نخوتكم تمنحهم فُرصة للحياة

أما الكلمة الأخيرة للدكتورة أمال بشارة، فجاءت مِن القلب، محمّلة بالمشاعر حيثُ قالت: مِن تجربتي الشخصية، خلال الأربع سنوات الأخيرة، عرفتُ معنى كلمة "نخوة"، حيثُ لم يأتِ شعار "نخوتكم تمنحهم فُرصة للحياة" عبثًا، إذ لم نجد كلمة أكثر تعبيرًا وصدقًا من "نخوة"، ولن نجد ما يُطابقها في لغاتٍ أخرى، وهذا هو المجتمع العربي، وكم سيصبحُ الأمر عظيمًا كلما زاد التجاوب والعطاء من أبناء مجتعنا، فلهؤلاء الداعمين والمتبرعين ولِمن يحمل في ثنايا قلبه النخوة، أقول بكل امتنان "نشكركم عظيم الشكر على نخوتكم وإنسانيتكم".

نخوتكم تمنحهم فُرصة للحياة

د.آمال بشارة

عشرون عامًا ولم تزل تؤمِن بالنخوة، خاصةً أبناء جلدتنا، فلسطينيي الداخل، فهؤلاء وهُم لا يعرفون كَم مِن الأطفال والمرضى المحتاجين، قَد يكونون هُم مصدر الحياةِ والأملِ بالنسبةِ لهم...عشرون عامًا ولم يَزل حُلمُ الدكتورة أمال بشارة بأن نكونَ نحنُ الفلسطينيين في الداخل والذين لا يزيد عددنا عن المليون ونصف المليون، الأمل الوحيد في شفاءِ كثيرين مِن المرضى عامة ومرضانا خاصة المُحتاجين إلى زراعة النخاع العظمي.


في حوارٍ مع الدكتورة  أمال بشارة، المتخصصة في مختبر تصنيف الأنسجة بمستشفى هداسا عين كارم "تخصص علم المناعة" تُحدثنا عن أهمية الإنضمام إلى سجل المتبرعين بنخاعهم العظمي، وعن تطبيق شعار "نخوتكم تمنحهم فُرصة للحياة".

- حدثيني بدايةً، عن تجربتك في مستشفى هداسا عين كارم؟
د. بشارة: بدأتُ عملي في مختبر تصنيف الأنسجة بمستشفى هداسا عام 1988، بعد أن حصلتُ على الماجستير والدكتوراة من الجامعة العبرية في القدس، وبعد سنة أبحاث في الولايات المتحدة. وخلال فترة عملي وتحديدًا في تشرين الأول من العام 2008 بدأ يتبلور مشروع التبرع بالنخاع العظمي، وهو أمرٌ في غاية الأهمية، وكان لا بُدّ من تكثيف النشاطات التوعوية والمحاضرات في العديد من المستشفيات والمعاهد الأكاديمية والمدارس، وتبعتُه بمقالاتٍ عديدة في كافة وسائل الإعلام. ومِن خلال هذه الحملة نجحت المبادرة بإطلاق مشروع سجل المتبرعين العرب والهادفة إلى تعريف سكان البلاد، خاصةً المجتمع العربي بأهمية الإنضمام لسجل المتبرعين بالنخاع العظمي. (والنُخاع العظمي لِمن لا يعرف عنه هو: عبارة عن مادة إسفنجية موجودة داخل العظام وفيها أنواع خلايا الدم الأساسية وخلايا أخرى، وهي مصنع لإنتاج خلايا الدم على كافة أنواعه، في جسم الإنسان).

الحاجة إلى إقامة "سجِل المتبرعين بالنخاع العظمي"
الدكتورة بشارة: بدأنا بحملات توعوية بهدف تسجيل المتبرعين في المدن والقرى العربية في الجليل والمثلث والقدس وحتى في الضفة الغربية، باحثين عن متبرعين ملائمين لمريضٍ من أبناء قوميتهم. ومِن خلال تجربتي المهنية في المختبر وجدتُ أن هناك الكثير من العائلات التي يحتاج المريض فيها لمتبرعٍ بالنخاع العظمي، ولا يوجد متبرع في نفس العائلة. وتبيّن أنّ 40% مِن المرضى العرب الذين هم بحاجة لزراعة نخاع عظمي، لا نجد لهم متبرعين في العائلة والطريقة الوحيدة لإنقاذهم هي زراعة نخاع من متبرع غريب, وقد وصل عدد المرضى العرب عندنا والذين يحتاجون لمتبرع نخاع من خارج العائلة منذ 2008 إلى 164 شخصًا، 60% منهم أطفال دون سن الثامنة عشرة من العمر ومنهم 90% مصابون بأمراض وراثية المنتشرة بكثرة عندنا بسبب زواج الأقارب. هنالك صعوبة كبيرة في إيجاد متبرعٍ من خارج العائلة للمرضى العرب ، بسبب اختلاف الصفات الوراثية بين أبناء القوميات المختلفة. ومِن هُنا تأتي أهمية سِجِل المتبرعين.

- ما هي الأسباب التي تعيق إيجاد متبرعين ملائمين للمرضى العرب؟
د. بشارة:هي عدة أسباب، مِن بينها الأسباب الوراثية، فنجاح زراعة النخاع تتطلب تطابقًا في الجهاز الوراثي (جهاز الأنسجة) ومن أهم صفات هذا الجهاز أنه يختلف بين أبناء القوميات المختلفة وقد أثبت ذلك علميا في أبحاث كثيرة في مختبرنا وفي انحاء العالم. أما السبب الثاني فهو عدم وجود مُسجلين عرب في سجلات المتبرعين المحلية أو العالمية، الأمر الذي يقلّل من فُرص مساعدة المرضى العرب في البلاد.


- أحد المتبرعين -

وهدفنا من انشاء السجل وضم أكبر عدد ممكن من المتبرعين المحتملين هو عدم إيجاد المتبرع المُناسب في الوقت المُناسب، بمعنى انّنا إن نجحنا باستغلال فترة تراجُع المرض وتقديم عينة الدم المُناسبة في الوقت المُناسِب، بحيثُ يكون المريض قادرًا على التجاوب وتقبل الزراعة, نزيد جدًا من فرص نجاح الزراعة، بذلك ننجح بإنقاذ حياته، لكن في بعض الحالات نجد المتبرع المُناسب، لكن الوقت يكون قد تأخّر بحيثُ تُصبح حالة المريض أكثر صعوبة في قدرة جسمه على استقبال عينة الدم. وفي بعض الأحيان نجد المتبرع المُناسب ويكون الوقت مناسبًا، لكنّ المتبرع قد يتراجع عن رغبته، وهُنا يأتي دورنا في تكثيف التوعية وإعطاء المعلومات الطبية الدقيقة التي تُساهِم في تغيير الأفكار المُسبقة، خاصةً أنّ التبُرع أمرٌ سهلٌ ولا يضر صحة المتبرع.

الإنضمام لسجل المتبرعين أمرٌ في غاية البساطة
تقول الدكتورة بشارة: كلمة "النخاع العظمي"، ليست مخيفة ما يرى البعض، وأنّ الانضمام لسِجل المتبرعين أمرٌ في غاية السهولة ففي البداية يوقّع المتبرع على استمارة أنه يرغب بالانضمام لسجل المتبرعين ويعطي عيينة لعاب. وفي حال تطابقت العينة مع مريضٍ محلي أو عالمي وافق المتبرع على المتابعة نقوم بإجراء فحوصات مخبرية للتأكد من سلامة صحته ومن أن التبرع لا يضره، ونهتم بسلامته تمامًا كاهتمامنا بصحة المريض، يتم أخذ الخلايا الأساسية من اليد، كما هو موضح بالصورة. وأشير أنّ المتبرع يكون طوال الوقت تحت إشرافٍ طبي، علمًا أنّ المُتبرع يمكنه التبرع مرتين فقط. علمًا أنّ المتبرع يخرج مِن السِجل بعد التبرع، ونسأله بعد سنة من التبرع إذا أراد الانضمام مرة ثانية، وهو مَن يُقرر.

وعن نتائج التبرع تقول د. بشارة: "منذ بداية مشروعنا وحتى اليوم، وجدنا 112 متبرعًا مُناسبا، تبرّع منهم فعليا حتى الآن 24 منهم 14 متبرعًا و10 ومتبرعات منهن أمهات. ومن الجدير بالذكر أن هنالك الكثير من المرضى العرب، محليا ومن أنحاء العالم ممن استفادوا من المشروع.

زراعة النخاع هي العلاج الأخير لمريضي سرطان الدم أو مصابين بأمراضٍ وراثية (كما أوضح سابقا)، وهناك أكثر من 100 مرض في الدم، ليس لها مِن علاج سوى زراعة النخاع، من بينها: أمراض نقص الكريات الحمراء، التلاسيميا، الإنيميا المنجيلية وأمراض نقص المناعة بأنواعها العديدة وأمراض أخرى. أما أبرز حالات النجاح فهي: قصة الطفلة حلا التي وجدت مُتبرعًا بعد سبع سنوات انتظار، وكذلك الطفل محمد الذي عانى من نقص المناعة وأجريت له زراعة نخاع وعمره نصف سنة، وقد عاد الطفلان إلى حياتهما الطبيعية.

كلمة شُكر وامتنان
تقول الدكتورة أمال بشارة: إنّ مسألة التبرع، أمرٌ في غاية الأهمية، وهي أمرٌ مُرتبط بالإنسانية، ونجاحنا كمجتمعٍ عربي في استقطاب 23 ألف شخصٍ وانضمامهم إلى السِجل هو عملٌ رائع، وآمُل مِن أبناء مجتمعي التجاوب، حتى نصل معًا حتى العام 2015 إلى 50 ألف متبرعٍ أو يزيد، وبذلك ننجح أكثر في إنقاذ حياة الآخرين، وبينهم أبناء قوميتنا.

أما بالنسبة لمشروع "سجل المُتبرعين"، فكثيرون لا يعرفون أنّ كُل متبرعٍ ينضم يكلّفنا 50 دولار، ورغم سعادتنا بانضمامِ أكبر عددٍ ممكنّ، لكنّ الاحتياج المادي يصل إلى أكثر من مليون دولار، نحصل على معظمه من خلال متبرعين من خارج البلاد، ونصبو إلى زيادة نسبة المتبرعين مِن بيننا، حتى نتمكن مِن تطوير الخدمات ومساعدة المرضى بصورة أكبر.

أما الكلمة الأخيرة للدكتورة أمال بشارة، فجاءت مِن القلب، محمّلة بالمشاعر حيثُ قالت: مِن تجربتي الشخصية، خلال الأربع سنوات الأخيرة، عرفتُ معنى كلمة "نخوة"، حيثُ لم يأتِ شعار "نخوتكم تمنحهم فُرصة للحياة" عبثًا، إذ لم نجد كلمة أكثر تعبيرًا وصدقًا من "نخوة"، ولن نجد ما يُطابقها في لغاتٍ أخرى، وهذا هو المجتمع العربي، وكم سيصبحُ الأمر عظيمًا كلما زاد التجاوب والعطاء من أبناء مجتعنا، فلهؤلاء الداعمين والمتبرعين ولِمن يحمل في ثنايا قلبه النخوة، أقول بكل امتنان "نشكركم عظيم الشكر على نخوتكم وإنسانيتكم".

-للمعنيين بالتبرع، التواصل مع الدكتورة أمال بشارة رقم: 026777690   أوamal@hadassah.org.il


 

التعليقات