دهمش: وجه آخر للنكبة واللجوء

تسابق إسرائيل الزمن لهدم قرية دهمش الواصلة بين مدينتي اللد والرملة وتشريد سكانها البالغ عددهم 700 نسمة، والممتدة على مساحة 220 دونما مقام فوقها 73 منزلا، إذ يواجه سكانها ولعقدين من الزمن الغرامات المالية وإخطارات الهدم والجهاز القضائي.

دهمش: وجه آخر للنكبة واللجوء

منظر عام لقرية دهمش، آذار 2019 (تصوير "عرب 48")

تسابق إسرائيل الزمن لهدم قرية دهمش الواصلة بين مدينتي اللد والرملة وتشريد سكانها البالغ عددهم 700 نسمة، والممتدة على مساحة 220 دونما مقام فوقها 73 منزلا، إذ يواجه سكانها ولعقدين من الزمن الغرامات المالية وإخطارات الهدم والجهاز القضائي الذي يصر على الهدم.

توقف الزمن في دهمش التي أقيمت عام 1951 عندما احتضنت فوق أرضها عائلات فلسطينية لاجئة داخل الوطن والتي شردتها النكبة، منهم من قدم من بيسان والمروج وسهل الحولة والأغوار، والبعض من جنوبي فلسطين من قطرة وأسدود وعسقلان وصرفند.

دهمش أقيمت عام 1951 لاحتضان العائلات اللاجئة داخل الوطن

تدخل قرية دهمش وعند خط سكة القطار الفاصل تعيش الواقع والتحديات التي تواجه الفلسطينيين، خيام للسكن متناثرة على عشرات الدونمات، فيما تحول ركام الهدم إلى مشهد اعتيادي في اللد والرملة وفي دهمش.

تغيب عن القرية مشاريع البنى التحتية، المؤسسات العامة والمدارس وشبكة الاتصالات والمواصلات والطرقات، بيد أن أكوام النفايات حاضرة، لتصل بين بيوت القرية التي يتم حصارها بمشاريع إسكانية لليهود وتوسعية للكيبوتسات التي تتحصن بالجدران.

محمود شعبان: سكان دهمش يخوضون معركة وجود

عند حي المحطة الذي حوصر بخط سكة القطار التي فصلت ومنعت التواصل الجغرافي بين اللد والرملة، تتفاعل وتتصاعد معركة الصمود والبقاء، حيث تشهد دهمش بين الحين والآخر حراكا شعبيا مع تواصل المسار القضائي بغرض الانتصار لقضية الأرض والمسكن والحفاظ على هوية وعروبة المكان.

اللد والرملة

يعيش في اللد 85 ألف نسمة هم 50 ألف يهودي و35 ألف عربي يتمركزون في أحياء شنير، والمحطة، والسكة، والواحة الخضراء، إذ انتقلت عائلات عربية للسكن داخل الأحياء اليهودية بسبب هدم المنازل والضائقة السكنية وعدم توسيع مسطحات البناء، وعدم مصادقة البلدية على توسيع نفوذ الأحياء العربية للسكن والبناء.

عائلات بدهمش تسكن الخيام وترفض مغادرة الأرض بعد هدم منازلها ومنعها البناء مجددا

أما الرملة التي يبلغ عدد سكانها 104 آلاف منهم 32 ألف عربي، فحظها ليس الأفضل، فأنقاض الماضي ما زالت تشهد على النكبة وأنقاض الحاضر ما زالت تؤكد استمرارها، والمصير المبهم الذي يحمل في طياته تلك التناقضات وهواجس الطرد والتشريد.

ولعل أبرز المشاكل التي تواجه العرب بالرملة هدم المنازل وتضييق الخناق والتهجير القسري، كذلك يتم استهداف الآثار والمعالم التاريخية العربية والتي تتعرض للهدم من قبل البلدية.

لجوء وصمود

يأبى مشهد اللجوء أن يفارق عائلات قرية دهمش كغيرها من مئات العائلات في الرملة واللد، فالستيني محمود شعبان (أبو صبحي) وُلد في دهمش عام 1954 بعد أن حطت فصول التشريد والنكبة العائلة التي هجرت من بيسان، فعاش رب الأسرة بعد النكبة مشردا إلى أن وصل باقة الغربية ومكث لعامين واستمر بالترحال إلى أن وصل اللد والرملة.

باقون في دهمش

يعيش أبو صبحي أسوة بعشرات العائلات بالقرية هواجس التهجير والتشريد، وذلك بعد أن التأم شمل العائلات عام 1951 بعد أن شردتها فصول النكبة داخل الوطن، ويعكس حال عائلة أبو صبحي واقع من تبقى من فلسطينيي 48 بالمدينتين اللتين يقطنهما نحو سبعين ألف نسمة، إذ تأبى مشاهد اللجوء أن تفارقهم.

وسرد أبو صبحي لـ"عرب 48" معاناته وأسرته المتواصلة منذ 20 عاما مع المؤسسة الإسرائيلية، حين صدرت إخطارات هدم لمنزله ومنازل أولاده، وكذلك الورشة والمرأب (كراج) لتصليح المعدات الثقيلة، الذي بملكيته ويشغل أولاده، مؤكدا إصراره وجميع سكان القرية على البقاء في الأرض والتصدي للهدم والتشريد ورفض أن تحل بهم نكبة ثانية.

حصار وهدم

وقال شعبان: "لن تكون في دهمش نكبة ثانية، فهذه الأرض التي تجمعنا نحن عشرات العائلات من اللاجئين بالداخل ليس منة من إسرائيل، حصلنا عليها مقابل آلاف الدونمات والعقارات التي صودرت منا، واليوم يريدون سلبنا ما تبقى لنا من أرض، ومنازل، ومصدر رزق، وتوسع الأحياء اليهودية والكيبوبسات على حسابنا ووجودنا".

إقامة جسور للمواصلات فوق منازل سكان دهمش لدفعهم إلى الرحيل

ويخوض أبو صبحي نضالا قضائيا أمام المحاكم الإسرائيلية منذ 20 عاما التي تصر على هدم منازل عائلته والمرأب الذي تملكه، فيما تمتنع لجان التنظيم والبناء عن منح التراخيص للمنازل وتصر على هدمها، لافتا إلى أن القرية أشبه بمخيم لاجئين تحرم من أبسط الحقوق والخدمات بغرض دفع سكانها إلى الهجرة القسرية.

وسرد تجربته مع لجان التنظيم والبناء التي تواصل ملاحقته وغرمته بمئات آلاف الشواقل، إذ ما زالت تماطل في منح التراخيص للمنازل والمرأب الذي يملكه بالقرية، كما أن سلطات الضريبة تضيق الخناق عليه وعلى أي من يؤسس مصلحة صناعية أو تجارية وتثقل عليهم بالغرامات.

يقول أبو صبحي إن "سكان دهمش يخوضون معركة وجود، والعائلات تعيش معاناة متواصلة منذ العام 1995، حيث صدرت أوامر هدم بحق 73 منزلا، ومنذ ذلك الحين والناس تعيش هواجس الطرد والتهجير بدون استقرار، وتخشى الهدم في أي لحظة".

حدود ووجود

عاشت عشرات العائلات في دهمش، يقول أبو صبحي، "على الزراعة وكانت تمتلك مع أهالي حي المحطة آلاف الدونمات ولم يكن أي وجود لأي حي يهودي أو كيبوتس"، واليوم يؤكد أن "العائلات العربية تحولت إلى أقلية محاصرة، تحرم من المياه والكهرباء والمدارس والعيادات وتلاحق بالغرامات والضرائب، وكل ذلك بغرض إجبار الشبان على هجرة القرية".

دهمش تفتقد للطرقات ومشاريع البنى التحتية

وأوضح شعبان، أن "هذه الملاحقة وانعدام الظروف الخدماتية والمعيشية تحول القرية لمخيم لاجئين يفتقد لمقاومات الحياة، وسياسة هدم المنازل دفعت الكثير من الأزواج الشابة لمغادرة القرية والسكن حتى في بلدات المثلث الجنوبي، إذ يتم حرمانهم حتى من السكن في الأحياء السكنية اليهودية في اللد، حيث ترفض لجان الإسكان استقبال العرب".

لا تتوقف ملاحقة سكان القرية على منازلهم وأراضيهم، أبو صبحي الذي تم إلزامه من قبل بلدية اللد بدفع ضريبة المسقفات (أرنونا) عن مرأبه بقيمة 80 ألف شيكل عن العام 2018، تلقى إخطارا جديدا بهدمه بحجة البناء دون ترخيص، كما أنه تتم محاولة تجريمه كغيره من السكان الذي يتصدون للمخططات الإسرائيلية، وذلك بمداهمة المرأب من قبل عناصر الشرطة والوحدات الخاصة بذريعة البحث عن أسلحة ووسائل قتالية ومخدرات.

ملاحقة ومعاناة

ذات المعاناة تعيشها عائلة رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن دهمش، عرفات إسماعيل، التي لجأت إليها عائلته بالعام 1951 بعد أن هجرت وشردت من مسقط رأسها قرية قطرة بالجنوب التي أقيمت على أراضيها وأنقاض منازلها بلدة "غديرا" جنوب صرفند.

7 إخطارات بهدم 73 منزلا وورشة في دهمش

وسرد إسماعيل تجربة الاعتصام ومسيرة النضال التي يخوضها سكان دهمش ضده أوامر الهدم والبقاء والتجذر فوق الأراضي المهددة بالمصادرة، والتجارب والحالات العائلية التي ما زالت تروي فصول النكبة، وتصر العائلات على البقاء وترفض اللجوء.

ووسط حالة الترقب والمستقبل المبهم، تهمين على سكان دهمش مشاعر الارتباط والانتماء للأرض والوطن، وذلك على الرغم من جدران الفصل التي تحاصر الأحياء السكنية العربية وتفصلها عن السكان اليهود، فالجدران كما الحصار تشكل بيئة طاردة وأشبه بمخيمات اللاجئين، إذ تفتقد لمقومات الحياة وتحرم من الخدمات الأساسية.

تطهير واقتلاع

وقال إسماعيل لـ"عرب 48": "واقع القرية أسوء من مخيمات اللاجئين، حتى وضع مخيمات اللجوء والتشريد أفضل من دهمش، نعيش بدون مقومات حياة وبدون أدنى خدمات، حصار، ملاحقة، إخطارات هدم وغرامات، وكأن القرية وسكانها غير موجودين، مثلما عبر عن ذلك أحد القضاة بالمحاكم الإسرائيلية وقال إن سكان دهمش موجودون وغير مرئيين".

عرفات إسماعيل: لن تكون نكبة ثانية وسنبقى فوق أرضنا ومنازلنا حتى لو هدمت فوق رؤوسنا

وأضاف: "بالنسبة للدولة ومؤسساتها نحن غير موجودين، لا عنوان، لا خدمات، منازل دون ترخيص. نواجه مخطط تطهير عرقي واقتلاع وتشريد وترحيل عائلات دهمش، بدلا من الاعتراف بالقرية والمصادقة على الخارطة الهيكلية المقترحة ومنح التراخيص للمنازل".

صمود وبقاء

وأوضح رئيس اللجنة الشعبية، أن "المؤسسة الإسرائيلية تمتنع عن الاعتراف بقرية دهمش، إذ لم يتم إقامة أي قرية عربية وسط البلاد، وتخشى المؤسسة أن يكون الاعتراف النهائي بدهمش سابقة ومقدمة للاعتراف بمزيد من القرى والأحياء السكنية في منطقة اللد والرملة".

توسعة مشاريع سكة الحديد والقطار على حساب العرب في اللد والرملة

وأكد أن "إسرائيل تصر على الهدم وتشريد مئات العائلات لمنع أي تواصل جغرافي وأحياء سكنية عربية متواصلة فيما بينها في دهمش وحي المحطة، لتفريغ اللد والرملة من العرب، ومصادرة آخر ما تبقى لهم من أراض، ومحاصرة من يتبقى منهم بالجدران بهدف عزلهم عن الأحياء السكنية اليهودية".

وختم إسماعيل بالقول إن "السكان يعيشون في أرضهم ويرفضون مخططات الاقتلاع والتهجير ويتصدون لأي محاولات هدم وتشريد. تكفي نكبة العام 1948. حسمنا أمرنا ومصيرنا وقرارنا، لن تكون نكبة ثانية وسنبقى فوق أرضنا ومنازلنا حتى لو هدمت فوق رؤوسنا".

 

التعليقات