في عام 1965، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. تُعرّف هذه الاتفاقية التمييز العنصري بأنه "أي تمييز أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل قائم على العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويهدف أو يُؤدي إلى إبطال أو إضعاف الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو أي مجال آخر من مجالات الحياة العامة". وبالطبع، فإن التمييز العنصري يصبح مؤسسيًا عندما ينعكس في قوانين ولوائح الدولة والهيئات الحاكمة.
وضعت الحكومات المتعاقبة في كل من إسرائيل وجنوب أفريقيا (سابقًا) منذ عام 1948 نظامًا من القوانين والسياسات التي تغلغلت بعمق في حياة السكان الأصلانيين، في مجالات حيازة الأراضي والممتلكات، والإقامة، والزواج والحياة الأسرية، والعمل، والتعليم، والصحة.
في عام 1948، وصل الحزب الوطني الأبيض، الذي يمثل الأقلية البيضاء من أصول هولندية (البوير) في جنوب أفريقيا، إلى سدة السلطة، مما أدى إلى إضفاء طابع رسمي (قانوني) ومؤسساتي على الفصل العنصري، الممارس على نطاق واسع من خلال تشريعات مثل قانون تسجيل السكان (1950)، الذي أدى إلى التصنيف الرسمي للناس إلى بيض وهنود وملونين وأفارقة. حظر قانونا الزواج المختلط (1949) والفجور اللاخلاقي (1957) الزواج والعلاقات عبر الخطوط العرقية. استخدم القوميون البيض قانون الأراضي، الذي أُقر عام 1913 من قبل ما يسمى باتحاد جنوب أفريقيا بين البريطانيين والبوير، كأساس لسياسات ضبط التدفق في ستينيات القرن الماضي. كان الهدف هو الحد من عدد السود الأصلانيين في جنوب أفريقيا في 87% من مساحة الأرض المخصصة لـ"جنوب أفريقيا البيضاء". حظر قانون المناطق الجماعية لعام 1955 على الأفارقة التواجد في جنوب أفريقيا البيضاء لأكثر من 72 ساعة دون تصريح رسمي. قامت مكاتب العمل بمطابقة العمال الأفارقة مع وظائف محددة ومنحتهم تصريحًا رسميًا للعمل والعيش في بلدات محددة. حصر قانون المناطق الجماعية (الجنسية الأفريقية) في 13% من أفقر الأراضي، أو ما أُطلق عليه بانتوستانات (أوطان مستقلة).
تم اتباع سياسة ضبط التدفق السكاني من خلال عمليات الترحيل القسري، وهي شكل من أشكال التطهير العرقي. على سبيل المثال، في عام 1955، وبعد إقرار قانون المناطق الجماعية، أُجبر أكثر من 600 ألف أفريقي على النزوح من صوفيا تاون، حيث عاش أناس من أعراق متعددة بسلام جنبًا إلى جنب لسنوات. صنّف قانون المناطق الجماعية صوفيا تاون منطقةً مخصصةً للبيض فقط. أُلقي بالأفارقة في سويتو، وهي مجموعة من البلدات المخصصة للأفارقة، والتي كانت بمثابة احتياطي للعمالة على بُعد عشرة كيلومترات من مدينة جوهانسبرغ. عاش الناس في ظروف مكتظة دون أي مرافق في البداية. وفي خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، أُجبر أكثر من 3.5 مليون أفريقي على النزوح من أراضيهم وممتلكاتهم. بين عامي 1966 و1975، حُوكم 5.8 مليون أفريقي من السكان الأصليين بموجب قوانين تُقيّد حرية التنقل.
في 14 مايو/أيار 1948، وهو اليوم الذي انتهى فيه الانتداب البريطاني على فلسطين، أُعلن عن "إقامة دولة يهودية في فلسطين". إسرائيل من الدول النادرة التي لا يوجد لها دستور، بل قامت باعتماد مجموعة من القوانين الأساسية. في عام 1985، أُعيد تأكيد طابع إسرائيل كدولة يهودية في الكنيست عندما أقر قانونًا أساسيًا يحظر على الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات إذا كانت تعارض "وجود دولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي". بمعنى آخر، لا يحق لمن لا يريد أن تكون الدولة لليهود فقط، بل لجميع مواطنيها، المشاركة. وفي عام 2018، تم تمرير قانون الدولة القومية الذي أكد على أن "دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير".
منذ تأسيسها، كانت دولة إسرائيل تقوم على أساس أنها دولة أبارتهايد. مثل جنوب أفريقيا، اعتمدت إسرائيل قوانين وسياسات تحرم السكان الأصلانيين من الوصول إلى أراضيهم وممتلكاتهم. وكانت لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة قد قدرت أن حوالي 80% من أراضي إسرائيل هي ممتلكات مصادرة من الفلسطينيين. وحتى وقت قريب، كان يُحظر على الفلسطينيين بموجب القانون الإسرائيلي امتلاك أو استئجار الأراضي. واليوم، يمتلك السكان الفلسطينيون الإسرائيليون حوالي 3% فقط من أراضي إسرائيل.
كما تم سن "قانون العودة" عام 1952 كأداة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم. يمنح القانون "كل يهودي، أينما كان، الحق في القدوم إلى إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية". وقد وُسّع هذا الحق لاحقًا "ليشمل ابن وزوجة ابن اليهودي وزوجة حفيد اليهودي". في حين أن قانون العودة سخي تجاه هجرة اليهود من جميع أنحاء العالم، إلا أنه يُميّز ضد الفلسطينيين، الذين وُلدوا وعاشوا على هذه الأرض، وذريتهم. فقد فُصل مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، الذين فروا من عنف وعدوان الميليشيات الصهيونية والقوات الإسرائيلية منذ عام 1948 وحتى اليوم، عن أراضيهم وممتلكاتهم داخل إسرائيل. لا يعترف قانون العودة بحقهم في العودة، لمجرد أنهم ليسوا يهودًا ولم يولدوا لأمهات يهوديات. وفي عام 1967، جُرّد 70 ألف فلسطيني من السكان الأصليين من حقهم في الإقامة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لأنهم لم يكونوا في الأراضي المحتلة أثناء التعداد السكاني الإسرائيلي الذي أُجري بعد حرب يونيو/حزيران بفترة وجيزة. كذلك أقرّ الكنيست في عام 2003 قانونًا "مؤقتًا" يمنع الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة أو قطاع غزة المتزوجين من مواطنين إسرائيليين من العيش في إسرائيل.
يتطلب التمييز العنصري الممأسس نظامًا إداريًا لتحديد السكان وتقسيمهم. في جنوب أفريقيا، أدى قانون تسجيل السكان لعام 1950 إلى إنشاء سجل وطني يُسجّل فيه عرق كل شخص، وفقًا للتصنيفات التالية: "أسود"، "أبيض"، "ملون"، و"هندي". وكان هذا التصنيف يُذكر في بطاقة الهوية. وكان مجلس تصنيف الأعراق هو صاحب القرار النهائي بشأن عرق الشخص في "الحالات المتنازع عليها". وتمت معاملة البيض ككائنات متفوقة على غيرهم، بينما لقي الأفارقة الأصليون أسوأ معاملة. كما أدى هذا القانون إلى فصل العائلات، حيث صُنف بعض أفرادها على أنهم ملونون، بينما صُنف آخرون على أنهم أفارقة، وأُجبروا على العيش في مناطق سكنية منفصلة والالتحاق بمدارس منفصلة.
وفي عام 1958، حُرم السود من جنسيتهم، فأصبحوا قانونيًا مواطنين في 11 "وطنًا مستقلاً" تتمتع بحكم ذاتي صوري محدود وتُسمى بانتوستانات. تبع ذلك قانون جنسية أوطان البانتو لعام 1970، الذي رسّخ بشكل أكبر تقييد "الجنسية السوداء" على الأوطان/البانتوستانات في 13٪ من أفقر أراضي جنوب إفريقيا، وفقًا للانتماء العرقي. وتم ترحيل السكان السود إليها. وفصلت الحكومة بينهم ووفرت لهم تعليمًا ورعاية طبية وخدمات عامة أخرى دون المستوى، عبر تشريعات مثل قانون تعليم البانتو لعام 1953 وقانون المرافق المنفصلة لعام 1953.
وفي إسرائيل، يُلزم قانون سجل السكان جميع السكان بتسجيل عرقهم ودينهم، والحصول على بطاقات هوية تُشير إلى العرق، وتكشف ما إذا كان حاملها "يهوديًا" أو "عربيًا" أو "درزيًا". ويُعامل المواطنون بناء على هذه التصنيفات. ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، "يُميز نظام قانوني مزدوج بين الإسرائيليين اليهود والفلسطينيين الأصلانيين على أساس وضع مُصطنع لـ(الجنسية اليهودية)". وهذا شبيه بما كان سائدًا في جنوب أفريقيا، والذي أدى إلى عزلة دولية ومقاطعة شاملة حتى انهيار نظام الفصل العنصري عام 1994.
كانت هذه مقاربة ضرورية، ولكن لا بد من التذكير بأننا لا نتعامل هنا مع نسخ ولصق لتجربتين قامتا على أساس أيديولوجيا الاستعمار الاستيطاني. لم تحصل في تاريخ جنوب أفريقيا أشكال الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة، ولا الحصار الإبادي المرتقي إلى جريمة حرب غير مسبوقة. فالأبارتهايد هناك كان يقوم على استغلال الأيدي العاملة الرخيصة بشكل عبودي، أما في فلسطين، فالفكرة لا تقتصر على الاستغلال، بل تتركّز على إبادة الآخر الأصلاني.
التعليقات