"الأنطاكي": الطب العربي ثروة على شكل معجزة قابلة للتحقيق!/ هاشم حمدان

-

كيف استطاع فريق صغير من الباحثين والمختصين في مجال الأعشاب الطبية في الجليل إختراق جدران أوروبا في زمن يعتبر فيه الموروث العربي الإسلامي مرفوضاً أو مشبوهاً؟..

كيف تمكن فريق صغير من الباحثين من تطوير مستحضرات دوائية تجتاز أشد المعايير (الصحية) صرامة من خلال العودة إلى النباتات الطبية العربية؟

كيف تمكنت شركة "الأنطاكي" من تطوير 40 مستحضراً خلال ثمان سنوات، شملت مجالات متعددة أبرزها السكري والكوليسترول وتخفيض الوزن والسمنة الزائدة والصدفية وحب الشباب والبواسير والعقم والقدرة الجنسية والمنشطات العامة والحرقة وجرح المعدة والإثني عشر ومقاومات التأكسد ومقاومات للأمراض السرطانية ومقاومات شيخوخة الخلايا وتفتيح البشرة والصداع والإلتهابات الرئوية وإلتهابات الكبد وحصى المثانة وحصى المرارة ومسكنات لآلام المفاصل ودهونات (كريمات) مقاومة للسعات الحشرات .. وغيرها، من خلال العودة إلى الطب العربي؟



د.عمر سعيد من قرية كفركنا في الجليل، حصل على الدكتوراة بامتياز في علم العقاقير والأدوية من معهد التخنيون، إنصرف إلى العمل السياسي منذ صغره ونشط في صفوف الحركة الطلابية في الجامعات ويعتبر أحد مؤسسي حركة أبناء البلد والتجمع الوطني الديمقراطي لاحقاً، ولم تتوان أجهزة الأمن الإسرائيلية عن ملاحقته بسبب مواقفه السياسية حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية 10 مرات متتالية كل مرة لمدة ستة شهور، وسجن لمدة سنة ونصف، ناهيك عن عشرات الإعتقالات المتفرقة.
الأخصائي خالد خليل من مواليد مدينة شفاعمرو حصل على اللقب الأول في اللغة العربية واللقب الثاني في التاريخ، ودرس الطب المكمل الذي يشتمل على العلاج بالطاقة والإيحاء والرفلكسولوجيا وتخصص في النباتات الطبية. نشط في صفوف الحركة الطلابية في الجامعات، وحركة أبناء البلد، وهو الأن عضو في اللجنة المركزية للتجمع الوطني الديمقراطي الذي شارك في تأسيسه. وتعرض بدوره إلى الملاحقات والإعتقال بسبب نشاطه السياسي. "التحدي الأساسي هو المحافظة على الموروث الطبي العربي الإسلامي واستعادة ما تساقط منه أو اختفى، ودراسته علمياً وإخضاعه للتجربة العلمية البحتة وعصرنته وإعادة إنتاجه بما يتناسب مع إحتياجات السوق العالمي المعاصر في سياق تجانس الأصالة مع الحداثة. هذا التحدي يتضمن استخدام كنوز التراث التي لم تدرس ولم تتم الإفادة منها بواسطة بحوث كان يفترض أن تتم على المستوى العربي الرسمي والأكاديمي، وتوظيف هذه المعرفة لتطوير منتوجات عصرية بحيث تتم إعادة الإعتبار من خلال هذه المنتوجات إلى التراث الأصيل المنسي، والذي يظنه كثيرون – للأسف – خالياً من الفائدة".

بهذه الكلمات بدأ د.عمر سعيد حديثه في مركز النباتات الطبية للبحث والإرشاد – الميسم في قرية كفركنا الجليلية.

وتابع:" ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن إنجازات العرب في مجال الطب النباتي ما زالت تحتفظ بقيمتها، بل أصبحت بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى البحث والتطوير. وفي بلادنا فلسطين تأخذ مسألة المحافظة على هذه الموروث بعداً خاصاً وخطيراً، ذلك لأن عدداً من الباحثين اليهود في الأكاديميا الإسرائيلية يحاولون صهينة هذا التاريخ ونسبه دون وجه حق، بعد أن جمعوا المعلومات العامة من المعالجين الشعبيين والكتب التراثية بهدف شرعنة الإستيطان وإعطائه بعداً حضارياً مزيفاً.

لم يتمكن غالبية المعالجين الشعبيين من التعرف إلا على عدد ضئيل من النباتات الطبية وتحديد خصائصها العلاجية، وتعويضا عن ذلك لجأوا إلى إستخدام الوصفات التي تقدمها العطارة التقليدية والتي بدورها تعاني من هزال واضح في بلادنا. ووصل الأمر ببعضهم حدا جعله يستخدم نبتة واحدة في معالجة كافة الأمراض والعلل. وبدلا من توسيع آفاقه ومعرفته "جنـّد" الشياطين والجن لتحقيق نتائج علاجية!

محنة الموروث الطبي الشعبي في فلسطين قد لا تشذ جوهرياً عن واقع الطب الشعبي في العالم العربي، والذي انفصل كليا عن النظام الصحي في البلدان العربية وأصبحت له قوانينه وعالمه الخاص، حيث عزل عن المشهد الصحي وأصبح ملجأ لفقراء الناس على عكس ما هو قائم في الغرب. وحتى عالم العطارة نفسه فانه، في غالبيته، يعتمد على عشرات التوابل والبخورات والتي بمعظمها تكون مستوردة من ثقافات ومناطق بعيدة. ويحمل التغافل والإهمال المحزن لتراثنا الطبي في طياته خطرا ثقافيا بالغ الأذى، فضلا عن كونه يشكل إهداراً عبثيا لطاقات إقتصادية هائلة كامنة فيه.

لم يكن العرب يوما مجرد ناقل أو وسيط للثقافات السابقة عليهم، ولم يكتفوا بترجمة ما خلفته الشعوب من وثائق ومدونات، وإنما ساهموا بشكل نوعي وأساسي في تطوير هذا العلم. فليس من باب الصدفة أن الفصل بين الصيدلة والطب قد تم بفضلهم، الأمر الذي شكل مؤشرا واضحا على درجة التطور والرقي التي احتلوها آنذاك، الأمر الذي وضع الأساس لعلم الدواء والعقاقير (الأقرباذين)، فظهرت في بغداد أول صيدلية في التاريخ (القرن الثامن).

لقد أضاءت أسماء كبيرة عالم الطب والتداوي بالأعشاب آنذاك، كان أبرزها أبو بكر الرازي وإبن سينا وإبن رسول وإبن حيان وإبن البيطار صاحب "الجامع للادوية المفردة والمركبة"، الذي تضمن حوالي ألف نبتة طبية، منها أكثر من ثلاثمائة نبتة من إكتشاف وإسهام الثقافة العربية الإسلامية.

من المهم التنبيه إلى أن 70% من الأدوية الحديثة مستحدثة من أصل عضوي (الكائنات الدقيقة وحتى عالمي النبات والحيوان)، وان 40% من مجمل الأدوية مستمدة مباشرة من النباتات الطبية. فلا غرابة إذن أن يكون حجم الإتجار بالنباتات، ( المكملات الغذائية فقط)، في السوق العالمي قد وصل إلى 60 مليار دولارا أمريكيا عام 1998 وارتفع إلى 65 مليارا عام 1999، مع رصد لمعدل نمو واضح يصل إلى 7% سنويا. وحالياً فإن المنتوجات الطبية الطبيعية تعادل أكثر من 100 مليارد دولار سنوياً مع معدلات نمو تصل إلى أكثر من 20% سنوياً كما هو الحال في روسيا!

كما تجدر الإشارة إلى أن علماء النبات يقدرون أن هناك أكثر من مئتين وخمسين الف ( 250,000) صنف نبات على وجه البسيطة، وقد تم تصنيف حوالي تسعين بالمئة من مجملها تصنيفاً علمياً. معنى ذلك أنه ما زال هناك أكثر من خمسة وعشرين ألف صنف لم يتعرف عليها العلم الحديث بعد.
ووفقاً للتقديرات فأن حولي 2-5 % من مجمل النباتات قد تم استخدامها تراثياً في نطاق العلاج ومقاومة الأمراض. لكن الأمر مختلف في حالة الطب العربي، حيث تصل نسبة النباتات الطبية إلى أكثر من 20 % من مجمل النباتات في الوطن العربي. ففي فلسطين، على سبيل المثال، ينمو أكثر 2600 صنف نباتي ( وهذا عدد هائل لبلد صغير المساحة ) حيث أحصينا أكثر من 200 نبتة تستخدم طبياً بشكل أو بآخر من عينة شملت حوالي 800 صنف. من الواضح أن هذا التنوع النباتي ناشئ عن الطبيعة المناخية المميزة لبلادنا بشمالها الأخضر وجنوبها الصحراوي وخاصرتيها الزرقاء (البحرية) والغائرة تحت البحار (الأغوار).


مقابل ذلك كله، فان مشاركة العالم العربي في هذا النشاط الإقتصادي الواسع والمتسع ما زالت هزيلة للغاية وتعتمد على تصدير المواد النباتية الخام المشتركة مع الثقافة الغربية (المقبولة لديهم)، أي أن النباتات التي تميز ثقافتنا ما زالت محيدة ولا يتم تطويرها لتصل إلى مستحضرات دوائية ولا حتى مكملات غذائية. فمن أصل 814 نبتة طبية مدونة في ثقافتنا المعاصرة فان 23 منها فقط يستخدم في مجال التصنيع الدوائي و 55 نبتة أخرى في مستحضرات التجميل والعطور، 34 نبتة في صناعة الغذاء و 10 نباتات تستخدم في تراكيب المبيدات الطبيعية.

من المهم التوضيح أن هذه المعطيات المعتمدة على تقرير" المنظمة العربية للزراعة والتنمية"، لا تعني أن تطويرا لأدوية حديثة قد تم إستنادا إلى الطب العربي، وإنما تعني أنه تم تصدير مواد أولية مشتركة مع الثقافة الغربية، مما يؤكد مجددا أنها، حتى في صلب "خصوصيتها" ما زالت تعتبر ملحقا في عجلة الاقتصاد الغربي وثقافته. ومما يزيد الطين بلة أن عشرات النباتات الطبية المعتمدة تاريخيا في ثقافتنا اندثرت أو هي في طريقها إلى الانقراض، وذلك لأسباب متعددة أهمها غياب الالتزام الذاتي والمراقبة المهنية لعملية جمع النباتات من قبل المعالجين والناس، ورعي الحيوانات، بالإضافة إلى الآثار التدميرية الناتجة عن التلوث البيئي وحاجات التمدن.

وتبرز أهمية هذا التوجه في هذا الإتجاه في أنه يجعل الباحث الممتلك لأدوات المعرفة والبحث العلمي الحديث، قادراً على المزاحمة في سوق الإقتصاد المدني في ظل تفوق غربي ساحق في مجالات أخرى.
وغني عن التأكيد، أن هذا المجال يعتبر جاذباً لكل الباحثين في العالم حين أصبحت كل جامعة تملك قسماً خاصاً للمركبات الكيميائية الطبيعية والدوائية المشتقة منها.

ويضيف د.سعيد:
الأمانة المهنية والعلمية تدفعني للإقرار بأن جمعية الجليل – مركز الأبحاث والتطوير المنطقي، كانت رائدة هذا المشروع في وسطنا العربي، إذ إستثمرت ميزانيات كبيرة بهدف تطوير مجال الطب النباتي في مستوياته المتعددة الثقافية والبحثية والإنتاجية.

لقائي الأول مع هذا الموضوع كان ناتجاً عن كوني باحثاً في مركز أبحاث حمعية الجليل، حيث أسند لي منذ اليوم الأول ملف تطوير الأعشاب الطبية وتحديثه نظراً لكوني متخصصاُ في علم العقاقير (الفارماكولوجيا).
بدأت بدراسات ميدانية لتقييم الحالة العامة لهذا الموروث وذلك في سبيل الوقوف على الطرق التي تؤمن إنطلاقة قوية وكبيرة للإلمام به وتطويره.

وقد انضم في هذه المرحلة أخصائي الطب المكمل السيد خالد خليل، بحيث ساهمنا في إجراء بحث ميداني واسع شمل المعالجين الشعبيين في الضفة الغربية والنقب والجليل والمثلث والجولان المحتل.
وبشكل مواز خضنا تجربة قراءة نقدية للتراث الأدبي شملت أمهات الكتب التراثية الطبية المعروفة، مثل: الحاوي للرازي، والقانون في الطب لإبن سينا، والجامع لمفردات الأدوية والأغذية المركبة لإبن البيطار، وتذكرة داوود الأنطاكي، وغيرها.

هذه الطريقة المهنية جعلتنا قادرين على مد الجسور بين المسميات التراثية القديمة والحديثة للنباتات الطبية، حيث تخلصنا من مشكلة الإنقطاع الذي حصل وتجاوزنا حاجز إختلاف الأسماء في الفترات التاريخية اللاحقة، وساعدنا في ذلك كوكبة من الباحثين المختصين في التراث وعلم النبات".

وهنا تجدر الإشارة إلى أن ملاحقة الأسماء عبر التاريخ هي عملية مضنية جداً، خاصة وأنه في بعض الحالات تم إستبدال الأسماء مع مرور الزمن مثل؛ نبتة الحمى (العوينة أو سماميخا) وطرخشقون (من أنواع الهندباء) والعيزقان (القصعين أو الميرمية) والسذاب (الفيجن) والبقلة الحمقاء (الفرفرحينا) وغيرها.

وفي حالات أخرى وردت مسميات تراثية لنباتات لم يعد إستخدامها شائعاً مما يصعب من عملية إعادة إكتشافها من جديد مثل عشبة الحمل أو عشبة البراغيث، أو نباتات أخرى ينقسم العشابون والباحثون في وصفها الدقيق مثل نبتة "عاقر قرحا" التي بينت أبحاث د.سعيد والأخصائي خليل أنها إحدى عائلات الكلخ والنوع المعروف منها بإسم الزلوع.
ويتابع د.سعيد: تناولنا أهم النباتات التي أكد آباء الطب العربي جدواها وفعاليتها الطبية، وأخضعناها للبحوث العلمية والتي شملت الأمور التالية:

1- فحص درجة سميتها على الحيوانات المخبرية وجسم الإنسان.
2- طرق إستخلاص المواد الفعالة من أجزائها المختلفة، مروراُ باستخدام سلسلة طويلة من المذيبات وتجريبها على نماذج خلوية مخبرية أو حيوانية بهدف التأكد من الفعالية المنسوبة لها.
3- المستخلصات النباتية التي أعطت نتائج مشابهة للمنصوص عليها تراثياً، خضعت للتجربة بدورها لعملية تقطيع كيميائي للتوصل إلى المقطع الأكثر فعالية دوائياً.
4- إعادة تجربة المقاطع الفعالة في نماذج لفحص السمية وتحديد التركيز الآمن لاستخدامه دوائياً.
5- المقطع الآمن دوائياً تمت تجربة فعاليته الدوائية مجدداً على نماذج خلوية وحيوانية مناسبة.
6- بعد التوصل إلى مقطع فعال وآمن تمت تجربته على عدد كبير من المرضى بحضور أطباء أخصائيين ومتابعة تأثيراته الدوائية والجانبية.
7- بعد إنجاز جميع هذه الشروط المذكورة واستيفائها تم بناء نماذج لمستخلصات تضمن المحافظة على فعاليتها بشكل متواتر لأقصى الحدود، سواء كان ذلك دهونات (كريمات) للإستخدامات الخارجية أو كبسولات أو أقراص للإستخدامات الداخلية.


كل ذلك ينبغي أن يتم ضمن شروط عالية الجودة، بحيث يتم رصد أي تغير في تركيز المواد الفعالة من خلال منظومة متكاملة من المعايير المتبعة ابتداءاً من موعد حصاد النباتات ووصولاً إلى المستحضر النهائي.

يعتبر هذا الأمر في غاية الأهمية خاصة وأن النباتات تنتج موادها الفعالة متأثرة بجملة من الشروط البيئية التي قد تؤدي إلى تغير في تركيز نسبة المواد الفعالة كلما حصل إختلاف فيها. مثل درجة الحرارة وكمية الماء ونوع التربة والمناخ والمنطقة. كل هذه الأمور تؤثر على نسبة إنتاج المواد الثانوية الفعالة في النبتة، وتعتبر هذه إحدى أهم المشاكل التي تعاني منها صناعات الأدوية الطبيعية.

وقد أدى عدم إيفاء هذا الموضوع حقه إلى تشكل حاجز قاتل أمام تطوير أدوية طبيعية إذ من الممكن أن يتم إنتاج مستحضر نمت نباتاته في شروط مختلفة وان نصل إلى إختلاف واسع في مفعول كل واحدة منها.

ويضيف د.سعيد أنه أمر محزن أن نكتشف أن غالبية بلداننا العربية، إن لم نقل جميعها، لا تمتلك مصنعاً للإستخلاص النباتي تتوفر فيه الشروط والمواصفات العالمية المطلوبة التي تضمن تحديد نسبة المواد الفعالة في كل إستخلاص وآخر لنفس النبتة من خلال إستخدام الأجهزة الكيميائية المتطورة، في حين تمتلك إسرائيل أكثر من 6 مصانع للإستخلاص النباتي.
هذا الواقع يعني إستحالة تمكن المصانع والباحثين العرب من إختراق جدار الدول الغربية التي تضع معايير شديدة وصارمة للمصادقة على المستحضرات بوصفها جزءاً من فئة الأدوية النباتية.

ومن الجدير تأكيده أن المواصفات الغربية الجديدة للمستحضرات الطبيعية التي تقع ضمن تصنيف المستحضرات الطبية النباتية قد تكون متقاربة جداً من تلك المواصفات المطلوبة في الأدوية الحديثة.

إذا رغبت شركة عربية بإنتاج مستحضر يقوم على نبتة شائعة الإستخدام مثل حبة البركة او الحبة السوداء (القزحة) لعلاج أمراض جلدية كما هو متبع في الطب الشعبي، فعليها استيراد المستخلص النباتي لهذه الحبة من ألمانيا أو أي دولة تمتلك هذه التكنولوجيا وهذا أمر محزن، بل ومشين!

وهنا نشير إلى أن هنالك أعداداً هائلة من الكيميائيين العرب القادرين على جعل هذا الحلم حقيقة واقعية لو تم الإهتمام بهم وإستثمار معرفتهم ومهنيتهم، حيث أن كثيراً من الباحثين العرب يديرون مشاريع للإستخلاص النباتي ذات المواصفات العالمية المحددة لمكوناته الكيميائية الفعالة في الدول الأوروبية نفسها....

تشهد الصناعة الدوائية العربية تطورات جدية في مناطق كثيرة مثل الأردن حيث يعتبر هذا المجال ثاني أبرز مرافقها الإقتصادية، ومع إستثناءات نادرة فإن الغالبية العظمى من الصناعات الدوائية العربية لا تمارس أنشطة بحثية لتطوير أدوية خاصة بها مثلما هو حاصل في إسرائيل والدول الغربية.

أدركت جمعية الجليل منذ اليوم الأول إستحالة التغيير في نظرة المجتمع العربي السلبية المستهترة لموروثه الطبي بدون زرع أهمية هذه الفكرة في الأجيال الناشئة عبر تدريسها وممارستها في إطار علمي شيق بحيث يقبل أبناؤنا رويداً رويداً على التعامل مع هذا الموروث، ليس بوصفه مجرد نزهة في التراث القديم بدافع الحنين إلى التاريخ المشرق في ظروف بائسة، وإنما باعتباره مرفقاً علمياُ في مجال البيوتكنولوجيا والزراعة والبيولوجيا والبيئة. بالإضافة إلى إنكشافهم إلى روائع هذا العالم وتلمس أهميته الثقافية والإقتصادية لمجتمعنا.

ومن هذا المنطلق أقيم مركز الميسم – مركز النباتات الطبية للبحث والإرشاد، المركز البيوتكنولوجي الأول في الوسط العربي والذي يعتبر أحد المشاريع الرئيسية التي أنجزها مركز الأبحاث والتطوير المنطقي – جمعية الجليل، وأشبه ما يكون بقرية تعليمية إرشادية يؤمها عشرات آلاف الطلاب سنوياً من مختلف المدارس العربية.

ويهدف إلى رفع المستوى العلمي والتطبيقي للطلاب عن طريق تنفيذ البرامج والمشاريع التعليمية غير المنهجية في مواضيع علمية متنوعة، وتشجيع التنمية المحلية من خلال تبني مفاهيم الإقتصاد المعرفي، واستزراع وتجميع كافة الأعشاب الطبية الهامة والمتصلة بالتراث العربي الإسلامي كي تكون متوفرة للأغراض البحثية والعلمية، والمحافظة على النباتات الطبية المهددة بخطر الإتقراض بالإضافة إلى تجذير المعرفة الشعبية حول الإستخدامات الطبية لهذه النباتات.

ومن أهم مواضيع البحث والإشاد:
1- النباتات الطبية:طرق إستخلاص المواد الفعالة من النبتة وتطوير مستحضرات نباتية وإنتاج زيوت عطرية وأساليب إنتاج العطور... ومواضيع أخرى.
2- الطحالب: طرق وأساليب تربية الطحالب واستخلاص المواد الفعالة ومستحضرات التجميل وتغذية الكائنات البحرية ... ومواضيع أخرى.
3- تربية الأسماك: التعرف على البيئة المائية وتحسين وتطوير جودة الأسماك بطرق بيوتكنولوجية وتخطيط وتنفيذ تجارب وفحوصات متنوعة في هذه المجالات ..ومواضيع أخرى.
4- زاوية الطيور والحيوانات: التعرف على أنواع مختلفة من الطيور والقوارض والحيوانات الأخرى ودراسة سلوكها في الأسر وكيفية المحافظة عليها.
5- الزراعة العضوية: إرشاد الطلاب والجمهور عامة في أساليب وطرق الزراعة العضوية والفوائد البيئية والصحية وجودة المحاصيل الزراعية.
6- الكومبوست: طرق وأساليب إنتاج الأنواع المختلفة من السماد العضوي وتنفيذ تجارب علمية في هذا الموضوع والفوائد البيئية والإقتصادية في هذا المجال الهام.
7- الميكروبيولوجيا: تربية البكتيريا الضارة واستعمالها في مجالات مختلفة وتجارب بيولوجية للقضاء على البكتيريا بواسطة مستحضرات نباتية أم من الطحالب.
8- تجارب متنوعة في مواضيع الكيمياء والبيوكيمياء وجودة البيئة والاكيلوجيا التي ترتبط أساساً بالمواضيع المذكورة أعلاه.


ومن ضمن الفعاليات والأنشطة التي يقوم بها المركز:
1- يوم إرشاد: زيارة مجموعة ليوم كامل وتشمل محاضرة وجولة تعليمية في محطات البحث والإرشاد وإجراء تجارب وفحوصات تتم ملاءمتها حسب جيل الطلاب واختيار المدرسة للموضوع.
2- الباحثون الصغار: دورة علمية بحثية وتضم أفضل الطلاب من حيث التحصيل العلمي في المدرسة. وتتكون من لقاءات أسبوعية وعلى مدار سنة كاملة، يقوم فيها الطلاب بإجراء بحوث علمية بمواضيع مختارة، بإستعمال أجهزة مخبرية متطورة. ويقدم الطلاب في نهايتها وظائف مطبوعة وبمواصفات عالمية جداً، ويشرف على تنقيحها وتقديرها طاقم من الباحثين في المركز.
3- مخيم صيفي للعلوم: تنظم مخيمات صيفية يجري خلالها الطلاب تجارب علمية بمواضيع متنوعة، بشكل مركز وبإرشاد طاقم متخصص الباحثين والمرشدين.
4- وظائف إنهاء: يستوعب المركز سنوياً عشرات الطلاب الثانويين الذين ينجزون من خلاله وظائف الإنهاء بمستوى 4-5 وحدات تعليمية (بجروت)، وكذلك يستوعب عشرات طلاب الكليات والمعاهد العليا ومشاريع إنهاء للهندسيين.
5- زاوية النحل: وتختص هذه المحطة في عالم النحل ومنتوجاته وأهميتها الصحية، عرض حي للمبنى الوظيفي لخلية النحل بواسطة الفيديو أو الخلية الزجاجية، إستخلاص العسل والشمع والبروبرليس وإجراء تجارب علمية في هذا المجال.
6- ورشات عمل: زراعة، بناء أخضر، إنتاج سماد عضوي، التعرف على النباتات الطبية، التعرف على الطيور والحيوانات وكيفية المحافظة عليها، والتعرف على البيئة المائية (الطحالب والأسماك)، بالإضافة إلى ورشة "من القمح إلى الخبز".


بمبادرة شخصية من د.سعيد والأخصائي خالد خليل، وبدعم من جمعية الجليل التي فتحت مختبراتها وكافة إمكانياتها،أقيمت شركة الأنطاكي عام 1998 (نسبة إلى داوود الأنطاكي الطبيب الشهير)، والتي هدفت إلى الإعتماد على التراث العربي الإسلامي لتطوير أدوية طبيعية بمواصفات عالمية تنافس المنتوجات الطبيعية الأوروبية.

وكعادة مستثمرينا العرب، وكما أبدع في وصفهم الأديب طه حسين، على ما أذكر، عندما تحدث عن "أغنياؤنا وأغنياؤهم"، لم يكن من السهل جذب مستثمر عربي لهذا الموضوع، خاصة وأنه من العسير إقناع شخص لا يؤمن بهذا المجال ويسعى للربح السريع. وأدى هذا الأمر إلى جعل النمو بطيئاً ودخلت الشركة في أزمات متعددة في بداية المشوار، وتفاقمت مع إنطلاقة الإنتفاضة الثانية، خاصة وأن كثيرين ممن تعاونوا مع الشركة هم من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وفي هذه المرحلة إنضم رجل الأعمال د.رؤيات مرعي المختص في مجال تدريس تكنولوجيا المعلوماتية والحاسوب، وأبدى تفهماً لأهمية الموضوع وشكل رافداً قوياً لشركة الأنطاكي التي انطلقت نحو المزيد من البحوث والتطويرات الهامة التي مكنتها من إستعادة أنفاسها والإنطلاق بقوة نحو المنافسة بقوة وتحقيق الأهداف المرجوة.

وتمكنت شركة الأنطاكي من تطوير 40 مستحضراً خلال مسيرة ثمان سنوات، شملت مجالات متعددة أبرزها السكري والكوليسترول وتخفيض الوزن والسمنة الزائدة والصدفية وحب الشباب والبواسير والعقم والقدرة الجنسية والمنشطات العامة والحرقة وجرح المعدة والإثني عشر ومقاومات التأكسد ومقاومات للأمراض السرطانية ومقاومات شيخوخة الخلايا وتفتيح البشرة والصداع والإلتهابات الرئوية وإلتهابات الكبد وحصى المثانة وحصى المرارة ومسكنات لآلام المفاصل ودهونات (كريمات) مقاومة للسعات الحشرات .. وغيرها.

قد يكون مجال التسويق للمنتوج يفوق من حيث الأهمية تطويره، خاصة مع العلم أن هناك عدداً كبيراً من المنتوجات الممتازة والجيدة لا تحظى بسوق جيد وغير معروفة بالمقارنة مع منتوجات أقل فاعلية.

وقد عرض عدد من الشركات الإسرائيلية على "الأنطاكي" تسويق منتوجاتها إلا أنها رفضت، وآثروا في الشركة قبول العروض الخارجية.

في العام 2002 تعرف د.سعيد والأخصائي خليل إلى مجموعة من الباحثين في الدانمارك خلال مؤتمر علمي، وأبدت هذه المجموعة إهتماماً بالغاً بمنتوجات الأنطاكي خاصة لما يدعمها من بحث علمي قوي.
وفي العام 2003 باعت هذه المجموعة من الباحثين حقوقها لشركة أقيمت خصيصاً لتسويق منتوجات الأنطاكي في أوروبا. ويرئس هذه المجموعة المدير السابق لشركة "لوند بيك" ذائعة الصيت والتي تتعامل مع الأدوية الكيماوية الموجهة للأمراض النفسية، ويدعى أريك سبرانك جانسين، الذي يعتبر أحد أبرز الشخصيات الإقتصادية في الدانمارك، حيث حول الشركة المذكورة (لوند بيك) خلال إدارته لها على مدى 17 عاماً، من شركة بقيمة 150 مليون دولار إلى شركة بقيمة 4.5 مليارد دولار. وخلال فترة إدارته تم تطوير 3 أدوية عالمية جعلته يحظى بجائزة الإتحاد الأوروبي وتكريمه من قبل البرلمان الأوروبي.

استثمرت الشركة الجديدة التي أقيمت خصيصاً لتسويق منتوجات أكثر من 3 مليون يورو في إقامة البنية التحتية والتسويقية للشركة الجديدة، حيث بدأت بشهر آذار 2005 بتسويق 3 منتوجات (دهونات لعلاج الصدفية وحب الشباب والبواسير) وتبعها في شهر أيار 3 منتوجات أخرى (الكوليسترول والسكري وتخفيف الوزن)، ومن المقرر أن يبدأ تسويق منتوجين آخرين للعقم النسائي والرجالي في شهر تشرين أول/أوكتوبر.

وتسوق هذه المنتوجات في هذه المرحلة في الدانمارك ودول البلطيق، وفقاً لخطة تسويقية ستشمل بريطانيا وأيطاليا وتركيا وروسيا في السنة القادمة.
وبحسب معطيات السوق فإن هناك تصاعداً حاداً في الإقبال على إستهلاك هذه المنتوجات التي تبدي قدرة بالغة على التنافس مع منتوجات أخرى من جهة الفعالية والتصميم. وليس من قبيل الصدفة أن الشركة الجديدة حصلت على شهادة تقدير للشعار والتصميم الأجمل للمنتوجات في أوروبا لهذه السنة.
وفي السنة القادمة ستسوق الشركة 8 منتوجات جديدة مما يعتبر عدداً كبيراً بكل المقاييس.

كما تجدر الإشارة إلى أنه في الأسابيع القادمة سيتم تسويق 13 منتوجاً من قبل شركة عربية في البلاد، وحصلت هذه المنتوجات على موافقة وزارة الصحة. وتشمل خفض ضغط الدم والسكري والكوليسترول والمنشطات الطبيعية وتخفيف الوزن ومضادات للحرقة وحب الشباب والصدفية ومبيض البشرة والبواسير والصداع المزمن وآلام المفاصل وجرح المعدة وحصى الكلى.


العرب أول من اخترع التخدير العام أثناء الجراحة وذلك باستخدام إسفنجة مرطبة بالأفيون والحشيش والسيكران، وتوضع على انف المريض ليستغرق في نوم عميق. وفي حينه أجبر الأوروبيون مرضاهم على الشرب حتى الثمالة.

جالينوس علم الناس أن الفك السفلي مؤلف من قطعتي عظم يجمعها تدريز، علماء العرب فحصوا المبنى فوجدوا أنه مؤلف من عظمة واحدة.

أبو قراط قال أن الطفل في جوف أمه يتمتع بالحركة الذاتية وبواسطتها يخرج إلى الحياة، بينما تحدث العرب ( علي بن العباس) عن حركة الرحم ودفعه، بل وتحدث عن تطور الأجناس قبل داروين!

إعتقد العلماء السابقون أن الأنسجة الطرية ( الدماغ )، والقاسية ( العظم ) لا تلتهب بتاتاً، في حين كان ابن سينا أول من اكتشف إلتهاب غشاء الدماغ وميزها.

جالينوس وكل علماء الإغريق إجتهدوا في بناء نظريات وفرضيات وعملوا جاهدين على تطويع العلوم بشكل ينسجم معها. بينما كان العرب منفتحين على الجديد ولم يقيدوا أنفسهم بنظريات سابقة واعتمدوا على التجربة العلمية.

العرب أول من استخدم اللقاحات ونجحوا بمداواة الجرب بطريقة تشبه ما نعرفه اليوم (ابن زهر)، الجدري الفتاك كان يعالج عن طريق التطعيم وذلك بفرك بثور غير ملتهبة بجرح بين الإبهام والمعصم. في حين إعتبر الأوروبيون المرض لعنة من السماء!

إهتم العرب بالنظافة الكلية في مواجهة الأمراض المعدية، وتخصيص أقسام في المستشفيات للأمراض المعدية. بينما كان الأوروبيون يعزلون المرضى في أقبية وسجون مظلمة من دون رحمة وتركهم للموت البطيء، بدعم من رجال الدين الذين اعتبروه ميتاً سلفاً.

سنة 1382 نشر دي فيناريو كتاباً اعتمد فيه على الطب الأندلسي واقر للمرة الأولى بوجود العدوى وإمكانية مكافحتها.

العرب أول من طور الطب النسائي ووصفوا أدوات خاصة للجراحة النسوية ( الزهراوي).

العرب أول من اكتشف ضرورة تضييق الأوعية الدموية لتسهيل عملية البتر وتخييط الجروح بشكل داخلي تحاشياً لظهور الندب القبيحة، واستعمال الخيطان المصنوعة من أمعاء القطط.

إبن سينا أول من اكتشف الحقنة الشرجية وأكياس الثلج لمداواة المحمومين.

أبو قراط كان يعتقد أن الجرح ينبغي أن يتقيح كي يشفى، فكان التلوث يزداد ويجعل المريض في دائرة الخطر، فضلاً عن الآلام. وبالمقارنة فإبن سينا أول من رفض هذا المبدأ وعمل على تعقيم الجراح مستخدماً الخمر المعتق!

استخدم العرب غبار العفن لمداواة التهابات الحلق ( على ما يبدو لوجود مادة البنسيلين)

استخدم العرب العلاج النفسي للأمراض العصبية والعقلية ( استخدام المحادثة، الموسيقى والتأثيرات الأخرى).

بنى العرب المصحات النفسية في حين حبس الأوروبيون المرضى النفسيين في بيوتهم. وقد قال أبن سينا "علينا أن نعلم أن أحسن العلاجات وأنجعها هي العلاجات التي تقوم على تقوية قوى المريض النفسية والروحية، وتشجيعه ليحسن مكافحة المرض، وتجميل محيطه وإسماعه ما عذب من الموسيقى وجمعه بالناس الذين يحبهم".

العرب أول من بنى المشافي الجامعية الشاملة (مكتبات، بحوث، غرف نظيفة، معاينة صباحية..الخ)

العرب أول من بنى المشافي المتنقلة بين الأرياف.

العرب أول من بنى مشافي السجون.



أعترف أنه لم يكن من السهل إنهاء هذا التقرير، فالحديث لا ينتهي، وكلما هممت بالإنصراف كانت كل كلمة تجعلني أقف مشدوهاً، وأتناول القلم والأوراق وأكتب من جديد .... معلومة أخرى يجدر أن يطلع عليها القارئ، وكشف جديد يجب أن يزف إلى العالم، وحقيقة أخرى طواها النسيان، ونبتة أخرى تشفي العليل، وزهرة أخرى تحمل المسكنات و... وإشراقة عز في زمن التردي العربي..

وتلاحقني الكلمات على الباب..
" لقد تمكنا من إعادة إكتشاف نبتة الحلاوة (وهي نبتة تختلف عن شرش الحلاوة التي تصنع منها الحلاوة الرمضانية)، وتستعمل لعلاج الضغوطات النفسية والأمراض العصبية، وتنتشر في فلسطين والأردن وكان إستخدامها شائعاً، إلا أن المعالجين والعشابين يجهلونها اليوم وبالتالي فهي غير مستخدمة. ولمعرفة القيمة الطبية لهذه النبتة نشير هنا إلى نبتة مشابهة تنبت في الدول الأوروبية، وهذه النبتة الأوروبية يستخلص منها دواء بفعالية اقل من "حلاوة فلسطين" ويباع بمئات ملايين الدولارات سنوياً في أمريكا وحدها"!

كانت الكلمات تنطلق بحماس بالغ لمشروع عملاق، وبحرقة حملة الهم القومي في عملية سباق مع الزمن لإعادة إحياء التراث المهدور المليء بالكنوز النفيسة، والتي لا تقل عن الثروة النفطية، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى النبش في آبارها الغائرة في أعماق التاريخ لنحمل من جديد رسالة حضارية إنسانية فيها البلسم والدواء للبشرية جمعاء، بكل ما يكتنف ويستتبع ذلك من تطوير للمناهج العلمية البحثية وتحفيز وتوظيف العقول والطاقات الكامنة وتمكينها من العمل بحرية، والذي يقود جدلياً إلى اللحاق بالركب الحضاري...

ومن يدري فربما ترتفع الشعلة الحضارية مجدداً لتمسح السخام الأسود عن الوطن العربي الذي أضحى ناقلة للنفط ....
......من هذه الزاوية يصبح إعادة إحياء هذا الموروث والإفادة منه ونقله إلى أجيالنا القادمة جزءاً من تأكيد هويتنا وانتمائنا وخطوة لقطع الطريق ثقافياً على العابثين.
ومع إتساع الفجوة العلمية بين العرب والغرب، لم يتبق للعرب سوى الإنطلاق من الأمور التي تضعهم في أفضلية نسبية تمكنهم من التنافس الفعلي الحضاري مع غيرهم، وقد يكون مجال الطب النباتي هو الأفضل . بحيث يكون أمام المنتوج النباتي الأوروبي أو الصيني أو الهندي، منتوج عربي ضارب الجذور وقادر على التفوق بحكم هذا الإستخدام العريق لتلك المنتوجات. وهذا أمر يسير وممكن وقد أثبتنا ذلك".

وقد شكلت نتائج البحث الميداني الذي أجراه مركز الأبحاث والتطوير المنطقي، (بإشراف الدكتور عمر سعيد واخصائي الطب المكمل السيد خالد خليل 1997) حول أوضاع الطب النباتي في التجمعات الفلسطينية على طرفي الخط الأخضر، شكلت منعطفا نوعيا في أساليب التفكير والتعامل مع الموروث العربي في هذا المضمار.

خلال هذا البحث تم إستطلاع أبرز المعالجين الشعبيين (حوالي 50 معالجا) الذين توزعوا على مناطق الجليل والمثلث والنقب والضفة الغربية وبعض أجزاء الجولان السوري. وإذا ما استثنينا نفرا قليلا ممن ورثوا مهنة التداوي بالأعشاب من آبائهم وعايشوها واقعا حقيقيا على الطبيعة فانغمسوا في التعرف على النباتات الطبية وخصائصها والتعرف على أنجح أساليب تحضير العقاقير منها، فقد كشف هذا البحث عن واقع متدهور لجموع المعالجين الشعبيين في مستوييه المعرفي والعملي، ينذر، في حال استمراره، بانقراض هذا الجانب الحضاري في المنطقة المعنية.

التعليقات