06/03/2020 - 13:24

فيروس كورونا.. تأملات وجودية

فيروسٌ يهاجم الأغنياء والفقراء، المستغِلين والمستغَلين، الحاكمين والمحكومين، القتلة والضحايا. نُصلّي ألا تصل الأمور إلى كارثة إنسانية أكبر، وأن ينجح خبراء الصحة والأبحاث الطبية في ابتكار المصل المضاد قريبًا.

فيروس كورونا.. تأملات وجودية

لا أحد منا يعرف عن مستقبل فيروس كورونا، وبالأحرى مستقبل البشرية مع بدء انتشار هذا المرض في جميع دول العالم. هل يتوقف زحفه الذي بدأ في الصين أو إيران أو غيرها، أم يواصل الفتك بالناس. وهل بإمكان الإنسان ابتكار الدواء الشافي ووضع حد له، كما نجح مع أمراض قاتلة أخرى.

الرعب بدأ يتغلغل في المجتمعات، ومن تشفّى بالصين على الطريقة الصبيانية الغيبية، يبلع الآن لسانه ويرتعد خوفًا، بعد أن انتشر الفيروس في بلاد.

فيروسٌ يهاجم الأغنياء والفقراء، المستغِلين والمستغَلين، الحاكمين والمحكومين، القتلة والضحايا. نُصلّي ألا تصل الأمور إلى كارثة إنسانية أكبر، وأن ينجح خبراء الصحة والأبحاث الطبية في ابتكار المصل المضاد قريبًا.

عرف الأدب والفن السينمائي أعمالاً تتنبأ بنهاية العالم، إما لأسباب تأتي من خارج الكرة الأرضية (نيزك ضخم مثلاً)، أو بيئية، أو بسبب حرب نووية كونية لا تُبقي ولا تذر. وبالفعل، عندما ترى مشاهد المطارات الفارغة، أو الطائرات التي لا ترى فيها سوى راكب أو بضعة رُكاّب، يستحوذ عليك مشهدٌ مرعبٌ، يوحي إليك كيف ستبدو البلاد من دون الإنسان.

إنّ هذه الأعمال أو بعضها، تعكسُ التساؤلات الوجودية للإنسان، ومعنى حياته على هذه الأرض. وتناولت أعمال أدبية وفلسفية سلوك الإنسان المتناقض، ودوره في إعمار الأرض وفي تخريبها. ويبرز أكثر هذه الأعمال في حالة الحروب خاصة، تلك التي تتورط فيها قوى عالمية وإقليمية عديدة. وعلى هذه الخلفية، ظهرت الديانات السماوية والأنبياء، في محاولة لإصلاح الإنسان والمجتمعات، وحثه على التواضع، والاعتراف بأنّ هناك من هو أقوى منه في هذا الكون. كما ظهرت النظريات الوضعية الإنسانية، التي تدعو التحرر من الجشع، وإحقاق العدالة والمساواة بين الناس على الأرض.

عرفنا عن كتاب ومصلحين، إما أصيبوا باكتئاب شديد أو انتحروا عندما شعروا بعبثية الحياة، وهي عبثية نابعة أساسًا من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وتكون المصيبة أكبر عندما يأتي الظلم ممن يرفعون شعارات دينية، أو اشتراكية، أو شيوعية، أو قوى رأسمالية، تقوم رسميًا على مبدأ الديمقراطية الليبرالية. وقد صُدم الكثير من المثقفين الأوروبيين في الحرب العالمية الأولى، الذين ظنوا أن العقل وحده كفيل بتحقيق التقدم، وأن التطور الحضاري المذهل الذي حققه النظام الرأسمالي لبلادهم، خصوصًا التطور المتعلق في استقرار النظام السياسي الديمقراطي الحديث، قادر على الإجابة على جميع الأسئلة والحاجات الإنسانية. لكن قسمًا من هؤلاء المثقفين الليبراليين والديمقراطيين، لم يدركوا حتمية تحول الرأسماليات إلى إمبرياليات، تحتاج إلى موارد وقود لماكناتها خارج بلادها، حيث اشتد التنافس على موارد البلاد المتأخرة.

وهؤلاء المثقفون أنفسهم، أو على الأقل جزء منهم، وفّروا غطاءً أخلاقيًا للغزوات الاستعمارية، بحجة تمدين الشعوب "غير المتحضرة". أما في بلاد الشيوعية، والتي أعلن ثوارها الأوائل بتحقيق العدالة، فقد تحولوا أيضًا وبصورة أسوأ، إلى أنظمة مستبدة فاسدة تعدم الرفاق لخلاف في الرأي، وتتأخر عن اللحاق بالتطور المادي والصناعي للدول الرأسمالية، ونقلوا هذه الصيغة في طريقة الحكم إلى دول العالم النامي (الثالث)، بما فيها الأنظمة القومية العربية، فكانت هزيمة نكراء للجميع أمام الوحش الرأسمالي الإمبريالي، بل أصبح الجميع منضويًا تحت مظلة هذا لنظام ولا أخلاقياته.

هكذا جرى إلحاق الضرر الهائل بالفكرة الاشتراكية النبيلة والعدالة الاجتماعية، التي هدفها رفاهية الإنسان وحريته وكرامته. في الحالتين، سواء في النظام الرأسمالي أو الشيوعي، شهدتا خيانة المثقف، وهي مسألة لا تزال قائمة في عصرنا.

ما الذي نريد أن نقوله في هذه العجالة. هو أن يجد المرء (الإنسان) وتحديدًا الشعوب الفقيرة، والمُستغلة، والثوريون الحقيقيون، والديمقراطيون الصادقون، الذين يؤمنون بمركزية الإنسان، والمنخرطون في الكفاح من أجل التغيير، أن يجدوا أنفسهم أمام تهديد بتدمير شامل أو شبه كلي للحياة على الأرض، بسبب الأمراض أو حروب إفنائية كبرى، في الوقت الذي يمتلك النظام العالمي أو من يحكمه مباشرة أو من يساند هذا الحكم الظالم، ثروةً خيالية على حساب العمال والمستغلين، ويذهب جلها إلى رفاهية قلة من الناس، وإلى صناعة الحروب وأدوات القتل، بدل زيادة الدعم للأبحاث الصحية والطبية ورفاهية الشعوب.

من المفروض أن يخلق خطرٌ شامل مثل الذي تواجهه البشرية الآن، المتمثل في انتشار فيروس كورونا المستجد، أو أي نوعٍ مرض في المستقبل، شعورًا أو حراكًا حقيقيًا نحو التضامن الإنساني كونيًا، وأن يتاح للإنسان أن يتحرك بصورة طبيعية لتحقيق ذاته، وإعطاء معنى لحياته ولأبنائه ولأحفاده.

لسنا سذجًا لنعتقد أن أباطرة العالم، الكبار والصغار العبيد منهم وهم يفتقدون للأخلاق بالطبع، سيراجعون سياساتهم أو يتخلوا عن امتيازاتهم طواعيةً. إنما هي فرصة لأنصار الإنسان والحق وكرامة البشر، والمناضلون من أجل حاضر أفضل ومستقبلٍ أجمل للبشرية، للانخراط في فعل منظم وحوارات فكرية وسياسية لتطوير التفاعل والتضامن في ما بينهم، لاختصار الطريق نحو انتزاع السلطة من أيدي المتوحشين.

التعليقات