31/10/2010 - 11:02

جدلية السياسي والتنظيمي في ظل التحديات الراهنة../ خالد خليل

جدلية السياسي والتنظيمي في ظل التحديات الراهنة../ خالد خليل
الحملة المخابراتية الراهنة التي يتعرض لها التجمع الوطني الديمقراطي والتي تستهدف قائده الدكتور عزمي بشارة بشكل خاص، إنما هي تعبير عن أن السلطات الإسرائيلية ضاقت ذرعاً بالمشروع السياسي لهذا الحزب بوصفه مشروعاً تصادمياً مع جوهر المشروع الصهيوني المعادي حتى النخاع لحقوق ووجود الاًقلية العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر.

لقد نجحت قيادة التجمع بتشخيص أهداف هذه الحملة وتحديد ملامحها بدقة، وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية حاولت شخصنتها وتوجيه السهام الى راًس الهرم، أدركت هذه القيادة أنها هجمة على كل منجزات الجماهير العربية السياسية التي كان لبرنامج التجمع وخطابه السياسي الدور الرئيس فيها، من خلال هيمنته ثقافياً على مجمل طروحات الحركة الوطنية ونخبها.

هذا التشخيص انعكس ايجاباً على أداء وسلوك التجمع، فأدار المعركة بحكمة وعقلانية ثورية غير مقتصرة فقط على التمسك بالمشروع الوطني للتجمع، وإنما نجح بامتياز في كسر وعرقلة مخطط التخويف السلطوي للجماهير والحركات السياسية على السواء، وتجلى ذلك بأبدع صوره في المهرجان التضامني الكبير الذي عقده في الناصرة وشارك به آلاف الشباب، إضافة إلى وفود ومندوبي جميع الحركات والاًحزاب والجمعيات الفاعلة في الوسط العربي.

في ظل هذه الحملة المعادية استطاع التجمع تفعيل مؤسساته التنظيمية بنجاعة، مكرساً نهج القيادة الجماعية على عكس ما يشاع عادةً عن القيادة الفردية التي مع غيابها راهن الكثيرون على انهيار هذا الحزب.

باعتقادنا إن الظروف الموضوعية والتنظيمية للتجمع تؤهله في الوقت الراهن أن يجعل من المؤتمر الخامس محطة نوعية في تطوره وارتقائه كحزب رائد وقائد للحركة الوطنية في الداخل، بعدما أصبح رأس الحربة في الحالة التصادمية مع المشروع الصهيوني. فالإصرار على رفض يهودية الدولة كطريق وحيد للمساواة التامة، والتاًكيد على التواصل مع الأمة العربية قولاً وفعلاً كشرط للحفاظ على الهوية القومية، والسعي إلى تنظيم الأقلية العربية في إطار مشروع الحكم الذاتي الثقافي كاًساس لاًحقاق الحقوق الثقافية والسياسية، كل ذلك يؤدي حتماً إلى تعميق حدة التناقض مع المؤسسة الإسرائيلية التي تتخبط اليوم أمام خيارين بعد فشل محاولة الترهيب بقضية المناضل عزمي بشارة وتصنيف ساحتنا من خلال ثنائية " المعتدل والمتطرف " كما هو معمول به اميركيا على المستوى الإقليمي.

الخيار الأول تصعيد حملة التحريض وصولاً الى مرحلة القمع الفعلي والعنيف والذي يندرج في إطاره الإخراج عن القانون والاعتقالات الجماعية. ونحن من جهتنا نستبعد، ضمن ميزان الربح والخسارة الحالي، أن تنهج السلطة هذا النهج، لاًنها تدرك تماماً أن الحركة الوطنية اليوم أقوى بكثير من السابق، حيث كانت تعد بالعشرات أو بالمئات على أحسن تقدير، في حين ينخرط في صفوفها اليوم الآلاف ويدعمها عشرات الآلاف في أسوأ تقدير.

أما الخيار الثاني فهو التراجع العلني لصالح خطة بديلة لضرب الحركة الوطنية عبر اختلاق معارك داخلية في ساحتنا تسند فيها المهمات الأساسية إلى الطابور الخامس من الانتهازيين والساسة الصغار وبعض كتبة الحزب الشيوعي ومن يقف خلفهم وراء الستار. وبعض هؤلاء يعانون من حقدٍ مرضي ومزمن وعقدة نقص أمام التجمع وإنجازاته. ونعتقد أن هذه المعارك سيكون هدفها الرئيسي مهاجمة المشروع الوطني عبر اطلاق شعارات ومفاهيم تكرس الأسرلة والإمعان في استخدام مصطلحية تشويهية لهذا المشروع، مثل " دولة يهودية ودمقراطية " مقابل دولة المواطنين، والاعتراف الشكلي بالأقلية القومية بديلاً لتنظيمها على أساس قومي، والاندماج المشوه واللا متساوي في مؤسسات الدولة عوضاً عن الحكم الذاتي الثقافي.

انطلاقاً من هذا التحديد نرى انه ينبغي على التجمع في مؤتمره الخامس التركيز على جملة من القضايا السياسية والتنظيمية والحفاظ على جدلية خلاقة فيما بينها، ليس عبر تنظيرات وهياكل تنظيمية مركبة ومرهقة، وانما من خلال استثمار وتوظيف الطاقات التنظيمية في مهمات الحزب السياسية والثقافية، والتركيز على مبداً القيادة الجماعية في كل هيئات ومؤسسات الحزب، بوصفه الضامن لخلق قيادات جديدة وابداع وسائل متنوعة في تسويق المشروع الوطني وإنجاحه.

أما على المستوى السياسي فانه علاوة على الحفاظ على وحدة المشروع السياسي وعدم تجزئته، ينبغي إبراز عناصر القوة فيه وإعطاء حيز أكبر لمشروع الحكم الثقافي وتعزيز التلاحم والتواصل مع الاًمة العربية، من خلال تنظيم العلاقات مع أحزابها ومؤسساتها القومية، وحتى ماًسسة هذه العلاقات من خلال صيغة استثنائية خاصة داخل الجامعة العربية، تتيح الفرصة أمام عرب ال 48 للانخراط في الوطن العربي على كافة المستويات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. ولكي لا تكون هذه الفكرة عاطفية، فهي تستاًهل دراسة تفصيلية تقترح برنامجاً وخطوات وتوصيات عينية تعرض للنقاش على مستوى جميع الأطراف المعنية في الداخل والخارج على السواء.

أما على مستوى الفعالية السياسية والنشاطات العينية، فإنه لا بد من التاًكيد على ضرورة التركيز على المبادرة لفعاليات سياسية منظمة ومنهجية وتحديد قواعد اللعبة، بدلاً من التقوقع في دائرة ردود الفعل. وعلاوةً على نشاطنا السياسي البرلماني والنقابي و الجماهيري والثقافي في الساحة المحلية، فإن فعالياتنا السياسية ينبغي ان تتسع دائرتها لتطال الساحة الدولية في فضح العنصرية الاسرائيلية وتاًليب الراًي العام ضدها، واستخدام الوسائل المتاحة التي قد تصل حد مقاضاة مجرمي الحرب والمؤسسات العنصرية في المحاكم الدولية. فالذي يجب أن يحاكم ليس عزمي بشارة، وإنما أولمرت وبيرتس وغيرهما من مرتكبي أبشع الجرائم ضد الإنسانية، فلا تنقصنا الاًدلة والتقارير الدولية، الرسمية وغير الرسمية، التي تدينهم على بعض ما ارتكبوه من جرائم في لبنان و فلسطين.

ختاماً لا شك أن المؤتمر الخامس إذا ما اضطلع بهذا النوع من المهام، فإنه يضع التجمع في مرحلة جديدة في قيادة وتصدر الحركة الوطنية في الداخل، وهذه المرحلة تحتم استقطاب كافة التيارات الوطنية الصادقة ودعوتها للتحالف أو حتى الاندماج، حيث أن هذه التيارات الأصيلة لم يعد لديها لبس بأن التجمع الوطني الديمقراطي هو الحالة الصدامية الاًرقى مع المشروع الصهيوني العنصري في ساحة الداخل.

التعليقات