في الذكرى الـ63 لمجزرة كفر قاسم: لجنة رشيش وفرض الصلح

قامت السلطات الإسرائيلية بمحاولة إخفاء للجريمة النكراء، وذلك بمنع الدخول إلى القرية المنكوبة، كما منعت الرقابة العسكرية من نشر أي خبر في الصحافة

في الذكرى الـ63 لمجزرة كفر قاسم: لجنة رشيش وفرض الصلح

في 29 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1956 ارتكبت كتيبة من حرس الحدود الإسرائيلي مجزرة رهيبة في كفر قاسم راح ضحيتها 47 شهيدًا وشهيدة من رجال ونساء  وأطفال، إحداهن كانت حامل في الشهر الثامن وواحد طاعن في السن في الثمانين من عمره توفي في اليوم التالي متأثرًا من هول المصاب ليصبح العدد 49، واستشهد شخص من كفر برا، وشخص من الطيبة، ليصبح العدد الإجمالي 51 شهيدًا وشهيدة.

حدث ذلك في أول يوم من العدوان الثلاثي الذي قامت به إسرائيل وفرنسا وبريطانيا على مصر، وقد كشف الباحث اليهودي آدم راز النقاب عن مخطط إسرائيلي لترحيل سكان 27 قرية في المثلث إلى الأردن إذا ما شاركت الأردن في الحرب.

التعتيم ولجنة زوهر:

قامت السلطات الإسرائيلية بمحاولة إخفاء للجريمة النكراء، وذلك بمنع الدخول إلى القرية المنكوبة، كما منعت الرقابة العسكرية من نشر أي خبر في الصحافة. في الأول من تشرين الثاني 1956 عيّن رئيس الحكومة ووزير الدفاع، دافيد بن غوريون، لجنة للتحقيق في الأمر مكوّنة من رئيس المحكمة اللوائية في حيفا، بنيامين زوهر، ورئيس بلدية حيفا أبا حوشي، وممثل عن النيابة العسكرية.

وقد وضعت هذه اللجنة توصياتها أمام بن غوريون في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، وعندها فقط قام بدوره بالإعلان رسميًا عن المجزرة الرهيبة. وقد أوصت تلك اللجنة بتقديم قائد الكتيبة، يسسخار شدمي، وبعض مأموريه إلى المحاكمة، وبدفع تعويضات لذوي الضحايا والجرحى. ولكن السلطات تلكأت في دفع تلك التعويضات ما أدى إلى صب الزيت على الجرح الذي لم يلتئم!

إحياء الذكرى الأولى للمجزرة:

قبل أيام من إحياء الذكرى الأولى لشهداء المجزرة، حاول عضو الكنيست، توفيق طوبي، مع بعض رفاقه من الحزب الشيوعي الدخول إلى قرية كفر قاسم للاشتراك في إحياء الذكرى الأولى للمجزرة، ولكن الشرطة اعتقلت الرفاق وزجت بهم في السجن في "بيتاح تكفا" و"برديس حنا" بحجة دخولهم إلى منطقة عسكرية مغلقة بدون تصريح.

وفي الوقت نفسه سمحت لعضو الكنيست، فارس الحمدان، بالدخول إلى القرية، والمشاركة في الحفل كونه من قائمة عربية داعمة لحزب "ماباي" الحاكم، ولعضو الكنيست يوسف خميس المنتمي لحزب "مبام" ولوجهاء من الطيبة (منهم القاضي) والطيرة وجت والرملة، ورئيس بلدية "بيتاح تكفا" ينحاس رشيش، ورئيس الحراس القدماء شبيرا، والضابط المقيت بلوم ومساعده دنجور وغيرهم من اليهود والعرب. كان في الاستقبال مختار القرية، وديع صرصور، ولفيف من كبار السن. وقد جرت في المسجد صلاة على روح الشهداء، تلاها إلقاء كلمات تأبينية ثم زيارة قبور الشهداء.

في الناصرة قامت مظاهرة نظمها الحزب الشيوعي بقيادة عضو الكنيست اميل حبيبي والشاعر توفيق زياد، ولكن الشرطة فرقتها بالقوة، أما في حيفا فقد أغلقت بعض المحال التجارية أبوابها، وتظاهر بعض الشباب في الطيبة.

ممارسة الضغوط:

مارست السلطات الإسرائيلية ضغوطًا هائلة على سكان كفر قاسم حتى يتنازلوا عن الدعاوى التي أقامها محاموهم في المحاكم المدنية للحصول على حقوقهم المدنية الكاملة. هذه الضغوط مورست على رؤساء الحمائل مباشرة، وهؤلاء بدورهم مارسوا الضغط على ذوي الضحايا والجرحى، وعلى العمال عن طريق عدم منحهم تصاريح للعمل خارج القرية، وقد بلغ الأمر بهم أن اعتقلوا الشاب حمد الله ابن الشهيد يوسف صرصور، وحكموا عليه بالسجن لمدة نصف سنة بتهمة التسلل إلى شرقي الأردن، ثم أطلقوا سراحه فيما بعد. ووضعوا قنابل حول القرية.

كل ذلك كان من أجل تركيع السكان، وإقناعهم بالموافقة على حل يرضي السلطات وذلك بدفع دية لمرة واحدة وفق العادات العربية، والتنازل عن الحقوق المدنية المشروعة.

تعيين لجنة رشيش:

بوحي من السلطات العسكرية قام بنحاس رشيش، رئيس بلدية بيتاح تكفا، في 6 أكتوبر 1957 بتعيين لجنة للبحث في موضوع منح تعويضات لذوي الضحايا والجرحى. أطلق على هذه اللجنة اسم اللجنة الشعبية، رغم أن عدد أعضائها هو خمسة وهم: أبراهام شبيرا كبير حراس مستعمرة بيتاح تكفا، حسن عبد الله منصور(يبدو أنه من الطيرة وليس من الطيبة كما ورد في الصحافة)، الحاج عبد الله خلف من جت، أهارون كتسلنسون، وشالوم كولكر من بيتاح تكفا.

سميت هذه اللجنة فيما بعد بلجنة رشيش على اسم مؤلفها. بواسطة الحاكم العسكري وكرباجه حصلت هذه اللجنة على موافقة ذوي الضحايا والجرحى، ما عدا حمد الله يوسف صرصور الذي أعلن في مؤتمر صحفي في بيت سوكولوف بتل أبيب عن معارضته لقرارات لجنة رشيش، لكنه اضطر إلى الحضور يوم عقد راية الصلح.

يقول مراسل صحيفة هآرتس: "قابلت جريحًا مقطوع الرجل فقال لي إن هناك أشخاصًا أجبروه على حضور الصلحة"، أما مراسل صحيفة "عل همشمار" فقال: "الناس في كفر قاسم يسخرون من زعماء الحمائل وكبار السن لأنهم وافقوا على الصلح"، وذكرت صحيفة "الاتحاد" أن الحاكم العسكري منع إصدار تصاريح للعمل فاضطر السكان إلى قبول قرار اللجنة. من الجدير ذكره أن اللجنة المذكورة فرضت قرارات وليس توصيات فكانت مجحفة وذلك رغم أن الدعاوى المدنية كانت ما تزال قائمة.

قرارات لجنة رشيش:

في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1957 أرسل بنحاس رشيش، رئيس بلدية بيتاح تكفا، كتابًا إلى بن غوريون، رئيس الحكومة ووزير الدفاع، يتضمن القرارات التي اتخذتها اللجنة لدفع تعويضات لورثة الضحايا وللجرحى على النحو التالي:

1.تعويضات عن الضحايا:

_ دفع دية مقدارها 5000 ليرة لورثة كل ضحية بغض النظر عن العمر والجنس؛

_دفع 1000 ليرة إضافية لورثة فاطمة داود صرصور لأنها كانت في أيام حملها الأخيرة؛

_دفع 2500 ليرة فقط لورثة المرحوم عبد الله عيسى الذي كان يبلغ عمره أكثر من 80 سنة، ومات في اليوم التالي للمجزرة، وذلك لأن اللجنة تعتقد أن ثمة علاقة بين موته وقتل أقربائه؛

_ دفع 1500 ليرة للسيدة سارة رابي لاعتقاد اللجنة بوجود علاقة بين مرضها وبين ما جرى في القرية؛

_دفع 350 ليرة  للذين كانوا يعتمدون في معيشتهم على الضحايا، مثل: آباء، أولاد حتى سن 15، أرملة، أرمل، أخ، أخت حتى جيل 16؛

_تدفع الأموال المذكورة خلال شهر.

2.تعويضات للجرحى:

_حصول جميع الجرحى على علاج وتمريض حتى شفائهم النهائي، وتكون تكاليف العلاج والمكوث في المستشفيات على حساب الحكومة؛

_يدفع لكل جريح مبلغ 300 ليرة لمرة واحدة، وبعدها ستتولى مؤسسة التأمين الوطني دفع مخصصات وفق نسبة العجز التي تقررها لجنة طبية مختصة تابعة لوزارة الصحة، والانتهاء من طلب أي تعويض؛

_جميع التعويضات للجرحى تدفع خلال 15 يومًا من قرار اللجنة الطبية المذكورة أعلاه؛

_في حالة كان وضع الجريح لا يسمح بتحديد نسبة العجز تدفع تعويضات أسبوعية من مؤسسة التأمين الوطني؛

_يخصم من هذه التعويضات كل المبالغ التي دفعت سابقًا وفق لجنة زوهر.

يجب أن نتذكر أن مخصصات مؤسسة التأمين الوطني كانت ضيئلة في تلك الأيام، وليس كما نعهدها اليوم. من الواضح أن الجرحى عانوا من الإجحاف.

وقد رأت اللجنة إجراء مراسيم صلح في كفر قاسم على أن تكون جميع المصروفات على الحكومة.

إجراء الصلح:

في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1957 أقام الجيش سرادقًا أو خيمة سوداء في ساحة مدرسة القرية للقيام بمراسيم الصلح. حضر الاحتفال وزير الشرطة وكبار رجال الجيش والحاكم العسكري وأعضاء لجنة رشيش، ووجهاء من باقة وجت والطيرة والطيبة واللد والرملة.

 بلغ عدد الحضور نحو 300 شخص، وقد ألقيت كلمات بهذه المناسبة، ثم دعي الجميع إلى وجبة دسمة على حساب الجيش. وكانت النية معقودة على إحضار 11 متهمًا في هذه القضية من السجن لحضور مراسيم الصلح، ولكن المحكمة رفضت هذا الطلب، ويبدو أنه خيف من هيجان في القرية المنكوبة التي كان عدد سكانها نحو 2000 نسمة. إجراء الصلح جعل المحكمة تخفف من أحكامها لتصبح صورية، وأطلق سراح المعتقلين بعد مدة وجيزة. وحكم على الضابط شدمي بدفع قرش واحد فقط لا غير.

وقام حزب مبام والحزب الشيوعي بمعارضة قرارات لجنة رشيش كونها لجنة غير قانونية ولأن الجرحى لم يلغوا توكيلاتهم لمحاميهم برفع دعاوى في المحكم المدنية.

من الجدير ذكره أن أي حكومة إسرائيلية لم تعترف بمسؤوليتها عن المجزرة حتى يومنا هذا.

 

التعليقات