19/04/2022 - 21:12

من يمتلك مشروعا؟

ليس هذا الكلام محصورًا في البوتقة الحزبية، رغم أهمية العمل الحزبي أو الحركي، واستحالة استغناء المجتمع عنه، خصوصًا في ظروف شعبنا، بل مدفوعًا بالغيرة على الوطن ومصلحة الناس، الذين يتوقون لحياة أفضل، ومصيرٍ مضمونٍ لأبنائهم وبناتهم

من يمتلك مشروعا؟

منصور عباس (Getty Images)

لقيَ قرار الحركة الإسلامية الجنوبية (القائمة "الموحدة") بتجميد عضويتها في حكومة الأبرتهايد الاستيطانية، سخرية لاذعة من قطاعات واسعة من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وكذلك من خارجه، فهذا القرار، بنظرهم، غير كافٍ بل مسرحية بلا معنى، وبلا أي تأثير على ممارسات الحكومة العنيفة في باحات الأقصى، وفي القدس عمومًا. وأيضًا، لأنه جاء بفعل الإحراج الذي سببه لهم صمود المقدسيين في مواجهة ممارسات حكومتهم، وبسبب سخطٍ شعبي واسع أحرج بعض قياداتها، التي ضغطت هي في المقابل على المتنفذين في الحركة لامتصاص الغضب.

غير أن الكثير من الساخرين أيضا، لم يأخذوا بجدية النقد الذي وجّهته قيادات في القائمة المشتركة لقرار التجميد، ذلك أنّ ذاكرتهم بخصوص التوصية على مجرم الحرب بيني غانتس، وقبلها سعى بعضهم لدمج المشتركة في "قطب إسرائيلي ديمقراطي" صهيوني، لا تزال طرية.

صحيح أن ممثلي القائمة المشتركة في الكنيست لم يتخلوا عن اللغو حول عدم التخلي عن الالتزام بحلّ القضية الفلسطينية، وبالهوية والحقوق الجماعية لفلسطينيي 48، واضطر بعضهم لغرض تمييز نهجهم عن نهج الإسلامية، إلى تشديد اللهجة بهذا الخصوص.

وفي ظل هذا الانهيار والارتباك والتراجع، خفتَ صوت التيار الثالث الذي مثّله التجمع الوطني الديمقراطي لحوالي عقدين من المجابهة والنزال الفكري والسياسي، وكذلك الميداني، مع يهودية الدولة، أي الجوهر الصهيوني للكيان الاستيطاني الأبرتهايدي. ويحاول النائب سامي أبو شحادة، مؤخرًا، استعادة بعض من هذه الهوية السياسية والفكرية التي استقطبت وبلورت تيارًا وطنيًا وعلمانيًا واسعًا خلال تلك الفترة، وانضواء نخبةٍ واسعة من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين البارزين داخل الخط الأخضر. غير أن هذه المحاولة قد تفتقر لمقومات التوسّع، وربما النجاة، أولا بسبب سطوة مركّبات المشتركة الأخرى، ولأسباب ذاتية تتعلق بواقع القيادة الحزبية الحالية، وبالوضع الحزبي المتردي الناجم عن ذلك.

ولذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من يملك مشروعًا بديلًا عما يجري تداوله في أتون المناوشات والمناكفات بين الإسلامية الجنوبية والمشتركة، وفي مواجهة هذا التلاعب المبتذل في السياسة داخل قطبين اختزلا السياسة داخل أروقة الكنيست وقيوده؟

وما هو مصير مشروع التجمع الوطني الديمقراطي الذي لم ننجح في استكماله، أو للدقة في الانتقال من مرحلة التحدي لجوهر يهودية الدولة وإرساء خطاب وطني وديمقراطي وتعبوي، إلى مرحلة إعادة تنظيم شعبنا داخل الخط الأخضر في مؤسسات تمثيلية حقيقية، تعبر عن إرادة هذا الجزء من شعبنا، وتمكنه من البناء والتعليم، وتشييد اقتصاد الاعتماد على الذات، وهل من إمكانية لاستعادته؟

وفي موازاة ذلك، واجه أيضا مشروع "المجتمع العصامي"، الذي طرحته الحركة الإسلامية الشمالية المصير نفسه، وأيضًا لقصور ذاتي داخلي ولأسباب خارجية تتعلق بعدوان نظام الأبرتهايد عليها. هذا لا يعني أن كل ما حصل لهذين المشروعين يشكل فشلا مطلقًا، بل حققنا إنجازات فعلية ومعنوية لا تقدر بثمن، وأسسنا لإرثٍ، وإن باختلاف الأيديولوجيا التي تحرك كل من التيارين، فكري وسياسي واجتماعي هام، وبالتأكيد ستستمد منهما الأجيال الجديدة الحالية والقادمة الإلهام في بناء حاضرها ومستقبلها.

يمتلك التيار الوطني الديمقراطي الإمكانية الكامنة وليست الفعلية حاليًا للنهوض وتجديد هويته السياسية والفكرية. أولا، لأن هناك حاجة قصوى لذلك؛ ثانيًا، لأن الفكر السياسي الذي أنتجه يتسع ويتطور نوعًا وكمًا، ويتجلى في مؤسسات أكاديمية مستقلة تحتضن أفواجًا من الأكاديميين الشباب، الذين يستعيدون الدراسات الاستعمارية والنظريات الكولونيالية، وما بعد الكولونيالية وتطبيقها على الواقع الاستعماري الصهيوني؛ ثالثًا، لأن المئات من الشبان والشابات الذين تلقوا التربية السياسية، ومارسوا النضال التنظيمي والميداني الشعبي، ما زالوا يحتفظون بهذه التربية وأفكارها وتوجهاتها، بل منهم من زاد الكثير عليها عبر الدراسة الأكاديمية والتثقيف الذاتي، وتجاوزوا بوعيهم وبمستواهم المعرفي العديد من القيادات، رغم أنهم، إما خارج صفوف الحزب أو مجمِّدون لنشاطهم. وبتقديري، إذا ما نشأت فرصة أو مبادرة جديدة للنهوض مجددًا، فسيكون العديد منهم في مقدمة العمل والعطاء. غالبًا، من نشأ في تجربة وطنية كفاحية يصبح أكثر حساسيةً ونفورًا من حالة الانهيار الوطني والأخلاقي، وأكثر استعدادًا للعودة للانخراط في الواجب الوطني والاجتماعي حين تتوفر الظروف المحفزة.

ليس هذا الكلام محصورًا في البوتقة الحزبية، رغم أهمية العمل الحزبي أو الحركي، واستحالة استغناء المجتمع عنه، خصوصًا في ظروف شعبنا، بل مدفوعًا بالغيرة على الوطن ومصلحة الناس، الذين يتوقون لحياة أفضل، ومصيرٍ مضمونٍ لأبنائهم وبناتهم، في وطن حرٍّ، غير خاضعٍ للتجارة والسمسرة والفجور السياسي.

التعليقات