21/09/2018 - 10:50

أفق الإضراب الفلسطيني العام والموحّد

يجب عدم الاكتفاء بالأول من أكتوبر كنشاط فلسطيني مشترك لرفع عتب، بل حالة طويلة ومستمرة من النضال المنظّم ضد نظام الفصل العنصري الاستعماري في كل فلسطين تخرج بشكل أسبوعي، وتخلق أدوات وأطر جديدة وعصريّة وأفق وطني للتحرر.

أفق الإضراب الفلسطيني العام والموحّد

دَعت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، في ذكرى الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية، إلى إضراب فلسطيني عام. تجاوبت أول أمس القوى والفصائل الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة مع دعوة المتابعة ليكون الإضراب، يوم الإثنين في الأوّل من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، إضرابًا شاملًا وموحدًا في كل فلسطين ضد "قانون القوميّة" و"صفقة القرن".

تكمن أهميّة الإضراب الفلسطيني العام في جمعه كافة الشعب الفلسطيني في نشاط احتجاجي مشترك. لم يعد هناك شك أن المرحلة المقبلة يجب أن تشهد نضالًا فلسطينيًا مشتركًا، يجمع أهل غزّة مع الضفّة والقدس والـ48 وأيضًا اللاجئين خارج فلسطين، وتكسر واقع التجزئة. مرحلة النضال المشترك تتطلب تفكير ومخيال مشترك، وهنا تبرز ضرورة تنظيم أيام احتجاجيّة موحّدة كالإضرابات أو مظاهرات الغضب وغيرها، لما يمكن أن تفرزه من حالة جديدة.

الحالة الفلسطينيّة، بعد الترتيبات التي تجري لتنفيذ "صفقة القرن" وبعد سن "قانون القوميّة"، تمضي بتسارع في محاولة إسرائيليّة لإنهاء قضية فلسطين بشكل كلّي، دون إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني التاريخيّة والعادلة، وإغلاق هذا "الملف" وتأبيد السيطرة والسيادة الصهيونيّة على البلاد. وينعكس ذلك بشكل واضح من خلال الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة، وقف التمويل الأميركي للأونروا لتصفية قضية اللاجئين، وتطبيع الاستيطان الإسرائيلي وتكثيفه في الضّفة الغربيّة بشكل غير مسبوق، وعزل وحصار قطاع غزّة وقمع مسيراته السلميّة بشكل وحشي، وتحويل الفلسطينيين في الداخل إلى مواطنين درجة أخيرة وملاحقتهم أمنيًا وسياسيًا.

على الرغم من كل النقد الموجّه للفصائل الفلسطينيّة ولجنة المتابعة والحالة الحزبيّة السياسيّة المتردّية في كل فلسطين، وما أصابها من ترهّل وإخفاقات وانقسامات، يجب عدم الاستخفاف بالدعوة للإضراب العام الموحّد أو التعامل معه على أنّه إضراب عادي.

نذكر جميعًا صيف 2013 عندما دعت لجنة المتابعة إلى يوم احتجاجي في 15 تموز/ يوليو ضد "مخطط برافر"، بعد موجة من النقد على أداء القيادات والأحزاب السياسيّة، ونذكر كيف دعا الحراك الشبابي حينها للمشاركة في دعوة المتابعة، وانخرط في التنظيم والعمل دون انتظار أو توجيه من أحد، وبات 15 تموز/ يوليو حينها انطلاقة لحراك امتدّ أشهر تمكّن من وقف المخطط الإسرائيلي، خصوصًا عندما شعرت إسرائيل أن هذا الحراك يمكن له أن يتحول إلى حراك فلسطيني شعبي شامل، فكان وقف المخطط وإعادة الأمل للناس وتجديد الإيمان بجدوى النشاط السياسي والنزول للشارع وتحدّي المؤسسة الإسرائيليّة بكافّة أذرعها.

وما أشبه اليوم بالأمس، وما أمس الحاجة لحراك جديد في الشارع ينفض عنّا حالة اليأس والشعور باستحالة التغيير. النقد المُوجّه للقوى السياسيّة الفلسطينيّة شرعي ومطلوب وعليه أن يستمر، بالمقابل هناك حاجة أيضًا لمبادرات جديدة تخرج من رحم هذا النقد وإلّا ما حاجته؟ هناك أجيال شابة في كل فلسطين أصبحت بمرحلة نضوج فكري وتحمل تجربة سياسيّة تسمح لها بأخذ زمام المبادرة، ورأينا ذلك في أكثر من مناسبة وموقع.

لا شيء يمنع النشطاء الفلسطينيين في كافّة أماكن تواجدهم ممن يؤمنون بالنضال الفلسطيني الواحد ويدعون له، والذين خاضوا في السنوات الأخيرة تجارب سياسيّة ونضاليّة محليّة مختلفة، من أن يبدأوا بالتنسيق والعمل بشكل مشترك. غزّة خرجت منذ آذار/ مارس وهي مستمرة حتّى اليوم، وقدّمت نموذجًا غير مسبوق من النضال الشعبي.

صحيح أنه هناك توقّعات متواضعة من الإضراب العام في الأوّل من أكتوبر، لكن هذا الإضراب قد يكون بداية ما نحو حراك احتجاجي فلسطيني عام وموحّد؛ وهنا تكمن أهميته والحاجة إلى التفكير بكيفيّة عدم الاكتفاء بالأول من أكتوبر كنشاط فلسطيني مشترك لرفع عتب، بل حالة طويلة ومستمرة من النضال المنظّم ضد نظام الفصل العنصري الاستعماري في كل فلسطين تخرج بشكل أسبوعي، وتخلق أدوات وأطرًا جديدة وعصريّة وأفقًا وطني للتحرر. والآن بالذات، يأتي دور كل فرد يؤمن بالنضال الفلسطيني الجامع.

التعليقات