18/08/2020 - 11:49

الإمارات قاعدة إسرائيلية... ضد إيران والسعودية

هذا التحالف الصهيوني – الاستبدادي (يريده ترامب حلف "ناتو" شرق أوسط) سيكون جزءًا من تحالف عالمي يميني أوسع لإجهاض حريات الشعوب ومعاداة الديمقراطية، وروسيا بوتين مرشحة أن تلتحق به جزئيًا، كما يحصل اليوم في سورية وليبيا ومصر.

الإمارات قاعدة إسرائيلية... ضد إيران والسعودية

يغلط الفلسطينيون وأنصار قضيتهم العرب مرة أخرى، إذ يدعون أن الإعلان عن التحالف الإسرائيلي – الإماراتي طعنة بظهر الفلسطينيين والقضية الفلسطينية؛ لكن الحقيقة أن التحالف الإماراتي مع المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، هو طعنة وخطر إستراتيجي على كل الشعوب العربية ودولهم، وتحديدًا في الخليج والدول المحيطة بفلسطين، خطر على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين والأردنيين، لأن الدعم الإماراتي لماكنة القتل الإسرائيلية من خلال الاستثمارات التي أعلنت أبو ظبي أنها تعتزم ضخها لإسرائيل، ستستثمر بسفك المزيد من دماء هذه الشعوب العربية.

هذا التحالف الإماراتي مع المشروع الصهيوني، سوف يضع منطقة الخليج تحت الهيمنة الإسرائيلية، وسيجعل إسرائيل خنجرًا في خاصرة السعودية وإيران، إذ سيضع أكثر من قدم لإسرائيل في الساحة الخلفية لأكبر بلدين في الخليج، السعودية وإيران. أما حجة السيادة التي تذرعت بها الإمارات لتبرير التحالف مع إسرائيل، فإن السيادة لا تكون خارج سياق الأمن القومي العربي، وقد نجح الاستعمار البريطاني ومن ثم الأميركي في عزل دول الخليج عن محيطها العربي طيلة سنوات؛ ولن تكون السيادة باستدعاء الحماية الأجنبية والدوس على الإرادة الشعبية لشعوب منطقة الخليج، والشعب الإماراتي على وجه التحديد.

ما يحصل ليس مجرد تطبيع، فقد أقامت معظم الدول العربية اتصالات أو معاهدات مع إسرائيل منذ عقود، وتقيم الإمارات علاقات أمنية مع إسرائيل منذ العام 2001، أي بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. الجديد هو أن الإعلان الرسمي عن إطار اتفاق بين إسرائيل والإمارات هو عمليًا تدشين مرحلة جديدة في منطقة الخليج تحديدًا، تكون فيها إسرائيل محورًا مركزيًا في تحالف أمني شرق أوسطي يضم الإمارات والسعودية وجريراتها، يهدف أولًا مواجهة شعوب هذه المنطقة، وثانيًا مواجهة القوتين الإقليميتين تركيا وإيران.

عودة سريعة للتاريخ

يكاد التاريخ يعيد نفسه في منطقة الخليج. في أواخر ستينيات القرن الماضي قررت بريطانيا الانسحاب من منطقة الخليج في أعقاب أزمات اقتصادية داخلية، وسعت لتسليم المنطقة لأكبر بلدين، السعودية وإيران، في موازاة خلق كيان سياسي جديد يجمع تسع إمارات من بينها قطر وأبو ظبي ودبي والبحرين؛ لكن المحاولة فشلت بعد عقد أربعة مؤتمرات لتأسيس هذا الاتحاد، وانتهى الأمر بتأسيس الإمارات العربية المتحدة من سبع إمارات بعد إعلان قطر والبحرين استقلال كل منهما في كيان سياسي منفصل.

كان هدف بريطانيا من هذا الاتحاد خلق توازن يحمي هذه الإمارات من المطامع الإيرانية والسعودية؛ فمن جهة سعت طهران للسيطرة على 3 جزر تابعة للشارقة (بالإضافة للرغبة الإيرانية بضم البحرين)، فيما سعت السعودية للسيطرة على منطقة البريمي في أبو ظبي. نجح المشروع البريطاني بشكل جزئي في خلق كيان سياسي هجين من سبع إمارات في مطلع السبعينيات، لكنها لم تستطع أن تضمن الهيمنة الإيرانية – السعودية على الخليج بعد انسحابها، فقد دخلت الولايات المتحدة إلى الخليج محملة بمطامع كبيرة بالنفط والغاز، وسرعان من انقلب الولاء السعودي – الإيراني لبريطانيا إلى ولاء للمستعمر الجديد، الولايات المتحدة.

بعد أربعة عقود يبدو أن التاريخ يعيد نفسه؛ تقرر الولايات المتحدة الانسحاب من منطقة الخليج لأنها لم تعد معنية بالنفط العربي كما السابق، وانتقال ثقل أولوياتها إلى بحر الصين، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية الداخلية المتتالية كل عقد أو أقل. صرّح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخميس الماضي خلال إعلانه عن التحالف الإسرائيلي – الإماراتي أن أميركا لم تعد مهتمة بالنفط العربي كما في السابق، وأن هذا الاتفاق مطلوب في ظل الانسحاب الأميركي من المنطقة العربية. بمعنى آخر، يسعى ترامب لتسليم منطقة الخليج لإسرائيل من خلال الإمارات، تمامًا كما أرادت بريطانيا "توريث" هيمنتها للسعودية وإيران، أي أن واشنطن لا ترى في السعودية قوة مهيأة لقيادة منطقة الخليج، وطبعًا إيران الثورة الإسلامية ليست في وارد حسابات الولايات المتحدة لقيادة المنطقة، بل بالعكس تريد من إسرائيل أن تضع حدًا لنفوذ إيران في الخليج.

سيتخاطر إلى أذهان كثر مقولة ماركس الشهيرة بأن التاريخ يعيد نفسه مرة كمأساة ومرة كمهزلة، ويمكن إضافة مرة ثالثة وهي المهزلة المأساوية الكارثية على الشعوب العربية ودولهم، لأن الإمارات تُدخل لمنطقة الخليج قوة إقليمية أجنبية معادية للقومية العربية ولا تطمع بالنفط أو الغاز، وإنما تحمل مشروعًا قوميًا استعماريًا استيطانيًا يسعى للهيمنة السياسية والأمنية والعسكرية على الخليج بعدما تمكن من تحييد دول الطوق العربية من الصراع العربي – الصهيوني.

ما تفعله الإمارات ليس مقامرة، بل هو خسارة فادحة مؤكدة للشعب الإماراتي ولكل العرب والمسلمين، لأنها أولًا تكافئ الصهيونية على جرائهما طيلة ثمانية عقود ضد العرب والفلسطينيين، وتعترف عمليًا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبأن المسجد الأقصى تحت السيادة الاحتلالية الإسرائيلية، وهي بذلك تنخرط كليًا بالمشروع الصهيوني، وليس العكس، لأن الإمارات لا تملك مشروعًا وطنيًا أو قوميًا في المنطقة العربية، وكل ما تقوم به في البلدان العربية ليس إلا جنون عظمة يهدف إلى تدمير وتخريب أي فرصة لنهوض الشعوب العربية بعد الربيع العربي.

لا تحمل إمارات محمد بن زايد أي مشروع حقيقي، لا إقليمي ولا عربي، بل كل ما تريده هو إغراق الشعوب العربية في حروب أهلية لمنع أي إمكانية لسيادة الشعوب العربية على أوطانهم، وهنا عقدة النقص التاريخية الإماراتية.

عقدة نقص حاكم الإمارات

شبه كاتب أميركي القائد الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، بالسياسي والدبلوماسي النمساوي الرجعي خلال الاضطرابات الأوروبية بعد الثورة الفرنسية، كليمنس فون مترنيش، الذي وضع المبادئ السياسية للدول الأوروبية في أعقاب مؤتمر فيينا (1814 – 1815) بعد هزيمة فرنسا نابليون (وقد زوج مترنيش ابنة القيصر النمساوي فرانتس الثاني لنابليون قبل تغير الموقف منه والانقلاب على الأخير ونفيه، وهي ممارسات ليست غريبة عن منطقتنا). وقد كان مترنيش معارضًا شرسًا لحرية شعوب أوروبا ورفض أي تغيير في التوازن السياسي القائم في أوروبا وسعى لإعادة تقسيم الحكم في أوروبا كيفما كان قبل الثورة الفرنسية، أي حكم الممالك والاقطاع. انتهى مترنيش منفيًا بعد "ربيع الشعوب" الأوروبية، وتنقل بين بريطانيا وبلجيكا وسمحت له السلطات في أواخر عمره العودة للنمسا حيث توفي. لكن بن زايد ليس مترنيش، بل هو أقرب إلى حالة نابليون لجهة جنون العظمة، ولكن دوره قد يكون بالفعل شبيهًا لدور مترنيش لجهة السعي لمنع الثورات الشعبية في أوروبا، والسعي للحفاظ على النظام السياسي القائم في أوروبا قبل الثورة الفرنسية.

تحوّلت الإمارات في عهد محمد بن زايد إلى سجن كبير على الرغم من الصورة الخارجية التي تبدو براقة وجذابة. تحت ناطحات السحاب الزجاجية معتقلات سياسية ومراكز تعذيب ومراقبة وتعقب للمواطنين. ما نعرفه عن ممارسات بن زايد العدوانية والتخريبية في المنطقة العربية لا يقل عدوانية وشراسة تجاه مواطني الإمارات؛ فهو يدرك أن الكيان الذي يقوده هشًا وجبهته الداخلية غير متماسكة، وأنه يحكم بالحديد والنار، لذلك يلجأ للقمع والمراقبة والتعقب الإلكتروني بمساعدة التقنية الإسرائيلية. هو يدرك أن إرادة الإماراتيين مطموسة ومقموعة، ويدرك أيضًا أنه يجلس على صفيح ساخن. لقد فشلت معظم سياسات الإمارات، السياسية والاقتصادية والمالية، واليوم نشهد فشل مغامراته الخارجية في أكثر من دولة عربية. هو يريد من التحالف مع المشروع الصهيوني الهروب من الانهيار الذي تؤكد الدراسات أنه حتمي إذا لم تعدل الإمارات من سياساتها الداخلية، لجهة الانفتاح السياسي على مواطنيها وترشيد السياسات الاقتصادية والمالية والتخلي عن جنون عظمة بن زايد.

كتب الباحث الإماراتي يوسف خليفة اليوسف، في مؤلفه البحثي "الإمارات العربية المتحدة على مفترق طرق" (مركز دراسات الوحدة العربية، 2013)، "إن هذا المسار الذي اتخذته الدولة منذ بداية الألفية الثالثة على الصعد الدستورية والسياسية والاقتصادية والأمنية أثبت فشله في تحقيق التنمية ولم يرفع من منسوب الأمن لدى هذه الدولة، وبالتالي فالمطلوب في السنوات المقبلة هو تغيير هذا المسار على أكثر من صعيد..". يقدم اليوسف تفصيلا كاملا لحال الإمارات ويطرح خارطة طريق ديمقراطية لخروج الإمارات من أزماتها الداخلية والخارجية المتتالية.

لقد حاول بن زايد تجاوز أزماته الداخلية نتيجة الحكم الشمولي وتهميش الإرادة الشعبية وفشل سياساته الاقتصادية، إلى تصدير أزماته من خلال لعب دور إقليمي تخريبي معاد للديمقراطية والشعوب العربية حتى لا تصل ثورات الشعوب إلى إماراته. لكن تصدير أزماته إلى الخارج ورطه بمزيد من الأزمات الداخلية نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية واحتكاره لدفة القيادة وتهميش باقي الإمارات وتحديدًا الصغيرة. يريد بن زايد من خلال التحالف مع إسرائيل إلى تعزيز شرعيته الخارجية من خلال استرضاء إدارة ترامب أولًا، ومن ثم الاستقواء بإسرائيل لحسم حروبه في الخليج، سواءً ضد قطر أو إيران، أو حتى لبسط نفوذه وسيطرته في ساحل عُمان واليمن.

طموح بن زايد

قال وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن "القرار الثلاثي بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، بشأن وقف ضم الأراضي الفلسطينية قرار يغير حقيقة في العديد من المعطيات في المنطقة... وتوقعاتنا للمواطن الإماراتي أن هذه المعاهدة سيكون لها تغيير نوعي في موقع الدولة من الناحية الاقتصادية والدولية، والنظر إليها كلاعب أساسي من اللاعبين في المنطقة في مسألة السلام والازدهار".

يختصر قرقاش في هذه التصريحات الصحافية غاية بن زايد من التحالف مع إسرائيل، تغيير نوعي في موقع الإمارات، اقتصاديًا ودوليًا، أي داخليًا وخارجيًا، لتصبح لاعبًا أساسيًا بين اللاعبين في المنطقة، على حد تعبيره. إذًا يختصر قرقاش ما يطول تحليله وتقديمه، بأن بن زايد يريد تغيير قواعد الصراع العربي – الصهيوني أولًا، وتحويلها إلى أسس لتحالف إقليمي ثانيًا، تكون فيه أبو ظبي محورًا رئيسيًا بعد إسرائيل. والسؤال، ضد من هذا التحالف؟ لقد شهدت المنطقة تحالفات إقليمية سابقة مثل حلف بغداد في الخمسينيات، ولم يعمر طويلًا لأسباب ذاتية منها سقوط حكام وصعود حكام جدد. لكن هدف ذاك الحلف وتحالف اليوم هو واحد، ضد استقلالية المنطقة العربية وحرية شعوبها.

تخشى الإمارات والسعودية من أن ارتدادات الربيع العربي لم تنته بعد، وقد تطالها في أي وقت، لذا تسعى لإعادة رسم توازن القوى في الخليج من خلال الاستعانة بقوة خارجية أجنبية هي إسرائيل، لتستمر هذه الدول وتحديدًا الإمارات، في خلق قلاقل داخلية في الدول العربية من المحيط للخليج، ومن خلال الضغوطات الخارجية. فعلت ذلك مع قطر، وتفعل ذلك اليوم مع الأردن والمغرب وتونس، عدا عن تدخلها في ليبيا وسورية واليمن إلى جانب المستبدين وقوى الثورة المضادة.

في المقابل، تعي إسرائيل أن هذه الأنظمة المستبدة التي تتحالف معها في الخليج هشة جدًا، لأن سياساتها فاشلة على كافة الأصعدة وفاقدة للشرعية الشعبية السياسية الحقيقية، ولا ترى في ذلك عيبًا، بل بالعكس ترى في ذلك فرصة لتصبح مصائر هذه الأنظمة معلقة بها، سواءً بتوفير الرضا الأميركي على هذه الأنظمة، أو بتسليحها بالأسلحة الثقيلة أو التقنية. فالحديث عن تطوير شركات إسرائيلية لطائرات "إف 16" الإماراتية ليس سرًا، وكذلك رغبة بن زايد بصفقة لشراء طائرات الشبح "إف 35" الأميركية، التي لن تستطيع الإمارات الحصول عليها دون موافقة إسرائيلية. قد توافق إسرائيل على رغبة بن زايد، ولكن ستكون هذه الطائرات المتطورة جاهزة مجهزة لخدمة إسرائيل وبطيارين إسرائيليين ضد إيران أو السعودية أو أية دولة أخرى. هذا ما سيغير "في العديد من المعطيات في المنطقة" كما قال قرقاش، وهذا مثله مثل الطفل الذي يستعين بشقيقه البلطجي لفرض حضوره بين أبناء حارته. لكن إسرائيل ليست شقيقة، وإنما ستكون "المدام" في هذا التحالف، "حشى قيمة السامعين".

التحالف ليس قضاءً وقدرًا، والشعوب العربية ستحدد مصيره. لا أظن أن السعودي أو الإماراتي أو أي عربي آخر سيكون مقبولا عليه أن يُحمى عرش بلاده وأمنها من الصهيونية، وأن تكون منطقة الخليج تحت هيمنة إسرائيل، لتتحول دول الخليج إلى رقعة شطرنج وإسرائيل هي اللاعب الوحيد فيها. الشعوب العربية لاعب جدي ومتمرس وتحديدًا منذ 2011.

هذا التحالف الصهيوني – الاستبدادي (يريده ترامب حلف "ناتو" شرق أوسطي، والوزير يسرائيل كاتس يروج لمعاهدة دفاع مشترك عربية - إسرائيلية) سيكون جزءًا من تحالف عالمي يميني أوسع لإجهاض حريات الشعوب ومعاداة الديمقراطية، وروسيا بوتين مرشحة أن تلتحق به ولو جزئيًا، كما يحصل اليوم في سورية وليبيا ومصر.

"المدام" بدل "الشقيقة الكبرى"

أخيرًا، التحالف الإسرائيلي - الإماراتي بالرعاية الأميركية، هو عمليًا رسالة للسعودية بأنها لم تعد مهيأة لقيادة المنطقة الخليجية أو المنطقة العربية عمومًا، فـ"الشقيقة الكبرى" استبدلتها الإمارات وإسرائيل بالهيمنة على تلك المنطقة، فالعلاقات الإماراتية - السعودية قد تنقلب رأسًا على عقب، وتتحول من صداقة وتحالف إلى عداوة، إذا تعثر تسلم بن سلمان للعرش، ويبدو أن طريقه للعرش ليس مكللًا بالزهور ولا مُعبدًا بالكامل.

التعليقات