ما بين سوق الناصرة وباب الحارة... هجران مجتمع

بين السوقِ الافتراضيّ الظاهرِ في مسلسل بابِ الحارةِ، وسوق النّاصرة الحقيقيّ، نسيانٌ وإهمال، أولهما ممتلئ بمجتمعِ أهلهِ وتجارتهِ التي تتشابك معها الأحداث الاجتماعيّة بصورةٍ دراميّة،

ما بين سوق الناصرة وباب الحارة... هجران مجتمع

صور من سوق الناصرة

بين السوقِ الافتراضيّ الظاهرِ في مسلسل بابِ الحارةِ، وسوق النّاصرة الحقيقيّ، نسيانٌ وإهمال، أولهما ممتلئ بمجتمعِ أهلهِ وتجارتهِ التي تتشابك معها الأحداث الاجتماعيّة بصورةٍ دراميّة- بغض النظر عن المواقف المتعددة من المسلسل- وبين الأخير المنسيّ الذي قد يفقدُ بعد بضع سنين مجتمعهُ أساساً، وما بينِ السوق وارتباطه بالاقتصاد ووضع البلدة أو المدينة، فهو انعكاسٌ لوضعِ البلدِ الماديّ، ومن هنا تتبلور قضيّةُ السوق الذي يموت على يد أهلهِ، حتى وإن كان ذلك في شهر رمضان الكريم.

خروجًا من السّوق الضيّق، تجاه الشّارع الرئيسيّ في الناصرة، لا يختلفُ المشهد كثيرًا، سوى أنّهُ ملطخٌ بملوّثات الهواء النابعة من السيارات والحافلات، وقد لا تدلُّ حركة السير هذه على اكتظاظِ السكانِ وهم يهرولون نحو الحوانيت، بل هي حركةٌ لا يتبعها شيء سوى الازدحام المروريّ وإفلاس أصحاب الحوانيت على أطراف الشوارع.

انعدام النقود

يبدو أنّ الهجرة قد طالت السوق بكافة حوافه وأطرافه الممتدة، ففي شهر رمضان الفضيل، لم يتغيّر الحال عما كان عليه قبل ثلاثة أسابيع، هذا ما قاله أحد أصحاب حوانيت البن والمكسرات في البلدة القديمة، إدوارد عزّام، لـ'عرب 48'، وأوضح أن 'مستوى البيع لم يتغيّر في رمضان، ولربما يكون الإقبال على اللحوم أو الخضار بشكل أكبر، المطاعم وكذلك محلات الحلويات، أما البقالات فهي ما زالت في ركود'.

بينما يقف الشاب نضال أسامة عودة، ليعمل في ملحمةٍ بالسوق، المهنة التي تعلمها منذ صغرهِ، لديه أكثر من ملحمة، منها في السوق وخارجه، ويفيد أنّ البيع في السوق هو محدد ومقترن بأوقات معيّنة من الساعة 8 صباحًا إلى الثانية بعد الظهر، لأنّ حوانيت السوق تغلق أبوابها باكرًا، أما خارج السوق فالحوانيت تبقى لساعة متأخرة لأنّ هناك عمل أكبر وإقبال أكبر كذلك.

يقول عودة لـ'عرب 48' عن البيع في رمضان، إن 'هناك ازدياد ملحوظ في طلب الناس على اللحوم، وهذا سببه الزيارات العائليّة وقت الإفطار والتحضير المتقن للموائد التي لا تكون طيلة العام بهذه الكثافة، ويوجد إقبال من قبل الناس على أكلات تشمل رقبة أو إبط وأفخاذ الخراف البلديّة المحشوة بالأرُز'، مردفًا أنّ 'السوق جميل ولكنّه منهك، رغم أنّ الوضع الاقتصاديّ في الناصرة لا بأس به'، كما يراه، مشيرًا إلى أنّ 'أهالي الناصرة يقومون بالتسوق في المجمعات، قيادة أحدث السيارات، والسفر خارج البلاد كذلك، دون أن يترددوا إلى السوق'!

المشهد لا يختلف كثيرًا في المحلات التجاريّة خارج السوق، الحانوت المقام على الشارع الرئيسيّ القريب من دوار المدينة، تواجدتُ فيه لمدة تقارب ربع ساعة لم يدخل إليها أية زبون واحد للشراء، تحدّث صاحب البقالة، علاء الشايب، أنّ 'الحركة التجارية تهبط وسبب ذلك شبكات الأغذية الكبيرة في نتسيرت عيليت، التي استولت على أهالي مدينة الناصرة، وتركت الحوانيت الصغيرة دون زبائن'، وأكد لـ'عرب 48' أنه 'لم يعد لدينا عمل لأنّ الأسعار في تلك المتاجر الضخمة هي خياليّة في الرخص، ولا يمكن تصديقها، والمواطن يبحث عن الأرخص له والأوفر، يذهب إلى مكان واحد مجهز بموقف للسيارات، تتواجد في مجمع واحد اللحوم والخضار وجميع المنتجات الغذائية، ليس كما في الناصرة الحوانيت متفرقة ولا مكان لركن السيارة، إلا بصعوبة'.

السوق والتسويق

'في الوضع الطبيعيّ تبدأ الحركة بعد أول 10 أيام من رمضان في المدينة، ولكن السوق بشكل خاص يرجع كل سنة للوراء خطوات، ولا يتحسن، بل يزداد سوءًا، رمضان هذه السنة أبخل اقتصاديًا من العام الذي سبقه، والأسباب تعود إلى عدم تسويق السوق من الناحية الإعلامية التسويقيّة، وعلى البلدية أن تسوّقه، كما باقي المنتجات والأماكن التي تحتاج إلى تسويق لتذكير الناس بوجوده'، هكذا حلل تاجر للأدوات المنزليّة في البلدة القديمة، علاء أبو أحمد، الوضع الاقتصاديّ.

وأكد أنّ 'السوق تحفة أثرية وموقع تاريخي، يُقارن بسوق القدس، سوق نابلس وسوق عكا، ونسبةً لما يتم بذله من جهود على تلك الأسواق، فسوق الناصرة مهمل من الناحية التسويقية خارج وداخل المدينة، فإذا قمنا بالتجول بالناصرة لن نرى أيّ لافتة كُتب عليها 'البلدة القديمة'، أو 'سوق الناصرة'، وهو يعكس ضعفًا وإهمالًا للسوق، بينما يجري تعليق اليافطات لإعلانات الشركات الكبيرة، وكل أمر سخيف، بإعلانات تأخذ مساحة عشرات الأمتار، أما السوق فلا يحظى بهذا التسويق رغم تاريخه العريق'.

واقترح أبو أحمد 'تعليق يافطات مختصة بالسوق على كل دوارات المدينة، تذكيرًا لأهل المدينة الغارقين في الروتين، بالسوق التاريخيّ الذي يستحق منا إحيائه، لعلّ الأهالي تذكّروا أنّه عليهم اصطحاب أبنائهم إلى السوق لتعرّفهم به، فالكثير من الأطفال والشبان لا يعرفون السوق، رغم أنّه جزء مهم من مدينتهم'، متابعًا أننا 'نحيا في مدينة تضم 75 ألف نسمة، وقرى الناصرة كذلك تقدّر بعشرات الآلاف، فمن البسيط جدًا أن يأتي إلى السوق يوميًا 7 آلاف مواطن، وهم يستطيعون إحيائه من جديد وإعادة فتح الأبواب التي أغلقت إفلاسًا، وذلك من خلال تسويق السوق، والفائدة المردودة من الإعلان ستغلب المصاريف التي بذلك في التسويق'.

'سخنين تتميّز بفريقها لكرة القدم، ولكن لم يعد في الناصرة ما يميزها، قديمًا كان السوق ولم يعد. يجب الآن نفض غبار الإهمال عن السوق عن طريق الإعلام والعمل الجذري على إعادة إحيائه'، بهذه الجملة اختتم أبو أحمد حديثه بدمٍ محروق.

التعليقات