28/03/2020 - 21:56

حوار | الهزيّل: إسقاط "برافر" كذبة ومخطط الاقتلاع ينفذ بحذافيره

كل الحديث عن أن "برافر فشل وانتصرنا" هو كذبة كبيرة، لأن جميع التوصيات التي جاءت في إطار مخطط غولدبرغ - برافر جرى ويجري تنفيذها بندا بندا بمنهجية وهدوء

 حوار | الهزيّل: إسقاط

النقب (أرشيف "عرب 48")

*د. عامر الهزيّل:

> ما تبقى لعرب النقب من 2.5 مليون دونم هو 77 ألف دونم فقط
> المعركة تدور على 25 قرية تسعى إسرائيل لاقتلاعها وتركيز سكانها
> مطلوب الوقوف مع الناس في محاكم الأرض وتعزيز صمودهم في أرضهم


في العام 1996 صدر ثلاثة مخططات إسرائيلية هي "إسرائيل 2020 "، "متروبولين بئر السبع" و "مخطط إدارة البدو"، تحدثت جميعها عن اقتلاع القرى العربية غير المعترف بها في النقب وتركيز سكانها في المجمعات القائمة وفي مجمعات إضافية التي ستقام لهذا الغرض.

د. عامر الهزيل (أرشيفية - "عرب 48")

في أعقاب ذلك وفي ذات السنة بادر د. عامر الهزيل إلى إعداد وطرح "المخطط البديل للاعتراف بـ 45 قرية غير معترف بها" وأسس مع آخرين عام 1997 "المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها"، والذي نجح لاحقا من خلال تنظيم الأهالي في انتزاع الاعتراف بـ12 قرية تنضوي اليوم رسميا تحت لواء مجلسين إقليميين هما مجلس إقليمي "القيسوم" ومجلس إقليمي "واحة الصحراء"، وذلك قبل أن يتم احتواء المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف به وتقزيم دوره عام 2005.

وخلال تلك السنوات واصل د. الهزيل من خلال وظائفه الرسمية وغير الرسمية التي أشغلها في النقب، نائب وقائم بأعمال رئيس بلدية رهط، واصل حمل قضية الأرض والقرى غير المعترف بها وظل يشكل مرجعا مهنيا وسياسيا في هذه القضية.

للوقوف على واقع مخططات الترحيل والمصادرة في النقب عشية يوم الأرض جرينا هذا الحوار مع د. عامر الهزيل.

"عرب 48": رغم الفرحة بإلغاء مخطط "برافر" إلا أن مخططات الهدم والاقتلاع ومحاولات تركيز سكان القرى غير المعترف بها ما زالت قائمة على قدم وساق؟

الهزيّل: كل الحديث عن أن "برافر فشل وانتصرنا" هو كذبة كبيرة، لأن جميع التوصيات التي جاءت في إطار مخطط غولدبرغ - برافر جرى ويجري تنفيذها بندا بندا بمنهجية وهدوء، وإليك الحقائق:

"تطبيق القانون": برافر تحدث عن إقامة جهاز لما اسموه "تطبيق القانون" هذا الجهاز تم إقامته، أقيمت "دولة البدو في إسرائيل"، وفقا للمواصفات التي تحدث عنها "برافر" وهناك اليوم عمارة في بئر السبع تتألف من أربعة أو خمسة طوابق تضم ما يسمى بـ" سلطة تطوير البدو" التي يختص عملها بكل ما يتعلق بالبدو في النقب.

"وحدة يوآف": أقيمت وفقا لتوصيات "برافر" وحدة عسكرية شرطوية خاصة تسمى "وحدة يوآف" لها ثكنة عسكرية مستقلة في بئر السبع، وهي تضم قرابة 800 عنصر مدربين تدريبا عسكريا كما يليق بالوحدات الخاصة، يأتون ملثمين لا ترى وجه أي منهم ومجهزين بكامل عدة وعتاد القمع ولا تستطيع أن تأخذ وتعطي مع أي منهم، لأنهم لا يفهمون سوى لغة القمع والهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص إذا احتاج الأمر، وسيلةً للتعامل مع الناس.

المراقبة الإلكترونية: "برافر" تحدث عن مراقبة إلكترونية، واليوم الدولة تتعاون مع مؤسسة اسمها "رغفيم" هي ذراع خفي لـ"سلطة تطوير البدو"، وقد أقامت "وحدة حوامات طائرة" لديها عشرات إن لم يكن مئات الحوامات الطائرة التي تستطيع مراقبة كل "بدوي يعزب في غنماته" بسفح جبل أو على منحنى واد.

زرع المستوطنات: "برافر" تحدث عن زرع المنطقة التي تقع بها القرى غير المعترف بها بالمستوطنات، وهم يطبقون مخطط أعد عام 1995 ببناء 12 مستوطنة، بينها "حيران" التي ستقام على خرائب أم الحيران و"نفي مدبار" و"سنونيت" و"عيرا" و"كسفيم" و"عومريت" التي ستقام على أراضي الزرنوق أبو قويدر، إضافة الى زرع مستوطنتين جديدتين بين قرية قصر السر وقرية أبو قرينات.

المناطق العسكرية: "برافر" تحدث عن توسيع المناطق العسكرية في محيط القرى غير المعترف بها، وهذا ما يتم اليوم على الأرض، بهدف التضييق على هذه القرى واقتلاعها، كذلك تم توسيع منطقة "رمات حوفاف" على حساب أراضي قرى أبو تلول وقصر السر وأبو قرينات.

شارع 6: وفق المخطط، سيشق الشارع ست قرى ويقتطع قرابة العشرين ألف دونم من أراضيها، حيث سيمر من قرية القرين السيد والقطيف ويكمل إلى قرية بير الحمام ثم يواصل إلى خشم زنة وصووين وإلى وادي النعم وينزل إلى وادي المشاش، ويتحدثون اليوم عن مخطط كرفانات كمحل مؤقت لإسكان الناس الذين سيتم إخلاؤهم.

مأسسة مسألة المحاكم: محاكم الأرض ما زالت متواصلة وجرى مأسستها ووصلت مساحة الأرض التي صودرت بالمحاكم حوالي 130- 140 ألف دونم، والمفارقة هي أن الدولة هي من يستدعي أصحاب الأرض للمحكمة من خلال استعمال خديعة جعلتهم من خلالها يدعون عليها حتى تستصدر حكما من المحكمة بمصادرة الأرض.

"عرب 48": لا نعرف إذا كانوا خدعونا عندما أعلنوا عن إلغاء "مخطط برافر" أم أننا خدعنا أنفسنا عندما صدقناهم، ولكن دعنا نفهم مسألة كيف أن الدولة تجلب صاحب الأرض إلى المحكمة كمدعي، وليس كمدعى عليه، لكي تصدر حكما بمصادرة أرضه؟

الهزيّل: لنبدأ منذ البداية، فالأراضي التي طالب بها عرب النقب عام 1972 تبلغ 2.5 مليون دونم، وبعد أخذ ورد، اعترفت لهم الدولة عام 1979 بـ776 ألف دونم و856 دونمًا كأراض متنازع عليها بينهم وبين الدولة، منها 355 ألف دونم في النقب الغربي غير المأهول أصلا بالسكان العرب.

وفي خدعة "ذكية"، وزعت الدولة عام 1979 على أصحاب الأراضي استمارات تسوية تحمل نصا ثابتا، يفيد بأن هذه الأرض هي أرض دولة وأنا الموقع أدناه فلان أو علان أدعي ملكيتي لها، ما يعني أنه بمجرد التوقيع على هذه الاستمارة يعترف الموقع عليها أن الأرض هي أرض دولة.

البقيعة النقباوية (أرشيفية - "عرب 48")

استنادا إلى تلك الاستمارة التي يدعي فيها المواطن ملكيته لأرض هي "أرض دولة"، قامت الدولة بتحويل تلك الاستمارات إلى دعاوى قضائية ضدها، وهي تقوم بجلب أصحاب الأراضي العرب إلى المحاكم، بعد أن انتزعت منهم اعتراف مسبق بالخديعة، بأن هذه الأرض هي "أرض دولة"، وهناك يكون القرار جاهزا بإسباغ الشرعية القانونية على المصادرة. في هذا الجانب أيضا مخطط برافر متواصل.

"عرب 48": اليوم بعد كل المصادرات الإدارية و"القانونية"، ما هي الأراضي المتبقية والمتنازع عليها؟

الهزيّل: اليوم مساحة مسطحات السلطات المحلية العربية التسع المعترف بها في النقب، هي 163 ألف دونم، وبينما تدعي الدولة أن مساحة القرى غير المعترف بها هي 135 ألف دونم ندعي نحن أن ما تبقى للقرى غير المعترف بها حسب حساباتنا هو 77 ألف دونم فقط.

هذا في حين تبلغ مساحة المجلسين الإقليميين للقرى التي تم الاعتراف بهما حديثا 56 ألف دونم، حيث تبلغ مساحة مجلس قرى واحة الصحراء 33 ألف دونم، ويتبع لنفوذه 23 ألف مواطن، بينما يخدم في الواقع 40 ألف مواطن، وتبلغ مساحة مجلس القيسوم 23 ألف دونم و500 دونم، ويتبع لنفوذه 24 ألف مواطن ولكنه يخدم في الواقع 60 ألف مواطن.

النقاش الآن هل مساحة الـ56 ألف دونم التي تتبع للمجلسين المذكورين هي جزء من الـ77 ألف دونم المتبقية للقرى غير المعترف بها، نحن نقول إنها جزء منها والدولة تقول لا، وبالتالي كل تخطيط الدولة هو أن تضم التجمعات القريبة من محيط تلك المجالس وتحصل على الخدمات من تلك المجالس.

الضم سيتم إما باقتلاع أهالي هذه القرى وترحيلهم إلى منطقة نفوذ تلك المجالس الإقليمية المعترف بها، بأن ينقلوهم لداخل المسطحات التي نتحدث عنها، أو أن يوسعوا الحدود الهيكلية لبعض القرى التي هي بجانب القرى المعترف بها، بحيث تشمل تلك القرى التي تبقى مكانها.

"عرب 48": وهل هذا المخطط يحوي إذا ما تم تطبيقه على جميع القرى غير المعترف بها؟

الهزيّل: لا، ممكن أن يشمل القرى الواقعة بمحاذاة أو في منطقة الحزام التابع للمجلسين الإقليميين أو للمجالس المحلية الأخرى القائمة، والمدى الأخير للدولة يقع في إطار مخطط "متروبولين" بئر السبع.

في حينه، توجه المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، عام 2000، للمحكمة، وطلب إلزام مخطط "متروبولين" بئر السبع الأخذ بعين الاعتبار القرى غير المعترف بها، والمحكمة استجابت وأصدرت قرارا يدعو "متروبولين" بئر السبع بأن يأخذ بعين الاعتبار تلك القرى، وفعلا قام مخطط "متروبولين" بئر السبع بتلوين هذه المناطق بالأزرق وأشار إلى إمكانية الاعتراف بالقرى الواقعة في نطاقها.

معركة المجلس الإقليمي انتزعت الاعتراف بـ 12 قرية وبقي من الـ45 قرية 37 قرية، تقع منها تسع قرى داخل نطاق مناطق الاعتراف التي لونها "متروبولين" بئر السبع بالأزرق. في رهط مثلا أدى توسيع الخارطة الهيكلية إلى شمل ثلاث قرى محيطة بالمدينة والمعركة الآن على أن تبقى هذه القرى مكانها وليس نقل سكانها إلى داخل رهط.

في اللقية مثلا تقع حولها قريتي عوجان والكيمن وهناك توجه لتوسيع المسطح بحيث يشملهما، وهناك قرية وادي النعم التي قد يشملها أو يشمل أجزاء منها توسيع مسطح شقيب السلام، كذلك فإن توسيع مسطح تل السبع قد يشمل قرية بير الحمام، هذا هو توجه الدولة وهذا كان عمليا توجه "برافر".

"عرب 48": تحدثت عن 12 قرية تم الاعتراف بها في إطار مجلسي القيسوم وواحة الصحراء وتسع قرى قد تجد حلا لها في إطار توسيع مسطحات البلدات القائمة، بقي من 45 قرية 25 قرية ماذا سيكون مصيرها؟

الهزيّل: هم يخططون لاقتلاعها وتركيز سكانها في البلدات القائمة أو التي تم الاعتراف بها حديثا، والمعركة ستكون عليها. ويبدو أن مخطط اقتلاعها ساري المفعول بعد أن أخمدوا الهبة التي قادها الشباب ضد "برافر" بسجن قياداتها، فيما لم تجد تلك القيادات من يحتضنها لا خلال المحاكمات ولا بعد المحاكمات، وشكل تعامل القيادات السياسية معها "فضيحة سياسية" ناهيك عن أن الإعلان عن إلغاء "برافر" واستمرار تنفيذه عمليا كان خطة ذكية من المؤسسة.

كذلك فإن المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف الذي شكل حجر عثرة كبيرة أمام تنفيذ هذه المخططات جرى تحييده عام 2005، ويكفي في هذا السياق الإشارة إلى أن عدد حالات الهدم عام 2005 عندما كان المجلس فاعلا بلغ 15 بيتا فقط وارتفع في العام 2019 إلى 2500 بيت.

والمطلوب اليوم أن تقوم لجنة المتابعة والقائمة المشتركة بإعادة النظر بالنسبة للنقب وتكون شريكة في إعادة بناء المجلس الإقليمي وترصد ميزانية له من الـ15 مليون شيكل التي تتلقاها شهريا، لإعادة بناء الحركة الجماهيرية والوقوف مع الناس بالمحاكم في قضايا هدم البيوت وتعزيز مقومات صمودهم على أرضهم.


*عامر الهزيّل: حاصل على دكتوراه في العلوم الاجتماعية، تخصص تخطيط إستراتيجي وتمكين مجتمعي- جامعة ماربورغ - ألمانيا. كان من المبادرين لتأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي وشغل منصب الناطق الرسمي باسمه قبل أن يترك العمل الحزبي ويتفرغ لقضايا النقب عام 1996.

وضع عام 1996 - 1997 المخطط الإستراتيجي البديل للتمكين المجتمعي والاعتراف بـ45 قرية في النقب، وأسس مع قيادات شعبية المجلس الإقليمي للقرى غير معترف وعمل متطوعًا كمخطط مستشار وموجه له حتى عام 2005. بادر مع آخرين لتأسيس المركز العربي للتخطيط البديل.

وخلال العامين 2008 - 2018 شغل منصب نائب وقائم بأعمال رئيس بلدية رهط، مسؤول ملف التربية والتعليم، والمركز الجماهيري. منذ عام 2019 يدير مركز الإنسان والحيز للاستشارة والتخطيط والتمكين المجتمعي.

التعليقات