في ظل أزمة السكن الخانقة التي تعيشها بلدة شعب في الجليل الغربي كسائر أخواتها من البلدات العربية، تشهد شعب خلال هذه الأيام نهضة عمرانية من الطراز الحديث، حيث تم الشروع بإقامة مشروع سكني ضخم يضم 420 وحدة سكن في الحي الغربي الذي خصص كقسائم للبناء للمواطنين مما يسمى بأراضي 'الدولة'، ويجري العمل اليوم على قدم وساق لتجهيز البنى التحتية حيث سيشمل المشروع بتخطيطه العصري على شوارع وفق الهندسة الحديثة ومواقف للسيارات وحدائق بمساحات كبيرة ومراكز تجارية وروضات أطفال وغيرها.
وتعيش بلدة شعب أزمة سكن استثنائية وخانقة أكثر من غيرها، ويعود ذلك لأسباب عديدة منها أن 48% من سكانها هم من مهجري الداخل الذين اقتلعوا من بلداتهم عام النكبة 1948 من ميعار والرويس والدامون والبروة وغيرها من قرى المنطقة، ويعيش الأهالي حالة انفراج نسبي بعد المشروع من حيث الكثافة السكانية وضيق المكان لا سيما الأزواج الشابة.
'عرب 48' رصد بعض ملامح المشروع في الحي الجديد وأعد التقرير التالي:
استعرض رئيس المجلس المحلي في شعب، فيصل شحيبر، بدايات انطلاق المشروع ومواكبته منذ ولايته الأولى مرورا بالإدارة السابقة، وقال لـ'عرب 48' إن 'إقرار المرحلة الأولى من مشروع السكن هو ذو وجهين، الأول قد يكون أعطى إجابة على أزمة السكن الخانقة التي تعيشها البلدة وستليها مراحل أخرى لتوسيع المسطح والحصول على قسائم بناء أخرى، والوجه الآخر هو مؤلم لأنه وكما هو معلوم فإن بلدة شعب قد صودرت في العام 1948 وتم تصنيفها ضمن ما سمي بـ'قانون الغائبين' الأمر الذي نزع كل ملكية الأرض الخاصة من الأهالي، وهذا بدوره سهّل على السلطة المحلية المطالبة بعملية توسعة المسطح'.
وأضاف شحيبر: 'استلمت في العام 2001 رئاسة السلطة المحلية وشرعت بإعداد الخرائط الهيكلية، وبعد سبع سنوات من الجهود حصلنا على مصادقة للخارطة الهيكلية وإقرار توسعة مناطق البناء ومنها المرحلة الأولى التي شملت المصادقة على 514 دونما في المنطقة الغربية للبلدة، وتليها مرحلتان بحيث تم تسويق جميع القسائم وعددها 420 وحدة سكن لأهالي البلدة فقط'.
شحيبر: وحدات سكن لأهل البلد فقط
وحول الشكوك بإسكان مواطنين من خارج البلدة، قال إن 'هذه وحدات سكن لأهل البلد فقط ونحن بصدد إعداد المرحلة الثانية للمصادقة. نحن في مراحل متقدمة وكل مرحلة ستشمل 400 وحدة سكن، كما ونعمل على توسعة أخرى للخارطة الهيكلية، وطلبنا بهذا الخصوص تشكيل لجنة حدود لتوسعة منطقة النفوذ لتلبية احتياجات الأزواج الشابة وإتاحة فرصة لتوسعة الخارطة الهيكلية'.
وأشار شحيبر إلى أنه 'في الوقت الذي تم هذا الإنجاز بسبب انعدام ملكية خاصة للأراضي في شعب ومصادرتها عام 1948 أعتبر أن امتلاك المواطنين في القرى الأخرى لأراضي خاصة هو أحد الأسباب التي تعيق من إمكانية التوسعة وإقرار الخرائط الهيكلية'.
سعدة: خيارات بين المر والأمر
المواطن عكرمة محمد سعدة وهو من قرية ميعار المهجرة وحظي بقسيمة بناء ضمن مشروع السكن الجديد في شعب استعرض مرارة أزمة السكن ومر العيش، وقال إن 'المرارة مضاعفة فأنا قمت بشراء قسيمة بناء بمساحة 420 م في الحي الغربي الجديد بمبلغ 320 ألف شيقل، ويبدو للوهلة الأولى أن هنالك مشروع ضخم وعظيم، لكن عندما تتذكر أن الدولة تمنحك قسيمة بهذه المساحة الصغيرة وبهذه المبالغ تشعر بمرارة وأسى عميقين وتتذكر أنك اقتلعت من بلدك ميعار وتم مصادرة قرابة 100 دونم من أرض العائلة، وأنت تعلم أن قرابة نصف سكان شعب هم من القرى المهجرة الذين اقتلعوا من قراهم وصودرت أملاكهم، لكن أمام أزمة السكن الخانقة تجد نفسك مضطرا رغم سوء وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية أن تبحث عن مسكن لائق لأبنائك'.
وتابع سعدة: 'ليس هذا فقط فهناك الكثيرين ممن قاموا بشراء قسائم بهذه المبالغ الطائلة في حيرة من أمرهم وإرباك لأن المرحلة الثانية يجب أن تكون الشروع بالبناء وإقامة المنازل، وهنا تحتاج إلى مبالغ مضاعفة وقد تسفر الأمور بأن يقتصر امتلاك القسائم والبناء على الأغنياء أو ميسوري الحال وإقصاء العائلات الضعيفة'.
وخلص سعدة إلى القول أنه 'على المسؤولين إعادة النظر في هذه القضايا وأن تحصيل القسائم هو أمر جيد، لكن عليهم العمل لتخفيض الأسعار لتكون القسائم بمتناول اليد للجميع لأن أكثر من يعانون من أزمة السكن هم من يصفون بأنهم الشرائح الضعيفة في المجتمع'.
مصري: منذ أن هجرنا عشنا أوضاع سكن صعبة وقاسية جدا
واستعرض كارم مصري من مهجري الحولة التي اقتلع أهلها منذ العام 1953 من بلدتهم في سهل الحولة امتلك هو الآخر قسيمة بناء في شعب رحلة المعاناة والجرح المفتوح، وقال: 'منذ أن هجرنا عشنا أوضاع سكن صعبة وقاسية جدا ومعنا عشرات العائلات في شعب التي أخليت بالقوة من بلدتنا بالحولة. أسكن مع عائلتي وأبنائي الثلاثة في بيت أهلي. أسعار القسائم باهظة جدا، ولكن هذا هو الموجود حاليا. أردنا أن نتقدم خطوة لضمان سكن محترم لأبنائنا علما أننا كنا نملك في سهل الحولة 70 دونم أرض خاصة لنا، لكننا اليوم لا نملك شيئا، وجميعنا يعرف أن الأمر عبارة عن مسخرة واستخفاف بنا، لكننا أجبرنا رغم كل الظروف المعيشية القاسية على القبول بالأمر الواقع لأنه لا خيارات أخرى أمامنا'.
وتابع المصري: 'صحيح أن تحصيل قسيمة أرض خطوة للأمام وقد تعطي الأمل للناس، لكن يجب أن تكون القسائم لكل المحتاجين وليس فقط لميسوري الحال، لذلك على المجالس المحلية والمسؤولين أن يمارسوا كل الضغط من أجل تخفيض الأسعار ليتمكن الناس ليس من شراء قسائم فقط بل أيضا ليتمكنوا من البناء والسكن، فالعامل يرضخ تحت ضغوطات كبيرة ومقلقة حتى يشتري قسيمة أرض ويبني منزلا خاصا لأسرته. الأوضاع تستوجب حلولا جذرية لرفع المعاناة عن كاهل الناس لآن ومستقبلا'.
التعليقات