"دولة داخل الدولة": هكذا سيطرت منظمات الإجرام على المجتمع العربي

كيف سمحت الدولة لكل هذه المنظومة بالاتساع والازدهار؟ كيف وصلنا إلى هذا الحال؟ كيف ارتفعت معدلات القتل بهذه الوتيرة الحادة؟ كانت الجريمة موجودة في البلدات العربية على الدوام، لكن ليس بهذه الوتيرة ولا بهذا الحجم كما نراها اليوم

(الصور: أورن زيف - سيحا مكوميت)

أعدَّت هذه السلسلة المخرجة سهى عراف في الأشهر الأخيرة لموقع "سيحا مكوميت" باللغة العبرية، وينشرها موقع "عرب ٤٨" في إطار التعاون بين الموقعين. أعد التقارير للنشر بالعربية سليم سلامة.


93 قتيلًا خلال سنة واحدة، رقم قياسي غير مسبوق؛ 400 ألف قطعة سلاح غير قانوني؛ منظمات إجرام أنشأت "دولة داخل دولة" لديها مئات الجنود الذين يعملون الإجرام "العادي" وفي تجارة الأسلحة والمخدرات، لكن أذرعهم تمتد إلى المصالح التجارية القانونية أيضًا، بل وإلى السلطات المحلية حتى؛ مئات آلاف المواطنين المهمَلين يعيشون أجواءً من الرعب في بلداتهم؛ وفوق هذا كله: شرطة تبدي عجزًا مطبقًا، لا مبالاة، بل وقربًا حميميًا حتى إلى عائلات تضعها هي نفسها تحت تعريف "عائلات الإجرام". وحتى المراكز التي تقيمها الشرطة لا تجلب الخلاص: في الغالبية الساحقة من البلدات التي أقيمت فيها محطات للشرطة خلال السنوات الأخيرة ارتفعت وتيرة جرائم القتل، بدل أن تنخفض.

هذه هي الصورة المقلقة التي ترتسم من سلسلة التقارير التي تُنشر هنا، تباعًا، وتتضمن حصيلة لقاءات مع رؤساء وأعضاء سلطات محلية، ضباط سابقين وحاليين في شرطة إسرائيل، أخصائيين في علم الإجرام، محامين مختصين في المجال، نشطاء في المجتمع المدني، مقاولين يتعرضون للتهديدات، وجهاء أعضاء في جاهات الصلح المختلفة وحتى "جنود" في منظمات إجرامية.

الصورة التي تكشف عنها هذه التقارير مُرعبة وتُبيّن أن ظاهرة الإجرام في البلدات العربية ليست ظاهرة محلية أو ثقافية. إنه "عرض" تتولاه منظمات الإجرام المنتشرة في جميع البلدات العربية، تقريبًا، بصورة مباشرة أحيانًا وبطريقة "الوكالة"، أي منظمات محلية تنشط تحت رعاية منظمات قُطرية، أحيانًا أخرى.

ترسل هذه المنظمات أذرعها في كل الاتجاهات وتخترق كل المجالات. فإلى جانب الإجرام "الكلاسيكي"، تمتلك هذه المنظمات قائمة طويلة من المصالح التجارية "القانونية" (مطاعم، حوانيت كبيرة/ سوبر ماركت، قاعات أفراح وغيرها)، سواء بصورة مباشرة أم غير مباشرة، كما تبذل خلال السنوات الأخيرة محاولات لاقتحام الحكم المحلي من خلال السيطرة على عدد من السلطات المحلية. ثمة ادعاءات وشهادات تفيد بأنها تموّل حملات انتخابية، توفر السلاح لمجموعات متنافسة في الانتخابات وتدفع نحو ترجيح كفتها هي في مناقصات مختلفة، وخصوصًا من خلال التهديد والتخويف بإطلاق النيران على مقاولين أو على مسؤولين كبار في السلطات المحلية.

خلال السنة الماضية فقط، أُطلقت عيارات نارية على نحو 15 من رؤساء السلطات المحلية العربية (من أصل 75 سلطة محلية في المجتمع العربي إجمالًا). وقد شهدت هذه الظاهرة تصعيدًا واضحًا إثر اعتماد "الخطة رقم 922" التي نصّت على تحويل مبالغ كبيرة، نسبيًا، إلى السلطات المحلية العربية، ما جعلها هدفًا مفضَّلًا لدى منظمات الإجرام.

في الخلاصة: يجري الحديث هنا عن "دولة داخل دولة"، على غرار ما تفعله منظمات الإجرام في العالم، مثل المافيا الإيطالية، التي تسيطر على مناطق جغرافية بأكملها، تقيم وتدير أنشطة اقتصادية واسعة ومتنوعة، قانونية وغير قانونية، وتستجمع قوة سياسية هائلة.

كيف سمحت الدولة لكل هذه المنظومة بالاتساع والازدهار؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يبرز من سلسلة التقارير هنا. ثمة إجماع شبه تام على عجز الشرطة، بل على إهمالها المتعمَّد، على لا مبالاتها إزاء واقع أن "العرب يقتلون بعضَهم بعضًا".

ثمة قرائن تثبت أن الشرطة تغض الطرف عن، بل توفر الحماية حتى، لفلسطينيين عملاء "تعاونوا" أو ما زالوا "يتعاونون" مع قوات "الأمن" الإسرائيلية ويستخدمون الأسلحة التي حصلوا عليها من خلال "تعاونهم" هذا ويستغلون "قوتهم" الناجمة عن ذلك في أعمال الإجرام.

ويؤكد قادة ونشطاء فلسطينيون أن الحديث يدور حتى عن خطة رسمية مرسومة لتفتيت المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل. وثمة، في نهاية المطاف، حقيقة واحدة لا جدال عليها ولا شكّ فيها: هي ظاهرة هائلة لا تحظى بأي علاج.

إذن، كيف وصلنا إلى هذا الحال؟ كيف ارتفعت معدلات القتل بهذه الوتيرة الحادة؟ كانت الجريمة موجودة في البلدات العربية على الدوام، لكن ليس بهذه الوتيرة ولا بهذا الحجم كما نراها اليوم. في العام 2015، وقعت 58 جريمة قتل بين الفلسطينيين في الداخل، الذين يبلغ تعدادهم 1,7 مليون نسمة، مقابل 54 جريمة قتل في الضفة الغربية التي يعيش فيها نحو مليونيّ فلسطيني. وفي العام 2017، ارتفع العدد إلى 72 جريمة قتل في البلدات العربية، ثم إلى 81 في العام 2018، حتى بلغ ذروته في العام 2019، 92 جريمة قتل في البلدات والأحياء العربية، مقابل 28 جريمة قتل بين عدد مماثل من السكان في الضفة الغربية. كيف يحدث هذا؟ كيف حصل ارتفاع بنسبة 58% في عدد جرائم القتل في البلدات العربية في غضون خمس سنوات، مقابل هبوط بنحو 50% في عددها في الضفة الغربية خلال الفترة ذاتها؟

يبيّن تقرير أصدره مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، يتضمن معطيات عن السنوات 2014 حتى منتصف 2017، أن نسبة ضحايا جرائم القتل لكل 100 ألف إنسان في "الوسط غير اليهودي" تعادل خمسة أضعافها في الوسط اليهودي. 57% من المتهمين، أي الذين قُدمت بحقهم لوائح اتهام بجريمة القتل، هم من غير اليهود. 212 من بين الضحايا الـ397 الذين أصيبوا جراء محاولات قتل، أي نحو 53%، هم من غير اليهود.

وخلال العامين 2014 - 2015، كانت نسبة ضحايا محاولات القتل لكل 100 ألف إنسان في "الوسط غير اليهودي" أكثر من ثلاثة أضعاف نسبتهم بين اليهود. وفي العام 2016، ازداد هذا الفارق إلى نحو أربعة أضعاف. يمكننا أن نفترض بأن هذا الفارق قد سجل زيادة أخرى في العام 2019، علمًا بأن الشرطة لم تنشر معطيات نهائية عنه، بعد.

كذلك "الحل السحري" الذي تعرضه الدولة، إقامة محطات للشرطة في البلدات العربية، لا يجدي نفعًا. بل، ربما العكس تمامًا. فنحن نبيّن، في تقرير منفصل (سيُنشر لاحقًا)، أن عدد جرائم القتل في غالبية البلدات العربية التي افتُتحت فيها مراكز للشرطة خلال السنوات الأخيرة قد ارتفع، بدل أن ينخفض (في العام 2015، قررت الحكومة افتتاح 11 مركزًا جديدًا للشرطة في البلدات العربية، تم حتى الآن افتتاح سبعة منها، علاوة على المراكز الأخرى التي أقيمت منذ العام 2010).

رسول سعدة

المحامي رسول سعدة، الذي أشرف على إدارة مشروع "مجتمعات آمنة" في "مبادرات أبراهام" ويعمل اليوم في "مشروع معوز"، يشير إلى أن بداية هذه السيرورة كانت في العام 2003، حين قررت الحكومة "تجفيف" اقتصاد الجريمة المنظمة في إسرائيل. "الإجرام هو مجموعات من أشخاص خارجين عن القانون"، يوضح سعدة الفارق ما بين الإجرام والجريمة المنظمة، "أما الجريمة المنظمة فتعني وجود علاقة بين الجريمة والحكومة". بدأت الشرطة تتحرك وفي غضون عشر سنوات تم القضاء على غالبية منظمات الإجرام الكبيرة في تلك الفترة وتم الزجّ برؤسائها في السجون.

وقد كان لتحرك الشرطة أثر مباشر على الشارع العربي. "تحركت الشرطة وكثفت ضغوطها في مناطق نتانيا، تل أبيب، أسدود، نهريا وأماكن أخرى"، يقول سعدة، "لكن الإجرام لم يزل ويختفِ، بل تحرك وانتقل إلى ‘الساحة الخلفية لدولة إسرائيل‘، البلدات العربية. لم يكن ثمة نشاط شُرَطيّ في القرى العربية وكانت الأرضية مهيأة".

د. وليد حداد

قبل انهيار منظمات الإجرام الكبيرة في الشارع اليهودي - يضيف الأخصائي في علم الإجرام من "كلية الجليل الغربي" والمفتش القطري على برامج محاربة العنف، المخدرات والكحول في وزارة الأمن الداخلي حتى مؤخرًا، د. وليد حداد، كانت منظمات الإجرام العربية بمثابة مقاول ثانوي لها. "هي (الأخيرة) التي كانت تتولى التنفيذ"، يقول حداد، "فقد أُرسِل العرب لإطلاق النار على شخص ما، تنفيذًا لأوامر منظمات الإجرام اليهودية. لم يكن ثمة تنظيم هرميّ في منظمات الإجرام العربية، ولا أي تنظيم أصلًا، كما لم تكن تمتلك قدرات عملانية تنفيذية. وفي اللحظة التي توقفت فيها منظمات الإجرام العربية عن تأدية دور المقاول الثانوي للمنظمات اليهودية، شرعت في تطوير ذاتها".

هذه الظاهرة، يضيف حداد، لم تكن غائبة عن أعين الشرطة. "كرجل اختصاص، لا يمكنني القول إن الشرطة تصرفت بنيَة سليمة ولم تنتبه لحقيقة أن الإجرام المنظم ينتقل إلى المجتمع العربي"، إذ دخلت منظمات الإجرام العربية إلى الفراغ الذي خلفته منظمات الإجرام اليهودية: تجارة المخدرات، الاتجار بالنساء اللواتي كان يتم جلبهن من روسيا وأوكرانيا عبر مصر، وتجارة السلاح؛ "مَن كان جنديًا في منظمات الإجرام اليهودية، ترقّى"، يقول سعدة.

يعرف حداد عالم الإجرام في المجتمع العربي معرفة جيدة: "أنا أعمل في الميدان منذ 28 عامًا، أعرف المجرمين والخارجين عن القانون مذ كانوا فتية صغارًا. بعضهم تراجع وانسحب، لكن لا يزال يعرف كل شيء، من خلال علاقاته بمَن هم في المنظمات. بعضهم يعمل كمحكّم في حل نزاعات في عالم الإجرام المنظم".

ثابت أبو راس

الصورة التي يرسمها هو، وكذلك التي ترتسم من أحاديث مع أعضاء ورؤساء سلطات محلية تعرضوا للتهديد، هي صورة مرعبة. "خذي مثلًا انتخابات السلطات المحلية"، يقول حداد، "منظمات الإجرام تجهز نفسها مسبقًا وتبيع كميات كبيرة جدًا من الأسلحة للعائلات المتنافسة في الانتخابات، بما يعادل خمسة إلى ستة ملايين شيكل في المعركة الانتخابية الواحدة. هذه المنظمات تعتاش على الانتخابات وتغذي شجارات وخصومات في البلدات العربية. إن تشاجرتَ مع جارك، مثلًا، تذهب وتقتني السلاح وتخبئه، خشية أن يهاجمك". يؤكد سعدة والمدير المشارك في "مبادرات أبراهام"، ثابت أبو راس، هذا التوصيف، بناء على أحاديثهما مع رؤساء وأعضاء سلطات محلية في البلدات العربية.

كان ثمة عامل آخر ساعد على تفشي الجريمة في البلدات العربية في تلك الفترة، كما يقول سعدة، هو الوضع الاقتصادي. "عقب أكتوبر 2000، كان هنالك ارتفاع حاد في نسبة البطالة في الشارع العربي. هذا ما أوصل إلى واقع أن نحو نصف العرب في البلاد يعيشون اليوم تحت خط الفقر. هذا جنون"، يقول سعدة، ويتابع "إذا كنتَ عاطلًا عن العمل وتبحث عن عمل قريب من البيت، فالإجرام هو حلّ سهل".

ويشير سعدة إلى عنصر آخر هو "المتعاونون" (عملاء الاحتلال الإسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة) الذين شرعت إسرائيل في إحضارهم بأعداد كبيرة من الصفة الغربية وقطاع غزة بعد أكتوبر 2000 والانتفاضة الثانية، "خذي يافا، مثلًا" يقول.

"من هم مثيرو الجريمة هناك؟ إنهم المتعاونون. نحن (أي: المجتمع العربي) رفضاهم ونبذناهم، فأخذوا يبيعون المخدرات. كانوا يحملون السلاح ورويدًا رويدًا انخرطوا في عالم الإجرام وهو ما منحهم مكانة ما. الآن، أصبحنا نحن نتوجه إليهم ليوفروا لنا الحماية من أشخاص آخرين. ما حصل هنا هو انقلاب الحال إلى ضده. نحن الذين رفضناهم ونبذناهم، اجتماعيًا وسياسيًا، بينما أصبحوا هم أصحاب القوة والشأن الآن ويقولون لنا: إن كنت تريد الحماية، تعال إليّ أنا أحميك".

تشييع ضحية جريمة قتل، عارة

لكنّ حداد يرى أن المصطلحات التي يجري استخدامها وتداولها في الحديث عن الإجرام في المجتمع العربي هي مغلوطة ومضللة، في حد ذاتها. فهو يعارض، في الدرجة الأولى، استخدام مصطلح "عائلات الإجرام"، الذي تستخدمه وسائل الإعلام والشرطة ووزارة الأمن الداخلي. أما التعبير الصحيح، برأيه، فهو "منظمات الإجرام". "ثمة عائلات فيها الكثير من الأكاديميين ومع ذلك يلصقون بها اسم "عائلات إجرام"، لمجرد أن أحد أفرادها هو مجرم كبير، بينما من المحتمل جدًا أن يكون معظم "جنوده" من عائلات أخرى".

المنظمات، كما يفسر حداد، تعمل وفق تنظيم هرميّ صارم جدًا. رئيس المنظمة، الذي لا نائب له مطلقًا، ومن تحته مسؤول عن الأموال، مسؤول عن الاستخبارات، مسؤولون محليون وجنود. والجنود يتدربون على استخدام السلاح، أيضًا. "يأخذونهم إلى الأحراش أو إلى الجبال للتدرب على إطلاق النار والتصويب"، يروي حداد. "هذا هو السبب وراء الأخبار، أحيانًا، عن أن الشرطة ألقت القبض على شبان كانوا يطقون النار في مناطق مفتوحة". تحت "الجندي"، هنالك رتبة الـ "بوتشر" (نوع من الكلاب) الذي ينشط باسم المنظمة، لكن المنظمة لا تتحمل أية مسؤولية عنه (عن اعترافات "جنود" في منظمات إجرام، في تقرير آخر).

في كل الأحوال، هي منظمات متشعبة جدًا وصلت اليوم - كما يدعي حداد - إلى كل القرى والمدن العربية. وهو يفسر هذا الانتشار الواسع بطريقة "حق الامتياز"؛ "أنا أسمي هذه الطريقة ‘مك مافيا‘، على غرار ‘مك دونالدز‘"، يقول حداد. مجرمون ينشطون في مجال الابتزاز (الخاوة) أو تجارة المخدرات، لكنهم يستخدمون اسم منظمة إجرام كبيرة ويدفعون لها مقابل ذلك، حسب نطاق العمل والأرباح التي يجنونها. وقد تصل المبالغ هنا إلى عشرات آلاف الشواقل، كما يقول حداد. في المقابل، يحظى هؤلاء بحماية المنظمة الكبيرة، في حال تورطهم، "الأمر أشبه بفرع تابع لشبكة كبيرة. المنظمة لا تتدخل في عمل المجرمين المحليين"، يقول حداد، "لكن المجرمين يستخدمون ‘الماركة‘ مقابل مبالغ طائلة من المال". وقد تجري عملية جباية الديون بهذه الطريقة أيضًا؛ إذا كان على أحدهم جباية دين من بلدة أخرى غير بلدته هو، فقد يطلب خدمة المنظمة المحلية مقابل عمولة معينة.

إضافة إلى المجالات غير القانونية "الكلاسيكية"، مثل تجارة السلاح، المخدرات، "الخاوة" وغيرها، تغلغلت منظمات الإجرام، منذ زمن، في "الدورة الدموية" الاقتصادية في البلدات العربية. فثمة لهذه المنظمات، كما يقول حداد، مصالح تجارية في جميع الفروع الاقتصادية: مراكز تجارية وشبكات كبيرة للمواد الغذائية، مطاعم، قاعات أفراح، مشاغل نسيج، محطات وقود، كراجات، تجارة السيارات ومقاولات كبيرة.

كما ترسل هذه المنظمات أذرعها إلى السلطات المحلية، أيضًا، في محاولة منها للسيطرة عليها؛ 15 رئيس سلطة محلية تعرضوا لإطلاق النار عليهم، مباشرة، خلال السنة الأخيرة فقط، وهو ما يؤشر على منحى خطير. "هذه الظاهرة آخذة في الاتساع والتعمق"، يقول رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، مضر يونس، "وكلنا نسمع أن لهذا الأمر علاقة بمنظمات الإجرام، لكن أيًا من رؤساء السلطات المحلية لا يمكن أن يقول هذا صراحة" (عن استيلاء منظمات الإجرام على السلطات المحلية، في تقرير آخر).

موقع جريمة قتل، يافا

الهدف من وراء هذا كله هو تبييض أموال هذه المنظمات، يقول حداد. يتوجهون إلى رجال أعمال تورطوا في أزمات اقتصادية ويعرضون عليهم تسديد ديونهم مقابل وضع السيطرة على المصلحة التجارية بين أيديهم. وفي حالت أخرى، تتوجه منظمات الإجرام إلى رجال أعمال وتعرض عليهم فتح مصالحة تجارية جديدة بأموال توفرها هي لهم. "سمعت من مصدر أول، من رجال أعمال أخبروني بأنهم تلقوا عروضًا كهذه"، يقول حداد.

المشكلة هي أن الحديث يجري هنا عن "طريق مسدود"، كما ينوه حداد. "الأمر هنا لا يشبه حصول شخص/ رجل أعمال على قرض من بنك تجاري، يقوم بتسديده خلال فترة محددة وينتهي الموضوع بأن تبقى المصلحة التجارية بملكيته هو. الحال هنا مختلف، المصلحة التجارية هنا لا تبقى بملكية رجل الأعمال، وإنما تصبح بملكية منظمات الإجرام. لا يستطيع رجل الأعمال التراجع والانسحاب". ذلك أن من يتراجع وينسحب يتعرض للتهديد، لإطلاق النار وربما إلى القتل أيضًا في بعض الحالات. "هذا ليس ابتزازًا حتى"، يوضح حداد، "لأن صاحب المصلحة التجارية قد قبل بشروط منظمات الإجرام مقابل المال الذي وفّرته له".

"منظمات الإجرام العربية هي التي تسيطر اليوم على دولة إسرائيل في مجال الجريمة المنظمة؛ إنها منظمات قوية، عنيدة، متشددة ولا تحسب حسابًا لأحد"، كما نُقل (اقتباسًا) عن مصدر رفيع في الشرطة مؤخرًا، ضمن تقرير في موقع "ماكو" (الإخباري المستقل التابع لشركة البث "كيشت"). وأضاف المصدر ذاته: "ثمة بحوزة هذه المنظمات أسلحة تضاهي أسلحة جيش بأكمله. آلاف قطع السلاح المختلفة، الجديدة والقديمة، ابتداء من بنادق ‘تابور‘ ‘نيجف‘ و‘إم 16‘، مئات العبوات الناسفة الجاهزة للتشغيل، صواريخ ‘لاو‘ (...) ولا تتورع هذه المنظمات عن تنفيذ عمليات اغتيال في وضح النهار. منظمات الإجرام اليهودية تخشى الصدام مع منظمات الإجرام العربية، وبعضها يتعاون معها، ومن لا يمتثل لإرادتها يدفع حياته ثمنًا".

يُسأل السؤال، إذن: كيف حصل أن استجمعت منظمات الإجرام العربية كل هذه القوة والسيطرة على بلدات بأكملها وعلى أجزاء من حياتها الاقتصادية، تمتلك "جيشًا بحاله"، كما يشهد المسؤول الرفيع في الشرطة؟ كيف وصلت قرى، مدن وأحياء الأقلية الفلسطينية في الداخل، إلى هذا الوضع الذي تتجول فيه مئات آلاف قطع السلاح غير القانونية، التي جاء 70% منها على الأقل من قواعد الجيش الإسرائيلي، حسبما ادعى وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، بنفسه؟

الرقيب المتقاعد نبيل ضاهر، الذي أشغل وظائف قيادية مختلفة في قسم التحقيقات في شرطة إسرائيل - لواء الشمال، يعتقد بأن القضية هنا، أولًا وقبل أي شيء آخر، هي قضية نقص في المهارات وفي الموارد. "إذا كان الوزير يعرف أن الجزء الأكبر من الأسلحة قد هُرِّب من قواعد الجيش الإسرائيلي، فماذا فعل بهذا الشأن؟"، يتساءل ضاهر.

"الشرطة ووسائل الإعلام مشغولة بسارة نتنياهو، يتم توظيف مئات رجال الشرطة لهذا الأمر، لكن ثمة حالات عديدة لم يجر فيها الكشف ولو حتى عن جريمة قتل واحدة. قيادة الشرطة تعرض معطيات غير صحيحة. أن تضع اليد على قطعة سلاح ثم تعلن ‘ها قد ضبطنا في قرية كذا...‘، فليس هذا ما يمكن أن يحل المشكلة".

ويقول ضاهر إن المشكلة هي في قيادة الشرطة: "عدد كبير من الضباط في قيادة الشرطة اليوم هم أشخاص أتوا بهم من الجيش. ليس ثمة تشابه ما بين الجسمين. الجيش لا يعمل في مجال تطبيق القانون، ولا في مجال استنفاد التحقيقات ولا في معالجة المخالفات التي تستدعي المعالجة".

يتحدث ضابط يهودي كان يخدم في لواء المركز، حيث يتمركز جزء كبير من الإجرام في المجتمع العربي، عن "عجز" الشرطة، عن نقص القوى البشرية، عن خروج شرطيين اثنين إلى موقع جريمة القتل، بدلًا من عشرة، عن انعدام احتمال جمع الأدلة والقرائن.

"لا يتم إلقاء القبض على القتلة"، يقول الضابط السابق الذي فضّل عدم الكشف عن هويته؛ "قارن بين نسبة الكشف عن جرائم القتل في الوسط اليهودي ونسبته في المجتمع العربي. لا مجال للمقارنة، إطلاقًا". ويقارن الضابط السابق بين عجز الشرطة هنا، من جهة، وما يقوم به جهاز الأمن العام (شاباك) بين الفلسطينيين، من جهة أخرى؛ "لا مشكلة للشاباك في الوسط العربي، على الإطلاق"، يقول.

المعطيات تؤكد أقوال هذا الضابط، فطبقًا لتقرير مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، الذي ورد ذكره آنفًا، بقي ثُلث جرائم القتل في الوسط اليهودي بين العامين 2014 و2017 - أي، 51 من أصل 147 جريمة قتل - دون كشف ودون حل (أي كانت لا تزال قيد التحقيق، سواء لدى الشرطة أو لدى النيابة العامة)، مقابل 50% (النصف!) من جرائم القتل في الوسط "غير اليهودي" - 119 من أصل 240 جريمة قتل - ويستدل من معطيات الشرطة أن هذه الفجوة قد ازدادت في العام 2018 - في 71% من جرائم القتل في الوسط اليهودي تم تقديم لوائح اتهام (25 من أصل 35 جريمة قتل)، بينما لم ينته سوى 43% من جرائم القتل في الوسط "غير اليهودي" بتقديم لوائح اتهام (35 من أصل 81 جريمة قتل).

ميشيل حداد

الرقيب المتقاعد ميشيل حداد (لا قرابة عائلية بينه وبين د. وليد حداد)، الذي اشتهر بحل لغز قتل ميلا مليفسكي في الثمانينات، يعتقد بأن القضية أكثر من مجرد إهمال؛ "استخبارات الشرطة تعرف حقيقة ما يجري بالضبط"، يقول ميشيل حداد.

"تعرف الشرطة كل شيء، لأن لديها الكثير من العملاء في الوسط (العربي). عملاء الشرطة، في الواقع، هم مجرمون يجري التعامل معهم بأكفّ من حرير. لكن الشرطة لا تأبه بما يجري. لا تتحرك بسرعة، لأنها تتعامل مع العرب بطريقة مختلفة". قبل بضع سنين، ألقي القبض على ضابط استخبارات من شرطة القرى في النقب كان ضالعًا في عملية سطو. ومؤخرًا، كان ضابط استخبارات من الشرطة متورطًا في عملية سطو وقعت في مدينة شفاعمرو".

يقول ميشيل حداد أيضًا إنه لا يفهم كيف تسمح الشرطة لكل هذه الكمية من الأسلحة بالتجول بحرّية تحت أنفها مباشرة؛ "لو أرادت الشرطة، لأمكنها إخراج كل السلاح"، يقول حداد. "تستطيع الشرطة إشراك ‘وحدة مكافحة الإرهاب‘ (يمام) وقوات حرس الحدود، تركيز قواتها واقتحام الجواريش (حي الجواريش في مدينة الرملة)، ثم الحفر في باطن الأرض والعثور على مخازن الأسلحة في الساحات. السلطة بيد الشرطة. إن توفرت لديها الإرادة، فبإمكانها العمل. هل الجواريش هي دولة داخل دولة؟".

يحدد سعدة نهاية الثمانينات باعتبارها بداية القطيعة بين الشرطة والجمهور العربي، أي إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى. حتى ذلك الوقت، كانت الشرطة جسمًا مدنيًا بالأساس وكان كثيرون من العرب يخدمون في صفوفه؛ "في الانتفاضة الأولى، أصبح الشاباك أكثر انشغالًا في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة فألقى على الشرطة المسؤولية الأمنية عن كل ما يخص العرب في داخل إسرائيل"، كما يوضح سعدة. إثر ذلك، انسحب كثيرون من العرب من الخدمة في سلك الشرطة ومع مقتل يتسحاك رابين في العام 1995 لم يبق في صفوف الشرطة أي من العرب، تقريبًا.

في أعقاب هبة أكتوبر 2000، يضيف سعدة، أيقنت الشرطة أيضًا أنها لا تريد ولا تستطيع العمل في هذا المجال؛ "كانت هذه رسالة متبادلة"، يقول سعدة. "القيادة العربية قالت: اتركونا وشأننا، نحن نتولى معالجة شؤون أبناء شعبنا ومجتمعنا، فاعتمدت الشرطة موديلًا أطلقت عليه اسم ‘اللا شُرَطيّة‘ (بمعنى: عدم القيام بالنشاط البوليسي المعتاد). عندئذ، وقفت الشرطة جانبًا ونظرت وراقبت من علٍ ولم تتدخل إلا بصورة عينية ومحدودة جدًا وفي الأمور التي قد تمسّ النظام العام وأمن الدولة، مثل العنف بين العرب واليهود، المظاهرات وهدم البيوت. أما كل ما يتعلق بالجانب المدني، فلم تكن تكترث به. من جانبها، ليقتل العرب بعضهم بعضًا".

مسؤول رفيع سابق في جهاز الشاباك يؤكد أقوال سعدة هذه؛ "الشاباك لم يعالج قضايا عرب إسرائيل البتة، تقريبًا"، يقول هذا المسؤول ويضيف: "إذا لم يكن الأمر يتعلق بعمل إرهابي ضد اليهود أو بعمليات عسكرية على خلفية إيديولوجية، فلم يكن يعنينا. الشاباك لم يكن يعالج ما له علاقة بالإجرام المنظم أو بالسلاح (داخل الخط الأخضر)، المعيار الوحيد للعمل هو قومي فقط".

"حين تكون على هامش الدولة، الدولة التي تعرّف نفسها بأنها دولة اليهود، ثمة فرق في الموقف وفي التعامل وفي معالجة شؤون المجتمع العربي، مقارنة بالمجتمع اليهودي"، يقول المحامي رضا جابر، مدير مركز "أمان" لمكافحة العنف. "الشرطة هي جزء من التشكيلة السياسية. الشرطة تحافظ وتراقب كي يبقى الإجرام والعنف داخل حدود البلدات العربية".

يقول المسؤول الرفيع السابق في الأجهزة الأمنية والباحث حاليًا في شؤون المجتمع العربي ضمن "معهد دراسات الأمن القومي"، د. دورون ماتسا، إن لدولة إسرائيل مصلحة في ألا يكون الوضع في المجتمع العربي جيدًا. "لا أحد يريد معالجة مشاكل العنف"، يقول. "منذ الخمسينات والستينات، بُذلت جهود للتحديث والتطوير في القرى العربية، لكن الدولة لم تقصد في يوم من الأيام سد الفجوات. أرادت فقط الإبقاء على سياسة الفَرْق والاختلاف. واقع التخلف الجزئي أتاح للدولة إمكانيات التدخل في الوسط (العربي). كيف يمكنها المحافظة على الاختلاف والتمايز إن كان كل شيء على ما يرام؟ تمتنع عن تحويل كل الميزانيات. فيتسلل الأمر إلى الشرطة ويؤثر عليها. هذا ليس توجهًا رسميًا، وإنما هو ‘روح العصر‘. المصلحة في القضاء على الإجرام ضئيلة جدًا".

من هنا نصل بسهولة إلى نظرية المؤامرة. ليس فقط أن الدولة لا تأبه بواقع أن "العرب يقتلون بعضهم بعضًا"، تقول هذه النظرية، وإنما تفعل ذلك قاصدة متعمدة أيضًا، بل وتشجع منظمات الإجرام حتى. ويدعي قادة سياسيون فلسطينيون كثيرون أن هذا هو الحال في الواقع، بالضبط. وقد تردد هذا الادعاء مرارًا وتكرارًا خلال المظاهرات. وهنا يستذكر عبد عنبتاوي، الذي أشغل وظيفة مدير مكتب لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، لقاء حضره هو بين أعضاء لجنة المتابعة العليا ورئيس الحكومة آنذاك، إيهود براك، ورئيس الشاباك في حينه، آفي ديختر، يوم 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2000، أي بعد يومين فقط من تفجر "هبة أكتوبر" التي قتلت خلالها الشرطة 13 شابًا فلسطينيًا من مواطني إسرائيل. كان ذلك لقاء مغلقًا ولم يُنشر شيء عنه أو عن مجرد انعقاده حتى، لكن عنبتاوي يحتفظ بمحضر للقاء دوّنه هو خلال انعقاده.

"كان ديختر يتسلى بتناول المكسرات وقال لنا: ‘ستدفعون الثمن (عن المظاهرات) غاليًا. ما لكم أنتم وللضفة والأقصى؟ سيأتي وقت تكونون فيه عالقين بينكم وبين أنفسكم". هذا اللقاء، يروي عنبتاوي، عقد في الثانية والنصف من بعد الظهر. حتى تلك الساعة كان قد سقط أربعة شهداء من المواطنين العرب بنيران الشرطة الإسرائيلية. "وُعِدنا بأن لا تطلق الشرطة الرصاص الحيّ"، يستذكر عنبتاوي، "لكن بعد ربع ساعة من انتهاء اللقاء أطلقت النار وأردت الشهيد الخامس، رامز بشناق من كفر مندا". ويرى عنبتاوي أن ما قاله ديختر كان تهديدًا قد تحقق فعلًا: المجتمع العربي يدفع ثمن دعمه لأشقائه الفلسطينيين في الشفة الغربية وقطاع غزة. المتحدث بلسان ديختر قال، تعقيبًا على هذا الكلام: "لا أساس له من الصحة".

عند الحديث عن دعم الدولة الصامت للمجرمين في الشارع العربي، يرد مرات عديدة ذكر "المتعاونين"/ العملاء الفلسطينيين الذين أحضرهم الشاباك وأسكنهم في داخل إسرائيل، بل ومنحهم في حالات كثيرة تراخيص لحمل السلاح. ويرى عدد كبير من قادة الجمهور الفلسطيني في الداخل أن هذا برهان على أن الدولة تشجع الإجرام، فعليًا. ويشير كثيرون إلى حادثة نشأت ملحم، الشاب من عرعرة الذي قتل في العام 2016 اثنين من الإسرائيليين في شارع ديزنغوف في مدينة تل أبيب، بمسدس رشاش كان بملكية والده، بترخيص. والد نشأت ملحم، الذي شهد بأنه "كان متطوعًا في الشرطة على مدى 35 عامًا"، كان يحتفظ في منزله بمسدس رشاش آخر، مرخّص من الشرطة هو أيضًا، وألمح في مقابلة أجريت معه إلى أنه "كان يعمل مع الشاباك"!

ضباط يهود في الشرطة لا ينكرون الدور الذي يلعبه "المتعاونون" السابقون في عالم الإجرام؛ "هؤلاء المتعاونون -الله يستر منهم"، يقول الكولونيل المتقاعد إفرايم إرليخ، الذي أشغل في الماضي مناصب قيادية مختلفة في "الوحدة المركزية" (يمار) في تل أبيب.

"أحضَروهم للسكن في أحياء في جنوب تل أبيب ويافا، هم يحسبون إنه مسموح لهم فعل كل ما يريدون لمجرد أنهم كانوا متعاونين، بعض أفراد عائلاتهم أصبحوا مجرمين. لا يمكن التحدث معهم. في بعض الحالات، لديهم أسلحة. هم واثقون تمامًا من أنهم مدعومون".

وهل هم كذلك، حقًا؟

"ثمة علاقات متبادلة بين الشاباك والشرطة. حصلت معي بعض الحالات التي وعدوا ("المتعاونون") فيها صاحب محل للدعارة وصاحب كازينو بحمايتهم من حملات تفتيش تنظمها الشرطة، لمجرد أن لهم علاقات مع الشرطة أو مع الشاباك"، يقول إرليخ، ويتابع أن هذه (الوعود) "مجرد حكايات خرافية"، لكنه يعترف بأن كثيرين منهم "يستغلون كونهم متعاونين لجني أرباح بطرق سهلة".

ويقول ضابط متقاعد عمل في قسم الاستخبارات في الشرطة إنه "صحيح أن الشاباك لا يستطيع إغلاق ملفّ"، لكنه يعترف بأن "الشاباك يجب أن يحافظ على مصالحه. ثمة ‘محتاجون للحماية‘، ستكون الشرطة والشاباك وأي جسم استخباراتي آخر سعيدًا بأن يوفر لهم الحماية، دائمًا".

وهل يُمنَح هؤلاء الأشخاص حرية عمل أكبر؟

"دائمًا. ومن يقول لك غير هذا، فهو يكذب"، أكد الضابط الكبير السابق في الشرطة، المحامي بنحاس فيشلر، في مقابلة مع " تايمز أوف إسرائيل"، أن الشرطة تغض الطرف عن مخالفات وتجاوزات للقوانين في المجتمع العربي مقابل حصولها على معلومات أمنية. "صحيح بالتأكيد"، يجيب على سؤال صريح حول الموضوع، "وأنا لا أعتبر أن المشكلة في هذا".

حمودي مصري

المحامي حمودي مصري من حيفا، الذي يترافع عن كثيرين من أعضاء ورؤساء منظمات الإجرام، يشرح: "ليس سرًا أن هنالك رؤساء عصابات كانوا أذرع للشرطة. وقد حصل هذا لي أنا أيضًا، ذات مرة: إحدى العصابات سرقت سيارة تابعة للشرطة. توجهت الشرطة إليّ، تدخلتُ وأجريتُ بعض الاتصالات وأعدتُ السيارة للشرطة".

يؤكد إرليخ وضباط آخرون في الشرطة أن الشرطة تستعين بقادة كبار في منظمات الإجرام من أجل "تهدئة الميدان". ويبرز هذا، بوجه خاص، في تدخل الشرطة ومشاركتها في عقد رايات الصلح التي ينظمها ويقودها أبناء عائلات تعرّفها الشرطة نفسها بأنها "عائلات إجرام" (عن هذا الموضوع بتوسع - في التقرير الذي يعالج موضوع عقود الصلح وعلاقة الشرطة بمنظمات الإجرام بشأنها).

هذا ما ينطبق، أيضًا، على مشروع "مدينة بلا عنف" الذي أطلق في العام 2014 ويجري تطبيقه اليوم في نحو 60 مدينة وقرية عربية. لكنّ لهذا المشروع، كما يقول وليد حداد، طابعًا أمنيًا يفوق طابعه المدني. فرئيس المشروع هو العميد (احتياط) داني شاحر وغالبية المسؤولين الكبار فيه هم عسكريون وأمنيون. "هذا ليس مشروع ‘مدينة بلا عنف‘، وإنما ‘عنف بلا مدينة‘، يقول حداد عن المشروع الذي يدار اليوم تحت رعاية ومسؤولية ‘سلطة مكافحة العنف، المخدرات والكحول‘ في وزارة الأمن الداخلي.

الهدف المعلن من هذا المشروع هو محاربة العنف والتوعية، غير أن الهدف الخفيّ، معيار نجاح المشروع في المجتمع العربي، هو عدد الشبان العرب الذي ينجح في تجنيدهم لتأدية ‘الخدمة الوطنية‘ وعدد كاميرات التصوير التي تم تركيبها. لا أذكر كم عدد حالات الجريمة والعنف التي نجحوا في معالجتها وفك ألغازها بواسطة هذه الكاميرات". وزارة الأمن الداخلي أكدت أن المشروع يشغّل شبانًا في إطار "الخدمة الوطنية"، حقًا، لكنها نفت أنها تسعى إلى تجنيدهم. وأضافت الوزارة، أيضًا، أن نصب الكاميرات يتم بالتنسيق بين السلطة المحلية والشرطة وأن لا علاقة للوزارة بالمواد التي يتم تصويرها بهذه الكاميرات.

تعقيب شرطة إسرائيل:

عن القتل في المجتمع العربي:

تبذل شرطة إسرائيل جهودًا كبيرة في كشف حالات الإجرام بشكل عام وحالات القتل بشكل خاص، من خلال استخدام وسائل علنية وسرية، دونما علاقة بهوية أو أصل المشتبه به أو الضحية. في العام 2019 فقط تم كشف 30 حالة قتل وتقديم لوائح اتهام ضد الضالعين. وإلى جانب إجراءات الوقاية والمنع والإرشاد، بالتعاون مع قيادة المجتمع العربي ومحاولة منع العنف وتسوية النزاعات، تقوم الشرطة كل الوقت بأعمال تطبيق القانون بصورة صارمة وواسعة ضد العنف وحيازة الأسلحة، بغية الحد من الجريمة في الوسط وفي البلاد عامة وتعزيز الشعور بالأمن بين جميع مواطني دولة إسرائيل.

عن السلاح:

خلال العام 2019، اعتقلت الشرطة أكثر من 4,200 مشتبه به في عمليات إطلاق نار، تجارة السلاح واستخدامه خلافًا للقانون، نحو 90% منهم من المجتمع العربي.

منذ بداية السنة الجديدة حتى الآن، قُدِّمت 1,120 لائحة اتهام بحق ضالعين في هذه المخالفات ولا تزال مئات الملفات الأخرى قيد التحقيق أو على وشك تقديم لوائح اتهام. كذلك، كشفت الشرطة وضبطت أكثر من 4,700 قطعة سلاح غير قانونية من أنواع مختلفة، من ضمنها: أكثر من 1,500 بندقية ومسدسات من أنواع مختلفة، مئات القنابل المختلفة الأنواع، ذخيرة، عبوات ناسفة، مواد متفجرة وغيرها، غالبيتها في بلدات المجتمع العربي.

عن منظمات الإجرام في الوسط العربي:

تشن شرطة إسرائيل حربًا لا هوادة فيها ضد الإجرام الخطير والمنظم في إسرائيل بشكل عام وفي الوسط العربي بشكل خاص ويحتل هذا الموضوع مركز اهتمام الشرطة. خلال السنوات الأخيرة، تعمل الشرطة ووزارة الأمن الداخلي من أجل تعميق وتكثيف تطبيق القانون في الوسط (العربي)، من خلال رصد موارد جدية لتعزيز قوات الشرطة في بلدات الوسط (العربي)، إلى جانب الدفع نحو الحوار وخلق شراكات مع قيادة المجتمع العربي في إسرائيل، التنسيق بين سلطات تطبيق القانون المختلفة، بلورة إستراتيجية طويلة المدى في مجال الوقاية والمنع وفرض القانون وبناء خطة عمل منتظمة. وتضع الشرطة لها هدفًا يتمثل في تعزيز الشعور بالأمن الشخصي في المجتمع العربي في إسرائيل، من خلال استخدام أفضل الوسائل، الوحدات والقوى البشرية من أجل معالجة الجريمة بكل أنواعها وأشكالها، ابتداء من الجنوح، العنف، انتهاك القانون، وانتهاء بمحاربة عصابات العنف ومنظمات الإجرام، باستمرار ودون هوادة.

في إطار هذه الخطة، نظمت الشرطة عددًا من المؤتمرات المهنية العامة في موضوع تحديات المنع وفرض القانون في المجتمع العربي، بغية الدفع نحو بلورة إستراتيجية وسياسة معالجة الموضوع، بمشاركة جميع الأطراف ذات العلاقة.

وستواصل شرطة إسرائيل دعم أية خطة أو خطوة من شأنها دفع نشاطها في المجتمع العربي، في خدمة المواطنين المحافظين على القانون وضد الإجرام المنظم والخطير، بهدف منع الإجرام، توطيد قواعد الانصياع للقانون والمحافظة على سلامة الجمهور وأمنه، في كل زمان ومكان.

التعليقات