31/10/2010 - 11:02

رأفة بالأسرى وعائلاتهم../ علي جرادات

رأفة بالأسرى وعائلاتهم../ علي جرادات
بسرعة البرق تحولت التصريحات والتسريبات التي أطلقتها أوساط فلسطينية مختلفة حول ملف إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، تلك التصريحات والتسريبات التي أعقبت تصريحات أدلى بها وزير الإعلام الدكتور مصطفى البرغوثي في مؤتمر صحافي بعد الجلسة قبل الأخيرة للحكومة ، وأعلن فيها عن إحراز تقدم في هذا الـملف؛ نقول بسرعة البرق تحولت هذه التصريحات والتسريبات إلى مادة إعلامية تلقفتها وسائل الإعلام بأشكالها وجنسياتها، وتناقلتها على نطاق واسع، وأشبعتها تحليلا، وارتكزت عليها فيما نثرته مِن توقعات وتقديرات وآمال وتنبؤات حول مجريات الاتصالات بين آسري الجندي شاليت والحكومة الإسرائيلية بوساطة مصرية.

بناء على تلك التصريحات والتسريبات، وبالرغم مِن أن الأوساط والـمصادر الإسرائيلية فضلا عن مصادر وأوساط آسري الجندي الإسرائيلي قد قللت مِن شأن هذه التصريحات، إلا أن ما أثارته تلك التصريحات حول هذا الـملف، استحوذ على اهتمام الشارع الفلسطيني، وانتشر كانتشار النار في الهشيم في أوساطه، وخاصة في أوساط عائلات الأسرى وذويهم. وهذا طبيعي ومنطقي، فعلاوة على الحساسية الوطنية والشعبية العامة تجاه قضية الأسرى، وإضافة إلى اللهفة الإنسانية الطبيعية للأسرى وعائلاتهم لسماع ولو حرف واحد عن مجريات الاتصالات الـمصرية مع الإسرائيليين، والنتائج النهائية التي ستسفر عنها، فإن طريقة تصدير ما قيل عن تقدم طرأ على هذا الصعيد، أثارت الشارع الفلسطيني، وخلقت لديه آمالاً قد تكون قبل أوانها، وأنبأت بتوقعات ربما تكون أعلى مما سيكون عليه الـمآل النهائي.

في السياق، واستنادا إلى مرارات دروس التجارب السابقة في تعامل الإسرائيليين وأجهزتهم الأمنية مع عمليات تبادل الأسرى، هذا فضلا عن "طول حبالهم" في التعامل مع موضوع الأسرى عموما؛ وبالنظر إلى الحساسية الوطنية للـموضوع عموما، وحساسيته الفائقة للأسرى وعائلاتهم خصوصا، فإن الـمسؤولية تقضي ضرورة توخي الدقة، والتعامل بحذر واحتراس أعلى فيما يتم إطلاقه مِن تصريحات وتسريبات حول هذا الـملف الحساس والدقيق، لأن مِن شأن تحويله إلى موضوع إعلامي تتسابق الأطراف والأوساط والأفراد والجهات للتصريح وإبداء الرأي فيه، ونثر التوقعات والتقديرات حوله، أن يضع الأسرى وأفراد عائلاتهم، بل والشارع الفلسطيني عموماً في دوامة أسئلة:

متى ستتم عملية التبادل؟!!! وكم هو عدد الأسرى الذين ستشملهم؟!!! وما هو نوعهم، ومَن هُمْ؟!!! ولـماذا التركيز على فلان أو علان؟!!! ولـماذا عدم إيراد هذا الاسم أو ذاك؟!!! ومَن هي الجهة التي قررت تقديم هذه القائمة بعينها؟!!! وهل لو تم الاتصال بهذا الـمسؤول أو ذاك يمكن أن يفيد في إدراج اسم هذا الأسير أو ذاك؟!!! وهل....وهل....ألخ مِن أسئلة تبدأ ولا تنتهي.

عليه، فإن الطريقة الـمثلى للتعامل مع هذا الـموضوع على الصعيد الإعلامي، هي الطريقة التي تتحدث بالعموميات ولا تغوص في التفاصيل، وتحتكم فيما تقول وتطلق مِن تصريحات لحكمة: "حين نرى الصبي نصلي على النبي". فهذه الطريقة الحصيفة مِن التعامل مع ملف بهذا الـمستوى مِن الحساسية والدقة والتشابك والتعقيد، لا تجنب مَن يدلي بتصريحات حوله خطيئة إثارة الشارع بأسئلة لها أول مِن دون آخر فقط، بل وتجنبه أيضا الوقوع في خطيئة بث توقعات وآمال ربما يأتي الحصاد النهائي مخالفا لها. وهذا أمر وارد ومتوقع، وتزكيه دروس تجارب سابقة في تعامل الإسرائيليين على هذا الصعيد مثنى وثلاث ورباع؛ إذ ألـم يَخْلف الإسرائيليون، وفي أكثر مِن مرة، وعودهم حول عدد ونوع الأسرى الـمراد الإفراج عنهم، أو حول مَن أوحوا أنهم موافقون أو مستعدون لإطلاق سراحهم؟!!! بلى، وهذا ما يستدعي مِن حيث الـمبدأ الحذر والاحتراس، ووقف عملية إطلاق التصريحات الإعلامية حول الـموضوع، وبالتحديد حول عدد ونوع وأسماء الأسرى الـمتوقع إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت.

هذا مِن حيث الـمبدأ، أما حول الـمؤشر الأبرز الذي وقف خلف تقديرات التصريحات القائلة إن تقدما جديا طرأ على موضوع التبادل، أي مؤشر تسلـم الإخوة الـمصريين قائمة بأسماء الأسرى الـمطلوب فلسطينيا الإفراج عنهم، فإنه مؤشر، وإن كان يشكل خطوة للأمام، إلا أنه لا يسمح بالقول إن تقدما نوعيا قد طرأ على عملية ما يقوم به الإخوة الـمصريون مِن اتصالات مع الإسرائيليين بشأن تبادل الأسرى، وبالحد الأدنى نجزم أنه غير كافٍ لتحديد نوع الأسرى الذين ستشملهم عملية التبادل في الـمآل النهائي. إذ معلوم أن الإخوة الـمصريين قاموا بنقل هذه القائمة للحكومة الإسرائيلية التي قامت بدورها، وكما هي العادة بتشكيل لجنة وزارية لتحديد معايير الإفراج، فضلاً عن وضع القائمة على طاولة الأجهزة الأمنية ومعاييرها لرفع توصياتها، والتي عادة، وبناء على التجارب السابقة ما تكون بمثابة قرارات.

كذلك، فإن ما قيل عن تفاهم تم التوصل إليه، ويقضي بأن تتم عملية إطلاق سراح الأسرى على ثلاث دفعات (مراحل)، لا يكفي هو الآخر كمؤشر على القول إن تقدما جديا قد طرأ، فهذا الـمؤشر، وإن كان يشير إلى لحلحة ما في هذا الـملف، إلا أنه لا يشكل دليلا على إحراز تقدم نوعي، وذلك لأنه لا يتناول نوع الأسرى الذين ستقرر الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية في النهاية إطلاق سراحهم.

في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى دلالة فحوى مقالة كتبها الـمحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية زئيف شيف، ونشرت صحيفة الأيام ترجمتها في عدد أول من أمس الاثنين 9 ــ 4، والـمقالة بعنوان "هوية السجناء العقبة الكأداء". في مقالته التي يوحي عنوانها بمضمونها، يقول زئيف شيف:
"رغم التقدم في الـمفاوضات على تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، فإن إعادته إلى إسرائيل ليست متوقعة قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق حول أسماء السجناء الفلسطينيين الذين سيحررون في الـمقابل". ويضيف: "يعتبر هذا الـموضوع عقبة كأداء في الـمفاوضات بين إسرائيل و"حماس"، والتي تجري بوساطة مصرية". ويشير إلى أن ما طرأ مِن تقدم على هذه الـمفاوضات نجم عن "تغير إيجابي طرأ مؤخراً على نهج "حماس" في الـمفاوضات. وسبب التغير هو رغبة الحركة في التوصل إلى تفاهم مع الدول الأوروبية يؤدي إلى رفع الحصار عن قطاع غزة وإقامة علاقات كاملة مع حكومة الوحدة الفلسطينية". وفي نهاية مقالته يستخلص زئيف شيف: "ومع أنه اتخذت خطوة إلى الأمام، فإن الـمفاوضات لا تزال بعيدة عن نهايتها".

إن التقدير بأن الاتفاق على نوع الأسرى الذين سيشملهم الإفراج هو الـمعيار الأساسي لقياس التقدم في مفاوضات تبادل الأسرى، هو تقدير صحيح ودقيق، وينسجم في ذات الوقت مع دروس التجارب السابقة في كيفية تعامل الإسرائيليين وأجهزتهم الأمنية على هذا الصعيد.

عليه، فإن استخلاص زئيف شيف، وهو الأدرى بمداولات أجهزة الأمن الإسرائيلية، ويعلـم عنها ما لا نعلـم، يشكل سببا آخر لضرورة التعامل بحذر أعلى واحتراس أشد فيما يطلق مِن تصريحات، وما يجري مِن تسريبات، وما يتم نثره مِن توقعات، وما يتم تعليقه مِن آمال على ملف الجندي الإسرائيلي شاليت، وما يمكن أن يفضي إليه إطلاق سراحه مِن نتائج على صعيد الإفراج عن أسرى فلسطينيين.

إن مطلب الحذر والاحتراس في إطلاق التصريحات حول هذا الـملف، لا يستدعيه واجب الـمسؤولية عن دقة ما تشيعه مثل هذه التصريحات مِن توقعات وآمال فقط، بل تتطلبه الرأفة بمشاعر الأسرى وأفراد عائلاتهم أيضا، وقبل أي شيء آخر.

التعليقات