منذ 1948: إسرائيل سعت لطمس فشلها باحتلال الطيرة

سعت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، طوال السبعين عاما الماضية، إلى طمس إحدى هجمات العصابات الصهيونية، في العام 1948، التي انتهت بهزيمة نكراء مُنيت بها هذه العصابات في معركة قرية الطيرة، التي سطر مقاتلوها ملحمة بطولية

منذ 1948: إسرائيل سعت لطمس فشلها باحتلال الطيرة

مقاتلون فلسطينيون في حرب 1948

سعت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، طوال السبعين عاما الماضية، إلى طمس إحدى هجمات العصابات الصهيونية، في العام 1948، التي انتهت بهزيمة نكراء مُنيت بها هذه العصابات في معركة قرية الطيرة في المثلث، التي سطر مقاتلوها ملحمة بطولية، ومنعوا احتلال القرية في هذه المعركة والمعركة التي تلتها.

دارت معركة الطيرة في 13 أيار/مايو العام 1948، أي قبل يوم واحد من الإعلان عن تأسيس إسرائيل. قبل ذلك بيوم واحد، تركزت قوة من العصابات الصهيونية في "كفار هاس"، الذي يبعد 1200 متر عن القرية العربية، واستعدوا لشن الهجوم على الطيرة، حسبما ذكر تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" اليوم، الجمعة.

ووفقا لشهود عيان إسرائيليين تحدثوا إلى الصحيفة، فإن الطيرة بدت خالية، وساد الهدوء فيها، ولم تُطلق منها أية رصاصة. واستنتج قائد القوة الصهيونية أن أهالي القرية نزحوا منها، مثلما حدث في قرى أخرى، وأصدر أمرا بالتقدم نحوها. لكن عندما أصبح أفراد القوة المهاجمة على بُعد 200 متر من القرية، أطلق من الطيرة وابل من الرصاص، من بنادق ومدافع رشاشة.

ووصفت المعركة شاهدة شاركت في الهجوم كمسعفة، وقالت إنه "لم يمر وقتا طويلا حتى بدأ يتعالى صراخ الجرحى من كافة الاتجاهات. وأنا المسعفة الوحيدة هناك. وكنت أجري بكل قواي من جريح إلى آخر في حقل الشعير، وفي كل لحظة كنت ألتقي بمصاب آخر جراحه خطيرة، وبينهم زملائي وأبناء فرقتي (المسلحة)، ومواد الإسعاف التي بحوزتي آخذت تنتهي. مر وقت كثير ولم أعلم كم الساعة. فجأة بقيت وحدي. وشاهدت من بعيد جنودا يعتمرون الكوفيات الحمراء".

إلا أن الأجواء في صفوف أفراد القوة كانت مختلفة في الليلة التي سبقت الهجوم على الطيرة. وقال أحد الشهود، الذين شاركوا في الهجوم، إن "أي شيء أثار الحماس فينا. وفي ليل 12 أيار/مايو خلدنا إلى النوم في المكان المخصص لنا، وهو بيت مهجور، وغفونا على الأرض، بملابسنا ونعالنا. وعند منتصف الليل قُرع الباب: ’أخرجوا، توجد عملية’. سرنا مسافة كيلومترين والتقينا مع أفراد من كتائب الحراسة في قاعة مدرسة تابعة لكتلة تلموند. نظمونا في فرق، وعدنا إلى حرش في كفار هاس، ومنحوا كل واحد منا 120 رصاصة وقنبلتين. ارتدينا ملابس مسروقة من الجيش البريطاني. كان مزاجنا مرتفعا. وتحدثنا فيما بيننا عن شرب القهوة في الطيرة في نهاية العملية... وعن حفلة في الهواء الطلق وأحضرنا بتيفون". وانضم إليهم عدد آخر من الشبان اليهود من المنطقة ومجموعة من أفراد لواء "ألكسندروني" سيء الصيت والذي ارتكب أفراده مجزرة كفر قاسم بعد ذلك بثماني سنوات.

وأضاف هذا الشاهد أنه "تلقى القادة المحليون أمرا عسكريا شفهيا. وكانت المهمة الأصلية المساعدة والتمويه. أن نتسلل إلى تلة مطلة وإطلاق النار باتجاه الطيرة، من أجل جعل القوة المدافعة المحلية أن تبقى مكانها ومنعها من إرسال تعزيزات إلى كفر سابا العربية، التي كان احتلالها الهدف الأساسي للعملية... وكان الشعور أننا ذاهبون إلى رحلة، ربما تنتهي بالانتصار في قلب الطيرة".

إلا أن العصابات الصهيونية لم تحقق "انتصارا" كهذا. فقد دافع عن القرية مقاتلون من الطيرة والطيبة وساندهم قوات شركسية من جيش الإنقاذ، بقيادة القاوقجي، وقوة من الجيش العراقي، وصلت إلى الطيرة من دون أن تعلم بذلك "خدمة المعلومات"، وهي جهاز المخابرات التابع لميليشيا "الهاغاناة". وقُتل في معركة الطيرة 24 من أفراد العصابات الصهيونية، دُفنوا في قبر جماعي، ولم يتم العثور على أربع جثث حتى اليوم.

طمس الهزيمة

بعد ثلاثين يوما من معركة الطيرة وفشل العصابات الصهيونية باحتلالها، في 13 حزيران/يونيو، بعث ذوو القتلى رسالة إلى "المقر الرئيسي لجيش إسرائيل"، جاء نصّه كالتالي: "في يوم 13 أيار/مايو سقط 24 من أبنائنا في عملية ضد قرية الطيرة. وما زال أربعة من أبنائنا مفقودين حتى اليوم. ونحن مقتنعون بأن هذه العملية، التي جلبت كارثة كبيرة إلينا، نُفذت بشكل غير لائق... إننا نطالب بتحقيق سريع ينفذه قاض محقق ويزور المكان ويستمع إلى شهادات أشخاص لدينا شاركوا في هذه العملية، والذين سيسلمونه كافة التفاصيل المطلوبة لهذا التحقيق".

ولم تتم الاستجابة لهذا الطلب، ولم يُرسل قاض محقق. لكن جرت تحقيقات عسكرية بعد أيام من المعركة. وصدر تحقيق نهائي تحت تصنيف "شخصي – سري"، وقع عليه قائد شعبة الاستخبارات، يغئال يادين، وتم تحويله في آب،أغسطس 1948 إلى مدير عام وزارة الأمن الإسرائيلية "شكولنيك"، وهو ليفي أشكول، الذي أصبح رئيس حكومة لاحقا.

واعتبر التحقيق النهائي أن "النتيجة الواضحة هي أن الذنب الأساسي يقع على لواء ألكسندروني... وبالإمكان اعتبار أن مساوئ التخطيط والتنفيذ نابع من المزاج الذي كان سائدا بين السكان في يوم العملية، أي في أعقاب هروب العرب من عدة قرى قريبة وبسبب الطاعة الرائعة في إطلاق النار التي أظهرها عرب الطيرة في هذه المعركة".

ووفقا لشبتاي يعري، وهو أحد الناجين من هذه المعركة، فإن السلطات الإسرائيلية سعت إلى طمس شامل لهذه المعركة. "لم يتحدثوا عن هذه المعركة سنوات كثيرة. كان هناك ما يشبه مؤامرة صمت. لدي شعور بأن أحد ما سعى إلى إخفاء الأمر. يبدو أنه كانت هناك مصلحة في ذلك". وقال شاهد آخر، يدعى يائير تسوك، إنه "ببساطة لم نتحدث عن ذلك مع أي كان طوال السنين، ولا حتى أحدنا مع الآخر".

يشار إلى أن حرب فلسطين عام 1948 تميزت بشراسة ووحشية العصابات الصهيونية التي سعت إلى تهجير الفلسطينيين عن وطنهم. لكن الطيرة صمدت أمام هذه الوحشية. بل أن المقاتلين فيها منعوا أفراد العصابة الصهيونية من إخلاء جرحاهم وقتلاهم. وفي الغداة، شنت هذه العصابات هجوما آخر على الطيرة، بادعاء إخلاء الجرحى والقتلى، وقد فشل هذا الهجوم أيضا، وسقط قتلى وجرحى آخرون في صفوفهم.

الطيرة لم تسقط أبدا بأيدي العصابات الصهيونية ولا بأيدي الجيش الإسرائيلي لاحقا، وإنما تم ضمها إلى إسرائيل في أعقاب محادثات رودس لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والأردن، في العام 1949، وتسليم المثلث إلى إسرائيل.

التعليقات