22/07/2007 - 11:42

تمـوزيـّـات../ بسام الهلسه

تمـوزيـّـات../ بسام الهلسه

نحن الآن في "تموز" أعني شهر "تموز- يوليو".


 وتموز اسم (إله) قديم في بلاد الرافدين وسورية الطبيعية، سمي بـ"دموزي" لدى السومريين كما يقول الباحثون في الأساطير والعقائد القديمة.


        وهو (إله) الخصب والبعث عند البابليين والكنعانيين، الذي يختفي ثم يعود للظهور بحسب دورة الطبيعة.


        وخلال اختفائه تندبه بلوعة (الإلهة) "عشتروت" أو "عشتار" حزناً ورجاءاً بقيامته ورجوعه من العالم السفلي ليحوِّل الجدب إلى خصب.


*    *    *


        "تموز" أيضاً هو شهر الثورات والحروب بامتياز.. وقبل صيف شهدنا حرب إسرائيل على لبنان التي جعلتها –أي إسرائيل- تدرك مغزى القول المأثور في بلاد الشام "في تموز بتغلي المي في الكوز".. لكن الذي غلى و"انصلى" هذه المرة هو إسرائيل وجيشها..


        وللعراق.. موطن "تموز" القديم، تموزه أيضاً.. ففيه قامت ثورتان: الأولى قادها "عبدالكريم قاسم" و"عبدالسلام عارف" عام 1958م ضد النظام الملكي، والثانية جرت بعدها بعشر سنوات أي في 1968م، وقادها "حزب البعث" بقيادة "أحمد حسن البكر" و"صدام حسين" ضد الرئيس عبدالرحمن عارف.


*    *    *


        ومنذ خمسة وخمسين تموزاً قام الضباط الأحرار المصريون بقيادة "جمال عبدالناصر" بثورة أطاحت بالملك فاروق، منهية عهد الأسرة العلوية التي بنى ووطد سلطانها في مصر "محمد علي باشا" الضباط، فالوالي التركي الألباني الأصل، في مطلع القرن التاسع عشر، إثر هزيمة الحملة الفرنسية النابليونية.


        أعلنت الثورة المصرية قيام الجمهورية، فكان "محمد نجيب" أول رئيس من أبناء مصر بعد عهود متطاولة من التحكم الأجنبي.  


        وعلى سيرة فرنسا التي انفتحت، فإننا نتذكر ثورتها الكبرى في الرابع عشر من تموز 1789م ضد الملكية والإقطاع وطبقة الأكليروس (رجال الدين) والتي أدت إلى إعدام الملك "لويس السادس عشر" وإقامة الجمهورية، لتطيح من ثمَّ برؤوس الثوار بالمقصلة –أو "الشفرة القومية" كما سمَّاها الفرنسيون- وتبني نظاماً إمبراطورياً غزت جيوشه بقيادة "نابليون" أوروبا ودوختها حتى تمت هزيمتها في معركة "واترلو" عام 1815م.


*    *    *


وقبل الثورة الفرنسية بثلاثة عشر عاماً، أي في تموز 1776م، حققت المستعمرات الأميركية استقلالها عن التاج البريطاني وانتصرت ثورتها التي قادها "جورج واشنطن".


وبمناسبة "أميركا"، وللأذكياء "البلهاء" الأكاديميين والإعلاميين -عرباً وأجانب- الذين يجادلون ويتساءلون: إن كانت الولايات المتحدة قد "صارت إمبراطورية" بعد احتلالها للعراق؟؟ أقولُ: أعيدوا قراءة تاريخ أميركا، لتروا أنها قد "وُلِدت" إمبراطورية منذ استقلالها.. إمبراطورية من ثلاثة عشر "دولة" (ترجمها العرب إلى "ولاية" فظنوا أنها مثل "ولاياتهم" و"ولاياهم"؟؟)، إمبراطورية تابعت زحفها التوسعي لتصير من ثمَّ أقوى وأعتى إمبراطورية إستعبادية- إستعمارية عرفها التاريخ.


*    *    *


        من بين المناسبات التموزية التي لا أنساها.. تموز 1920م الذي غزا فيه الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال "غورو" سورية واشتبك مع المقاومين السوريين الذين تصدوا له في "ميسلون" بقيادة "يوسف العظمة"، الذي كان يعرف، رحمه الله، أن لا قِبَلَ له وللمتطوعين معه، بعددهم وعتادهم البسيط، بالصمود أمام أحد أقوى الجيوش في العالم حينها، ولكنه صمم ومن معه على خوض المواجهة المحسومة سلفاً، ليقول لأجيال الأمة، وللغزاة، أنهم لن يأخذوا سورية غنيمة باردة، ولن يمروا إلا على أجسادهم.. وهكذا كان..


        وقد خلَّد الشاعر "عمر أبو ريشة" يوم "ميسلون" في قصيدة ذائعة سمعتها صغيراً ولا زلت أذكر منها هذه الأبيات:


كم لنا من ميسلونٍ نَفَضَتْ


عن جناحيها غُبارَ التَّعبِ


كم نَبَتْ أسيافُنا في ملعبٍ


وكَبَتَ أجيادُنا في مَلْعبِ


شَرَفُ الوثبةِ أن تُرضي العُلا


غَلَبَ الواثبُ أم لم يَغْلِبِ


*    *    *


        أختتم "تموزيّات" بالحديث عن أحد فتيان العرب الباسلين والجميلين معاً.. الروائي والقاص والإعلامي والسياسي والباحث والرسام الراحل "غسان كنفاني"، صاحب "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا" و"عن الرجال والبنادق" وغيرها.. الذي أغمض عينيه البراقتين في تموز عام 1972م عندما فجرت المخابرات الإسرائيلية الخارجية "الموساد" سيارته ببيروت، انتقاماً من قلمه وإبداعه ودوره ذي الحضور المتعدد، خلال فترة الصراع بين إسرائيل والثورة الفلسطينية المعروفة بـ"حرب الأشباح".


*    *    *


- هل أواصل؟


- سأتوقف عند هذا الحد من التداعيات التموزية، لأن الصباح قد طلع ولاح، والساعة قاربت السابعة.. وحان وقت نومي والكف عن الكلام المباح.

التعليقات