"آن الأوان للفلسطينيين في إسرائيل كي يقفوا بحزم ضد خطة أوسلو البانتوستانية"

مقابلة مع عوض عبد الفتاح، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أجراها الصحفي البريطاني جونثان كوك ونشرت هذه المقابلة في موقع موندو فايس الأمريكي Mondo weiss وأعاد نشرها موقع Israeli occupation archive (موقع أرشيف الاحتلال الإسرائيلي) وكذلك موقع jadaliyya (جدلية)

عبد الفتاح مع روني كاسريلز القائد العسكري في المؤتمر الوطني الأفريقي ووزير الأمن الداخلي السابق في النظام الجديد ( جوهانسبيرغ 2009)-الصورة من موقع "موندو فايس"

مقابلة مع عوض عبد الفتاح، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أجراها الصحفي البريطاني جونثان كوك ونشرت هذه المقابلة في موقع موندو فايس الأمريكي Mondo weiss  وأعاد نشرها موقع Israeli occupation archive (موقع أرشيف الاحتلال الإسرائيلي)
وكذلك موقع  jadaliyya (جدلية)

جوناثان كوك

أجريت المقابلة التالية في مدينة الناصرة مع عوض عبد الفتاح. حزب "التجمع" كما يسمى بالعربية ("بلد" بالعبرية") هو واحد من ثلاثة أحزاب في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، ويمثل الأقلية الفلسطينية في إسرائيل التي يبلغ عددها 1.4 مليون نسمة، أي ما يعادل نحو خمس سكان الدولة.

أشهر ما يعرف به حزب التجمع هو النشاطات المرتبطة بزعيمه السابق عزمي بشارة الذي أجبر على العيش في المنفى منذ عام 2007 بعد أن اتهمته أجهزة الأمن الداخلي في إسرائيل (الشين بيت) بالتعاون مع حزب الله خلال الهجوم الإسرائيلي على لبنان عام 2006 على الرغم من عدم وجود أدلة تثبت ذلك.

على الرغم من وجود ثلاثة أعضاء كنيست ممثلين لحزب التجمع في الكنيست التي يبلغ عدد أعضائه 120 عضوا، واجه الحزب وزعيمه السابق على السواء حملة عدائية من الترهيب والملاحقة القانونية من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية على مدى سنوات عديدة. كذلك، كانت هناك مساع في كل حملة انتخابية لنزع الشرعية عن الحزب وحرمانه من خوض الانتخابات للكنيست. وحتى في هذه المرحلة المبكرة، قدمت ثلاثة التماسات للجنة الانتخابات المركزية من أعضاء كنيست كبار لحظر الحزب ومنع أحد أعضائه من الترشح، وهي حنين زعبي.

إن نقطة الاحتكاك والصدام بين حزب التجمع والمؤسسة الإسرائيلية هي حول الحملة من أجل "دولة جميع مواطنيها" ومطالبة الحزب بإصلاحات كي تتحول إسرائيل إلى دولة ديمقراطية ليبرالية، إلا أن جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل أدخل هذا الحراك ضمن "النشاط التخريبي".

جرت هذه المقابلة في أعقاب الكتيب الذي نشره عبد الفتاح مؤخراً باللغة العربية ويتحدث فيه عن ضرورة اضطلاع الفلسطينيين بدور مركزي في إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، وأنه آن الأوان للفلسطينيين كي ينأوا عن أوهام أوسلو ويطوروا تفكيرهم حول حلّ الدولة الواحدة.  

*******

كتيبك الجديد أثار بعض الجدل. ما هو الذي دعاك لإعادة النظر في موقف الفلسطينيين داخل إسرائيل بشأن الحركة الوطنية الفلسطينية وحلّ الدولة الواحدة؟

حسب معرفتي، هذه أول محاولة لفحص دور الفلسطينيين المباشر في إسرائيل بخصوص الحركة الوطنية الفلسطينية.  ربما ليس غريباً وجود قدر من التخوف أو التحفظ في مواجهة هذه المسألة. نحن نعيش ضمن علاقة معقدة بالنسبة لإسرائيل والشعب الفلسطيني على حد سواء، لذلك، تاريخياً افترضنا بأنه ينبغي علينا أن نقف خلف قيادة وطنية فلسطينية بدلاً من سعينا لامتلاك المبادرة. لكن تغير الظروف – حالات الفشل الذي منيت به القيادة الفلسطينية على صعيد البقاء موحدة وذات رؤية واضحة – أوجدت الحاجة لهذا الدور ولتحمل المسؤولية.

هذا التخوف متعلق أيضاً بالتوجه السياسي المسيطر هنا منذ عقود طويلة. حتى سنوات التسعينيات، الحزب غير الصهيوني الوحيد الذي كانت إسرائيل تسمح له بخوض الانتخابات الوطنية هو  الجبهة (الديمقراطية للسلام والمساواة) المرتبط بالشيوعية (حزب "حداش" باللغة العبرية)، وهو حزب عربي يهودي مشترك. لقد أراد الشيوعيون أن يحسنوا من وضعنا وإنهاء التمييز، لكن هذا كان الحد المسموح به في أفقهم السياسي. والخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبوه هو أنهم اعتقدوا أننا يمكن أن نصبح مواطنين نتمتع بالمساواة حتى عندما كانت إسرائيل تعمل بشكل دؤوب لتكريس نفسها دولة يهودية. وفي الواقع، لم يقف برنامجهم السياسي ضد الصهيونية أي ضد الطابع اليهودي لدولة إسرائيل.

في المحصلة، أكد قادة الحزب الشيوعي من العرب على هويتهم الإسرائيلية بدلاً من الفلسطينية، ولم يسعوا أبداً في نضالهم المثابر ضد التمييز إلى مجابهة الطابع اليهودي للدولة، وتجاهلوا الارتباط بين الأمرين.

الحزب الذي أنتمي إليه – حزب التجمع الوطني الديمقراطي – هو أول من أعاد التفكير في هذه المواقف التاريخية ووضع تصوراً ديمقراطياً جذرياً. نحن نقبل بالمساواة الكاملة مع المجتمع الإسرائيلي، لكننا نرفض نهج الشيوعيين الإسرائيليين الذي يضع الحوار "اليهودي – العربي" في الصدارة غير القائم على النديّة. نحن نرى وجود علاقة وثيقة بين المأزق في "عملية السلام" وعدم قدرتنا على تحقيق المواطنة المتساوية في دولة يهودية. إن الصراع من أجل التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يتطلب الحوار فحسب، بل يحتاج لمواجهة النظام الإسرائيلي.

إستراتيجية الشيوعيين محفوفة بالمخاطر، وعلى الأخص عندما يدرك أي واحد منا أن إسرائيل ليس لها مصلحة في أن تجعلنا مواطنين متساوين. الخطر الحقيقي يكمن في ترسخ الأسرلة، والتي تقود إلى تآكل هويتنا الوطنية الفلسطينية، وفي نفس الوقت لا نحقق وضعاً أفضل بالنسبة لنا ولا نحصل على حقوق أكثر. من وجهة نظري، إذا حاولنا تحقيق المساواة بدون تعزيز هويتنا الوطنية الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني في المقام الأول، فإننا نجازف بفقدان حقوقنا المدنية والوطنية على السواء.

لكن، يجب أن تمتد رؤيتنا إلى أبعد مما هو محلي – وما وراء الفكر الضيق. إن كفاحنا من أجل حقوقنا الوطنية داخل إسرائيل مرتبط بالطبع مع حركتنا الوطنية الأوسع. ونظراً للأهمية الحالية لهذه الحركة الوطنية، من واجبنا أن نتخذ دوراً فاعلاً ومؤثراً. حتى أن بعض المثقفين الفلسطينيين يشيرون إلى امتلاكنا للقوة التي تمكننا من أن نصبح أكثر ديناميكية من أي جزء آخر في الحركة الوطنية بسبب معرفتنا بالمجتمع الإسرائيلي.

هل يوجد نموذج دور نضالي للحركة الوطنية الفلسطينية؟

نعم. النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. هناك عدة دروس مستفادة من هذا النضال حسبما أعرف من متابعتي لهذه التجربة العظيمة منذ فترة طويلة واكتشفت ذلك أيضاً خلال زيارتي التي قمت بها إلى جنوب أفريقيا مع وفد من عرب الداخل عام 2008.

أولا، يجب أن تستند مطالبنا إلى مبدأ المساواة وليس على أساس الفصل والتجزئة. أخبرني روني كاسريلز – وهو مناضل يهودي من جنوب إفريقيا، والذي كان قائداً عسكرياً في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وتسلم منصب وزير الأمن الداخلي بعد سقوط نظام الأبارتهايد أنه حذر منظمة التحرير الفلسطينية قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو من قبول فكرة التجزئة، وأشار إلى أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي كان قد رفض البانتوستانات (محميات بشرية في جنوب إفريقيا تعتبر من مظاهر التمييز العنصري) الشبيهة جداً بصيغة اتفاقيات أوسلو.


ثانياً، المقاومة في جنوب إفريقيا لم تقدس أي وسيلة نضالية واحدة، بل استفادت من كل وسيلة (سلمية كانت أو عسكرية أو شعبية) كما يتطلب الظرف. وفي حالات معينة كانت إحدى الوسائل تسبق الأخرى، وفي أوقات أخرى كانت إحدى الوسائل تستبدل بأخرى أو تأخذ الأولوية أو تُدمج بوسائل أخرى. على سبيل المثال، في أعقاب مجزرة شاربفيل في عام 1960، وحظر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، كان هناك تحول باتجاه الكفاح المسلح. ومع ذلك، ظلت وسائل الكفاح الشعبية – كالمظاهرات والإضرابات والاعتصامات والعصيان المدني – قائمة وجوهرية.  

ثالثاً، لقد نجح زعماء المقاومة إلى حد كبير في إدارة الصراع مع النظام وفي إدارة الخلافات الداخلية بين الفصائل العاملة تحت جناح المقاومة. لقد كانت وحدة الحركة الوطنية الديمقراطية في جنوب إفريقيا ضرورية وشكلت عاملاً حاسماً في انتصار المقاومة.

أما بخصوص الوحدة الوطنية على الصعيد الفلسطيني، يُلاحظ أن الحركة الوطنية الفلسطينية انقسمت على نحو خطير قبل أن تحقق هدفها، يكاد جزء من هذه الحركة أن يصبح في تحالف مع الاحتلال. هذا ينطبق على الكيانات السياسية المشتتة التي أسسها نظام الفصل العنصري للملونين والآسيويين.

عندما تأسست منظمة التحرير الفلسطينية في سنوات الستينيات، كانت تشكل عاملاً مهماً ووحدوياً، حيث عملت على تجسيد كيان الأمة وإنهاء تشرذمها. ولكن الهيمنة والاحتكار والاستفراد في اتخاذ القرار أوجد فساداً في صفوف قيادتها. وقد أدت التسويات المهينة التي وافقت عليها إلى إجهاض الهدف الرئيسي للفلسطينيين المتمثل في إقامة دولة ديمقراطية علمانية واحدة في فلسطين.

في حين يوجد اختلافات بارزة في جوانب مهمة ما بين التجربتين، إلا أن ما كانت تتميز به المقاومة في جنوب إفريقيا هو الثبات والوضوح في هدفها الإستراتيجي المتمثل في القضاء على العنصرية وتحقيق المساواة الكاملة. هذا يختلف عن موقف النخبة الفلسطينية التي بدأت بتبنّي" دولة واحدة" وانتهت بالمطالبة بدولة على 22% فقط من فلسطين وقبول إسرائيل كدولة يهودية.

لقد فقدنا الثبات والوضوح في الهدف الإستراتيجي الذي وجه المقاومة في جنوب إفريقيا – ذلك الهدف الذي أدى إلى القضاء على العنصرية وتحقيق المساواة الكاملة. لكن النخبة الفلسطينية انتقلت إلى مطلب الدولة المرحلية وانتهت بالمطالبة بدولة على 22% من فلسطين فقط وقبول إسرائيل كدولة يهودية.

ما هي أوجه الاختلاف الرئيسية بين الوضع الفلسطيني والمقاومة في جنوب إفريقيا؟

النظام في جنوب إفريقيا كان يمارس العنصرية بوضوح وعلى الملأ، مما جعل من السهل فتح جبهة دولية مناهضة له، وتحديداً بسبب تبنى قادة المقاومة نهجاً ديمقراطياً ثابتاً وتعزيز هذا النهج. أما النظام في إسرائيل فإنه أكثر تعقيداً وصلابة، حيث اتبع عدة سياسات عنصرية بطريقة مبطنة.

لو أنك تحدثت مع قادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي قاموا بزيارة إلى إسرائيل والمناطق المحتلة لأخبروك إن النظام  في إسرائيل هو في الواقع أكثر خطورة ووحشية من النظام العنصري الذي كان سائداً في جنوب إفريقيا. النظام في إسرائيل أراد أن يجرد الأرض من سكانها الأصليين، وقد مارس ذلك بوحشية ليعلن عن نفسه كياناً ديمقراطياً كي يصبح جزءاً من العالم الغربي الديمقراطي الذي قدم له كل وسائل الدعم والتأييد. لذلك، نقول إن الفلسطينيين ضحايا يهودية وديمقراطية إسرائيل في آن واحد. 

خلافاً للنظام العنصري الذي كان سائداً في جنوب إفريقيا، إسرائيل لا تريد التعايش مع سكان فلسطين الأصليين، بل تريد التخلص منهم من خلال الفصل العرقي بعد أن فشلت في طردهم كلياً. لقد أقامت إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة جدار الفصل والنظام القانوني الخاص للمستوطنين، هذا الجدار الذي يفصل الفلسطينيين عن إسرائيل دون منحهم الاستقلال. وفي قطاع غزة، انسحبت إسرائيل من هذا السجن لتسيطر عليه من الخارج. وفي إسرائيل الداخل، انزلق النظام نحو الفصل العنصري، فالفلسطينيون في إسرائيل يحق لهم الانتخاب لكنهم يعيشون في ظل نظام عنصري يميز ضدهم في كافة الجوانب الحياتية وينهبهم يومياً. فقد أصبح حالنا أشبه بحال الملونين والآسيويين في جنوب إفريقيا الذين منحوا حق الانتخاب لمجلس نيابي يعتمد على العنصرية.

هل يوجد دلالات على أن النظام الكولونيالي في إسرائيل يتهاوى؟ وهل ترى أية دلائل تشير إلى أن القيادة الفلسطينية تنظر بجدية إلى حل الدولة الواحدة؟

عندما كنت في جنوب إفريقيا تحدثنا إلى وزير الأمن في حكومة الفصل العنصري، رولف ميير الذي كان طرفاً رئيسياً في التفاوض على إنهاء نظام الفصل العنصري، وفي تلك المرحلة كان يعارض التمييز العنصري. ولكنني عندما سألته إن كان يتنبأ بنهاية التمييز العنصري بالسرعة التي تمت فاجأني بالرد على سؤالي قائلاً لا "أبداً". إن من يتحدث منا عن حل الدولة الواحدة في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يعتبر مثالياً مع أن الشواهد في جنوب إفريقيا تظهر أن الأمور يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها دون إنذار مسبق.

صحيح أن النظام الكولونيالي الإسرائيلي اكتسب قوة إضافية منذ توقيع اتفاقية أوسلو، ولكنه يومياً يفقد من شرعيته في أعين العالم. والأكثر أهمية هو تفتح أعين الكثير من المجتمعات المدنية في العالم على كون إسرائيل نظام أبرتهايد، وعلى أن هذا النظام يستحق مصير نظام جنوب أفريقيا العنصري البائد. إن الأنظمة العنصرية غير شرعية ولا تستطيع أن تنجو من السقوط.

الجدل حول حل الدولة الواحدة يتصاعد بين أوساط الفلسطينيين، حتى بين أولئك الذين لا يتقبلون الفكرة بعد. لكن إحدى المشاكل هي أن السلطة الفلسطينية لا تزال تستخدم المفاوضات كوسيلة وحيدة لمجابهة الإسرائيليين. المطالبة بالعدالة والمساواة لا ينبغي أن تستخدم كتكتيك ترهيبي، بل ينبغي علينا في الواقع أن نثبت أن حل الدولة الواحدة سوف يكون في مصلحة الإسرائيليين أيضاً.

الهدف الأهم في الوقت الحاضر هو إعادة توحيد كافة أطياف الشعب الفلسطيني أينما وجدوا تحت مشروع واحد، وتوحيد المجموعات المهمشة - كالفلسطينيين في إسرائيل واللاجئين – تحت راية نضالية شاملة واحدة. لقد آن الأوان لتوحيد كل المجموعات والأفراد الذين يتبنون الخيار الديمقراطي في حركة واحدة.

وجهة النظر التي تدافع عنها تظهر وكأنها ابتعاد عن التفكير السياسي الذي يتبناه حزبك. حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، على سبيل المثال، رفض الحقوق الجماعية أو الحقوق الوطنية وحدد مطالبه بالحقوق الفردية في إطار دولة ديمقراطية واحدة. لكن حزب التجمع الوطني الديمقراطي يعرف نفسه كحزب قومي ويطالب باستقلالية ثقافية وتربوية؟

يستمد حزب التجمع الوطني الديمقراطي موقفه التقليدي في هذه المسألة من الظروف التي وجد فيها. لقد تأسس الحزب في منتصف التسعينيات، مباشرة بعد التوقيع على اتفاق أوسلو الذي توصلت من خلاله القيادتان الإسرائيلية والفلسطينية إلى اتفاق يقضي بأن مستقبلنا في إسرائيل كأقلية يُطرح في داخل إسرائيل، مما جعلنا نوجه اهتمامنا وننظر بجدية حقيقية إلى وضعنا ومستقبلنا بدون الخضوع للظروف الإقليمية والدولية التي أملتها مرحلة الانهيارات في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.

في سياق حل الدولتين الذي اقترحته اتفاقيات أوسلو، أصبحت الحقوق الجماعية أساسية لعدم إمكانية تحقيق المساواة بدون الاعتراف بنا كجزء من شعب، كأقلية قومية. وقد انعكس ذلك في مطالبة حزب التجمع بتقرير المصير للأقلية الفلسطينية في إسرائيل من خلال الاستقلالية الثقافية تحت شعار حزبنا "دولة لجميع المواطنين" وهذا الشعار أيضاً مرتبط بتفكيك النظام العنصري ومما يفتح الباب على شمل كل الفلسطينيين (وأولهم اللاجئون) في الحل الديمقراطي الأشمل .

المواطنون في إسرائيل لديهم العديد من الحقوق الفردية كمواطنين، لكن هذه الحقوق تكون عادة خاضعة لحقوق قومية تتمتع بها الأكثرية اليهودية على نحو حصري، وبالتالي فإنها تتعارض معها. وهذا ينطبق على كافة المسائل الرئيسية المتعلقة بالمواطنة. نظراً  للحقوق القومية التي يمتلكها اليهود، فإنهم يتمتعون بامتيازات تتعلق بالهجرة والحصول على موارد رئيسية، مثل الأراضي والمعونات المالية، بالإضافة إلى الوظائف النابعة من النظرة الأمنية الشاملة لدولة إسرائيل، والمعونات المقدمة من منظمات صهيونية عالمية، مثل الصندوق القومي اليهودي، وغير ذلك.

الرسالة الضمنية لبرنامجنا الذي ينادي بدولة واحدة لجميع المواطنين هي أنه نظراً لحقيقة كوننا أقلية فلسطينية تعيش في دولة يهودية، يجب أن تكون أولويتنا الأولى المطالبة بحقوقنا الفردية والوطنية على حد سواء طالما لا يوجد حل سياسي في الأفق.

هذا هو سبب وجودنا كحزب وطني، ليس بالمعني القومي المتطرف، ولكن لأننا نؤكد بأنه لا أمل بتحقيق المساواة في دولة يهودية ما لم نطور حقوقنا القومية ونعزز هويتنا الوطنية ونقيم مؤسساتنا الوطنية ونعمل على تطويرها.  هذه طريقة ضرورية لتحديث مجتمعنا ومجابهة الانقسامات العشائرية والطائفية التي دأبت إسرائيل على استغلالها في إطار سياسة فرّق تَسُد.

كان لدى البعض منا في الحزب شكوك منذ البداية حول اتفاقيات أوسلو – أنا شخصياً لم أتخلّ عن حل الدولة الديمقراطية الواحدة – وليس لدي وهم حول إمكانية تحقيق الإصلاحات في الدولة اليهودية. تقديراتنا هي أن إسرائيل لن تصادق على هذا المطلب الحاسم بدون نضال طويل وعسير. ولكن، بالنسبة لأولئك الأعضاء، وأنا منهم، كان الهدف من النضال توضيح هذه المسائل وإجبار دولة إسرائيل على كشف النقاب عن وجهها الحقيقي من خلال دفعها للرد على مطالبنا الشرعية والديمقراطية.

قائد الحزب ، عزمي بشاره - على سبيل المثال، استخدم نفوذه في الكنيست لتحويل هذا المنبر الصهيوني إلى ساحة مجابهة أيديولوجية. ومن خلال تواجده في الكنيست استطاع أن يظهر التناقضات الداخلية للدولة اليهودية التي هي بمثابة تركيبة عنصرية ضد الفلسطينيين في إسرائيل بل ضد عموم الشعب الفلسطيني.

ولكن، في الوقت الحاضر حيث يتراجع، بل يموت حل الدولتين، نحن كفلسطينيين في إسرائيل علينا أن نعيد التفكير في نهجنا ويجب أن تكون لنا مبادرة.

طالما بقي نضالنا في إطار دولة يهودية، يجب أن نحرز تقدماً على صعيد حقوقنا القومية للحفاظ على هويتنا من تهديد الأسرلة ومن التطرف الجنوني للائتلاف الحاكم ضد الوجود العربي. وبموازاة ذلك، نحن بحاجة لأن نبدأ بالحديث بوضوح عن دور لنا في الحركة الوطنية الفلسطينية وتطوير هذا الدور كجزء من المساعي الفلسطينية الجديدة على السياسات الإسرائيلية العنصرية التي يواجهها الفلسطينيون عامة.

واجبنا الآن أن نصعد ونكثف جهودنا  ودورنا في عملية عولمة النضال الفلسطيني، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الشتات ضد الهيمنة الصهيونية. الرد الصحيح على وضعنا المشترك هو النضال من أجل حل الدولة الواحدة. هذا يقوم على الفهم بأن إنهاء احتلال إسرائيل للضفة وحصارها لقطاع غزة، لن يُحوّل إسرائيل إلى دولة طبيعية (أو ديمقراطية) التي تستطيع أن تعامل سكانها غير اليهود بمساواة.   

إذن ... ما هو الدور الأكثر فاعلية الذي يمكن أن يلعبه الفلسطينيون في السياسة الإسرائيلية إذا اعتبرنا أن دولة يهودية سوف تستثنيهم دائما من مراكز السلطة؟

قوتنا التقليدية مستمدة من حقيقة أننا كمجتمع نجونا من التطهير العرقي في حرب 1948 (النكبة)، وبقينا في أرضنا ننمو عدداً ونزداد وعياً  رغم أن إسرائيل ماضية في تعميق يهوديتها.

لكن قوتنا في الوقت الحاضر مستمدة من شيء آخر مختلف. نحن نشكل التحدي الأكبر للادعاء الإسرائيلي بأنها دولة ديمقراطية. مقاومتنا للنظام الإسرائيلي تسعى لتحقيق أهدافها من خلال اللاعنفية والتفكير السياسي المعاصر. هذان الخياران يقيدان المؤسسة الإسرائيلية في ردة الفعل التي تفضلها، أي العنف، ويكشفان اللثام عن ادعاء إسرائيل بالديمقراطية. إسرائيل تجهد لتبرير سياساتها القمعية ضد "أقلية سلمية". فعندما تحاول أن تفعل ذلك فإن أجندتها المناهضة للديمقراطية تتكشف للعالم. 

تريد إسرائيل أن تحول مواطن القوى لدينا إلى مواطن ضعف واستخدامها كذريعة لتهميشنا وتجريدنا مما تبقى لنا من أراض وحقوق كمواطنين ومن مصادر القوة الأخرى الثقافية والمعنوية ولكن دون جدوى.

لنتعرف على ما تقوله إسرائيل عنا: نحن نشكل "تهديداً سكانياً" للأغلبية اليهودية الحاكمة لأننا نتكاثر، ولدينا عدد كبير جداً من الأطفال. وإن وعينا السياسي المتنامي الذي ترجم مؤخراً إلى وثائق رؤيوية (تطالب بالإصلاح السياسي الشامل) يهدد بالقضاء على الدولة اليهودية من خلال إعادة تأسيسها كدولة لجميع المواطنين. وينظر إلى جهودنا في إعادة إحياء الاتصالات مع العالم العربي على أنها غطاء لهدف سري من أجل إيجاد روابط مع حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وغير ذلك.

التحدي بالنسبة لنا هو تركيز الضوء على إسرائيل لكي تصبح أجندتها المهيمنة والعنصرية ظاهرة للعالم الخارجي وصولاً إلى عزلها وإسقاط نظامها العنصري والكولونيالي.

إذن ... بما أن الانتخابات الإسرائيلية تقترب بسرعة، ما هي الإستراتيجية الأفضل التي ينبغي على الأحزاب الفلسطينية، بما فيها حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أن تتبناها؟ 

حسناً. كما نحن بحاجة لوحدة الصف الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نحن بحاجة لذلك هنا. يتحتم علينا أن نوجه طاقاتنا نحو إنشاء قائمة مشتركة للانتخابات القادمة. هناك حزبان من الأحزاب الفلسطينية الثلاثة الكبرى التي تتنافس في الانتخابات ترغب بإنشاء هذه القائمة، وهما حزب التجمع الوطني الديمقراطي والقائمة العربية الموحدة (التي تتشكل من تيارات إسلامية واجتماعية محافظة).

حتى أن بعض الشيوعيين يتحركون بهذا الاتجاه، ومنهم عضو الكنيست حنا سويد ورئيس بلدية الناصرة رامز جرايسه. لكن قياديين آخرين في الحزب يعارضون بشدة هذا التوجه، متخوفين مما تبقى لهم من الدعم اليهودي القليل الذي لا يزالون يتمتعون به. الشيوعيون هم العائق الوحيد أمام تحقيق هذه القائمة ولا بد من الاعتراف بذلك هم غير قادرين على التحرر من الفكر السياسي التقليدي الذي تكرّس في ظل الفهم المشوّه للأممية- الماركسية وكذلك للديمقراطية اللبرالية.

في السنوات الأخيرة شهدنا كذلك ازدياداً كبيراً في عدد الفلسطينيين في إسرائيل الذين لا يدلون بأصواتهم في الانتخابات الوطنية. في الانتخابات السابقة التي جرت عام 2009 انخفضت نسبة إقبال الأقلية الفلسطينية في إسرائيل إلى أدنى مستوى حتى وصلت إلى 55 في المئة. هذا يعكس حالة الإحباط الذي يشعرون به وهم يشاهدون كيف يتم تهميش ممثلي الأحزاب الفلسطينية في عملية اتخاذ القرار.

نحن الآن على مفترق طرق. هناك جدل حول استمرار أو عدم استمرار الأحزاب الفلسطينية في خوض الانتخابات، وهذا الجدل موجود لدينا في حزب التجمع الوطني الديمقراطي. من ناحية، خوض الانتخابات يمنح درجة من الشرعية للنظام السياسي المصمم لاستبعادنا، ومن ناحية أخرى، يطرح التجمع في الكنيست برنامجاً لمجابهة الطابع اليهودي اليهودية في الدولة علناً ويٌعرّي ادعائها بالديمقراطية ويجعل قضيتنا واضحة الرؤية أمام المجتمع الدولي.

الحزب يستخدم الكنيست كميدان للمواجهة الإيديولوجية، كما فعل عزمي بشارة وما يقوم به رفاقنا أعضاء الكنيست في الوقت الحالي. مؤخراً تقدم أعضاء كنيست من الائتلاف الحاكم بطلب للجنة الانتخابات المركزية من أجل تجريد الحزب من الأهلية وإلغاء ترشح أحد أعضائه، عضو الكنيست حنين الزعبي.

سوف تقوم لجنة الانتخابات بحرماننا من الترشح كما فعلت ذلك في السابق. ثم تأتي مسألة كفاحنا ضد  حرماننا من الترشح في محكمة العدل العليا، وهي التي طعنت في السابق في قرار لجنة الانتخابات المركزية، وإن كان ذلك قد تم بأغلبية ضئيلة، أو قبول حرماننا من الترشح وبالتالي سندعو إلى مقاطعة الانتخابات بالمقاطعة. من وجهة نظري إذا تم شطبنا، يتعين علينا أن نتبنى خيار المقاطعة.


الانتقال إلى النضال الجماهيري

هل يوجد وسائل أخرى لإقامة وحدة بين القيادة الفلسطينية في إسرائيل؟

القناة الرئيسية سوف تكون في لجنة متابعة عربية عليا منتخبة مباشرة وبطريقة أصيلة (وهي الإطار القومي الجامع للأقلية الفلسطينية التي يتمثل فيها أعضاء كنيست عرب وسكرتيرو الأحزاب السياسية ورؤساء المجالس المحلية على الرغم من عدم اعتراف إسرائيل بها). إن هذه اللجنة من شأنها أن تكون البرلمان الفلسطيني داخل إسرائيل، حيث ستمنحنا نحن كأقلية منصة وطنية خارج إطار الكنيست.

في الوقت الحاضر، تعتبر لجنة المتابعة هيئة ضعيفة. الانتخابات من شأنها أن تقدم فرصة للفلسطينيين في إسرائيل لمنح قياداتهم المزيد من الاحترام، وبالتالي حثهم على التوحد والعمل بفاعلية على نحو أفضل. إصلاح لجنة المتابعة أمر حيوي إذا ما أردنا إنشاء قيادة تمثيلية قادرة على القيادة، وتتمتع بصلاحية وتساهم في تطوير الحركة الوطنية الفلسطينية.

ولكن، مرة أخرى، المشكلة تكمن في معارضة الشيوعيين المناهضين لتنظيم مجتمعنا على أساسي قومي. الأحزاب الأخرى تؤيد إنشاء هيئة منتخبة، لكن الشيوعيين يخشون أن ينظر إلى هذا التنظيم كتحرك انفصالي من شأنه أن يعمل على تدمير ما يُسمى بالتعاون اليهودي العربي. ومع ذلك، إن الواقع القائم على الأرض هو عدم وجود معنى للتعاون.

من الواضح وجود توتر حاد حول هذه المسائل الرئيسية بين حزب التجمع الوطني الديمقراطي والشيوعيين. هل يمكنك أن توضح سبب عدم قدرة الجانبين على حل خلافاتهما؟

الحزب الشيوعي في إسرائيل يقدم تفسيراً مغلوطاً للماركسية وسياسة التعاون الدولية. وفي الواقع أنه ملتزم بالقومية اليهودية. وفي كل وقت يظهر حزب قومي عربي – سواء حركة الأرض أو أبناء البلد أو حزب التجمع الذي ننتمي إليه – كان الشيوعيون يتصدون له معللين ذلك بأنه يهدد مبادئ الحركة الأممية ويؤدي إلى التطرف القومي العربي . لكنهم من الناحية العملية كانوا يسلكون سلوكاً آخر ويتمسكون بالطابع القومي للدولة اليهودية. لنأخذ دوف حنين (عضو الكنيست اليهودي الوحيد عن حزب حداش). إنه غير مُتردد في دعم البنية اليهودية للدولة ولا يرى مشكلة في ذلك. أليس هذا دعماً للقومية اليهودية المصطنعة ونفياً لحق المضطهدين بالتنظيم على أساس قومي للدفاع عن وجودهم.

حزب التجمع الوطني الديمقراطي هو حزب يساري جديد. تركيزنا على القومية ينبع من الحاجة للانتقال إلى توحيد مجتمعنا قومياً على إنقاص العائلية والطائفية. نحن يُمارس علينا الظلم في الدولة اليهودية، لا لأننا من الطبقة العاملة، ولكن بسبب هويتنا القومية- لأننا عرب فلسطينيون. قد يتم تصنيف الطبقة العليا والطبقة العاملة الإسرائيلية حسب المعايير الاقتصادية، لكنهما موحدتان سياسياً في مشروع سرقة أراضينا وتحافظان على امتيازاتهما كطبقات ينتمي إليها اليهود. وهكذا، لكي نشارك في نضال سياسي فعال، يجب علينا أن نعمل على إحياء هويتنا القومية وتعزيزها وفي نفس الوقت تعزيز التعاون مع القوى الإسرائيلية المناهضة للصهيونية والاحتلال والعنصرية.

يتعين على الشيوعيين إيجاد حل لهذه المشكلة. لقد قرروا التضحية بالهوية القومية للحفاظ على بضع آلاف من أصوات الناخبين اليهود ولكي يستمروا في الإدعاء بأن الحزب هو حزي يهودي عربي مشترك. لكن الأمور تتغير، خاصة في أوساط الجيل الجديد للشيوعيين الذين تأثروا بنهجنا القومي، وهذا يقلق قادة الحزب.

لقد عانى الفلسطينيون في إسرائيل في أغلب الأحيان من التجاهل، أو الأسوأ من ذلك، أنهم تعرضوا للتشكيك بهم من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية. هل من دلائل تشير إلى وجود تغير على هذا الصعيد؟

نعم، رغم أن الأمور تغيرت بعض الوقت. لا تنسى تأثير انتفاضتنا الأولى التي تعود لعام 1976، عندما خاض الفلسطينيون إضراباً ونضالاً جماهيرياً عارماً. لقد تم قمع هذا الإضراب بالقوة، وقتل ستة فلسطينيين وجرح المئات. الفلسطينيون في كل مكان يحيون تلك المواجهات في كل عام بما يعرف باسم "يوم الأرض".

في شهر تشرين الثاني/ أكتوبر عام 2000، في بداية الانتفاضة الثانية، دخل المواطنون الفلسطينيون إلى قلب الصراع. لقد ظل مجتمعنا بعيداً عن العنف، لكننا شاركنا في احتجاجات جماهيرية وقودها الغضب ضد القمع الإسرائيلي الوحشي لإخوتنا في الأراضي المحتلة. لقد تحولت المظاهرات إلى أعمال عنف عندما أعطيت أجهزة الأمن أوامر باستخدام الذخيرة الحية لقمع المتظاهرين. وقد قتل من جراء تلك الأحداث ثلاثة عشر شخصاً في بضعة أيام وأصيب المئات بجروح خطيرة.

كانت تلك الانتفاضة الأطول والأكثر شمولية التي خاضتها الأقلية الفلسطينية، لكن الأهم من ذلك أن هذه الانتفاضة أظهرت للفلسطينيين في الخارج ارتباطنا القوي مع نضالهم من أجل العدالة.

وخلال أل 12 عاماً بعد تلك الأحداث، جددت و فاقمت إسرائيل سياستها القمعية وبدأت تزيل الفروق بين وضعنا ووضع أخوتنا في الأراضي المحتلة. الشعور يتزايد لدينا بأن مصيرنا مرتبط بمصيرهم.

من وجهة نظري، أحد المعوقات الرئيسية التي تمنع الأقلية الفلسطينية من التحرك والتنسيق مع الحركة الوطنية الفلسطينية ضد سياسة العنصرية ونظام الهيمنة في إسرائيل هو عجز القيادة الفلسطينية التي أظهرت أنها تفتقر للرغبة والجرأة لاتخاذ خطوات جادة وإبداعية لإعادة بناء الحركة الوطنية والخروج من هذا المأزق.

بالطبع، الوضع الخاص للفلسطينيين في إسرائيل - يتطلب معالجة دقيقة للتحديات التي نواجهها. لكن حساسية وضعنا في الصراع ينبغي ألا تردعنا عن إعادة التفكير في دورنا والاستعداد لتقديم مساهمة أكبر في النضال الفلسطيني إذا - وعندما - تحتضن الحركة الوطنية الفلسطينية حل الدولة الواحدة.

لا تزال كافة الأحزاب السياسية الكبرى التي تمثل الفلسطينيين في إسرائيل تتبنى شعار الدولتين. وحزبي الذي أنتمي إليه – حزب التجمع الوطني الديمقراطي – يتبنى رسمياً صيغة حل الدولتين ولكن هذه الصيغة تختلف من شعار "دولتين لشعبين". وقد بدأ مؤخراً بمناقشات جادة حول خيار الدولة الواحدة.

إذن ... وضّح لنا سبب بطء الجدل حول الدولة الواحدة في كسب التأييد بين أوساط الأحزاب الفلسطينية في إسرائيل؟ 

حسناً. تخيل المشاكل التي واجهها حزبنا، وهو صاحب المبادرة الأكثر إبداعاً في هذه المسألة. نحن كمؤسسين لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، لجأنا في برنامجنا للتلميح لحل الدولة الواحدة بدلاً من الوضوح حول هذه المسألة لثلاثة أسباب:

أولاً، كانت هناك وجهات نظر مختلفة في صفوف الحزب. البعض منا جاؤوا كمؤيدين لحل الدولة الواحدة، بينما اعتقد آخرون بواقعية حل الدولتين . وكانت هناك حاجة لتوحيد المبادرين لإقامة الحزب الجديد.

ثانياً، نحن أردنا أن نُساير الإجماع الوطني الفلسطيني حول الدولة في الضفة والقطاع والذي للأسف اختزل بعد اتفاقيات أوسلو إلى بانتوستان في الأراضي التي احتلت عام 1967.

وثالثاً، طالما أننا اخترنا المشاركة في انتخابات الكنيست، كان علينا أن نلتزم بقانون تسجيل الأحزاب الذي جعل ولا يزال يجعل التأييد الصريح لحل الدولة الواحدة فيه إشكالية، إن لم يكن متعارضاً مع "القانون" قانون تسجيل الأحزاب.

لكن الجدل حول هذه المسألة بدأ يكتسب زخماً لأن الواقع الاستيطاني الذي كرسته "عملية السلام" يتكشف يوماً بعد يوم. أولئك المهتمون بالنضال لا يمكنهم بعد اليوم تجاهل ما تدعيه إسرائيل بالاحتلال المؤقت للضفة الغربية وقطاع غزة الذي ثبت بأنه احتلال دائم.

من المثير للسخرية أن هذه الحقيقة المرة قدمت غطاء لاتفاقيات أوسلو، وهي العملية التي كان من المفترض أن تعمل على إنهاء الهيمنة الإسرائيلية. الفرضية الأساسية لأصحاب شعار "دولتين لشعبين" - بأن إيجاد تسوية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل من شأنه أن يحقق المساواة للمواطنين الفلسطينيين – أظهرت عقم هذا التفكير. لقد كان اندلاع الانتفاضة الثانية بمثابة تعبير عن الاستياء العارم في أوساط الفلسطينيين المقيمين في الأراضي التي احتلت عام 1967 مما وصلت إليه اتفاقيات أوسلو.

كذلك، الفلسطينيون في إسرائيل لديهم مئات آلاف الأقارب اللاجئين المقيمين في الشتات، وهم يراهنون إلى حد بعيد ليس فقط على حل من أجلهم، بل من أجل الشريحة الأوسع من الشعب الفلسطيني أيضاً.

إن ممارسات إسرائيل العنصرية، بالإضافة إلى حربيها الدمويتين ضد لبنان وغزة المحاصرة في عامي 2006 و 2008 - 2009 جعلت الكثير من المراقبين والأكاديميين والنشطاء السياسيين حول العالم يعيدون الحسابات ويعيدون تعريف إسرائيل كنظام كولونيالي ونظام فصل عنصري. وإن كافة الفلسطينيين بما فيهم الفلسطينيون المقيمون في إسرائيل، يخضعون لنظام قمعي واحد.
إن الصهيونية والأبارتهايد والكولونيالية أنظمة غير شرعية ومرفوضة أخلاقيًا وسياسيًا، وبالتالي يجب إسقاطها.

أين يجب أن يُوجَّه نضال الفلسطينيين في المرحلة القادمة حسب اعتقادك؟

التحدي الأول يكمن في العمل على إنهاء الاختلال القائم في ميزان القوى الذي أوجدته العملية السلمية، هذه العملية التي أفرزت قصورات وتشوهات عميقة في أذهان العديد من أعضاء النخبة الفلسطينية الذين تحولوا
إلى مستفيدين من صناعة السلام والتفاوض، ولذلك هم استثمروا الكثير في تكريس الأمر الواقع والتشرذم في حالة الفلسطينية.
يجب على الفلسطينيين أن يستعيدوا قيم حركة التحرر الوطني، وروح المقاومة المناهضة للكولونيالية التي قادتها الحركة الوطنية الفلسطينية لعقود.

والفلسطينيون في إسرائيل كانوا أيضاً ضحايا لاتفاقيات أوسلو. لقد تم استبعادهم من كافة الأطراف الإسرائيلية والدولية والفلسطينية. بدأنا في الآونة الأخيرة فقط نرى الشعب يعود إلى جذور الصراع.
حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي عارض اتفاقيات أوسلو منذ البداية، قاد الصراع ضد جذور المشكلة التي تتمثل في الإيديولوجية الصهيونية. لقد تم التعبير عن نضالنا السياسي من خلال شعار "دولة لجميع المواطنين".

من خلال فهم التناقضات الداخلية للصهيونية، بإمكان الفلسطينيين أن ينخرطوا بطريقة أكثر فاعلية في النضال من أجل تحقيق الدولة الديمقراطية الواحدة. الفلسطينيون في إسرائيل يتمتعون بمستوى أفضل على الصعيد السياسي والتنظيمي على عكس الفلسطينيين في الحركة الوطنية الفلسطينية المقيمين على الأراضي التي احتلت عام 1967 الذين تحكمهم الآن انقسامات أفقية وعمودية.

رغم الاختلافات الإيديولوجية والسياسية، تلتقي الأحزاب السياسية العربية داخل إسرائيل هنا وتتفق على عدة قضايا أساسية وتكتيكية. ولكن، نظراً لخضوعنا لحملة متزايدة من التحريض والتهديدات بالتهجير والضائقة الاقتصادية حيث يعيش نصف شعبنا دون مستوى خط الفقر، تحتاج "الأقلية الفلسطينية" لدعم ورعاية حقيقيين من حركات التضامن العالمية إذا ما أردنا أن نساهم بفعالية أكبر.

يعتقد حزب التجمع الوطني الديمقراطي أن الفلسطينيين في إسرائيل يجب أن ينظموا أنفسهم على أساس قومي وبناء مؤسساتهم المهنية والتربوية، وهذا شرط ومقدمة للمشاركة بقوة في النضال ضد الكولونيالية والأبارتهايد من أجل تحقيق العدالة.
إن المزيد من المراقبين والأكاديميين يُحذرون من أن الأقلية الفلسطينية في إسرائيل قريبة من الانفجار.

من اللافت أن عشرات المثقفين المناهضين للصهيونية يؤيّدون بقوة حل الدولة الديمقراطية الواحدة في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من تواجدهم على هامش المجتمع الإسرائيلي، إلا أنهم أضافوا بعداً حيوياً وأخلاقياً للصراع من أجل العدالة. إنهم مرشحون لأن يكونوا جزءًا عضويًا من حركة موحدة من أجل حل ديمقراطي حقيقي الذي يضمن تحرير الفلسطينيين من أخطر أشكال الكولونيالية. سيتمكن اليهود الإسرائيليون من العيش بسلام فقط عندما يقبلون أنفسهم كجزء من المنطقة وليس من الغرب الاستعماري.

التعليقات