قراءة في تقارير الهاغاناه عن القائد الفحماوي يوسف الحمدان

ينتمي يوسف الحمدان إلى آل طميش من حمولة المحاجنة في أم الفحم، ولد حسب كل الدلائل في عام 1899م إذ لما استشهد كان عمره أربعين سنة.

قراءة في تقارير الهاغاناه عن القائد الفحماوي يوسف الحمدان

مبنى قديم في اللجون حيث دفن يوسف الحمدان

في بداية مقالتي هذه أود أن أُشير إلى أنّ الهاغاناه أنشأت في عهد الانتداب قلمًا للمخابرات والمعلومات اسمته شاي(شيروت يديعوت) للاطلاع على كل شاردة وواردة، وعلى كل كبيرة وصغيرة في فلسطين. كانت الهاغاناه في تقاريرها تنعت فصائل ثورة 1936-1939 بالعصابات المسلحة، وتنسب إلى قادتها ورجالها تهمًا بالسطو والقتل والإرهاب، وقد حصلت على معظم معلوماتها من جواسيس عرب وإنكليز ومما كان ينشر في الصحف في تلك الأيام، ولذلك كانت أكثر دقة في تحديد تاريخ الحدث لأنها كانت تسجله فور حدوثه أولاً بأول، وفي بعض الأحيان كانت منصفة بحق بعض قادة الثورة، إذ ورد في أحد تقاريرها عن القائد الفحماوي يوسف الحمدان أنه كان مُؤدّبًا وعلى خلق عظيم ويعامل الفقراء معاملة جيدة ويعطف عليهم.

نشاط القائد يوسف الحمدان:

بين يدينا عدد من تقارير للهاغاناه عن القائد يوسف الحمدان. من خلال هذه التقارير يظهر لنا نشاط هذا القائد في أم الفحم ومرج بني عامر وجبال الكرمل وقرى قضاء جنين، وفيما يلي ملخص لهذا النشاط:   

ينتمي يوسف الحمدان إلى آل طميش من حمولة المحاجنة في أم الفحم، ولد حسب كل الدلائل في عام 1899م إذ لما استشهد كان عمره أربعين سنة. لا نعرف شيئًا عن نشأته الأولى سوى أنه كان يتيم الأب، وأن والده يُدعى نايف. في الثلاثينيات من القرن الماضي انضم إلى عصبة الشيخ عز الدين القسام. خلال ثورة 1936الأولى وعند تجدد الثورة في سنة 1937 كان يوسف الحمدان أحد قادة الفصائل في أم الفحم، وقد بلغ عدد أفراد فصيله خمسة عشر رجلاً.

في تلك الفترة عمل تحت إمرة القسامي الشيخ عطية أحمد عوض الذي قاد الثورة في منطقة حيفا وجبال الكرمل ووادي عاره وبيسان. في 3/3/1938 استشهد الشيخ عطية في معركة اليامون التي شارك فيها يوسف الحمدان ورجاله. في صيف 1938 تم إلقاء القبض على يوسف الحمدان بالقرب من الخضيرة، وزُجّ به في سجن عتليت انتظارًا لتقديمه للمحاكمة، لكنه نجح في الهرب وانضم إلى جماعة القائد يوسف سعيد أبو درّة الذي تولى قيادة الثورة في منطقة جنين وحيفا وجبال الكرمل.

وقد راجت إشاعات مفادها أن الميجر كلمان كوهين عقد صفقة مع يوسف الحمدان بموجبها يقوم الأخير بتسليم القائد يوسف أبو درّة، لكن يوسف الحمدان نكث بوعده وأصبح نائبًا لهذا القائد. في ليلة 16-17/8/1938 كان يوسف الحمدان المشرف الحقيقي على الهجوم الكبير الذي قام به الثوار على سجن عتليت، وهو الذي اختطف نائب مدير السجن الضابط لزاروفيتس وزوجته وصهره وأطفاله الثلاثة وسلّمهم إلى القائد يوسف أبو درّة، ومن الجدير بالذكر أن يوسف أبو درّة أطلق سراح الأطفال بينما نفذ حكم الإعدام بحق البالغين.

شارك في الهجوم على السجن المذكور أكثر من مائتي مجاهد وقد نجحوا في احتلاله لمدة ساعة وتحرير بعض المعتقلين فيه. يُعدّ الهجوم على سجن عتليت نقطة تحوّل في تاريخ الثورة، إذ تشدد الإنكليز في تعقب الثوار وصمموا القضاء عليهم، ففي يوم الجمعة 28/10/1938 تم الهجوم على قرية المنسي، واعتقال الشيخ حسن منصور، وهو من مشايخ عرب التركمان وكان رئيس اللجنة العسكرية ومحكمة الثورة، مع أربعة من أقاربه.

من الجدير بالذكر أنه ورد في أحد تقارير للهاغاناه أن من اعتقل الشيخ حسن منصور هم الإنكليز ولذلك لا صحة للقول بأن الهاغاناه هي التي قتلته. في سنة 1939 بدأت الثورة تضعف وأخذت مكانة القائد يوسف أبو درّة تهتز في أعين الثوار والسكان واللجنة المركزية لقيادة الثورة في دمشق. في تلك الفترة استقل يوسف الحمدان عن أبي درّة وأصبح قائدًا لفصيل مستقل فصار يجبي الضرائب بواسطة ممثليه الذين عينهم في القرى. يبدو أنه في أواخر ذلك العام قلّ عدد رجاله إذ استشهد معه في معركة أم الفحم الثانية أحد عشر مجاهدًا ينتمون إلى قرى مختلفة.

استشهاد القائد يوسف الحمدان ورفاقه:

ذكر أكرم زعيتر في يومياته المسماة بالحركة الوطنية الفلسطينية أنه بتاريخ 24/5/1938 تلقى من دمشق تفاصيل عن محاصرة جديدة لقرية أم الفحم من قبل القوات البريطانية واشتباك مع الثوار حين محاولتهم الانسحاب، استشهد فيه المجاهد الشجاع الشيخ يوسف الحمدان (من أم الفحم ومساعد القائد أبو درّة) ولفيف من إخوانه الأبطال مثل محمد يوسف كرم وغيره. وقد اقتبس هذه الأقوال بعض من كتبوا عن تاريخ أم الفحم واللجون دون تمحيص. في ذلك اليوم كان أكرم زعيتر في العراق. ولا ندري إن كان قد اعتمد على ذاكرته التي خانته أم أنه سمع مجرد إشاعة. إذ أن أحد تقارير الهاغاناه والمؤرّخ في 18/12/1939 يشير بوضوح إلى أن القائد يوسف الحمدان استشهد في 17/12/1939 مع أحد عشر مجاهدًا كانوا معه في أم الفحم، ولأهمية هذا التقرير فيما يلي مقتطفات منه:

 [أمس كان يوم الثأر الأكبر ويوم الحساب العسير الذي أنهى درب الآلام وسفك الدماء، حيث تم القضاء على يوسف الحمدان ومعظم معاونيه. منذ فترة طويلة انتقل يوسف حمدان من مكان إلى آخر دون أن يجد الراحة لنفسه ولرجاله. توجّه إلى فخري عبد الهادي كي يتوسط بينه وبين حكومة الانتداب لتعيينه رئيسًا لفصيل سلام، ولكن هذا الأمر لم يتم، كما أن دور آل مقبل الذي اعتمد عليهم يوسف الحمدان انتهى تقريبًا في الآونة الأخيرة، فلم يعد لهم أي تأثير. جاء يوم السبت جالبًا معه الخير كله إذ خرجت أعداد كبيرة من الجنود في سيارات عسكرية إلى أم الفحم على رأسها جاسوس عربي، حدث تبادل لإطلاق النار في القرية استشهد على إثره ستة من الثوار على الفور، أما الستة الباقون فعلى ما يبدو جرحوا وأسرعوا إلى ملاقاة إخوانهم في الجنة (يبدو أنهم أُعدموا)، هرب اثنان وقد تم الاستيلاء على ثلاث عشرة بندقية ومسدسين وقنبلتين، وفيما يلي قائمة بأسماء القتلى:

1) يوسف الحمدان من أم الفحم، وهو المدير الفعلي لمعسكر أبو درّة. وقف على رأس المهاجمين لجبعات عاده، قريات حاروشت، عين هاشوفيط وهو الذي قتل الضابط لزاروفيتس.
2) محمد أبو رميلة من عرب التركمان. قام بحرق وهدم في مستعمرة حفصيبه. قتل دافيد الياهو بالقرب من مستعمرة غان شموئيل، وقام بهجوم على باص(حافلة) في مشمار هعيمق وبعمليات في محيط بنيامينا وخربة الشركس وفي مناطق أخرى.
3)عبد الوهاب عثمان من خربة مشيرفة بالقرب من اللجون.
4) أحمد صالح مصطفى الجلجميني من عرب التركمان وهو صديق ومساعد لمحمد أبو رميلة.
5) محمود شتيوي من خربة عرقوق بالقرب من مشيرفة.
6) عبد الرؤوف أبو شرقية من قرية جت وهو أخو أحمد الذي يُحاكم عسكرياً لعلاقته بمصرع السيرجانت غولمي.
7) مسعود أبو رزق من جت.
8) محمد مصطفى قورمانو من سكنة أبو كبير الواقعة بالقرب من تل أبيب.
9) محمد الشيخ يوسف من أم الفحم.

10)عبد مصطفى قاسم من ربية.

11)الشيخ إبراهيم محمد أحمد حجات من المنسي، وهو الذي ذبح الخضراواتي السفاردي مزراحي في قيسارية. اختطف مزراحي على يد أحمد درسية من عرب الشمالي وبعدها جاء الشيخ ابراهيم حجات وأخذه إلى قيسارية، وهناك قام بذبحه في احتفال صاخب.

12)خالد أبو فواز وهو الذي قتل جلايخر من غان شموئيل، وقد كان يجيد التحدث باللغة العبرية.]

 من الجدير بالذكر أن المعركة المذكورة أعلاه (معركة أم الفحم الثانية) كانت آخر معركة بين فصيل منظم والجيش البريطاني في فلسطين.

شخصية يوسف الحمدان:

في تقرير آخر مؤرّخ في 19/8/1940 ورد عن يوسف الحمدان ما يلي: [في الأربعين من عمره، كان يتحرك في أغلب الأحيان في الليل. يروي القرويون عنه أنه كان مؤدبًا جدًا، وذا أخلاق حميدة، ويعامل الفقراء معاملة جيدة ويعطف عليهم. انصب جل اهتمامه في مقاومة سلطات الانتداب البريطاني واليهود، ولا توجد معلومات عن قيامه بتعذيب المعتقلين.]

مصادر تمويله:

أما عن مصادر تمويله، فقد ورد في التقرير آنف الذكر ما يلي: 'يُروى أنه لم يحصل من الخزينة المركزية لقيادة الثورة في دمشق على أي مبلغ من المال. كان لمدة طويلة تابعًا إلى القائد يوسف أبو درّة وباسمه أنشأ فصائل منظمة في قضائي جنين وطولكرم. لما غادر القائد يوسف أبو درّة فلسطين اعتمد يوسف الحمدان على الضرائب التي فرضها على القرى، لأجل ذلك عَيَّنَ في كل قرية ممثلاً عنه وظيفته تركيز الضريبة وجمعها من قمح وشعير وغيرها وبذلك أنشأ طريقة عصرية في جباية الضرائب، إذ أن قادة العصابات الأخرى اعتادوا اختلاس الأموال ورافقت ذلك بلبلة. لم تواجه يوسف الحمدان أية مشاكل أو صعوبات في جمع هذه الضرائب لأن ممثله في القرية كان يُخبره باسم الممتنع الذي كان يُعاقب أمام الجمهور. لم يجرؤ أحد على الامتناع لأن الجمهور كان يُشارك في عقابه...عَبَّرَ الأهالي عن تأييدهم ومحبتهم لعصابة يوسف الحمدان بواسطة الشعارات والصور. لم يكن هناك من يجرؤ على إخبار الشرطة بأماكن تواجد أفراد هذه العصابة لأن العقاب هو الإعدام بقرار حكم فوري. عادةً كان يُجمع المال نقداً

بعد أن يقوم قائد الفصيل بزيارة القرية بنفسه...ولم تزد الضريبة على مائة جنيه فلسطيني وفي معظم الأحيان حتى خمسين جنيهًا فلسطينيًا.

القيادة:

أما عن قيادة فصيل يوسف الحمدان فقد ورد ما يلي: [ساد بين رجاله نظام عسكري بحت. كانت الطريقة تركية-ألمانية وفي الآونة الأخيرة إنكليزية جراء هروب قسم ممن خدموا في الشرطة. كان الانضباط شديدًا بحيث كان أي إخلال بالأوامر يَجُرُّ في أعقابه قرارًا بالإعدام. كان الهدف من ذلك منع الخوارج من اختراق العصابة. كان الفصيل متماسكاً ومتحدًا إلى حدّ المثالية، ولكن اعتماد يوسف الحمدان كان في الحقيقة على عشرة من رجاله لا أكثر، ورغم أن حكم الإعدام كان مخيفًا إلا أن أحد رجاله هو الذي خانه وأخبر الشرطة عن مكان تواجده. كانت الأوامر الصادرة عن قائد الفصيل غير قابلة للجدل ويجب أن تُنفذ مهما كانت الظروف، كما كان باستطاعة هذا القائد أن يأمر حتى أولئك الذين لا ينتمون إلى فصيله بتزويده بمعلومات، وقد نجح بعض هؤلاء في اختراق سلك الشرطة المركزية. كان العرب يخبرون القائد بكل حركة مهما كانت ووفقاً لذلك كان يُغيّر مواقعه، ولذا من السهل أن نفهم فشل الشرطة في إلقاء القبض عليه.]

عتاده وسلاحه:

كان معظم سلاح فصيل يوسف الحمدان عبارة عن البارودة الألمانية والبارودة التركية، وفي حالات نادرة، البارودة الإنكليزية. كانت حالة هذا السلاح سيئة للغاية، إذ لم يكن هناك زيت خاص لمسح البارود، أو تنظيفه من الداخل. كان معظم هذا السلاح من مخلفات الحرب العالية الأولى وخُزّنَ في كهوف ومغاور ما أدى إلى صدئه...في معظم الأحيان، كانت البارودة تُسمع دوياً أو صدى وينفجر الرصاص بداخلها، وأحياناً لم يعمل الدفاش. نوع آخر من السلاح كان اللغم الذي هدد المستوطنات اليهودية وطرق المواصلات. لا توجد معلومات عن تهريب هذا السلاح من خارج البلاد، ولكن معروف لدينا أن فوزي القاوقجي دَرَّبَ وعَلَّمَ الثوار على صنع ألغام بسيطة.

زرع الألغام:

لزرع الألغام عُيَّنَ رجال متخصصون. كانت المجموعة مكونة من خمسة يُعيينهم القائد بنفسه، يرافقهم عشرون مجاهداً، عشرة يستحكمون بجانب أحد الشوارع وعشرة في الجانب الآخر، وعلى مسافة لا تزيد عن 250 مترًا. كان الاتصال بين المشاركين في العملية يتم بواسطة إشارات من فانوس أو بواسطة إسماع أصوات تحاكي أصوات الحيوانات أو العصافير التي تعيش في تلك المنطقة.

لم يحظ القائد يوسف الحمدان باهتمام الدارسين للثورة، كما أن الذين كتبوا عن تاريخ أم الفحم واللجون لم ينجحوا في جمع روايات شفوية عن شخصية هذا القائد الفذ ونشاطه واكتفوا بالاعتماد على الصحف الفلسطينية التي خضعت إلى رقابة مشددة وعلى يوميات أكرم زعيتر. كان القائد يوسف الحمدان من خيرة قادة الثورة وأنقاهم وهو يستحق دراسة كاملة ووافية، وقبره لا يزال يُزار في قرية اللجون المهجرة. وقد كُتِبَ مؤخرًا على قبره بيتان من الشعر هما:

بكت الجبال بدمع هتان      حزنًا لمصرع يوسف الحمدان

قد كان حاميها وليث عرينها    إذ صد عنها غارة العدوان

ملاحظة: ورد في تقرير للهاغاناه عن برطعة (وادي المية) أن مصطفى الحمد من آل الخطيب قتله الجيش في معركة بالقرب من أم الفحم مع يوسف الحمدان.

أعقاب يوسف الحمدان:

كتب السيد فيصل محاجنة في موقع 'فلسطين في الذاكرة' بتاريخ 20 آذار 2011 يقول: 'ترك الشهيد يوسف الحمدان زوجته خديجة صالح محاجنة بدون أبناء، ولكنه كان متزوجًا من امرأة أخرى من الغبيات... اسمها شنارة أبو رميلة التي مرت تحت النعش يوم جنازته لتعلن أنها حامل منه كما كانت العادة، وكانت عدة محاولات للعثور على الابن ولكن عند علم زوجته بهذه المحاولات تركت منطقة طولكرم إلى الأردن، وادّعى شخص من إربد يدعى أبو شاهر من عشيرة أبو رميلة أنه ابن القائد يوسف الحمدان وقمنا بمساعدته ولكن هناك شك كبير بصحة أقواله...'.

وفي نفس الموقع كتب شخص مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 13/9/2009 يقول إنه محمد حمدان يوسف الحمدان وإنه ابن ابن الشهيد القائد يوسف الحمدان المدفون في اللجون، أي حفيده.

التعليقات