31/10/2010 - 11:02

لماذا الآن وهنا بالذات../ همّت زعبي

لماذا الآن وهنا بالذات../ همّت زعبي
يتزايد في السنوات الأخيرة الحديث والعمل في قضايا تعنى بالنساء وتنشط المحاولات لترسيخ قيم نسويّة في داخل مجتمعاتنا العربية. وبهذا السياق، تختلف النسويّات/ الناشطات النسويّات في مناطق الـ 48 حول تعريف النشاط النسويّ في المجتمع الفلسطيني في الداخل. فبعضهن يدعين وجود حركة نسويّة وأخريات يتواضعن ويدعين وجود بذور لمثل هذه الحركة، وأخريات يصفن الموجود بأنه نشاط نسويّ أو ربما وجوده يعود إلى فاعلات وناشطات نسويّات تقمن عبر جمعيات نسويّة ونسائيّة مختلفة بالعمل من أجل رفع مكانة المرأة وإحداث بعض التغيير في القيم الاجتماعية وعلاقات النوع الاجتماعي داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل.

قد يصعب الحكم وتسمية الحراك في هذا المجال، وقد يكون من غير المجدي أو حتى الضروري اختيار التسمية، ولكن من الضروري في هذه المرحلة الوقوف عند هذا الحراك، ليس بهدف تقييمه بعلامة أو تسميّة بل بهدف رسم جهاته وتوجهاته وتخطيط وجهته المستقبلية لأهميته للمجتمع عامة، وللنساء على وجه التحديد .

من غير المنصف الادعاء أن الجمعيات النسويّة والنسائية تعمل بمعزل عن الحقل وعن احتياجات النساء في المجتمع. إذ تنشط معظم الجمعيات، القطريّة والمحليّة، في جميع مناطق التجمعات الفلسطينيّة في إسرائيل وتعمل عبر مجموعاتها المختلفة مع آلاف النساء سنوياً. تعمل وهي مصيغة لاحتياجات النساء، آخذة بعين الاعتبار الاختلافات الطبقية الجغرافية والمكانة الاجتماعية، بعد أن تم تذويت أهمية التعامل والتعاطي مع هذه الاختلافات كحقيقة وواقع وعدم الترفع عنها أو محاولة التعامل مع النساء كطبقة وشريحة واحدة لها نفس الاحتياجات.

وقد بات من المفهوم ضمنا أن معظم الجمعيات والناشطات النسويّات يعين أنه إلى جانب أو فوق هذه الاختلافات هناك سقف واحد ومنظومات قمعية تجمع تحتها جميع النساء الفلسطينيات في الداخل. فالقمع القومي وبالرغم من اختلاف مظاهره وإسقطاته على كل منا، والمبنى الذكوري الأبوي للدولة وللمجتمع الاسرائيلي كما للمجتمع العربي، وبالرغم من اختلاف حدته وتعدد قدرات أو إمكانيات كل منا لمواجهته، يشكلان التحديّ الأكبر الذي يواجه مجتمعنا ومن ضمنه النساء.

إن الوعي الاجتماعيّ والسياسيّ الذي يميز الحراك النسويّ/نسائيّ اليوم، وبالرغم من الإنجازات المهمة التي نتجت عن هذا الحراك، والذي ينعكس، فيما ينعكس، في تنظيم مظاهرة جماهيرية حاشدة ضد قتل النساء. مظاهرة حظيت بدعم جميع الحركات السياسيّة والاجتماعيّة الفاعلة في المجتمع الفلسطينيّ وبحضور عدد كبير من المتظاهرين رجالا ونساء من مختلف شرائح المجتمع. كما الاهتمام المتزايد في العمل على دفع النساء للخروج واخذ دور أكثر فعالية في الحيز العام، ووصول أول امرأة عربية من حزب عربيّ فلسطينيّ إلى عضوية الكنيست. هذا إلى جانب ازدياد اهتمام الإعلام المسموع والمكتوب في قضايا النساء. انجازات تمت، في بعض الأحيان، أيضا بسبب وبدفع من عوامل خارجية مثل دوافع الممولين وأجنداتهم – وليس هنا المكان للتوسع في هذه القضية على الرغم من أهميتها – إلا أن فاعلية ونجاعة هذا الوعيّ على المستوى الاجتماعيّ العام تبقى محدودة وفي نفس الوقت تنحصر التغييرات التي يسعى على إحداثها بتغييرات شكلية ورمزية أحيانا وتنحصر التغييرات البنيوية في شريحة صغيرة فقط.

نخبوية الخطاب النسويّ، كما يدعي البعض، ليست السبب في عدم مقدرة النسويّات التعامل بنجاعة مع التحديّات السياسيّة والاجتماعيّة. فكما جاء، معظمنا على علاقة يومية وقريبة مع المجتمع المحيط، نعيش ونعي تماماً ظروف النساء من جميع شرائح المجتمع ونتشارك في كثير من الأحيان الظروف ذاتها. ولا يكمن السبب في عدم مقدرتنا أو اختلافنا على تشخيص الأسباب التي ترسّخ الوضع القائم أو في وضع الإصبع (الأصابع) على المعيقات والمسببات التي تساهم في تكريس المكانة المتدنية للنساء الفلسطينيات في الداخل. كما ونتفق جميعا على أن الطريق إلى التغيير مشروط في تغيير المنظومة الأبوية، وأن التحدي يتطلب منا مواجهة في عدة جبهات.

على العكس، تشكل هذه الحالة، واقصد انشغالنا المستمر في تشخيص واجترار الأسباب والمعيقات، في رأيي، أحد أهم المعيقات التي تقف أمام تطوير عملنا النسويّ وتحد من قدرتنا على طرح بدائل لتغيير جوهريّ اجتماعيّ شموليّ. إذ لا يكفي أن نشخص الأسباب بل علينا أن نقوم باقتراح طرح بديل اجتماعيّ سياسيّ وشموليّ يضع مصلحة المجتمع الفلسطينيّ في المركز، طرح يستند إلى قناعة أن تحرر المجتمع من المنظومة الأبوية يعود بالمنفعة للمجتمع ككل ويشكل رافعة في تحدي الظروف السياسية الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني في الداخل .

ولا يمكن لهذا الطرح أن يتبلور ما دامت المنظومة العصبية تسيّر بعض أو ربما معظم جمعياتنا النسوية. منظومة نقوم في التنظير على ضرورة قلعها من المجتمع، وفي ذات الوقت نقوم أحيانا بتكريسها داخل وبين مؤسساتنا بتعصبنا لحزب لبلد أو حتى بالتعصب للجمعية ذاتها. كما لا يمكن بناء هذا الرؤية في ظل مهننة العمل النسويّ والتعامل مع المشروع والقيم النسويّة بدافع الوظيفة المعاش والتمويل.

ولا يمكن للرؤية أن تكون شاملة بدون مشاركة تامة للرجال في بنائه وفي تنفيذه. فعلى الرجال أن يكونوا جزءا من المشروع ليس لمنفعة تعود إليهم. فعلى الرغم من صدق الإدعاء أن الرجال أيضا قد يكونون ضحايا للقمع القومي ولقمع النظام الأبوي فإن الإمكانيات والمساحات الممنوحة للرجل في علاقات القوة القائمة في المجتمع، امتيازات يحصل كل رجل لكونه رجلا "بفضل" النظام الأبوي، تملي عليه أن يقاوم ويناور النظام الأبوي مثله مثل النساء إن لم يكن أكثر- تماما كما تملي علاقات القوة بين النساء أن يقمن المّدعمات بتدعيم وتمكين والمحاربة إلى جانب المستضعفات- ومن باب المسؤولية المجتمعيّة، عليه (الرجل) أن يكون شريكا للمرأة في بناء مجتمع عادل وفعّال في جميع شرائحه وقوي ليتمكن من مقاومة القمع القومي الممارس ضده وضدها. مجتمع يشترك جميع أفراده في مواجهة الظروف السياسّية الاجتماعيّة والاقتصاديّة الصعبة.

التعليقات