04/01/2020 - 22:30

محمد زيدان: يجري تحويل العمل الأهلي إلى ساحة لتيار الاندماج والأسرلة

زيدان: كما في السياسة، يجري تحويل العمل الأهلي أيضًا لساحة لتيار الاندماج والأسرلة * تحت غطاء الحرب على حركة المقاطعة، جرى تجفيف مصادر تمويل الجمعيات الوطنية

محمد زيدان: يجري تحويل العمل الأهلي إلى ساحة لتيار الاندماج والأسرلة

محمد زيدان:

* كما في السياسة، يجري تحويل العمل الأهلي أيضًا لساحة لتيار الاندماج والأسرلة

* تحت غطاء الحرب على حركة المقاطعة، جرى تجفيف مصادر تمويل الجمعيات الوطنية 

* بعض الجمعيات أغلقت أبوابها وبعضها غيّر أجنداته خضوعًا لمصادر التمويل

* أموال الانتخابات القادمة من يهود أميركا توجت استخدام الجمعيات في أجندات سياسية خارجية


تحت غطاء الحرب على حركة المقاطعة الفلسطينية (بي دي إس)، وسعت الحكومة الإسرائيلية الواقعة تحت هيمنة اليمين الديني الاستيطاني، من نطاق جبهة هذه الحرب للتخلص من كل الأطراف المناوئة لسياسة الاحتلال والاستيطان، التي تمارسها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في السياق نفسه، شكلت المؤسسات الحقوقية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية والإسرائيلية "اليسارية" هدفًا مشروعًا، فبعد أن جرى تطويق مساحة نشاطها بسلسلة قوانين، مثل "قانون مكافحة الإرهاب" و"قانون النكبة" وقانون منع التماثل مع حركة المقاطعة وغيرها، تم محاصرتها من خلال صناديق ومصادر الدعم الدولية سعيًا لتجفيف الموارد التي تبعث الحياة في شرايين عملها.

وليس من المستغرب، كما يقول محمد زيدان، أن تسع جمعيات من أصل عشر جمعيات وقعت على بيان دعم حركة المقاطعة الفلسطينية لإسرائيل عام 2006، قد أغلقت أبوابها، بينها المؤسسة العربية لحقوق الإنسان، التي كان يديرها وشكلت واحدة من أعرق الجمعيات العربية في الداخل الفلسطيني.

وتعتبر المؤسسة العربية أول جمعية حقوقية تعنى بحقوق الأقلية الفلسطينية في البلاد، والتي أسسها مطلع ثمانينيات القرن الماضي المناضل الراحل منصور كردوش، وهو أحد مؤسسي وقياديي حركة الأرض التي أخرجتها السلطات الإسرائيلية عن القانون. وشكلت الجمعية إلى جانب "جمعية الصوت للتراث والفكر الفلسطيني"، "جمعية أنصار السجين" و"جمعية التنمية والتطوير" وغيرها من المؤسسات اللبنات الأولى في بنيان المجتمع المدني الفلسطيني في الداخل.

ونشطت المؤسسة على مدى عقود في العمل الحقوقي الميداني والدولي، وقدمت عشرات التقارير والمذكرات الحقوقية عن أوضاع الفلسطينيين أمام الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من المنظمات الدولية.

حول العوامل التي أدت إلى إغلاق المؤسسة والمأزق الذي يواجه العمل الأهلي الفلسطيني، في ظل "الحرب الدولية" التي تشنها إسرائيل على المؤسسات الفلسطينية، كان هذا الحوار مع مدير المؤسسة العربية لحقوق الإنسان المغلقة أبوابها، محمد زيدان.

عرب 48: كيف يحدث أن تغلق مؤسسة عريقة مثل المؤسسة العربية لحقوق الإنسان أبوابها بمثل هذا الصمت؟

زيدان: السنوات الأخيرة شهدت تحولات نوعية في النطاق العام، وفي الأجواء السياسية التي ينشط في إطارها العمل الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني؛ تحولات تندرج في إطار ترجمات سيطرة اليمين على مفاتيح الحكم في إسرائيل. فاليمين الاستيطاني الذي سيطر على الكنيست وعلى الحكومة، بدأ يزحف باتجاه إزاحة العوائق التي تحول دون هيمنته على المجتمع الإسرائيلي، ومنها القضاء والصحافة والمجتمع المدني وامتداداته الدولية.

محمد زيدان

في ما يتعلق بمؤسسات المجتمع المدني، جرى التعامل معها بمستويين؛ تمثل الأول بمحاولات شيطنة هذه المؤسسات، وقد رأينا كيف يتم إلصاق صفة "الطابور الخامس"، ليس بالمؤسسات العربية فحسب بل بمؤسسات "يسارية إسرائيلية" مثل "يكسرون الصمت" و"بتسيلم" و"يوجد حد"، بهدف "حرقها" في الشارع الإسرائيلي، وصولا إلى اتخاذ تدابير وسن قوانين لتحديد نشاط مؤسسات المجتمع المدني عمومًا، مثل "قانون الإرهاب" و"قانون النكبة" وغيرها.

والمستوى الثاني، هو إعلان الحرب على هذه المؤسسات في الساحة الدولية لمحاصرة مصادر تمويلها وتجفيف منابعها، وقد قامت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه، تسيبي حوطوفيلي بعقد لقاءات مع جميع السفارات العاملة في إسرائيل، ولديها صناديق تمويل تقوم بدعم جمعيات عربية ويهودية مشمولة في القائمة السوداء، التي أعدتها الخارجية الإسرائيلية، وشملت الجمعيات "المتطرفة" التي يحظر تمويلها، وهي أساسًا جمعيات أعربت عن تأييدها لمقاطعة إسرائيل.

عرب 48: كما هو حال تعاملها مع الأحزاب والحركات السياسية التي تقسمها إلى معتدلين ومتطرفين، فتخرج الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون وتعزل "أبناء البلد" وتُحاصر التجمع، تتعامل السلطة مع الجمعيات أيضًا بهذا المفهوم؟

زيدان: فقط للتذكير، فقد أخرجت إسرائيل بالتزامن مع إخراج الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون، 24 جمعية تعمل في عدة مجالات، بادعاء أنها تابعة لتلك الحركة. في المقابل، تعاملت مع جمعيات أخرى بشكل غير مباشر من خلال محاصرة وتجفيف منابع التمويل، ما يؤدي إلى إغلاق هادئ لا يترك أثرًا لجرم إسرائيلي.

ساعد هذا النهج الإسرائيلي صعود نجم اليمين في أوروبا أيضًا، وما رافقه من تغيير ما يسمى بإستراتيجيات التنمية، ما أدى إلى انسحاب الكثير من صناديق التمويل حتى من دون ضغط إسرائيل، ناهيك عن أن الكثير من الحكومات توقفت عن دعم مؤسسات الداخل الفلسطيني، وصناديق أخرى غيرت من أجندات الدعم، باتجاه مجالات متفق عليها ولا تثير حفيظة السياسة الإسرائيلية، مثل قضايا المرأة والطفل وغيرها.

عرب 48: تريد أن تقول إن هذه الصناديق "اختصرت الشر" كما يقولون، والوقوع تحت طائلة المساءلات الإسرائيلية؟

زيدان: صحيح، اليوم ليس كما في الماضي، حيث تأخذ إسرائيل دورًا نشطًا في إطار الحرب على الـ"بي دي إس"، وهي تراقب من يمول ومن يوقع وما هي مصادر التمويل، وكيفية التأثير عليها. وكما هو معروف، فإن غالبية الصناديق والدول العاملة فيها لا تريد أن تتهم باللاسامية، التي تستخدمها إسرائيل كمرادف للمقاطعة.

وكما هو الحال في الميدان السياسي، فإن محاصرة الجمعيات "المتطرفة" يخلي الميدان للجمعيات التي تعتبرها إسرائيل معتدلة، وتعزز من أجندات الاندماج والمواطنة والأسرلة، التي تستعمل جماعات الضغط، وتعمل مع الوزارات الحكومية بشكل مباشر على خطط مثل 922 وغيرها. والنتيجة بالمحصلة أن البرنامج السياسي الاندماجي صار له تمويل.

عرب 48: هي استمرار لسياسة ضرب "المتطرفين" وتشجيع "المعتدلين" في السياسة؟

زيدان: هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن الكثير من الجمعيات بدأت تلائم نفسها لأجندات التمويل، فمثلا جمعية مثل "مساواة" التي تعنى بحقوق الإنسان، صارت تعمل بقضايا كثيرة ومختلفة مثل "الثقافة" والـ"مرأة" والـ"المدن المختلطة" والـ"النقب"، ورب قائل يقول ما دخل ذلك بحقوق الإنسان، ولكنها مواضيع يتوفر لها التمويل.

كذلك الأمر مثلا بالنسبة لجمعية "إعلام"، التي أسست لكي تعنى بالإعلام والإعلاميين العرب، لكنها غيّرت من محاور اهتمامها وتخصصها، فبدأت تنشط في السنوات الأخيرة في مجال "التخطيط الإستراتيجي للعرب" و"مجلس حريات عربي ويهودي"، وغيرها من المجالات التي لا تربطها علاقة بالإعلام ولكن يتوفر لها تمويل.

هذا النمط المتمثل بالتوجيه السياسي لعمل الجمعيات، وصل أوجه بأموال الانتخابات الماضية، ولأنها مفضوحة وواضحة بشكل لا تستطيع جمعية واحدة استيعابها، تم صنع ائتلاف جمعيات وهمي (ائتلاف 17.9)، الذي تشكل من عدة جمعيات، 4 جمعيات منها غير معروفة والأخرى مرتبطة بالجبهة.

وعندما تسأل الجمعية التي صنعت هذا الائتلاف، وهي "مركز العربي للتخطيط البديل"، وقد تسأل من أين جاءت الأموال، فالجواب بأن تقريرا ماليا سيقدم في نهاية العام لمسجل الجمعيات.

عرب 48: ولكن الجميع يعرف من أين جاءت الأموال؟

زيدان: يعرف الجميع أن الأموال قادمة من أميركا، وليس من صندوق خيري بل من الفدراليات اليهودية الأميركية، علمًا أن القضية ليست الحصول على أموال من يهود أميركا فقط، بل في الأجندة أيضا، فلو جاءت جمعية معينة وقالت حصلنا على أموال من فدراليات يهودية أميركية للعمل على قضايا المرأة مثلا، التي تندرج ضمن أجندة تلك الجمعية، فلن يكون مشكلة كبيرة في ذلك.

من الحملة التي أطلقتها جمعيات عربية

ولكن هنا أنت لا تضع الأجندة، بل تعمل وفق وفي خدمة أجندة هذه الفدراليات اليهودية، التي تريد استعمال ورقة العرب لدعم بيني غانتس وإسقاط نتنياهو، وهو هدف يخدم أجندات اليسار الصهيوني الذي يتبلور في أميركا، لأن الأخير يخرب على علاقة يهود أميركا بإسرائيل. من المؤسف أن تلك الجمعيات تقبل أن تأخذ دورا في تلك اللعبة، وتستخدم ائتلاف 17.9 الذي كان يقوده المركز العربي للتخطيط البديل، والذي لا يوجد أي بند في أهدافه يتحدث عن زيادة نسبة التصويت، ما يعني أن هناك شيئا تم اختراعه.

هذا مثال حي لكيفية تحول الجمعية لأداة بأيدي مصادر الدعم، في موضوع لا يمت بأي صلة لأجنداتها وبرامجها.

عرب 48: قد يقول قائل إن ذلك له علاقة بالأجندة السياسية للقائمة المشتركة، وللأحزاب النافذة في قيادتها على الأقل؟

زيدان: واضح أن هؤلاء هم من جلبوا الأموال وليس ائتلاف الجمعيات أو الجمعية التي قادته، ولكن استغلال الجمعيات جرى من قبل الفدراليات اليهودية الأميركية بشكل مباشر.

عرب 48: ولكن في كل ما يتعلق بعلاقاتنا الخارجية، كانت الجمعيات هي سفيرتنا إلى العالم، في غياب اعتراف المؤسسات الدولية بالقيادة السياسية؟

زيدان: هذا التشخيص كان صحيحًا حتى تشكيل القائمة المشتركة، إذ بدأت المؤسسات الدولية تتعامل معها كقيادة سياسية موحدة، وهي تستطيع فرض لجنة المتابعة لو أرادت ذلك، ولكن في مرحلة معينة كان هذا التداخل قائمًا وخلق الكثير من الإشكاليات، ممثلو الجمعيات يستطيعون التحدث كمهنيين عن قضايا الفلسطينيين في إسرائيل وليس التحدث باسمهم، ولكن في مرحلة معينة القيادة السياسية منحتها هذا التوكيل.

وكلنا يذكر التصورات المستقبلية التي صاغتها مؤسسات المجتمع المدني في عهد رئاسة شوقي خطيب للجنة المتابعة، الذي أسس جمعية بعد إنهاء فترة رئاسته، وكما هو معروف فإن جمعية "إنجاز" التي أسسها حاولت التحول إلى "بنك وسيط"، بمعنى أن تأخذ هي أموالا من الفدراليات اليهودية الأميركية وتعطي الجمعيات الأخرى.

لقد كانت فترة اختلط فيها الحابل بالنابل في موضوع الأجندات، لأنه في مجتمع صحي تجري صياغة التصورات والمشاريع السياسية من قبل الأحزاب وليس من قبل الجمعيات، ويتم تقاسم الوظائف بين الأحزاب والجمعيات تحت سقف المشروع الوطني المشترك.

ولكن في ظل غياب البرنامج الوطني، أصبح كل حزب يفتش عن مكملات، عبارة عن أناس تخدم أجندته في الجمعيات، وهذا ما ضرب مصداقية العمل الأهلي. إذا كنا نتحدث عن نفور من الأحزاب، بات النفور من الجمعيات أيضًا.

عرب 48: تقصد الجمعية التابعة لحزب والتي تخدم أجندته؟

زيدان: نعم، وفي أحيان معينة حزب تابع لجمعية تفرض أجندتها عليه وعلى قياداته، فمثلا عندما يأتون ويقولون نريد توحيد العمل الدولي، فإنهم لا يقصدون أن نعمل معًا من أجل تطوير وتنظيم العمل، بل كيف يخضعون هذا العمل لهيمنة تيار واحد وتحت سقف حزبي واحد، وليس تحت برنامج وطني واحد وتمثيل سياسي وطني في إطار لجنة المتابعة.


محمد زيدان: عمل بين الأعوام 1991-2018 مديرًا عاما في المؤسسة العربية لحقوق الإنسان ومسؤولا عن مشروع المرافعة الدولية فيها. من خلال عمله ساهم بتطوير برامج ودورات تدريبية للمرافعة الدولية لمجموعة من المؤسسات العربية، بالإضافة لتطوير "حركة حق الشبابية" ضمن التربية للحقوق العمل الجماهيري. ساهم من خلال عمله ببناء جمعيات ومؤسسات قطرية، منها "اتجاه - اتحاد الجمعيات الأهلية"، ومركز "عدالة" لحقوق الأقلية العربية. يعمل حاليا مدربا للتنمية البشرية الفردية ومستشارا في التطوير المؤسساتي، كما يشارك في عدة برامج كمحلل سياسي ومتابع للمؤسسات الدولية - الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

التعليقات