31/10/2010 - 11:02

التجمع الوطني وموقعه على الخارطة السياسية../ د.محمد أمارة

التجمع الوطني وموقعه على الخارطة السياسية../ د.محمد أمارة
لم يكن التجمع الوطني أول من طرح مسألة الوطن والمواطنة، لكنه هو من نجح بإثارة النقاش الجماهيري في المجتمع الإسرائيلي وترسيخ فكرة المواطنة كخطاب سياسي في العقدين الأخيرين، متحديا الأسس التي تأسست وترسخت عليها دولة إسرائيل، كدولة يهودية-صهيونية وما لها من تداعيات على المجتمع العربي-الفلسطيني في الداخل.

وعندما تشكل حزب التجمع ونجح بدخول الكنيست سنة 1996، حينها بدأ يدرك الإسرائيليون أن مسألة „دولة كل مواطنيها” المطروحة لم تعد مسألة سياسية هامشية، أو مسألة أكاديمية، وإنما هنالك انتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة تحدي الواقع ومواجهة قضايا جوهرية ترى الغالبية العظمى من اليهود في إسرائيل بأنها من المحرمات طرحها، ومن يطرحها يهدف إلى زعزعة أسس الدولة والكيان الصهيوني.

مع مرور الزمن أدركت المؤسسة الإسرائيلية أن الفكر الذي يمثله التجمع بدأ ينتشر ويتجذر بأشكال وصور مختلفة بين الجماهير العربية، ويلقى بعض التأييد من شخصيات يهودية وإن كانت قليلة.

وبدأت المؤسسة الإسرائيلية ترى بالفكر والنهج الذي يتحدث عن مواطنة جوهرية، والتأكيد على هوية قومية، دون أن تصطدم إحداهما بالأخرى تحديا وإحراجا لها ولديمقراطيتها.

وبدأ التأكيد على خطاب أن الفلسطينيين في إسرائيل هم أبناء هذا الوطن، ملتحمين به عضويا، ونفسيا، وتاريخيا، وثقافيا، ولديهم رؤية واضحة للتواصل مع الشعب الفلسطيني والأمة العربية، كل ذلك تحول إلى أبجديات في الخطاب السياسي الفلسطيني بالداخل. فبدأت المؤسسة الإسرائيلية ترى أن التجمع ورموزه يشكلون تحديا حقيقيا لها، وظاهرة يجب أن تزول من المشهد السياسي والثقافي الإسرائيلي (كما هو الحال مع الحركة الإسلامية الشق الشمالي ورموزها).

وتعتقد المؤسسة بأنه لربما بزوال التجمع ورموزه، سوف تستطيع إرباك الجماهير العربية، وأنها بعمليات الترهيب والتخويف تعيد العرب إلى أيام الحكم العسكري، في محاولة جديدة لبناء „العربي الجيد”؛ أو العربي-الإسرائيلي المدجن والمفصل على مقاس الدولة اليهودية-الصهيونية.

أما على الصعيد التنظيمي-السياسي فغياب بشارة قبل سنتين ونيف عن المشهد السياسي وعدم تأثيره المباشر على الحزب وعدم قيادته للحزب ولأول مرة منذ تأسيسه هو لربما الحدث الأبرز في تاريخ الحزب. فهذا التطور وضع حزب التجمع أمام تحديات هي الأصعب في تاريخه. فالتجمع ارتبط حضوره باسم عزمي بشارة، وبشارة ارتبط اسمه بالتجمع.

هذا يعني أن هنالك من ارتبط بالتجمع سياسيا وفكريا وحتى انتخابيا بالتجمع بسببه. بمعنى سياسي، فان شخص عزمي بشارة وكاريزماتيته لها قيمة أساسية لمخزون التأييد الذي يحظى به التجمع. إلا أن الانتخابات الأخيرة، عام 2009، أثبتت أن هذا الحزب ما زال له الحضور الجماهيري، وان هنالك قيادة قادرة على الاستمرار حتى بعيدا عن المؤسس، السياسي والمنظر.

تحد آخر واجه الحزب في السنوات الأخيرة: نقص في الغلاف من المثقفين والأكاديميين والناشطين الداعمين للحزب. لم يكن الأمر كذلك في الماضي، فعند نشأة الحزب كانت هنالك شريحة لا بأس بها من المثقفين والأكاديميين والناشطين من تيارات سياسية مختلفة التفت حوله لتدعمه. ولكن لأسباب تاريخية وتنظيمية وسياسية ابتعدت عن الحزب. وفي المرحلة الدقيقة التي مر بها –غياب بشارة عن المشهد السياسي- والهجوم اليمنيي الشرس عليه وعلى الأحزاب العربية الأخرى، افتقد الحزب لمثل هذا الحزام الواقي، مما شكل خطرا على استمرارية الحزب. يبدو أن الحزب بدأ بمراجعة ذاته في هذه المسألة، واستطاع أن يستقطب وجوها لها وزنها إلا أن المشوار ما زال طويلا لبناء غلاف سميك يحافظ على الحزب من نوائب الأيام...

رغم التحديات الجسام التي واجهها التجمع الوطني في جيله الأول (مرور 15 سنة على تأسيسه)، استطاع أن يموضع ذاته على الخارطة السياسية العربية كتيار مركزي، وانتشر خلال العقد الأخير بين شرائح لا يُستهان بها من أبناء المجتمع الفلسطيني في الداخل. فحتى - افترضنا جدلا- لو شطب الحزب سياسيا من الخارطة، ليس من السهل شطبه فكريا. فبهذا يقدم حزب التجمع حالة سياسية لحزب له حضور فكري بارز لكنه يواجه تحديات تنظيمية وسياسية لا يستهان بها.

التعليقات