31/10/2010 - 11:02

يوم استقلالهم يوم نكبتنا../ راسم عبيدات

يوم استقلالهم يوم نكبتنا../ راسم عبيدات
إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بقرار من هيئة الأمم المتحدة، وهي أكثر الدول رفضاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة، وخصوصاً القرارات المتعلقة بتصرفاتها وممارساتها العنصرية بحق الشعب الفلسطيني. ولعل أبرز تجليات هذا الرفض رفض القرار الأممي 194 المتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها عنوة وقسراً واقتلاعا وإرهاباً وترويعاً.

واليوم وحكومة الاحتلال تحتفل بالذكرى الثانية والستين لاغتصاب فلسطين أو ما يسمى بيوم الاستقلال، فهي تعلن علناً وجهراً بأنها لن تقبل بعودة أي لاجيء فلسطيني إلى الداخل الفلسطيني- مناطق 48 -، ويعلن قادتها بكل صلف وعنجهية بأنهم لن يتحملوا أية مسؤولية أخلاقية ولا سياسية عن نكبة شعبنا الفلسطيني، ويقولون بـ"الفم المليان" لن نعتذر عن الاستيلاء على صفد ويافا والقطمون، ولن نوقف البناء في القدس وغيرها، بل وأضافوا شروطاً جديدة في مفاوضاتهم ومحادثاتهم مع السلطة الفلسطينية، وهو شرط اعتراف السلطة الفلسطينية بيهودية الدولة، مقابل الموافقة على دويلة "الكانتون" الفلسطيني.

هم يرقصون ويحتفلون على معاناة وعذابات شعبنا وتشرده في المنافي ومخيمات اللجوء.. هم يعلنون ويترجمون أقوالهم إلى أفعال، وبدون مواربة أو خجل، بأن مشروعهم الصهيوني القائم جوهره على الاستيطان ماض إلى نهاياته، وفي كل بقعة من أرض فلسطين التاريخية، لا تهمهم الأسماء والتقسيمات ثمانية وأربعين، قدس، ضفة غربية وغيرها، فكلها عندهم ما يسمى بأرض إسرائيل، أرض الآباء والأجداد،.. وهم تحكمهم العنجهية والعقلية التوراتية وايدولوجيا إقصاء الآخر ونفيه.. وهم بكل ألوان طيفهم السياسي من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين متفقون على الإستراتيجية ويختلفون على الوسائل والتفاصيل، فجميعهم يقولون "لا" قاطعة لحق العودة الفلسطيني، ولا للانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران، ولا لدولة فلسطينية مستقلة، ونعم لمفاوضات ماراثونية مع الجانب الفلسطيني لا تمنح الفلسطينيين شيئاً، وتعطيهم الوقت من أجل استكمال مخططاتهم ومشاريعهم في الأسرلة والتهويد والتطهير العرقي وتكثيف الاستيطان في كل بقعة من جغرافيا فلسطين التاريخية.

هم يحتفلون بما حققوه من انتصارات وإنجازاتهم لدولتهم على مدار اثنين وستين عاماً.. هم يحتفلون بما حققوه من قوة ردع في المنطقة، جعلت من دولتهم الآمر الناهي في المنطقة، طائراتها وصواريخها وفرق اغتيالاتها تصل إلى أي عاصمة عربية، تقصف، تقتل، تغتال وتدمر، دون أي رد أو مقاومة، بل توعد بالمزيد من القتل والدمار، في فرعنة غير مسبوقة في التاريخ، حتى أن باراك هدد بإعادة سوريا إلى العصر الحجري، إذا ما هاجم حزب الله اللبناني إسرائيل أو تحرش بها، أو استخدم حقه المشروع في الدفاع عن الأراضي اللبنانية إذا ما اخترقت أجواءها الطائرات الإسرائيلية.

نعم قياداتهم وأحزابهم تتبارى وتتسابق في الإنجازات، في البناء والاستيطان، في تقديم وإقرار القرارات والقوانين العنصرية، التي تستهدف الشعب الفلسطيني في كل تجمعاته.

هم يقدسون العمل والفعل، ونحن نقدس الخطب والشعارات.. هم يتفقون على الإستراتيجية ومصلحة الدولة، ونحن نقتتل على وهم سلطة لا تمتلك من مقومات السيادة شيئا،.. هم يدخلون كتاب"دينس" للأرقام القياسية من باب الاختراعات والاكتشافات والصناعات، ونحن ندخلها من باب الطبيخ أكبر صحن منسف وأكبر صحن حمص وأكبر سدر كنافة وأكبر سدر منسف....الخ، من أنواع الحلويات والمأكولات.

هم يرسمون إستراتيجياتهم ويخططون لعشرات السنين في كل مناحي الحياة، من الأمن إلى السياسة فالاقتصاد فالديمغرافيا...الخ.. ونحن لا يوجد لدينا لا خطط ولا إستراتيجيات، بل أفعالنا تكون مبنية في الكثير من الأحيان على ردات فعل على ما يقومون به وينفذونه، أو نضع خطط وبرامج لا تنطلق ولا تستند إلى الواقع، بل عبارة عن شطحات وقفزات في الهواء أو حظها من التنفيذ كحظ إبليس في الجنة.

هم أعداؤنا وحققوا حلمهم بإقامة دولة لهم على أرضنا وكبديل لشعبنا في أقل من مئة عام، أما نحن فمشروعنا الوطني وحلمنا في الحرية والاستقلال فإنه متعثر بل ويتراجع، ليس فقط بقوة وصعوبة الظروف والعوامل الموضوعية المحيطة، بل جزء أساسي من ذلك سببه في طبيعة ورؤية وتفكير وعقلية وسلوك قيادتنا، هذه القيادة التي تقود مشروعنا الوطني نحو الدمار والانتحار الذاتي بفعل سياسات الانقسام والحرب على السلطة والمراكز والأجندات غير الفلسطينية آن لها أن ترحل عن صدر شعبنا، آن لها أن تقف وقفة شجاعة أمام ذاتها، أمام أخطائها، أمام عجزها وعدم قدرتها على تحقيق الإنجاز، فالتاريخ والشعب لن يرحمها.

في هذا اليوم الذي يرفعونه فيه أعلامهم وراياتهم البيضاء والزرقاء ابتهاجا واحتفالا، ونحن نرفع راياتنا السوداء حداداً وحزناً، لا بد لنا من التأكيد على أن حق العودة لشعبنا كحق فردي وجمعي وقانوني وشرعي وتاريخي هو جوهر مشروعنا الوطني، وهو العصب الرئيس الذي يتوقف عليه إنهاء الصراع، وبدون حل عادل لهذا الحق ووفق القرار الأممي 194، فإن هذا الصراع كما قال الراحل حكيم الثورة جورج حبش، سيستمر مئات الأعوام، والتاريخ لم يكشف أو يعرف شعباً خان أو تخلى عن مشروعه وحلمه الوطني.

إن إسرائيل لا تتنكر لمقررات الشرعية الدولية فحسب، بل وتتنكر لقرارات محاكمها، فهي ترفض عودة مهجري قريتي برعم وإقرث إلى قراهم، وعلل مجلس الوزراء الإسرائيلي الذي أجتمع لهذه الغاية في 23/7/1772 هذا الرفض، حتى لا يكون سابقة يستغلها باقي سكان القرى المهجرة من أجل العودة لقراهم، وحتى لا تضعف الأيديولوجية الاستيطانية التوسعية والقائمة على طرد العرب وتهجيرهم.

في هذا اليوم الذي يحتفلون به، بما يسمى يوم استقلالهم، يوم نكبة شعبنا وتشرده في المنافي ومخيمات اللجوء، وفي هذه المرحلة الخطيرة جداً، والتي يتعرض فيها مشروعنا الوطني إلى مخاطر التصفية والتبديد والضياع والمشاريع البديلة، بفعل استمرار سياسات الانقسام والانفصال وغياب الرؤيا والإستراتيجية الموحدة، فإنه من الهام جداً تغليب مصلحة الوطن والشعب على المصالح الفئوية والأجندات الخاصة، والشروع في حوار وطني جدي ومثمر يستند إلى التوقيع على الورقة المصرية وثيقة الوفاق الوطني- وثيقة الأسرى- واتفاق القاهرة/ آذار2005 وغيرها.

وبدون ذلك فإن ما ينتظر شعبنا المزيد من الانقسام والضعف الداخلي، والمزيد من مشاريع التهويد والأسرلة وتكثيف الاستيطان، والتي ستقضي على حلم شعبنا في العودة وحق تقرير المصير والدولة المستقلة.

التعليقات