13/11/2019 - 16:45

ثورة شبان وشابات في كل من لبنان والعراق

يخطئ، وربما يفحش في الخطأ، كل من يظن أن سورية، الممزقة والمحترقة الآن، سوف تظل بمنأى عما يجري حاليًا في كل من لبنان والعراق. كما ويخطئ، ويفحش في الخطأ، كل فلسطيني لا يعرف كيف يتعاطف ويتضامن مع الشبان الثائرين والصبايا

ثورة شبان وشابات في كل من لبنان والعراق

يقولها الشبان الثائرون وتقولها الصبايا الثائرات في كل من لبنان والعراق، في الميادين العامة، بنبرة الصوت العالية، وبوضوح شمس منتصف النهار في تشرين: هذه الدولة لنا، لا لأحد غيرنا أو لوصي علينا؛ فنحن أصحاب البيت وحراس سقف وساحة وسور البيت. هي إذن ثورة أو هبة أو انتفاضة (سمها ما شئت) من أجل (استعادة) ملكية الدولة. وكما يقولها الشبان الثائرون وتقولها الصبايا الثائرات: نريدها دولة ديمقراطية حقة، دولة لجميع المواطنين المتساوين في حقوق المواطنة، لا دولة يساوم على سيادتها ويتحاصص على مواردها زعماء الطوائف والمذاهب، المدعومين من أطراف خارجية. باختصار شديد، هي ثورة من أجل استعادة الدولة الوطنية كما من أجل الديمقراطية الحقة، وضد النفوذ الأجنبي الذي يغذي ويتغذى على المحاصصة الطائفية، تلك المحاصصة التي أفسدت الحكم والحكام وأفقرت البلاد والعباد.

وكما أتذهنها، فإن الثورة في لبنان والعراق، ومثلها في الجزائر والسودان، هي الموجة الثانية من الربيع العربي، والذي اندلعت شرارته الأولى في تونس قبل حوالي 9 سنوات. وإذا كانت الموجة الأولى قد تكسرت على شواطئ البحرين، الأحمر والأبيض المتوسط، باستثناء الشاطئ التونسي، فإن قادة الموجة الثانية من ذاك الربيع قد عرفوا كيف يتعلمون الدروس ويستخلصون العبر. وقد تجلى ذلك في الحرص الصارم على السلمية أولا، وفي نبذ التدخل الأجنبي ثانيًا، وفي الحط من شأن المحاصصة الطائفية ثالثًا، وفي الإصرار على الديمقراطية الحقة رابعًا، وفي التصويب نحو (استعادة) ملكية الدولة الوطنية التي نهبها واغتصبها زعماء الطوائف خامسًا (وأساسًا).

وإذا كان صحيحًا ما أقوله بأن الثورة في كل من لبنان والعراق هي من أجل ملكية الدولة الوطنية، ومن أجل حقوق المواطنة الديمقراطية المتساوية، ينتج عن ذلك مباشرة أنها ليست ثورة قومية عربية أو يسارية ماركسية أو إسلامية، إخوانية أو شيعية. غني عن القول إن ملكية الدولة الوطنية وحقوق المواطنة الديمقراطية المتساوية فيها هما السقف الحامي والسياج الواقي للحرية الفردية من جهة، وللتعددية الفكرية والسياسية والإثنية، من جهة أخرى. وإضافةً لذلك، هما الإطار الأنسب لتوزيع وإعادة توزيع الموارد والفرص بصورة منصفة. وللأن أهداف الثورة كذلك، فليس من باب الصدفة لأن يتصدر قيادتها شبان وشابات القرن الـ21، شبان وشابات، وطنيون ومتعلمون وديمقراطيون، جربوا على جلدهم ولحمهم بأن المحاصصة الطائفية، التي تتغذى على الأجنبي بقدر ما يغذيها، لا تقل فسادًا و إفسادًا عن نظام حكم الاستبداد، استبداد الرئيس و/أو الحزب الحاكم أو استبداد الولي الفقيه واتباعه.

لا أحد يعرف يقينا ما سوف تؤول إليه مجريات الحراك الثوري في كل من لبنان والعراق، ومثلهما في كل من السودان والجزائر. كما لا نعرف ما يمكره العقل في التاريخ لكل من هذه الدول. ولكننا نعرف جيدًا، أن نظام الحكم في كل من هذه الدول قد فقد شرعيته. كما نعرف جيدًا أيضًا ما تتوق إليه وما تناضل من أجله شعوب هذه الدول: ملكية الدولة الوطنية والديمقراطية الحقة والتوزيع المنصف للموارد والفرص. كما نعرف جيدًا، ثالثًا، أننا بصدد مخاض ولادة الجمهورية الثانية في كل من الدول الأربع المذكورة، على اعتبار أن الجمهورية الأولى، والتي ولدت مع الاستقلال من الاستعمار والانتداب، قد انهارت أو أوشكت على الانهيار.

وأخيرًا، يخطئ، وربما يفحش في الخطأ، كل من يظن أن سورية، الممزقة والمحترقة الآن، سوف تظل بمنأى عما يجري حاليًا في كل من لبنان والعراق. كما ويخطئ، ويفحش في الخطأ، كل فلسطيني لا يعرف كيف يتعاطف ويتضامن مع الشبان الثائرين والصبايا الثائرات في ميادين لبنان والعراق.


بروفيسور سعيد زيداني، هو أستاذ الفلسفة في جامعة القدس.

التعليقات