09/11/2019 - 22:30

حوار | أبو بدر: الاكتظاظ يحوّل بلداتنا إلى أوكار للعنف والجريمة

الاكتظاظ وانعدام مرافق التشغيل والترفيه يحول بلداتنا إلى أوكار للعنف والجريمة|| تُنشر معطيات مضللة عن تحسن غير موجود، بسوء أو بحسن نية!|| ارتفاع مستوى الحياة لم يترافق مع تطوير بنية اقتصادية في حيزنا الجغرافي|| إن الفجوات ما تزال كبيرة وتتعمق

حوار | أبو بدر: الاكتظاظ يحوّل بلداتنا إلى أوكار للعنف والجريمة

من تظاهرة مجد الكروم ضد العنف قبل شهرين (أ ب)

د. سليمان أبو بدر:

  • الاكتظاظ وانعدام مرافق التشغيل والترفيه يحول بلداتنا إلى أوكار للعنف والجريمة
  • تُنشر معطيات مضللة عن تحسن غير موجود، بسوء أو بحسن نية!
  • ارتفاع مستوى الحياة لم يترافق مع تطوير بنية اقتصادية في حيزنا الجغرافي
  • إن الفجوات ما تزال كبيرة وتتعمق رغم التحسن الاقتصادي الظاهر

رغم كل ما يُسمع ويُشاهد ويُشاع عن ارتفاع مستوى حياة المواطنين العرب في إسرائيل، وعن تحسن في أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن المعطيات الرسمية ما زالت تؤكد أن نسبة الفقر بين العائلات العربية تفوق الـ50%، وأن الفجوات بين المجتمع العربي والوسط اليهودي، ما تزال آخذةً بالاتساع، رغم التحسن الذي طرأ على وضع العرب مقارنة مع سنين سابقة.

د. سليمان أبو بدر

وتضمّنت الوثيقة الحكومية التي أُعِدَت في نطاق ما عُرف بخطة "922" عام 2015، معطيات لافتة حول واقع التمييز والفجوات القائمة في مختلف المجالات، إذ إنها أوردت أن نسبة البطالة لدى العمال العرب تبلغ 25%، بينما تبلغ النسبة العامة في  إسرائيل 6% فقط، وأن متوسّط دخل الفرد العربي يبلغ 2048 شيكلا، فيما يصل متوسط دخل الفرد اليهودي إلى 5745 شيكل، ويبلغ معدل دخل العائلة العربية 9711 شيكلا، مقابل 17811 شيكل للعائلة اليهودية.

وفي ما يتعلق بميزانيات البلديات والمجالس المحلية، وعلى الرغم من أن نسبة جباية الضرائب ارتفعت عند العرب من 40 إلى 68 %، إلا أن المواطن العربي يحصل بالمعدل على 5571 شيكلا في السنة مقابل حوالي 8000 شيكل يحصل عليها اليهودي.

وبخصوص عمل النساء، كشفت المعطيات أن نسبة العاملات العربيات بين جيل 25 و64 عامًا، بلغ في عام 2015 ما نسبته 31.5%، مقابل 32.3 % في عام 2014، ما يعني أن النسبة آخذة في التراجع في السنوات الأخيرة، كما أن الفجوة بين النساء العربيات، مقارنة باليهوديات العاملات لا تزال كبيرة، إذ تصل نسبة النساء العاملات في الوسط اليهودي إلى 79.7 %.

ويبلغ ما تصرفه الحكومة على الطالب العربي، في مجال التعليم، ربع ما تصرفه على الطالب اليهودي، إذ يحصل الطالب العربي على 734 شيكلا، مقابل 3344 شيكل يحصل عليها نظيره اليهودي، الأمر الذي ينعكس على التحصيل، لذا فقد بلغت نسبة استحقاق شهادة "البجروت" بين العرب %48.4 مقابل %75.6 في الوسط اليهودي.

حول التضليل الذي يعكسه المشهد الاقتصادي الاجتماعي الفلسطيني في الداخل بما يحمله من مظاهر توحي بتحسن في مستوى الحياة، وإغلاقِ فجوات، والذي يساهم به كثيرون منا بسوء أو بحسن نية، وحول التحولات الاقتصادية التي شهدها مجتمعنا في العقد أو العقدين الأخيرين وتأثيراتها، أجرى موقع "عرب 48"هذا اللقاء مع المحاضر في قسم الاقتصاد بجامعة بئر السبع، د. سليمان أبو بدر.

عرب 48: هل يعكس المشهد الاقتصادي الاجتماعي مظاهر "كذابة"، تعمي العيون وتحجب حقيقة الواقع الصعب الذي ما زال يعيشه مجتمعنا؟

أبو بدر: لا شك في أن هناك تحولات اقتصادية ناتجة عن ارتفاع نسبة الاندماج في سوق العمل الإسرائيلي عموما، واقتحام قطاعات تتطلب مهارات ومهنية عالية مثل القطاع الصحي و"الهايتك"، إلى جانب الارتفاع في مشاركة النساء العربيات في هذا السوق بشكل خاص، فازدياد نسبة النساء العاملات ملحوظ جدا، إذ ارتفعت هذه النسبة من 10% قبل عشر سنوات إلى 20-30% وهي أعلى بين الأجيال التي تقع بين 18 و45، بسبب انخفاضها الحاد بين النساء فوق جيل الـ45.

بات يمكن للإنسان العادي ملاحظة انخراط النساء العربيات في أماكن العمل والتعليم المختلفة، ففي حقل التعليم الأكاديمي تشكل الفتيات العربيات أكثر من 60% من الطلاب العرب، وهن يقتحمن مختلف مجالات التعليم كالطب والهندسة والعلوم الطبيعية و"الهايتك"، وذلك بعكس ما كان يسود في السابق من تقوقع الطلاب العرب عموما وبخاصة الطالبات، حولَ المواضيع الأدبية والاجتماعية.

عندما نتحدث عن النقب هناك على الأقل 20 طبيبة، عدا مجالات الصيدلة والتمريض والعلاج الطبيعي وغيرها من المهن، وهذا أمر كان من الصعب تخيله قبل 10-15 سنة، ولكن هذا التحسن يبدو كبيرا عندما نقارن وضعنا اليوم بوضعنا قبل 10- 15 سنة ولكنه يتضاءل عندما نقارن وضعنا بوضع المجتمع الإسرائيلي الذي تطور هو الآخر بنفس الوتيرة وربما أسرع، مبقيًا على الفجوات التي كانت قائمة، والتي توسعت أيضا.

عرب 48: كأنك تريد أن تقول إننا نقع في شباك السلطة التي كانت تقارننا دائما بأوضاع العرب في الدول العربية، أو بوضعنا قبل عام 1948 وتتحاشى مقارنتنا مع المجتمع اليهودي لكي لا ينكشف التمييز العنصري الذي تمارسه ضدنا؟

أبو بدر: نعم، في سياق الافتخار بإنجازاتنا كمجتمع وكقيادات، نقع في مثل هذا التضليل، ولكن في الواقع العملي، إن الفجوات بين العرب واليهود توسعت، وبحسب الأبحاث العالمية، فإنه كلما ازدادت الفجوة بين الفئتين المحكومة والحاكمة أو الأغلبية والأقلية، فإن هذا الغبن يولد حالة من العنف لدى الطبقة الضعيفة، وهذا الأمر لا ينتج فقط عن حالة فقر شديد بل في حالة فقر نسبي كما هو الحال في إسرائيل.

وكما هو معروف، إن 50% من العائلات العربية في إسرائيل تقع تحت خط الفقر، وهي تشكل 30% من العائلات الفقيرة في إسرائيل. هذا المعطى ثابت منذ سنوات رغم حالات النمو التي يمر بها الاقتصاد الإسرائيلي، فنظريا يمكن أن تكون نسبة النمو في دولة ما فوق الـ10% وتكون فيها فئات فقيرة، لأن الأمر متعلق بالتوزيع المتساوي أو غير المتساوي لعوائد النمو على السكان، ومن الواضح أن من يستفيد من هذه العوائد أساسا هي طبقة رؤوس الأموال الكبيرة وليست الطبقات الضعيفة، وبخاصة العرب الذين لا يعانون من ظلم اقتصادي فقط، بل من تمييز سياسي أيضا.

عرب 48: هناك تعمق في الفجوات الطبقية المجتمع الفلسطيني ذاته أيضا؟

أبو بدر: من الواضح أن التطور في المجتمع العربي ناتج أساسا عن عوائد التعليم الذي يترجم في زيادة أصحاب المهن المرتبطة بذلك مثل الأطباء والمهندسين وغيرهم، ومن ازدياد نسبة عمل النساء الناتجة عن اكتسابهن لمثل تلك المهن، هذا إضافة إلى مبادرات اقتصادية تجارية محدودة، ومن الطبيعي أن ينحصر ذلك في فئات معينة وأن يؤدي إلى نوع من التفاوت والتقاطب الاقتصادي، وأن يزيد ذلك من التوترات الاجتماعية، ويقابل بمحاولات مستميتة للتغطية على هذا التفاوت، ولا سيّما أن المظاهر تلعب دورا محوريا في مجتمعنا، الذي ما زال غنيّهُ وفقيرهُ يعيشان في نفس القرية، وفي ذات الحارة.

وإن كنا نرى الجميع يسكنون في نفس المنازل ويركبون نفس السيارات، فإن تحت تلك المظاهر تختبئ فوارق وتوترات طبقية اجتماعية بات من الصعب استمرار إخفائها، وهو ما يقف وراء التوترات والعنف وربما الجريمة، وبخاصة في ضوء انحلال المكونات الاجتماعية التي كانت تردع ذلك.

عرب 48: من الواضح أن التحولات الاقتصادية الجارية مردها الاندماج على أساس فردي في سوق العمل الإسرائيلي، في حين لم يجر تطوير بنية اقتصادية جماعية تستوعب الكل العربي وتعود بالفائدة على الجميع؟

أبو بدر: من الواضح أن قرانا ومدننا ما تزال تفتقر إلى بنية اقتصادية ومناطق صناعية، تستطيع أن تستوعب وتنهض بالمصالح التجارية وتعود بالفائدة على عموم الأهالي وتسهم في تطوير البلدات العربية ذاتها، فاقتصاد البلدات العربية يقوم على مشاريع عائلية بسيطة، كحوانيت وكراجات سيارات ومصالح صغيرة من هذا القبيل، أو مشاريع تابعة للمجلس المحلي، والتي يدور حولها تنافس شرس يؤدي في بعض الأحيان إلى عنف.

ولا شك في أن غياب مناطق صناعية وتجارية، يجعل حتى ابن البلد الذي يرغب في تطوير مصلحته ينتقل إلى المدن اليهودية القريبة ليحظى بالمتطلبات اللازمة لذلك، وهذا ما يجعل ليس العمال فقط بل رؤوس الأموال ينتقلون إلى خارج المدن والقرى العربية، ويحرم البلدة العربية من فرص عمل داخلها ويحرم مجلسها المحلي من مردود ضريبة المسقفات (الأرنونا)، التي يمكن استغلالها في تطوير الخدمات الثقافية والترفيهية، ويحول تلك القرى والمدن إلى فنادق للنوم فقط.

عرب 48: إذا فالسياسة التي تُتبع في التعامل معنا لا تريد لنا التطور كجماعة ضمن الحيز الجغرافي الخاص بها، بل تريد دمجنا كأفراد على هامش الاقتصاد الإسرائيلي؟

أبو بدر: صحيحٌ أن هناك سياسة عليا ولكن ذلك لا يعفينا من المسؤولية كقيادات قطرية ومحلية، فليس المهم أن نحصل على الميزانيات فقط، بل يجب التفكير ومراقبة كيفية استعمال هذه الميزانيات بشكل صحيح داخل بلداتنا، لكي تؤدي إلى توفير بنية اقتصادية وفرص عمل محلية.

الحكم المحلي تقع عليه مسؤولية كبرى في النهوض بهذه القضايا وغيرها، لأن المفتاح لكل مشاكلنا يكمن في بلداتنا التي تعاني من بؤس الضائقة السكنية الخانقة، ومن غياب مصادر العمل والتشغيل ومن انعدام المرافق الثقافية والترفيهية، وكل ذلك يحولها إلى أوكار للعنف والجريمة، التي باتت تحصد عشرات الأرواح سنويا.


د. سليمان أبو بدر: محاضر في قسم الاقتصاد بجامعة "بن غوريون" في بئر السبع، وهو من سكان بلدة اللقية في النقب. مجالات بحثه تتمحور في التنمية والتطوير الاقتصادي مع التركيز على منطقة الشرق الوسط قضايا الفقر واللا مساواة والاقتصاد القياسي.

التعليقات