16/03/2019 - 16:20

لقاء | الصهيونية الدينية تخترق الجيش الإسرائيلي: أسئلة الولاء والتديين والصراع

أشرف بدر: نسبة الضباط من معتمري القبعات الدينية ازدادت من 1990 إلى 2008 بـ12 ضعفا | الصهيونية زرعت، باعتمادها المقولات التوراتية، بذور التحول من علمانية إلى دينية | خشية إسرائيليّة من ازدواجية الولاء وثيوقراطية الدولة وتحول الصراع إلى صراع دينيّ

لقاء | الصهيونية الدينية تخترق الجيش الإسرائيلي: أسئلة الولاء والتديين والصراع

جنود إسرائيليون يصلّون (أ ب)

  • نسبة الضباط من معتمري القبعات الدينية ازدادت من 1990 إلى 2008 بـ12 ضعفا
  • الصهيونية زرعت، باعتمادها المقولات التوراتية، بذور التحول من علمانية إلى دينية
  • خشية إسرائيليّة من ازدواجية الولاء وثيوقراطية الدولة وتحول الصراع إلى صراع دينيّ

تشير الإحصائيّات الإسرائيلية أن أصحاب "القبعات المنسوجة" من التيار الديني الصهيوني، باتوا يحظون بنصيب كبير في سلسلة القيادة الدنيا والمتوسطة في الوحدات القتالية التابعة للجيش الإسرائيلي، كما يحظون بنصيب كبير في وحدات النخبة، ووفقًا لمعطى نشر عام 2007، فقد شكل المنتمون للتيار الصهيوني الديني، ما نسبته 40% من خريجي دورة الضباط في تلك السنة.

أشرف بدر
أشرف بدر

وتشكّل الكلّيات الدينية العسكرية، لاستيعاب أبناء تيار الصهيونية الدينية وإعدادهم للخدمة في الوحدات القتالية، درّة تاج الصهيونية الدينية بعد أن تحولت الخدمة العسكرية إلى مركب مؤسس لشخصية الشاب الصهيوني المتدين الروحية والاجتماعية.

ويرى مراقبون أن التيار الصهيوني الديني في الجيش قد انتزع الراية من أبناء "الكيبوتسات"، الذين شكلوا على مدى عشرات السنين، المادة الأساسية لوحدات النخبة وقياداتها، وأنّ هذا الدور سينسحب بالضرورة على كامل المجتمع والمؤسسة السياسية الإسرائيلية، عاجلًا أم آجلًا.

أشرف بدر، الذي يدرس لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة بير زيت، عالج في ورقة نشرها "مدى الكرمل" - المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة هذه الظاهرة، نشأتها أسبابها وتداعياتها على المشروع السياسي الإسرائيلي وأجرينا معه هذا الحوار.

عرب 48: لن أسأل عن سر الاهتمام بدراسة الداخل الإسرائيلي لأنها تحولت إلى ظاهرة عربية عامة، حيث تحول الجميع إلى محللين للشأن الإسرائيلي، ولكن في المستوى الأكاديمي ما زال الأمر استثنائيا وجديرًا بالاهتمام، خاصة وأنّك تطرق باب موضوع له تأثير كبير على توجهات إسرائيل المستقبلية؟

بدر: الموضوع أبسط من ذلك، فاهتمامنا بما يدور داخل إسرائيل ينبع من اهتمامنا بقضيتنا، ومسألة التحول الديني الذي تشهده إسرائيل ظاهرة لافتة وبدأت تترك بصماتها على السياسة وعلى الجيش الإسرائيلي، وقد تيسّر لي بحثها في إطار دراستي للدكتوراه وبحكم قدرتي على الاطلاع على المراجع العبرية التي تعلمتها و
وأجدتها في السجن الإسرائيلي.

عرب 48: بدأت برصد التحول في موقف "الصهيونية الدينية" تجاه الجيش الإسرائيلي، والمرتبط بالموقف من الدولة (إسرائيل) بعد حرب 1967، التي شكلت انتصارًا عسكريا وسياسيا وأقنعت من تلكأ (إسرائيليًا) على اللحاق بالركب؟

بدر: بعد حرب الـ67 تغيرت النظرة التي كانت سائدة عن الجيش بكونه جيش دولة علمانية لا يجب الانخراط به لما يجلبه من مفاسد تهدد الأخلاق الدينية لأبناء هذا التيار، فقد بهرهم "الانتصار" وما رافقه من "تحرير" للمناطق المقدسة في القدس وافتتاح "حائط المبكى" كمكان عبادة لليهود وفر لهم موطئ قدم في المدينة المقدسة.

حرب 1973 شكلت نقطة التحول الحاسمة، حيث قاد الفشل العسكري والاستخباري إلى تراجع التيار "العمّالي الاشتراكي"، ممثلًا بحزب العمل، الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية لعقود من الزمن وشكّل دفعة للأحزاب والتيارات اليمينية المختلفة.

كما أن التغيرات الاقتصادية التي حصلت بعد انقلاب 1977، وصعود الليكود وسياسة اللبرلة الاقتصادية والسوق الحر التي قادها، وما يترافق معها من فردانية وتفكيك للمفاهيم الجماعية التي رسخها التيار "العمالي الاشتراكي"، وما أدت إليه من انخفاض في الدافعية والاستعداد للتضحية لدى جمهور العلمانيين، جعلت جمهور المتدينين العقائدي هو الأكثر استعدادًا للقتال والتضحية من أجل المجموع ومن أجل الدولة وسنحت لهم الفرصة للالتحاق بالوحدات القتالية والتدرج في المراتب العسكرية للجيش.

كما أن انفراط العقد الجماعي لصالح تشكل الهويات الفرعية، "شرقيين" أو "حريديين" أو "متدينين صهيونيين"، دفع بكل فئة إلى الدفع بمصالحها الفئوية إلى الأمام.

عرب 48: طبعًا، ما كان ليتحقق ذلك دون العامل الذاتي المتمثل بدفع الحاخامات وفتاواهم المشجعة للانخراط بالجيش لحماية الاستيطان؟

نعم، قد ترافق ذلك مع توجيهات و"فتاوى" من الحاخامات تسمح بالالتحاق بالجيش، وجرى إخراج الموضوع بواسطة إقامة "وحدات عسكرية تمهيدية" أي "يشيفوت هسدير"، التي تدمج بين الخدمة العسكرية وتعليم التوراة، إلّا أن القيادة العلمانية للجيش أعاقت تغلغل هؤلاء في الوحدات والمراتب القيادية، فجاءت "الكليات العسكرية" التي تضم في صفوفها متديّنين وعلمانيين، والتي تقع معظمها في المستوطنات، أبرزها الكلية العسكرية الكائنة في مستوطنة "عاليه".

جندي إسرائيلي يؤدّي الصلاة (رويترز)
جندي إسرائيلي يؤدّي الصلاة (رويترز)

مثّل ظهور هذه الكليات نقطة فارقة في مسألة اختراق المتدينين الصهيونيين للوحدات المختارة والمراتب القيادية في الجيش، حيث جرى ضرب عصفورين بحجر، فمن ناحية تقع تلك الكليات تحت إشراف الحاخامات وتدرس التوراة والتلمود والتعاليم اليهودية، ومن ناحية ثانية، تؤهل الخريجين للالتحاق بالوحدات المختارة التي كان من الصعب اختراقها من قبل أبناء هذا التيار. وتشير الإحصائيّات إلى أنّ نسبة خريجي استكمال المشاة ارتفعت من 2.5% عام 1990 إلى 26% عام 2008، بينما ازدادت نسبة الضبّاط المتديّنين من 1990 إلى 2008 بـ12 ضعفا، وأصبح 40% من الضباط رؤساء اللجان من المتدينين.

عرب 48: من الملاحظ أنّ هذا التيار يتمدّد في المؤسسات السياسية والمدنية، أيضًا، ويحتلب مواقع رئيسية فيها، إضافة إلى أنّه يشكل القاعدة المادية و"الروحية" للاستيطان في الضفة الغربية، حتى أنّ هناك من يعتبر الصهيونية الدينية "الوريث الشرعي" للمشروع الصهيوني، بعد أن استنفدت الصهيونية العلمانية لدورها التاريخي؟

بدر: الصهيونية الدينية أسندت لنفسها هذا الدور وشكّلت طليعة الاستيطان في المناطق المحتلة عام 1967، من خلال حركة "غوش إيمونيم"، التي تأسست بعد حرب 73 بقيادة زعيمها الروحي الحاخام كوك، ونقشت على رايتها تعزيز الاستيطان في ما وصفتها بأرض إسرائيل الكاملة والجولان وسيناء.

وواصل هذا التيار القيام بهذا الدور بالدمج بين الاستيطاني والعسكري، بهدف حماية الاستيطان عبر التغلغل في المؤسسات العسكرية وإدراكه أنّها بوابة للمؤسسات السياسية المدنية في مجتمع عسكرتاري استيطاني.

الخدمة العسكرية هي مدخل لسوق العمل الإسرائيلي، والرتبة هي من ترفع صاحبها في هذا حقل الاقتصاد والسياسة، ونحن نرى الدور الذي ما زال يحتله الجنرالات في الحياة السياسيّة في إسرائيل. هذه الظاهرة، أي الهوس بالقوة، هي من ميّزات المجتمعات الاستعمارية، لأنّ المغتصب دائما يحتاج إلى القوة لحماية اغتصابه.

عرب 48: تنامي هذا التيار في أوساط الجيش وفي حلقاته القيادية الوسطى يخلق الكثير من التوترات، خاصة في ما يتعلق بمكانة الدين والمرأة في هذا الجهاز المبني على قيم ليبرالية؟

بدر: الجيش أحد أعمدة المجتمع الإسرائيلي، إن لم يكن عماده الرئيسي، فهو بوتقة الصهر التي أنتجت الهوية الجماعية المشتركة، التي، وإن فشلت في محو الهويات الفرعيّة، فقد نجحت في تشكيل هوية جامعة فوقها.

ومن الواضح أنّ هناك خشية في الجيش والمجتمع الإسرائيليّين على القيم العلمانية، التي ما زالت، رسميًا، هي القيم السائدة رغم التراجع الكبير الذي تشهده، إلّا أن الخشية من تيار الصهيونية الدينية لا ينحصر في الجانب الديني فقط، بل إن هناك خوفًا حقيقيًا من ازدواجية الولاء، وهل سينفذ الجنود الأوامر العسكرية أم توجيهات الحاخامات.

التحوّل في موقف الحريديين من الجيش الإسرائيلي طرأ بعد النكسة (مكتب الصحافة الحكومي)
التحوّل في موقف الحريديين من الجيش الإسرائيلي طرأ بعد النكسة (مكتب الصحافة الحكومي)

لقد سبق أن أصدر الحاخامات فتاوى تدعو الجنود إلى رفض أوامر إخلاء المستوطنات، خلال عملية فك الارتباط مع غزة، وهو موضوع سيأخذ بعدًا أكبر كلما ازدادت نسبة ووزن أفراد التيار الديني الصهيوني، خاصة وأنهم التحقوا بالجيش، أساسًا، لحماية الاستيطان.

عرب 48: من الواضح أنّ التناقض المذكور يتجه إلى إيجاد حله بهيمنة فكر التوجه الديني الاستيطاني على القرار السياسي والعسكري في إسرائيل؟

بدر: خلال تنفيذ خطة فك الارتباط في غزة، قال دعاة هذا التيار إنّ عدم تغلغلهم الكافي في صفوف الجيش وفي مؤسسات الدولة، حال دون تمكنهم من منع تنفيذ عملية إخلاء المستوطنات، علمًا أنّ خشية القوى العلمانية لا تقتصر على التخوف من تحول إسرائيل إلى دولة ثيوقراطية فقط، بل من منع أي تسوية سياسية أيضا.

في السياق، فإنّ بعض المفكرين، مثل عزمي بشارة، يقول إنه كان من الطبيعي أن تتحوّل الحركة الصهيونية للتوجه الديني، لأن تركيبتها الفكرية اعتمدت أساسا على مقولات دينية مثل "أرض الميعاد" و"شعب الله المختار"، واستغلّت الدين لتحقيق أهدافٍ علمانيةٍ واستعمارية.

ويشير إلى أن تلك الأفكار أصبحت متغلغلة في بنية الحركة الصهيونيّة، وكان من الطبيعي أن تقود ديناميكية الأمور إلى تحول الصهيونية بمجملها إلى التوجه الديني.

عرب 48: نستطيع وصف ما يحدث بأنه عملية مزدوجة يجري خلالها تديين الصهيونية وعسكرة الدين، إذا صح التعبير؟

بدر: نعم، إذا كان هذا التيار قد أسبغ بعدًا دينيًا على الاستيطان منذ البداية، فإنه يحاول اليوم حمايته بالدرع العسكري، وبالتالي إفشال أيّة حلول سياسية تدعو إلى الانسحاب من الأرض أو تقسيمها، مثل حل الدولتين، من منطلق إيمانهم بأرض إسرائيل الكاملة، علما بأن ضلوعهم في قيادة الجيش سيوفر لموقفهم الأيديولوجي المبررات والمسوغات الأمنية، مثل العمق الإستراتيجي وغيرها من المقولات، التي عندما تنطلق من فم جنرال ستبدو ذات مصداقية، ولكن مخاطر هيمنة هذا التيار هي في كونه سيحول الصراع إلى صراع ديني، وهو أمر لا يبدو أنّه في مصلحة إسرائيل.


أشرف عثمان بدر: طالب في برنامج الدكتوراه بالعلوم الاجتماعية/ جامعة بيرزيت، حاصل على ماجستير بالدراسات الإسرائيلية، مهتم بالشأن الإسرائيلي والصراع العربي الإسرائيلي، له عدة كتب وأوراق منشورة.

التعليقات