أطلق حزب التجمع الوطني الديمقراطي، برئاسة سامي أبو شحادة، مبادرة للحوار الوطني - المجتمعي تهدف إلى مناقشة مستقبل العمل السياسي في ظل التحديات المصيرية التي تواجه المجتمع العربي في البلاد.
تسعى هذه المبادرة إلى إشراك المؤسسات السياسية، الأطر الاجتماعية، المجموعات الشبابية، وأوساط واسعة من المجتمع العربي، في نقاش جاد ومسؤول حول سبل التعامل مع التحديات الراهنة وتعزيز النضال لمواجهة المشاريع التي تستهدف الوجود والوعي السياسي للمجتمع العربي.

في إطار هذه المبادرة، بدأ التجمع سلسلة لقاءات مع المؤسسات التمثيلية والأحزاب السياسية. شملت هذه اللقاءات اجتماعات مع رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، محمد بركة، ورئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، مازن غنايم، ومؤخرا لقاءات مع عدد من الأحزاب العربية وبضمنها الجبهة الدمقراطية للسلام والمساوة، والحركة الإسلامية الجنوبية، ورئيس بلدية أم الفحم، د. سمير محاميد، بهدف تعزيز التواصل والتنسيق مع الأطر التمثيلية، لتطوير رؤية سياسية جماعية ومبادرات لمواجهة التحديات المصيرية التي تعصف بالمجتمع العربي.
لحظة فارقة
وفي حديث لـ"عرب 48"، نفى الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، خالد عنبتاوي، بأن يكون الهدف من هذا الحوار هو خوض انتخابات الكنيست المقبلة بقائمة واحدة، قائلا إن "المبادرة تتحدث عن نفسها وعن ضرورة الخوض في حوار وطني مجتمعي عام لنقاش مستقبل العمل السياسي بالداخل على ضوء التحولات الهائلة حدثت وما زالت تحدث وكلها تحت مظلة واضحة، وهي تصفية القضية الفلسطينية بشكل عام، وفي الداخل قضم هوامش العمل السياسي وتفكيكه سياسيا ومجتمعيا، وبالتالي نحن نتحدث عن لحظة فارقة التي تتمثل من جهة بوضع مخططات للتهجير في غزة واستئناف الحرب، ومخطط ضم في الضفة الغربية، وفي الداخل محاولة إعادة هندسة حدود المواطنة للعرب الفلسطينيين من منظور اليمين الإسرائيلي، والمؤسسة ترى بأن هناك الظروف مواتية لتنفيذ خطة الحسم هذه".
وأضاف عنبتاوي "نحن في الداخل أمام خطر حقيقي من العمل السياسي فيما يتعلق بتضييق الهامش السياسي لدرجة تضعنا أمام تحد كبير من حيث عملنا السياسي وكيف يمكن لنا أن نضبط أداءنا السياسي وما هي محاذير العمل السياسي؟ وهناك ضرورة لإعادة التأكيد على الثوابت وعدم التراجع إزاء تفاقم الفاشية في الداخل خاصة أننا في صدد الحديث عن تفكيك سياسي متمثل بالملاحقة السياسية، واستشراء الفاشية، وتفكيك اجتماعي متمثل بصعود الجريمة لدرجة أنها تتحوّل إلى سلطة تتحكم بمفاصل أساسية في مجتمعنا منها الحكم المحلي، والسيطرة على مقدرات اقتصادية، وتجريف موارد، طبعا بالتواطؤ مع المؤسسة. ونحن نلاحظ هذا التقاطع بين التفكيك الاجتماعي والسياسي بهدف تحويل الداخل إلى مجرد كائنات اقتصادية استهلاكية تأكل وتشرب وتعمل وتنام، وليس جماعة سياسية حقيقية".
مناعة المجتمع
وأردف عنبتاوي أن "هذا الخطر يستوجب منا، ليس من التجمع، بل من كل الفاعلين السياسيين والحركة الوطنية والأحزاب لخوض حوار ومناقشة كيفية مواجهة هذه التحديات وكيفية تنظيم أنفسنا ومجتمعنا، بشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني لأننا نسعى إلى مبادرة شعب (المجتمع الفلسطيني في الداخل) وهذا المسار لا يقطع مع المسارات السابقة خاصة أن هناك رؤى مستقبلية كتبت واتفق عليها وواحد من أهدافنا هو إمكانية الخروج بميثاق معين يعيد التأكيد على الثوابت الفلسطينية في الداخل وضرورة أن تكون هناك بوصلة للعمل السياسي داخليا وعدم التراجع أمام الحركات الفاشية".

وردا على سؤال حول الورقة أو الميثاق الذي يقوم التجمع بالعمل عليه في إطار هذه المبادرة، قال الأمين العام للتجمع: "نحن بحاجة إلى ميثاق بين القوى السياسية الفاعلة من أجل ضبط الأداء السياسي وتعيد التأكيد على ثوابتنا، وكيف نقرأ علاقتنا بالسؤال الوطني الفلسطيني، وكيف نقرأ علاقتنا بالدولة وبالمواطنة وكل هذه الأمور، وليس بالضرورة أن نأتي بشيء جديد، ولكن نحن أمام محاولات استغلال الخوف الموجود واستثماره سياسيا وتحويله إلى أسرلة سياسية بمفهوم التراجع عن الثوابت الوطنية، وهنا يكمن دورنا في أن نكون سدّا أمام هذه المحاولات، من خلال إعادة التأكيد على ثوابتنا وهو ما يجيء في الورقة أو الميثاق الذي نعمل عليه وسنناقشه مع الأحزاب والجمعيات، إضافة إلى الحاجة التي تتطلب منا أن نتنظم وألا نبقى في إطار الخطاب من أجل القدرة على رفع مناعة المجتمع السياسية والاجتماعية. فالسنوات الأخيرة كشفت ليس فقط هشاشة المواطنة وإنما هشاشتنا نحن أيضا وهشاشة مركزنا السياسي، خاصة في حالات الطوارئ، والتي أظهرت الحاجة إلى رفع جهوزيتنا ورفع مناعتنا وحصانتنا على المستويين السياسي والاجتماعي".
وتابع عنبتاوي بأن "الخطر الحقيقي يكمن في معرفة ما إذا كانت حملة الملاحقة السياسية التي يتعرض لها مجتمعنا هي حملة لحظية جاءت كنتيجة للظرف الطارئ ولحرب الإبادة فقط، أم أنها ستستمر لتكون شكل المرحلة المقبلة؟ فعلى ما يبدو إنه في ظل تصاعد القوى الفاشية هذا سيكون شكل المرحلة المستقبلية، وهو ما يعيد السؤال مجددا لمفهوم عملنا السياسي وما هي مقوماته وممكناته ومحاذيره.. وهذه ليست أسئلة التجمع بقدر ما هي أسئلة مجتمع كامل؟ لذلك أعود هنا للحديث عن أن المبادرة هي بمثابة خارطة طريق للخروج بشيء على مستوى الخطاب السياسي وعلى مستوى التنظيم المجتمعي، وهي خارطة طريق تحت سقف الثوابت وتحت مسطرة الثوابت للأطر التي تخوض الانتخابات البرلمانية، والتي لا تخوض الانتخابات، وتشمل كل الفواعل السياسية والاجتماعية، جمعيات ومؤسسات مجتمع مدني وشرائح اجتماعية ومثقفين، أكاديميين، صحافيين وحركات طلابية وشعبية، وهي كما أسلفت تتجاوز قضية خوض الانتخابات، والعمل البرلماني على أهميته".
تحديات سياسية
قال السكرتير العام للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، أمجد شبيطة، في حديث لـ"عرب 48" إنه "أعتقد أن جلستنا مع حزب التجمع الوطني الديمقراطي، والتي جرت طبعا بمبادرة من التجمع جاءت لمناقشة ورقة موقف، يعمل التجمع على إعدادها، ونحن رحبنا بهذه المبادرة، وكان الاجتماع مثمرا تحدثنا فيه عن التحديات السياسية التي قد تواجهنا".
وأضاف شبيطة أنه "يمكن اعتبار الجلسة كمقدمة لسلسلة لقاءات قد تعقبها، فقد ناقشنا التحديات التي قد تواجه كل فرد في مجتمعنا العربي، وعلى الرغم من أهمية هذه الجلسة إلا أنها لم تناقش القضايا الجوهرية التي تتعلق بخوض الانتخابات، ولا حتى ورقة الموقف التي يجري العمل عليها في التجمع ولم ينتهوا من إعدادها. تحدثنا عن تحسين العلاقة بين الحزبين وعن القواسم المشتركة التي تجمع بين حزبي التجمع والجبهة، دون سواهما من الأحزاب".
وتابع سكرتير الجبهة أن "قضية انتخابات الكنيست طرحت خلال الاجتماع، ولكنها لم تكن الموضوع الأساسي، وفي الأساس تم الحديث عن كيفية تفادي الأخطاء التي ارتكبت في السابق وتسببت بأزمات خاصة قضية تقديم القوائم لانتخابات الكنيست الأخيرة. اتفقنا على أن يكون هناك المزيد من التنسيق والتعاون على الرغم من أنه قائم في معظم القضايا، وكانت الأجواء إيجابية وليس صدفة ولا مجاملة أقول إننا في السنتين الأخيرتين عملنا معا في إطار لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية بشكل حثيث، وكنا ننسق المواقف قبل أن نذهب لاجتماعات المتابعة".
وأكد شبيطة أنه "سبق هذه الجلسة لقاء بادر إليه رئيس حزب التجمع، سامي أبو شحادة، في يافا، وكانت هناك ندوة نظمتها الجبهة في الناصرة، وشارك فيها أبو شحادة، ولقاء للحركة الطلابية في جامعة حيفا، شارك فيه الطرفان. والجلسة الأخيرة نبعت أهميتها من أنها جاءت بصفة رسمية، لكن التعاون والتنسيق موجود، وهو في دالة تصاعدية".

وأشاد شبيطة بـ"العمل المشترك أيضا مع القائمة العربية للتغيير التي يرأسها النائب أحمد الطيبي"، وقال: "هم شركاؤنا، ونعمل معا بشراكة تامة على قدم وساق وكل الوقت، سواء على مستوى الكنيست أو خارجها، لذلك نحن لسنا بحاجة لجلسة رسمية بيننا وبين العربية للتغيير".
انتخابات الكنيست
ردا على سؤال حول ما إذا كانت هذه المساعي والحوارات تهدف إلى خوض الانتخابات بقائمة واحدة مشتركة، قال سكرتير الجبهة: "نحن لا نغلق الباب، ولا نفقد الأمل في أن تكون هناك قائمة تجمع كل القوى على قاعدة برنامج سياسي متفق عليه. وإذا تعذر ذلك، فيجب علينا أن نضمن على الأقل بألا تكون هناك بعثرة للأصوات. نحن نعرف بأن قائمة مشتركة بين التجمع والجبهة والعربية للتغيير، ولا نستثني أن تنضم إليها قوى أخرى مستقلة، يمكن أن تكون قائمة قوية جدا تضمن تجاوز نسبة الحسم بكثير، وربما تتجاوز الثمانية مقاعد كنقطة بداية، والعنصر الآخر الذي سيزيد من قوة هذا التحالف هو أن كل الاستطلاعات اليوم تشير إلى أن نسبة التصويت لدى العرب ستكون مرتفعة في الانتخابات المقبلة، للتخلص من هذه الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية".
ماذا تقول الحركة الإسلامية (الجنوبية) - القائمة العربية الموحدة؟
تجدر الإشارة إلى أنه خلال إعداد التقرير، حاولنا مرارا وتكرارا خلال الأسبوع الماضي، إجراء حوار مع قياديين من الحركة الإسلامية (الجنوبية) - القائمة العربية الموحدة، إلا أنه لم يكن هناك أية تجاوب مع مطلبنا.
وبعد إصرارنا على الحصول على تعقيب الحركة الإسلامية (الجنوبية) - القائمة العربية الموحدة، وصل إلى "عرب 48" التعقيب التالي: "اللقاءات التي تجريها القائمة العربية الموحدة مع الأحزاب العربية تأتي استجابةً للدعوات المتبادلة، وفي إطار مساعٍ لتعزيز التعاون والتنسيق بين القوى السياسية العربية، في ظل التحديات الراهنة التي يواجهها مجتمعنا وشعبنا، وعلى رأسها خطر استمرار حكم اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، وما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة".

وأضافت أن "هذه اللقاءات تهدف إلى التقارب وتوسيع مساحات التفاهم، مع الحفاظ على التباينات المشروعة في الرؤى والمواقف، وهي لا تقتصر على مسألة الانتخابات فقط، بل تسعى لبلورة رؤية سياسية أوسع، تقوم على القواسم المشتركة والتنسيق في القضايا المركزية، من أجل زيادة التأثير السياسي ورفع التمثيل البرلماني العربي، ومنع حرق الأصوات كما حصل في الانتخابات السابقة."
وأشارت إلى أن "الحديث عن الانتخابات أو صيغ التحالف هو جزء من نقاش أوسع، لكن ليس هو الهدف المباشر. ما نسعى إليه بالدرجة الأولى هو رفع التمثيل السياسي العربي، وتوحيد الجهود لتجنّب تشتّت الموقف، وتعزيز الخطاب السياسي الفاعل والمؤثر".
وختمت الحركة الإسلامية (الجنوبية) - القائمة العربية الموحدة، بالقول إنه "نقيّم هذه اللقاءات بإيجابية، ونرى أن المرحلة الحالية تتطلّب حوارًا جادًا، وتحمّلًا جماعيًا للمسؤولية، والارتقاء على الخلافات لصياغة رؤية سياسية جامعة تقود العمل لصالح مجتمعنا وشعبنا".
التعليقات