوان "سياسات إخراس الأطفال القدسيين وحرب الإبادة على غزة"، الذي يتحدث عن حظر كلمة غزة في جهاز التعليم ومنع الطلاب من التعبير لا بل وإخراسهم من خلال حملة اعتقالات شرسة لأكثر من 352 شابا مقدسيا في بداية الحرب بهدف ردع الأطفال والطلاب المقدسيين أو من خلال تصريحات استعرضت عائشة بعضا منها لنائب رئيس بلدية القدس الذي قال إن الشرطة الإسرائيلية قتلت خمسة مقدسيين في الأسبوع الأول للحرب برصاص في الرأس مباشرة، كما استعرضت تصريحات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي قال "من يتضامن مع غزة عليه أن يستعد للرحيل إليها في حافلات جاهزة لنقلهم إلى هناك".
وتطرقت مسلماني إلى نسب الطلاب العرب في مدارس القدس والذين يشكلون 36% من مجمل الطلاب والآثار النفسية التي يحدثها هذا الكبت وربط كل الرموز الفلسطينية بالإرهاب مقابل إغرائهم وترغيبهم بالمنهاج الإسرائيلي الذي يتيح لهم التعلم في الجامعات كجزء من الحرب على الأفكار.
وفي ختام المؤتمر، جرى توجيه الأسئلة للطلبة حول أبحاثهم ونقاش بمشاركة الحضور، قبل أن يتم توزيع المنح على الطلبة.
اقرأ/ي أيضًا | مدى الكرمل ينظم مؤتمره السنوي: "فلسطينيو 48 والحرب على غزة"
التعليقات