20/10/2008 - 12:13

أبوالغيط مرة أخرى / فهمي هويدي

-

أبوالغيط مرة أخرى / فهمي هويدي
كلما تكلم السيد أحمد أبو الغيط ـ وزير الخارجية ـ عن الشأن الفلسطيني وضعت يدي علي قلبي، وتمنيت أن يتحدث كرجل يشرف الدبلوماسية المصرية ويحفظ لها مقامها، إذ منذ قال الرجل تعليقاً علي اجتياز الفلسطينيين المحاصرين في غزة معبر رفح إن من يدخل إلي الحدود المصرية بذلك الأسلوب ستكسر رجله، وأنا أتوجس شراً من حديثه في الموضوع الفلسطيني، وتضاعف هذا الشعور عندي عندما نقل إليّ صديق أن السيد أبو الغيط قال في مقام آخر إنه يريد أن يتراجع عن حكاية كسر الرجل، مفضلاً أن يتحدث عن كسر الرقبة، لأن الرجل يمكن جبرها وعلاجها، أما كسر الرقبة فهي القاضية!

لست متأكداً من هذه المقولة الأخيرة، وإن كنت لا أستبعدها ـ للأسف الشديد ـ لأنه في حديث الأول لم يكن ودياً علي الإطلاق، حيث دفعنا إلي إساءة الظن بموقفه، خصوصاً حين تذكرنا أن إسحاق رابين ـ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ـ قال شيئاً من هذا القبيل، حين تحدث عن تكسير عظام الفلسطينيين أيام الانتفاضة.صدمتنا في كلام السيد أبو الغيط تكررت في الحوار الذي أجرته معه قناة الـ «بي بي سي» العربية، واعتبر فيه أن حركة حماس لا شرعية لها في قطاع غزة، وأن مصر هي البلد الوحيد القادر علي تحقيق الوساطة بين الفلسطينيين، وأن من يبحث عن وساطة غير مصرية لا يفكر إلا في الدولار الأمريكي وما سيجنيه من ربح مادي نتيجة لذلك، ووصف موقف حماس في موضوع إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط بأنه تعبير عن التشدد، كما أنه جزء من مناورة سياسية تقوم بها.

استغربت كلام السيد أبو الغيط لأنه احتفظ بموقفه المخاصم وغير المحايد في الموضوع، وأحد أسباب الاستغراب أن الرجل قال هذا الكلام في الوقت الذي تحاول فيه مصر أن ترتب أمر المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، خصوصاً فيما بين حركتي فتح وحماس، ذلك أن أحد أبسط شروط نجاح الوساطة أن يكون الوسيط محايداً، ومحتفظاً في العلن علي الأقل بمسافة واحدة إزاء كل الأطراف، لكن السيد أبو الغيط أطاح بكل ذلك، وتبين بالكامل موقف أركان السلطة الفلسطينية في رام الله، ما قاله لم يختلف إطلاقاً عما يتحدث به الغلاة في حركة فتح.

لقد ذكر السيد أبو الغيط أن حكومة حماس في غزة لا شرعية لها، وأنها طردت السلطة الفلسطينية من القطاع، ولا أعرف لماذا تجاهل حقيقة أن في فلسطين المحتلة شرعيتين وليس شرعية واحدة، فأبو مازن منتخب وله شرعية، كما أن حكومة حماس منتخبة بدورها ولها أغلبيتها التي مازالت مستمرة في المجلس التشريعي، وإذا لم يكن السيد أبو الغيط يريد أن يعترف بنتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2006 فإنه يضع نفسه في مربع واحد مع الجناح المتطرف في السلطة الذي تبني الموقف ذاته منذ اللحظات الأولي لظهور نتائج الانتخابات،

كما أنني استغرب جداً قول الوزير إن حماس طردت السلطة من القطاع، لأن السلطة لايزال معترفاً بها هناك، ولايزال أبو مازن يخاطب ويذكر في وسائل الإعلام بالقطاع باعتباره رئيساً للسلطة، أما الحسم الذي تم فإنه كان موجهاً من الحكومة الشرعية ضد الأجهزة الأمنية التي تآمرت عليها، وأنا أفهم أن يقول هذا الكلام واحد مثل محمد دحلان أو رشيد أبو شباك وغيرهما من قادة الأجهزة التي تآمرت علي الحكومة، لكني لم أفهم لماذا يتطوع به وزير الخارجية المصري،

أما الأكثر مدعاة للدهشة فهو أن السيد أبو الغيط حمّل حماس المسئولية عن تعطيل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير، ولم يذكر شيئاً عن مماطلة إسرائيل ورفضها إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، وقد أفهم أيضاً أن تتبني وزيرة خارجية إسرائيل هذا الموقف، لكني عاجز عن فهم العوامل التي أدت إلي صدوره عن الوزير المصري، وفي الفم ماء كثير، أما في القلب فشعور بالخزي والحزن لا حدود له.

التعليقات