في خضم الأحداث المؤسفة والمشينة والمعيبة التي شهدتها مدينة شفاعمرو، لم نتنبه بما فيه الكفاية إلى خطاب بار إيلان، الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الأحد من هذا الأسبوع، وطرح خلاله رؤيته السياسية والأمنية، مع ذلك، وعلى الرغم من ذلك نريد أن نوجه سؤالاً ساذجاً: هل تترك الدجاجة قفاها؟ الإجابة على هذا السؤال، المستنبط من مثلنا العربي العامي، هو النفي القاطع، فمن عوّل على أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم حبيبتها-ربيبتها، الدولة العبرية، على موائد اللئام بسبب مواقفها العنصرية والرافضة للسلام مع العرب، وتحديداً مع الفلسطينيين، تلقى صفعة مجلجلة بعد رد فعل الرئيس الأمريكي، باراك حسين أوباما، على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي وصفه المعلقون السياسيون بأنّه كان خطاباً تاريخياً.
السيد أوباما، قال إنّ الخطاب كان جيداً، أما الاتحاد الأوروبي للنفاق والنميمة، فقد أكد في بيان رسمي على أنّ خطاب نتنياهو هو خطوة جدية في الاتجاه الصحيح. وكان لافتاً للغاية ما كتبته الصحافية سيما كدمون في (يديعوت أحرونوت) بأنّ الخطاب حطّم لأول مرّة حلم إسرائيل الكبرى، ولن يجرؤ أيّ رئيس وزراء قادم في إسرائيل على التنصل من "وعد نتنياهو"، بإقامة الدولة الفلسطينية، على حد وصفها، ناسيةً أو بالأحرى متناسيةً، أنّ دولتها "الديمقراطية" لم تُنفذ منذ إقامتها على أنقاض شعبنا العربي الفلسطيني وحتى الآن أكثر من ستين قراراً صادراً عن مجلس الأمن الدولي وعن هيئة الأمم المتحدة، وبالتالي من المناسب بمكان أن نؤطر هذا التحليل ضمن سياسة غسيل الدماغ الذي تؤديه صحافة البلاط العبرية على أحسن وجه.
باعتقادنا المتواضع جداً فإنّ خطاب نتنياهو كان خطيراً للغاية، والأخطر ما في الأمر هو ما لم يقله نتنياهو عندما وضع النقاط على الحروف في جميع المسائل العالقة والشائكة بصراحة ووضوح تؤكد أنّ الرجل هو صاحب أيديولوجية متطرفة للغاية في كل ما يتعلق بالناطقين بالضاد من المحيط إلى الخليج.
والأخطر من هذا أنّ استطلاع الرأي الذي أجراه معهد (ديالوغ-هآرتس) أكد بشكل قاطع أنّ الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين توافق على ما جاء في خطاب نتنياهو، وأنّ شعبيته بعد الخطاب ارتفعت بشكل كبير للغاية، أي أننّا أمام حالة صعبة للغاية: حكومة عنصرية ومتطرفة مدعومة من شعب تسير في دمائه العنصرية والكراهية لكل عربي على وجه هذه البسيطة، وهذه باعتقادنا التربة الخصبة لتحول الدولة العبرية إلى دولة فاشية وبامتياز.
الفلسطينيون في الداخل باتوا، بعد خطاب رئيس الوزراء، في مقدمة المستهدفين من قبل صنّاع القرار في دولة الاحتلال، فنتنياهو، لمن نسي، هو الذي قال عندما كان في المعارضة إنّ العرب في إسرائيل، على حد تعبيره، يُشكّلون قنبلة ديمغرافية موقوتة، وأنّ إسرائيل قادرة على حل مشكلة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة، ولكن المشكلة الرئيسية هي عرب الـ48.
وهذا النهج يتطابق مع تصريح الوزير السابق ونائب رئيس جهاز الأمن العام السابق (الشاباك الإسرائيلي)، جدعون عزرا، الذي قال لصحيفة (هآرتس) بالحرف الواحد: تخّلص من العرب في الضفة، تخّلص من العرب في غزة، تبقى المشكلة الرئيسية التخلص من العرب في إسرائيل، لا حاجة للتوضيح أكثر من ذلك.
وما جاء في خطاب نتنياهو ما هو إلا تأكيد على أنّ الدولة العبرية أخرجت من الرف المخطط الرهيب لإحداث نكبة ثانية، ولكن بوسائل أكثر عنصرية، ولكنّها مغلفة بأساليب عصرية. رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي ارتفعت شعبيته بعد الخطاب، كما أكد استطلاع للرأي العام أجراه معهد (ديالوغ-هآرتس) يوم الاثنين من هذا الأسبوع، وأعربت الأغلبية الساحقة من المستطلعة آرائهم عن موافقتها على مضمون الخطاب، طلب من الفلسطينيين بأن يعترفوا بإسرائيل على أنّها دولة يهودية كشرط لموافقته على منح الفلسطينيين (دولة باستونات) على مقاسات أمريكية وأوروبية وإسرائيلية، ولا نستبعد البتة أن يكون بعض زعماء الاعتدال يوافقون على هذا الشرط من تحت الطاولة، ولكنّهم على مرأى ومسمع الناس يقولون عكس ما تعهدوا به، وهذا الأمر ليس غريباً على زعماء "سرقوا" الحكم من شعوبهم وصادروا حرياتها وقمعوا رأيها، وأطلقوا العنان لأجهزة المخابرات لتأديب من يعمل على ما يُسمى في حظائر سايكس- بيكو، ب"إضعاف النظام الحاكم"!.
المطلب الإسرائيلي، وبالمناسبة إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي أقيمت بقرار من هيئة الأمم المتحدة، بأن تكون دولة يهودية، يعني بالنسبة لنا أن تكون نقية وطاهرة من كل ناطق بالضاد، أي أنّ ما يتستر وراء مطلب رئيس الوزراء هو تهجير البقية المتبقية من الفلسطينيين في مناطق الـ48 إلى "الدولة" الفلسطينية، وللتدليل على ذلك، نورد في هذه العجّالة أنّ مسألة تبادل الأراضي بين الإسرائيليين وبين القيادة الفلسطينية "الحكيمة" بقيادة الثنائي غير المرح، السيد محمود عبّاس، والدكتور سلام فيّاض، قد تمّ الحديث عنها، ورُشحت أنباء عديدة من مصادر غربية وعربية وإسرائيلية وفلسطينية بأن هناك إجماعا دوليا على هذه المسألة، وبالتالي فإنّ إسرائيل تمكنت من إملاء قضية التبادل على المجتمع الدولي.
وعليه إذا كان التبادل من حيث المبدأ مقبولاً على الأطراف المتنازعة والراعي المتحيز لما يُسمى بالعملية السلمية، فما المانع من أن تقوم إسرائيل بتطوير مبدأ التبادلية ليشمل أيضاً الأرض والسكان؟ بمعنى آخر: ما الذي يمنع الدولة العبرية في طريقها إلى تحقيق حلم الدولة اليهودية النقية من أن تطالب بأن يشمل التبادل أيضاًَ، الفلسطينيين الذين يسكنون في موطنهم، فلسطين، وليس في دولتهم، إسرائيل، هل توجد ضمانات لإجهاض هذا المطلب، خصوصاً وأنّ الاستعلاء الإسرائيلي على العرب بات ماركة مسجلة، خصوصاً وأنّ إسرائيل أقوى دولة من ناحية عسكرية في الشرق الأوسط، ووفق التقديرات فإنّ جيشها باستطاعته التغلب على جيوش الدول العربية مجتمعةً، وبما أنّ القوة هي التي تحكم موازين القوى في العلاقات الدولية، فإنّ الطرف الضعيف، أي العرب والفلسطينيين، سيكون مضطراً للموافقة على شروط القوي، المدعوم من الأمريكيين والأوروبيين، خصوصاً وأنّ الأمّة العربية أسقطت خيار المقاومة من أجندتها منذ العام 1973، وتبنت السلام كإستراتيجية لحل الصراع مع إسرائيل، وعرضت المبادرة العربية في العام 2002، التي أكل الدهر عليها وشرب، على الرغم من أنّ وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك، بنيامين بن اليعزر، قال في حديث أدلى به لصحيفة (معاريف) إنّ المبادرة العربية هي أكبر إنجاز حققته الحركة الصهيونية منذ تأسيسها.
التهديد المحدق بالعرب الفلسطينيين الذين يعيشون في الدولة العبرية هو أكبر من أن تتمكن الأقلية الفلسطينية في مناطق الـ48 من مواجهته، وإذا أخذنا بعين الاعتبار القوانين العنصرية التي أصبحت موضة عصرية في الكنيست الإسرائيلي، فإنّ سياسة الترانسفير البطيء، أي إجبارنا على التفكير بمغادرة أرضنا وبلادنا ووطننا، قد بدأت فعلياً تخرج إلى حيّز التنفيذ، في ظل سكوت فلسطيني وعربي معيب.
وفي هذا الإطار يمكن التذكير بتصريح رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس (أبو مازن) بأنّ الفلسطينيين في مناطق الـ48 هم "عرب إسرائيل"، وأنّ مواقفهم المتشجنة لا تساهم في صنع السلام مع إسرائيل، على حد تعبيره. وعلى الرغم من أننّا نرفض جملةً وتفصيلاً هذه الرؤية الخاطئة، إلا أنّ المجتمع الدولي، وبطبيعة الحال، الدولة العبرية، قد يتمسك بها ويستخدمها لتنفيذ المآرب التي تعكف تل أبيب على تنفيذها ضدنا.
خلاصة الكلام، أنّ وضع الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل ينتقل من مرحلة سيء إلى الأسوأ بسرعة فائقة، ولا توجد هناك ضمانات بعدم المس بنا، ولا توجد جهة عربية أو دولية رسمية لصد العنصرية الإسرائيلية، وبالتالي، علينا أن نترفع عن خلافاتنا غير المبررة، وتحديد إستراتيجية واضحة لتدويل قضيتنا قبل فوات الأوان، والتوجه بخطاب واحدٍ وموحدٍ إلى القوى الديمقراطية في العالم ووضعها في الصورة القاتمة، لأنّ الوقت لا يلعب في صالحنا، ولكي لا نندم حين لا ينفع الندم.
التعليقات