20/11/2019 - 14:34

التحريض على العرب و"المشتركة": لن نصبح صهاينة

أصبح التحريض على المواطنين العرب في البلاد "شرعيًا" يصدر عن شخصية رسمية في منصب رئيس الحكومة، ولم يعد أمرًا على هامش السياسة واليمين الإسرائيليين، بل أصبح خطابًا مركزيًا يتكرر في اليمين، وازداد بعد شعور معسكر اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو

التحريض على العرب و

أصبح التحريض على المواطنين العرب في البلاد "شرعيًا" يصدر عن شخصية رسمية في منصب رئيس الحكومة، ولم يعد أمرًا على هامش السياسة واليمين الإسرائيليين، بل أصبح خطابًا مركزيًا يتكرر في اليمين، وازداد بعد شعور معسكر اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو خطر خسارته للحكم.

ولم يقتصر التحريض على اليمين المتطرف، بل على من يعرفون أنفسهم بأنهم "يمين – وسط" أو حتى ليبراليين، سواءً في "كاحول لافان" مثل يائير لبيد الذي يعتبر العرب شركاء غير شرعيين أو "زوعبيز"، أو لدى كتاب في صحف إسرائيلية مركزية مثل "يديعوت أحرونوت"، وصل إلى درجة التحريض والافتراء على العرب والقائمة المشتركة والدكتور عزمي بشارة، بزعم أنه خطابه السياسي هو الذي يهيمن على القائمة المشتركة.

فقد كتب الصحافي العنصري، بن درور يميني، أمس الثلاثاء في "يديعوت" مقالا تحريضيًا ضد القائمة المشتركة بادعاء أنها تدعم فصائل المقاومة في غزة ولا تدين قصفها للمدنيين حسب تعبيره. وواصل تحريضه بأن القائمة المشتركة "ترقص على ناي" عزمي بشارة. وطال هجومه التحريضي الصحافية اليسارية، أورلي نوي، بسبب منشور لها في "فيسبوك" اعتبرت فيه أن مقاومة الاحتلال هي حق شرعي.

وللتغطية على عنصريته حاول يميني أن يوازي بين نتنياهو وكهانا من جهة، والقائمة المشتركة وعزمي بشارة من جهة أخرى. وهدفه من التحريض، وهو الداعم لـ"كاحول لافان"، إفشال أي إمكانية ولو افتراضية لتشكيل حكومة ضيقة برئاسة غانتس بدعم من القائمة المشتركة، والدفع لحكومة وحدة قومية بين "كاحول لافان" والليكود.

لكن هذا التحريض ضد المشتركة وعزمي بشارة، بسبب مواقفهم الرافضة للعدوان الأخير على قطاع غزة، هو تغطية على أمر أعمق تناوله يميني وآخرون كثر في مقالاتهم طيلة سنوات، وهو ما طرحه بشارة والتجمع منذ أكثر عقدين باستحالة التوفيق أو الجمع بين الديمقراطية والمواطنة المتساوية أو المساواة الجوهرية وبين إسرائيل كدولة يهودية. فهو يشدد في مقاله إنه لا يعارض المساواة (في الميزانيات بالأساس أو المدنية) للمواطنين العرب ولكن في دولة اليهود، أي قبولهم بتعريف إسرائيل دولة إثنية يهودية فيها تفوق بالامتيازات لليهود على العرب.

وربط اسم بشارة بالقائمة المشتركة، أو العكس، يسعى يميني من خلاله إلى القول، إن العربي الذي لا يقبل بإسرائيل كدولة إثنية حصرية لليهود هو غير شرعي، ومن يريد دولة ديمقراطية قائمة على المواطنة المتساوية، لا إثنية ولا صهيونية، مثله مثل عزمي بشارة صاحب الفكر الديمقراطي الليبرالي المناقض للصهيونية والذي يقوضها فكريًا. أي إن من يدعو لديمقراطية ليبرالية وللاعتراف بالحقوق الجماعية للفلسطينيين، سواء المواطنين الفلسطينيين هنا أو في الضفة وغزة، أصبح متطرفًا وغير شرعي.

وهو يقصد عمليًا طرح دولة كل المواطنين الذي حوله بشارة إلى برنامج سياسي نقيض جوهريًا للصهيونية ولتعريف إسرائيل كدولة يهودية إثنية، واستحالة الجمع بين الديمقراطية والصهيونية أو الدولة اليهودية، وهذه عقدتهم، ولكن لا يخفى على أحد أن هذا الطرح، دولة المواطنين، أو "هوية قومية – مواطنة كاملة" أصبح تيارًا مركزيًا في العقدين الأخيرين في صفوف المواطنين العرب، وهو العامود الفقري لوثائق التصور المستقبلي التي أصدرها المجتمع المدني ولجنة المتابعة في الداخل قبل نحو 15 عامًا.

هذا هو مقصد الكاتب، بأن العرب والقائمة المشتركة ليسوا صهاينة لذلك هم غير شرعيين، ليس فقط بسبب مواقفهم المناهضة للعدوانية الإسرائيلية في غزة وغيرها، بل أيضًا لأنهم يرفضون تعريف إسرائيل كدولة يهودية خاصة بعد "قانون القومية". والموضوع لا يتوقف عند الرفض، بل بتبنيهم خطابا ديمقراطيا مناقضا للصهيونية جوهريًا، نظّر له بشارة وحوله لمشروع وبرنامج سياسي ممثل في البرلمان.

من المستغرب تصوير مثل هذا الطرح الديمقراطي الليبرالي، أي دولة كل المواطنين أو المواطنة المتساوية للجميع، طرحًا متطرفًا بنظر الإسرائيليين، ويستدعي تحريضًا وافتراءات مثل كتابات يميني وغيره. هذا لا ينفصل عن تحريض نتنياهو وباقي اليمين، وتحريض ليبرمان اليوم في مؤتمره الصحافي، الذي لم يعد يكتفي بتعريف إسرائيل دولة يهودية، بل سن "القانون القومية" الذي يعتبر حق تقرير المصير في البلاد كلها حقًا حصريًا لليهود فقط.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن طرح بشارة والتجمع السياسي، دولة المواطنين إلى جانب الحقوق الجماعية للعرب بما فيها حكم ذاتي ثقافي، واعتبار الصهيونية مشروعًا كولونياليا استيطانيا يقوم على الفصل العنصري والتطهير والتفوق الإثني - العرقي في كل فلسطين، بات يشكل مصدر قلق حقيقي لأمثال يميني ومن أهم أكثر ليبرالية منه في الإجماع الصهيوني، وهذا ليس جديدًا، ولكنه بات يشكل أيضًا نافذة لتأسيس مشروع وطني فلسطيني شامل يستند إلى قيم التحرر الوطني والحقوق الجماعية، وإلى قيم كونية مثل الحرية والعدالة التي ليس بمقدور الصهيونية مواجهتها.

المقارنة بين نتنياهو وكهانا من جهة، والقائمة المشتركة وعزمي بشارة من جهة، كانت لتثير السخرية من حجم الافتراءات، لكنها ليست كذلك، لأنها تحريضية عنصرية تزور الواقع والأفكار، وتوازي بين من يدعو إلى الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، وبين من يدعو إلى التطهير والتفوق الإثني - العرقي. قد يدعي الكاتب أنه يوازي بين طرفين نقيضين، لكن ليس الحديث عن طرفين نقيضين كما صورهما، بل النقيض الأول هو الصهيونية بيمينها ويسارها، والنقيض الآخر حول الطرح الديمقراطي (القومي) الجوهري، وعن نظام وإعلام يعتبران أن من يدعو للديمقراطية والمواطنة المتساوية والحقوق الجماعية والحق في مقاومة الاحتلال، هو نقيض لها. لذا المشكلة ليست بالمشتركة أو عزمي بشارة أو بأورلي نوي، بل بمن يتعامل مع العرب بعقلية الوصايا والرعايا، ومن يتبنى مقولات "التفوق العرقي" اليهودي. مهما حرضوا علينا فلن نصبح صهاينة.

التعليقات